Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى أصبح الأحوازيون شعبا؟

"العلاقات الاقتصادية لمملكة عربستان قبل إلحاقها بإيران في عام 1925 كانت مع الهند والعراق والبحرين وبوشهر وسائر مناطق الخليج"

كانت مملكة عربستان وعاصمتها المحمرة تضم غالبية عربية وتتمتع باستقلال داخلي (مواقع التواصل)

الأحوازيون هم أناس عرب يقطنون حالياً في جنوب إيران. والشعب والأمة والدولة-الأمة مفاهيم جيوسياسية حديثة تكرست بعد الثورة الفرنسية.

وقد شاهدنا عملية تحول الإثنيات أو القوميات قبل الحداثية -التي كانت تنتمي إلى النظام الاتحادي التقليدي لبلاد فارس في العهد القاجاري- إلى شعوب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

مفهوم الشعب في إيران ووضع عربستان المتميز

يعزو الباحثون الإيرانيون انبثاق مفهوم الشعب والأمة (ملت بالفارسية) في إيران إلى ثورة المشروطة (1906 – 1909) ويؤكدون أنهم أخذوا مفردة "ملت" أي الملة من اللغة العربية لكنهم حولوا مفهومها الديني الإسلامي إلى مفهوم مدني. وثورة المشروطة هي في الحقيقة ثورة من أجل الدستور والعدل والقانون، وقد ولدت من رحم العلاقات التجارية والرأسمالية والتحولات الاجتماعية التي شهدتها الدولة القاجارية، وأعقبت حراكاً سياسياً ونظرياً وثورياً بدأ في أواخر القرن التاسع عشر في تبريز وطهران أساساً.

لقد ورد وصف الشعب الفارسي -ملت فارس- لأول مرة في اللغة الفارسية في كتابات النخب القومية التي ظهرت في العهد القاجاري في منتصف القرن التاسع عشر، ومنهم فتح علي آخوند زادة الذي يؤكد أن "الفرس حددوا قاعدة لكل أمر... إذ كان الشعب الفارسي الشعب المختار في العالم" (نقلاً عن كتاب "إيرانيت، مليت، قوميت" لمؤلفه أصغر شيرازي). ولم نشهد رواجاً واسعاً لمسمى الشعب الإيراني "ملت إيران" إلا بعد سقوط السلالة القاجارية وظهور السلالة البهلوية وانحلال نظام الممالك المحروسة، وقد أصبح مصطلحاً رسمياً ودولياً عقب تغيير نظام الممالك إلى دولة إيران الشاهنشاهية في 21 مارس (آذار) 1935. وفي هذا الإطار إذا استثنينا العرب في عربستان نستطيع أن نعد الفرس أول شعب وعى بهويته القومية خارج إطار الأمة الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، كما تجلى وعي الشعبين التركي - الأذري والكردي بأنهما هويتان متمايزتان لهما حقوقهما الخاصة، في إقامة سلطة الحكم الذاتي في أذربيجان وجمهورية كردستان في الفترة بين عامي 1945 – 1946 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
وأما مملكة عربستان وعاصمتها المحمرة التي كانت تضم غالبية عربية وتتمتع باستقلال داخلي -ضمن اتحاد الممالك التي تشكل الدولة القاجارية- ويحكمها الأمير خزعل بن جابر، فلم تشارك في ثورة المشروطة إلا في نطاق ضيق، وضمن ما قام به الأمير من دعم مالي للثوار والنواب والنشطاء الدستوريين في طهران وتبريز قبل الثورة وبعدها. فلم يتحدث التاريخ عن أي تظاهرات واعتصامات وإضرابات في مدن مملكة عربستان، ولا عن مشاركة العرب في فتح طهران بعد الاستبداد الصغير، على رغم أن المملكة كانت تضم فئة من التجار وأصحاب الشركات والمحلات العديدة، إذ كانت الحدود "الجغراسياسية" تفصل عربستان عن إيران وتحول دون مشاركة الشعب الأحوازي في تطورات الثورة الدستورية.

عربستان وتأثره بالتيارات القومية في العالم العربي

يرجع جورج أنطونيوس في كتابه "يقظة العرب" بداية يقظة العرب الحديثة وصعود القومية العربية إلى فترة الجمعيات الأدبية والعلمية، أي منذ عام 1847 إلى عام 1868.

فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين ظهرت تيارات فكرية وأدبية وعلمية وجمعيات سياسية قومية عربية، سرية وعلنية، في دمشق وبيروت ومن ثم في الموصل والبصرة وباريس تدعو إلى الإصلاح، حيث أثرت في العالم العربي الراضخ للاستعمار العثماني بخاصة في الشام ومصر والعراق. وقد تأثر الأمير خزعل (حكم 1897-1925) وقبله الأمير مزعل (حكم 1881-1897) والنخب الحاكمة في عربستان بالصحوة القومية وتياراتها. وتتكون هذه الجمعيات من خليط من أعيان المسلمين والنصارى. وكانت مصر تماثل في علاقتها مع الاستعمار العثماني شقيقتها عربستان في علاقتها مع الاستعمار القاجاري حيث كانت الدولتان شبه مستقلتين.

ونسج الأمير خزعل علاقات واسعة مع النخبة العربية من شعراء وصحافيين وفنانين ومفكرين وسياسيين، ودافع عن قضايا الأمة العربية كمعارضته لـ"وعد بلفور" القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، واستقبل القائد الفلسطيني الشيخ أمين الحسيني في عشرينيات القرن الماضي.

ويشير محمد حسن الجزائري في ملحقات كتاب "تذكرة شوشتر" إلى العداء بين فرحان بن أسد من شيوخ قبيلة آل كثير والبختياريين وعدم ردهم على غارة آل كثير في عام 1907، ويرجع ذلك إلى خشيتهم من رد فعل الأمير خزعل بن جابر و"عصبيته العروبية"، ويؤكد بذلك على وجود نزعة قومية عربية لدى الأخير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول عبدالمسيح الأنطاكي صاحب جريدة "العمران" المصرية في نص تهنئته إلى أمير مملكة عربستان لمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة والمنشورة في العدد 266 ديسمبر (كانون الأول) 1911، "على أننا قلنا وما زلنا نقول إن العرب قوة كبرى للإسلام والسور المنيع لخلافة آل عثمان، فإذا رجع الأتراك عما ينوونه للعرب الكرام من العدوان كان لنا رجوى باستعادة الجاه المحمدي للخلافة العثمانية وسلطنة إيران.
ولما كان سمو معز السلطنة السردار أرفع رجل في العراق الأوحد وعميد العرب الأصيد من أكارم السياسيين وأعظم الأمراء، وطالما قدم الخدمات الطيبة للدولتين الإيرانية والعثمانية في العراق كان لنا أن نذكر سموه في هذه الغمة ونعتمد عليه مع من نعتمد عليهم من أمراء العرب في دفع كل جائحة وملمة إذا طلبنا الرجوع بعد الغواية إلى الرشاد". ومعز السلطنة السردار أرفع هو الأمير خزعل الموصوف بعميد العرب المقتدر ويتم هنا تأكيد "العرب" وبأسهم.


كما نقرأ في طلب حسن محمود صاحب "جريدة العاصمة الدمشقية" من الأمير خزعل في عددها الصادر في 19 مارس (آذار) 1933 ما يلي "مولاي المعظم، بعد تقديم واجبات الإخلاص والتبجيل تتقدم جريدة العاصمة إلى عظمتكم طالبة أن تسعفوها بما يصدر من فضلكم الذي سارت به الركبان وتشملوها بعطفكم الأبوي، لأنها الجريدة الوحيدة التي تسعى لإعلاء شأن الشرق عامة والأمة العربية التي تفتخر بوجود عظمتكم بين ملوكها وأمرائها خاصة ولا غرو في ذلك، فإن عظمتكم لم تزالوا من أنصار الآداب العربية وحماتها الذين يبذلون ما عز وهان في سبيل ترقيتها حتى برهنتم على قرابتكم لسيف الدولة في الخصال والسجايا فضلاً عن قرابتكم النسبية".
وهنا وبعد أكثر من عقد من الرسالة السابقة يتم تأكيد الأمة العربية وملوكها ومنهم الأمير خزعل وتجاوز الخلافة العثمانية وإمبراطوريتها الإسلامية.
كما يصنف المفكر اللبناني أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب" الأمير خزعل بأنه أحد هؤلاء الملوك.

انبثاق الشعب الأحوازي ونخبته العروبية

يجب التنويه هنا بأن العلاقات الاقتصادية لمملكة عربستان قبل إلحاقها بإيران في عام 1925 كانت مع الهند والعراق والبحرين وبوشهر وسائر مناطق الخليج، ولم تكن للمحمرة وسائر مدن المملكة أي علاقات تجارية واقتصادية مع طهران والمناطق الوسطى لإيران وذلك بسبب وضع عربستان شبه المستقل وفقدان الطرق والمواصلات بينهما، كما أنه علاوة على قطاع الزراعة (بما فيها زراعة النخيل) وتربية المواشي، كانت التجارة البحرية والبرية والتصدير والاستيراد تشكل جزءاً كبيراً من اقتصاد مملكة عربستان، ناهيك بصناعة النفط التي رافقت تدشين مصفاة عبادان في عام 1908 والمنشآت النفطية المختلفة في المملكة. ويمكن القول إن هذه العلاقات التجارية والرأسمالية مهدت الظروف الموضوعية لانبثاق الاتجاهات القومية بين الحكام والنخبة الأحوازية في عهد الأمير خزعل. وبسبب ما ذكرته آنفاً، ولج الأحوازيون منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين طور تكوين الشعب وقد وعى حكامهم بذلك. فعلى رغم النسيج القبلي للمجتمع الأحوازي في أوائل القرن العشرين فإننا نرى الاتجاهات العروبية لحاكم عربستان الأمير خزعل وبعض الوجهاء ورؤساء القبائل النابعة من الوعي بالهوية القومية العربية والتي تؤكد ما نطرحه هنا من انبثاق شعب عربي في عربستان بمفهومه الحديث يختلف عما كان عليه في أوائل القرن التاسع عشر، بل وحتى في أواسطه والذي يميز فيه العربي نفسه عن غير العربي ويصر على إقامة نظام حكمه الخاص به.

وقد بعث نحو 37 شيخاً ووجيهاً في 12 مايو (أيار) 1943 أي بعد 18 عاماً من سقوط الحكم العربي في عربستان رسالة إلى مندوب الحكومة البريطانية في المحمرة يقترحون عليه تعيين الشيخ كاسب بن الشيخ خزعل رئيساً لإدارة عربستان، وينتقدون فيها ممثلي الحكومة البريطانية في عربستان لعدم التزامهم الوعود التي يقطعونها. ولعب هؤلاء الشيوخ والوجهاء دور المثقفين ومفكري الطبقة الوسطى التي لم تنشأ في عربستان بسبب سلطة الشيخ خزعل الاستبدادية وخشيته من إنشاء هذه الطبقة ومنافسة أبنائها لحكمه وحكم أبنائه، كما لعب التيار المذهبي المتمثل بعناصر بارزة من رجال الدين الشيعة دوراً معادياً للتيار القومي العروبي، وذلك بسبب تقرب هؤلاء للحوزة الدينية في النجف وتعلقهم المذهبي والعاطفي بالعاصمة الإيرانية طهران باعتبارها عاصمة الدولة الشيعية، وهذا ما رأيناه في فترة حكم جابر بن مرداو ونجله الأمير مزعل ونجله الآخر الأمير خزعل، حيث تعد معارضة الشيخ عيسى إمام مدينة المحمرة الأمير خزعل في قضايا تتعلق بعلاقاته الدولية ومصير مملكة عربستان واختيار حلفائه أحد مظاهرها.

المزيد من تحقيقات ومطولات