Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الجناح": انهيار طال انتظاره لمدينة نسائية فاضلة

النادي النسوي الذي مجد هيلاري كلينتون وطالب بكسر القيود الذكورية كافة قد انتهى. لكم هو مفرح أن أرقص على قبره

 رسالة إلكترونية كانت كافية لإعلان إغلاق جميع مواقع نادي "الجناح" (غيتي) 

إنها النهاية إذاً. أوقفوا الساعات. أغلقوا الهواتف. وامنعوا الجحافل من خدش العروش الوردية الزاهية. لقد مات النادي النسائي سيئ الصيت "The Wing" (الجناح)، وماتت معه تلك المساحة المخصصة للنساء من دون غيرهن.

هذا النادي الذي وصفته ذات مرة أودري غيلمان،إحدى مؤسساته و"الفتاة" التي تشتهر بإطلاق المشاريع، بأنه "مجتمع نسائي فاضل" و "عرش المرأة خارج منزلها"، كانت بدايته التي أثارت ضجة كبيرة واهتماماً إعلامياً واسعاً في عام 2016. ظاهرياً كانت الفكرة بسيطة. ففي مقابل اشتراك شهري يتراوح ما بين 170 و240 جنيهاً إسترلينياً (200-275 دولار أميركي) تحصل النساء صاحبات المهن والمحترفات على أمكنة فخمة وباذخة وعامرة بأجواء وردية اللون، إذ يمكن لهن العمل والتواصل وتناول أطباق بيض مسلوق تعرف بـ "اطعنوا النظام الذكوري" (Fork the Patriarchy).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الموقع الأول لهذا النادي كان في منطقة "فلاتايرون" بمدينة نيويورك، وتحديداً في جزء تاريخي من المنطقة المذكورة يعرف بـ "لايديز مايل" (مربع السيدات)، حيث كانت النساء الثريات يتسوقن في القرن الـ19. خلال أسابيع فقط كرس النادي مكانته إلى جانب ملتقى لينا دونهام الشهير (كاتبة ومخرجة أميركية)، وسرعان ما اعتبرت كلاً من إليكسا تشانغ وتافي غيفينسون وإميليا كلارك وكارا وبوبي ديليفين من بين أعضائه المؤسسين. ومع حلول عام 2019 بات لـ "الجناح" 11 موقعاً، بينها دار مؤلف من خمس طبقات بمنطقة فيتزروفيا في لندن.

بيد أن نهاية هذا النادي جاءت مفاجئة للجميع بمن فيهم أعضاؤه، فرسالة إلكترونية يوم الخميس (الـ30 من أغسطس) كانت كافية لإعلامهم بإغلاق جميع المواقع بشكل دائم، تلك الرسالة لم تغفل أيضاً إلقاء اللوم في ذلك على تعذر التعافي المالي نتيجة "جائحة كوفيد والصعوبات المتزايدة في الاقتصاد العالمي"، و"على الفور" جرى إلغاء أذون الأعضاء للدخول إلى فروع النادي.

وفي غضون ساعات من إعلان الإقفال هذا قامت الشركة بحذف جميع التعليقات في صفحتها على "إنستغرام" التي سألت فيها النساء الأعضاء عن مصير حجوزاتهن التي سجلوها (ودفعوا أكلافها) سلفاً، ليأتي بعدها إلغاء خاصية كتابة التعليقات في صفحة النادي بشكل كلي (على إنستغرام)، وحتى لحظة كتابة هذه المقالة لم تنشر صفحة النادي على المنصة المذكورة أية إشارة أو معلومة تتعلق بقرار الإقفال، فيما منشورها الأحدث يعود إلى ما قبل أسبوعين، وفيه دعوة للسيدات صاحبات المهن الإبداعية والرفيعة والترفيهية والفاخرة إلى "تدليل [أنفسهن] في جولة خاصة بمساحات [الجناح] وقضاء النهار فيها!" يا للتحول الذي يمكن لأسبوعين أن يحملانه!

لكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون المسألة من الخارج، قد لا تكون نهاية "الجناح" أمراً مفاجئاً على الإطلاق، لا بل عندما أعلن النادي قرار الإقفال بدا ذلك محتوماً ومتأخراً بالأحرى، إذ إن فضاءات اللعب الهابطة التي اعتمدها "الجناح" كانت قد بدأت تبدو كآثار متحجرة من حقبة سالفة. القهوة المخفوقة بالكركم والكراسي التي تشبه البيض ورفوف الكتب المتناسقة الألوان، هذه كلها الآن أنماط غريبة وسالفة بالنسبة لزمننا الراهن، وهي بغرابة المفروشات "المنتفخة" (أي المحشوة لدرجة تبدو معها منتفخة) في أواخر التسعينيات.

في السابق بدا "الجناح" معبراً بأناقة عن الفترة التي زامنت تأسيسه، وموجزاً لكل ما قد ينقص أو تتمنى الحركة النسوية. كانت ثمة كتابات دائمة على الحائط ترافقها صور لـ هيلاري كلينتون وماري بيرد وفوب والر-بريدج وأمل كلوني، وغيرهن من "قادات الصناعة" الملهمات #inspirational والرموز النسوية اللاتي يزيّن أروقة فضاءات النادي. في الحقيقة قيام النادي بإغلاق باب التعليقات على "إنستغرام" في وقت أغلق فيه أبوابه لهو رمز مثالي لآخر مسامير تدق في نعش  "الأيقونة النسوية" (girlboss)، وليقال بعدها لقد مات "الجناح" وهو يقوم بما يحب ليبقى رمزاً حتى النهاية.

 

مضحكة هي تلك الأشياء التي تأتي كي تمثل نواح ثقافية ومراحل زمنية محددة، لطالما استحوذ "الجناح" على مستويات اهتمام غير مبررة على الإطلاق، فهو حتى في أوج تألقه لم يضم في عضويته في مختلف مواقعه الـ 11 أكثر من 12 ألف امرأة. هذا ليس رقماً قليلاً أبداً، لكن "سوهو هاوس" (Soho House) للمقارنة، وهو ناد آخر سيئ الصيت المبالغ في تصميمه وتكاليف اشتراكاته، والمحصور بأوساط "المبدعين ذوي الأفكار المتشابهة"، يضم أعضاء بلغ عددهم 119 ألفاً عبر 27 مقراً موزعين في 10 بلدان.

وحتى من ناحية الرسوم فإن "الجناح" لم يكن استثناء، إذ إن الانتساب إلى عضوية فرعه في منطقة سوهو اللندنية على سبيل المثال يكاد يوازي في التكلفة الانتساب إلى عضوية النادي الآخر القريب الذي ينافسه. فلقد بلغت اشتراكاته السنوية 1836 جنيهاً إسترلينياً، في مقابل 1300 جنيه إسترليني للانتساب السنوي إلى "سوهو هاوس"، يضاف إلى هذا قسط التسجيل الذي يبلغ 400 جنيه إسترليني، لكن على الرغم من ذلك فقد يبدو الانتساب إلى "الجناح" رخيصاً إذا ما قورن ب3250 جنيهاً إسترلينياً (إضافة إلى رسم الانضمام البالغ 1750 جنيهاً) لعضوية نادي "أنابيل" Annabel في مايفير، وهو من نمط نادي "ماري أنطوانيت" خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية. نادي "أنابيل" هذا، وهو النادي الليلي الوحيد الذي وطأته قدما الملكة، يثبت أنه عندما يتعلق الأمر بـ"الأيقونة النسائية"، فإن هنالك مزيداً من الدرجات التي ينبغي ارتقاؤها لتخطي المستوى العادي المقترح من قبل "لين إن" (Lean In، جمعية دولية لدعم وتعزيز القيادة النسائية في أمكنة العمل) \ "غووب" (Goop، شركة وماركة متخصصة بتحسين أسلوب العيش أسستها الممثلة غوينيث بالترو) \"غلوسير" (Glossier، شركة للمقاربات التجميلية) \"لولوليمون" (Lululemon، شركة لإنتاج الثياب الرياضية) \ "لينا دانهام" (Lena Dunham، كاتبة ومخرجة وممثلة ومنتجة أميركية) \ "بات هير إيمايلز" (But Her Emails، محط كلام تبريري يستحضر قضية هيلاري كلينتون المتمثلة باستخدامها عنوان بريدها الإلكتروني الخاص للاتصالات الرسمية العامة) الذي يمكن أن تحلم به أية تلميذة مدرسة.

بيد أن المسألة لم تكن أبداً متعلقة بالمال وحسب، إذ إن الأمر الذي ميز "الجناح" واستدعى آلاف المقالات عنه وكرس موقعه كحالة استثنائية تمثل بالطبيعة العامة جداً لمن يفترض أنهم أعضاء في ناد خاص، إضافة إلى المدى الذي يستحقه هذا النادي. في الصميم كلتا السمتان ترقيان إلى درجة النفاق.

كما أن "الجناح" تأسس على مفارقة، إذ إنه قلد مؤسسات المجتمع الأكثر نخبوية (الأندية الخاصة)، فيما علامته التجارية بدت منغمسة في لغة التحرر النسوي وشعارات تمكين النساء. عن هذا تقول سكارليت كورتيس العضو في "الجناح" ورئيسة تحرير "النسويات لا يرتدين اللون الوردي" (Feminists Don’t Wear Pink) ("وأكاذيب أخرى" And Other Lies)، إنهم "حاولوا تقديمه كي يصيب ملايين المعاني المختلفة، فهو ضم أمهات يقمن بأنشطة وأعمال جانبية وصحافيات ومبرمجات ونساء يعملن في مجال التكنولوجيا". ورأت كورتيس أن روحية "الجناح" كانت تميل أكثر إلى أن تكون موقفاً سياسياً، فهم يساريون مناصرون جداً للتنوع واستيعاب الآخر، وهذه نسوية ذات أبعاد بالغة التشابك.

بيد أن الأمر طبعاً ومن دون شك لم يكن على هذا النحو، إذ كيف يمكن أن يكون كذلك؟ فالحصرية (حصرية العضوية في النادي) كانت أساسية بالنسبة إلى"الجناح" مثل رقاقات المرمر في رخامات طاولاته. وكذلك فعندما جرى الحديث عن حادثة عنصرية وقعت في فرعه بـ "ويست هوليوود" سنة 2019، أثار الأمر دوامة من القصص تتناول الشركة لم تكن مفاجئة بطبيعة الحال، قوضت روحيته "النسوية التعددية" التي يدعيها لدرجة لم يعد بالإمكان إصلاحها.

 وعن هذا أفادت آشا غرانت مديرة "مكتبة النساء السود الأحرار" في لوس أنجيلس، بأنها وصلت إلى مركز النادي في هوليوود وواجهت فور وصولها امرأة بيضاء غاضبة في موقف السيارات لأنها اعتبرت أن غرانت اختلست منها موضعاً لركن سيارتها كانت تعتبره (المرأة البيضاء) "ملكاً" لها، وزعمت غرانت أن تلك المرأة الضيفة في "الجناح" طاردتها إلى داخل النادي مطلقة الشتائم والتهديدات. وأضافت أيضاً أنه بعد تلك المضايقات لم يقم موظفو "الجناح" بالطلب من المرأة البيضاء المغادرة، وقالوا لها (لـ غرانت) إنهم لم "يتجرؤوا" على القيام بذلك. "الأمر شكل مثالاً آخر على الأولوية التي تحظى بها النساء البيض على حساب النساء السود وآلامهن"، ذكرت غرانت.

لكن برغم أن ما روته غرانت صحيح على نحو جلي وواضح، فقد ظهر أن هناك حقائق إضافية في كلامها وهو زعمها أن موظفي "الجناح" لم يشعروا "بقدرتهم"[على مواجهة المرأة البيضاء الغاضبة]، إذ بالفعل قام كثيرون بعد ذلك بالحديث عن ثقافة العمل التي تعتمدها الشركة والقائمة على الخوف والاستغلال، وأن الموظفين الصغار الذين هم من الفقراء والمهاجرين والسود يلقون معاملة غير محترمة ورواتبهم ضئيلة، وأنهم مجرد أداة في سياق التسويق [الذي تتبعه الشركة من خلال توظيفها للمهاجرين].

في شهر يونيو (حزيران) 2020 استقالت غيلمان من منصبها كرئيسة تنفيذية للنادي، وبعد فترة قصيرة نظم الموظفون إضراباً رقمياً اعتراضاً على الأولوية الذي يمنحها "الجناح" للمظهر العام على حساب ممارسات العمل الواقعية. وفي السياق ذكرت روكسان فيكيير التي شاركت في الإضراب الرقمي قبل استقالتها من الشركة، أن "رد فعل "الجناح" (تجاه الإضراب) كانت إيجابية وباهتة في آن، كما لو أن إدارتنا لا يمكنها أن تجهد نفسها كي تظهر على نحو مقنع أية حماسة لتحمل المسؤولية".

من هنا يمكن القول إن الطريقة التي أقفل فيها "الجناح" لم تأت مختلفة عن هذا النمط من السلوك. نايديلين ميجيا، محررة مساعدة في مجلة "وومينز هيلث" (Women’s Health) والموظفة السابقة في "الجناح"، غردت على موقع "تويتر" في صبيحة اليوم التالي لتلقي أعضاء النادي الرسالة الإلكترونية المعلنة عن الإغلاق قائلة أنها "لا تفكر سوى بأولئك النساء من المهاجرين وغير الأغنياء وغير البيض اللاتي يعملن بأمكنة النادي وقد بتن الآن بلا وظائف". وسارعت النساء اللاتي يعملن في الشركة إلى الإجابة عن ما كتبته ميجيا، متوجهات بالشكر لها لأنها فكرت بهن. إحداهن قالت إنها بعد الرسالة الإلكترونية التي وصلت مساء الثلاثاء، وجدت نفسها "عاطلة عن العمل قسراً ومن دون خطة". إذاً مرة أخرى يظهر النادي رمزيته الواضحة والصريحة، المتعلقة هذه المرة بسوء التصرف والتهرب من تحمل المسؤولية.

إنه حصري، فيما يحاضر عن تقبل الآخر واستيعابه. وهو يعظ في قيمة عمل النساء، فيما يمارس الاستغلال في أمكنة العمل. هو يدعي قبول الآخر والتعددية، فيما يسمح بحدوث الممارسات العنصرية من دون وازع أو محاسبة. لقد اتبع "الجناح" نموذج النخبة البريطاني وأساليب ترفيه أصحاب الثروات الكبيرة، فيما ادعى بالوقت عينه أنه ضد شبكات أصحاب النفوذ البطريركيين، وضد سياسات ترمب وأنه يريد التكافل الاجتماعي والمساواة، ويريد أن يكون قبل ذلك كله تركيزه على حاجات ورغبات المستهلكين، وهذا كله كان مجرد وصفة مرتبكة ومنافقة محكومة بالفشل.

وغالباً ما قامت غيلمان بسرد قصة "الجناح" الأساسية على هذا النحو تقريباً، كانت تعمل سكرتيرة صحافية، وفي ما بعد مساعدة لـ هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية، مندفعة من مدينة إلى أخرى ومتنقلة بين الاجتماعات والحفلات. وكان ذلك أسلوب حياة كما يفترض أجبرها على تبديل ثيابها أحياناً في حمامات مقاهي "ستاربكس" وفي محطات القطار، الأمكنة التي تعتبرها "شبه مهينة" وفق تعبيرها. وقد حلمت بوجود مكان أكثر احتراماً يمكن التوجه إليه، حيث يتسنى للنساء اللاتي يجمعهن أسلوب تفكير متقارب أن يجدن بعضهن بعضاً، فيبدلن ثيابهن ويشحن هواتفهن بسلام.

إنها قصة تكشف أيضاً جذور سقوط "الجناح" والبذاءة العميقة الكامنة خلف واجهة "اللطف" التي تتقنع بها "الأيقونة النسوية"، اليوم يكافح عمال "ستاربكس" في الولايات المتحدة كي يشكلوا نقابة، فيما الحركات العمالية على الاتجاهات كافة تعاود نشاطها. وبرغم هذا كله أمامنا هنا سردية عن فتاة في طريقها إلى مقر حزب سياسي حيث ترصد ظروفاً "مهينة" في حمامات "ستاربكس" وغيرها من الأماكن العامة التي تستخدمها بالدرجة الأولى الطبقات العاملة. الحل العظيم الذي أتت به؟ خلق جنة حصينة لنفسها ولدائرتها الاجتماعية، تكون بعيدة قدر الإمكان من أولئك الفقراء. هل هنالك ما هو أقل راديكالية وتقدمية وتعددية من هذا؟  

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات