Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال السينما في مهرجان البندقية بين النبذ والحب

فيلم فرنسي وآخر سنغالي يضعان الطفولة المظلومة أمام الكاميرا

من محاكمة الأم السنغالية التي قتلت ابنتها (ملف الفيلم)

بعد نجاح "الأب"، يبدو أن المخرج الفرنسي فلوريان زيلر أراد تكرار التجربة الناجحة سينمائياً، ولكن هذه المرة مع الإبن بدلاً من الأب الذي كان يضطلع بدوره أنطوني هوبكنز في أداء فاز عنه بـ "أوسكار" أفضل ممثّل العام الماضي."الإبن"، المعروض أمس في مهرجان البندقية السينمائي (31  أغسطس/ آب - 10 سبتمبر/ أيلول)، مسرحية أخرى لزيلر، ضمن ثلاثية "الأب" و"الابن" و"الأم"، ينقلها المسرحيّ إلى الشاشة بمساعدة السيناريست الكبير كريستوفر هامبتون، والنتيجة زيلرية بامتياز، وفي أدق التفاصيل. بمعنى أن الفيلم يحمل الأساليب والمضامين والأجواء التي سادت في "الأب"، لتصبح إحدى علامات سينما هذا المسرحي الذي انتقل إلى الشاشة.

مثلث عائلي

ـ"الابن"، على غرار "الأب"، يأخد من شقت ومكتب وبعض الأماكن الأخرى القليلة مسرحاً للأحداث. هذه الأماكن ديكور فقط، تعطينا فكرة عن المستوى المعيشي للشخصيات ولا تعني شيئاً على الصعيد الدرامي. قصّة مماثلة، وإن حدثت في أميركا، فهي كونية الطابع، يتوحّد معها ناس من ثقافات مختلفة. زيلر يهتم بالتشابك بين الشخصيات أكثر من اهتمامه بتشابكها مع المكان الذي تقيم فيه. تصوير الأحداث المتتالية في أماكن كهذه بديهي أيضاً، عندما يكون أصل النصّ مسرحية، مثلما بديهي أيضاً أن يكون الكلام وفيراً، ويعتمد عليه النصّ لبلورة الأحداث. لكن، في المقابل، وببراعته المعهودة، يحوّلها السيناريست هامبتون إلى عمل لا تنقصه الديناميكية، لا تلك التي تتجسّد على الشاشة، بل المحسوسة عبرها. نعم، في هذا يمكن الاعتماد على كاتب السيناريو الفذ لتحويل المسرحية إلى فيلم، من دون ان يكون مسرحاً مصوّراً.

اذا كانت مشكلة الابنة في "الأب" فهم ما يعاني منه والدها، فمشكلة الوالدين في "الابن" هي فهم ابنهما نيكولاس (زين ماكغراث) المراهق الذي يعاني كآبة وحالة نفسية ضاغطة تحوّلان حياته وحياة الآخرين إلى جحيم. يريد نيكولاس التخلّص من الحياة، ولا يبدي أي اهتمام سوى بالرحيل عن هذه الدنيا. ترى ما الأسباب الكامنة خلف هذه السلبية وهو لم يرَ شيئاً من الحياة بعد؟ يحاول الوالدان تحليل الدوافع، لكن السر في قلب نيكولاس الذي سيشرع بمرضه ومعاناته، الباب أمام مراجعات يقوم بها الأب (هيو جاكمان) لحياته، في ضوء التطورات الأخيرة التي عاشها مثل الانفصال عن زوجته السابقة (لورا درن) والارتباط بامرأة تصغره سنّاً والإنجاب منها. يصارع الابن الحياة على طريقته ويصارع الأب بدوره، وللكلّ شياطينه وهواجسه وأمراضه. واللافت أن الفيلم سرعان ما يصبح فيلماً عن الأب بالرغم من أنه يحمل إسم الإبن. فما حدث للإبن يصعب فهمه بمعزل عن تجربة الأب، حبّاً وزواجاً وطلاقاً وحياةً مهنية. المساران متلازمان وإن ابتعدا وانفصلا مراراً، وهذا ما يبرع الفيلم في إظهاره وتأكيده، مناقشاً مواضيع إجتماعية بالغة الأهمية من مثل التربية والأبوّة والذنب، ولعل أهمها العلاج النفسي الذي رغم تطور المجتمع الغربي، لا يزال الحديث فيه نوعاً من تابو.

 

من حوادث مماثلة تقع يومياً في كلّ مكان، يستمد زيلر حكاية تعيد النظر في الخيارات التي تتعلّق بالحياة ،وكيف أن بعض تلك الخيارات باتت من المسلّمات في الغرب، لكنها رغم ذلك تحتاج إلى نظرة إضافية عليها في نهاية المطاف. هل يطعن الفيلم في نمط العيش الغربي؟ لا شيء أكيداً في هذا الشأن، لكن ما لا يترك أي مجال للشك هو أن الفيلم لا يأتي بصورة مثالية عن العلاقات الإجتماعية والأهليلة في الغرب، مع حذر شديد من جانب الكاتب والمخرج في عدم النزول بتلك العلاقات إلى القعر. إنه فقط نقد لكلّ الموت. 

  طفولة سنغالية                                    

إذا كانت الطفولة، رغم الكثير من الحبّ الذي يحيط بها، مصدر عذابات للأهل في "الإبن"، فـ"سانت أومير" (مسابقة) للمخرجة السنغالية أليس ديوب يتناول الطفولة غير المرغوب فيها لمئة سبب وسبب. يوثق الفيلم حكاية أم (كوسلاكي مالنغا) تُدعى لورانس كولي وهي من أصول سنغالية مهاجرة إلى فرنسا، تنجب طفلة بالسر، ثم بعد 15 شهراً ترميها على أحد الشواطئ الفرنسية في انتظار أن يجرفها المد العالي. تضحي بفلذة كبدها بكلّ دم بارد، والآن عليها مواجهة الحقيقة في المحكمة وتروي تفاصيل جريمتها ودوافعها، وكذلك كلّ الظروف المحيطة بها والتي أفضت إلى تلك اللحظة التي لا عودة عنها. تعترف السيدة بالجريمة، لكنها تلقي اللوم على مَن سحرها.

 في موازاة جلسات المحاكمة، نتعقّب الصحافية الكاتبة راما (كايي كاغامه) التي تواظب على حضور المحاكمة، بهدف استخدام قصّتها لكتابة نسخة حديثة من اسطورة ميديا الإغريقية. تدريجاً، تتوضّح الروابط بين السيدتين، القاتلة والشاهدة على جلسات تبرير القتل. فالأولى تخلّصت من مولودها والثانية تنتظره. هناك حوار خفيّ  بينهما يعبر من الملموس إلى المحسوس. الفيلم لا يجيب على الكثير من الأسئلة المعلّقة، فهو يأتي بشبه أجوبة، تاركاً إيانا في غموض تام أحياناً، شأننا شأن أعضاء هيئة المحلفين الذين يتابعون شهادة الأم، من دون حسم القضية لصالحها أو ضدها. يتحوّل الفيلم نتيجة هذا الغموض إلى هذا النوع من الأعمال التي فيها فجوات كثيرة تعود إلى المُشاهد مهمة سدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحاول الأم عبر شهادتها الاختباء خلف خرافة، علها تكون سبباً كافياً لادّعاء البراءة كنوع من جحّة ذات طابع ثقافي وهوياتي. فهي تصر في كلّ كلامها بأنها وقعت ضحية السحر الذي جبرها أن تتصرف على هذا النحو. هل تصدّقها المحكمة؟ في أي حال، الفيلم اقتباس لحادث عرضي وقع في فرنسا في العام 2015، واكتشفته المخرجة (التي اشتهرت بأفلام وثائقية عن الجالية الإفريقية في فرنسا)، وهي تطالع صحيفة "لو موند"، وقرأت عن هذه السيدة وراحت تحضر جلساتها في المحكمة، حد أنها تحوّلت إلى هوس لديها. في النهاية، حُكم على السيدة بالسجن مدة عشرين سنة، ولكن في الفيلم تخلتف التطورات بعض الشيء، وتخضع لنظرة المخرجة إلى واقع الأفارقة في فرنسا اليوم، وكذلك إلى روابط كثيرة تنسجها مع التاريخ الاستعماري، وليست كلها واضحة ومفهومة. لكنّ "سانت أومير" يبقى قبل أي شيء فيلماً عن الطفولة غير المكتملة، عن تلك الطفلة التي وُلدت وماتت في الظلّ، والتي سحقت قصّتها قلب المخرجة لفترة طويلة. وما هي المحاكمة والفيلم التي استلهمته منها، سوى رد اعتبار للطفلة ولكلّ البنات الصغيرات في العالم.  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما