Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السر وراء رواج "جراحات التجميل" في المغرب

تستقطب الأجانب أيضاً وتدر أموالاً طائلة للقائمين عليها

تدر "صناعة الجمال" في المغرب أموالاً طائلة على القائمين عليها بالنظر إلى أسعار هذه التدخلات الطبية الدقيقة (مواقع التواصل)

قبل أيام قليلة خرجت الشابة الثلاثينية سناء سالمة غانمة من إحدى مصحات التجميل بالعاصمة المغربية مزهوة بنفسها بعد أن حققت أمنيتها في تخسيس جسمها عبر جراحة شفط الدهون والحصول على قوام رشيق كما كانت تشتهي طوال سنوات مضت.

جراحة شفط الدهون التي أجرتها سناء توجد على رأس قائمة جراحات التجميل التي تخضع لها المغربيات، تليها جراحات تكبير أو تصغير الثدي وشد البطن وشد الوجه وإزالة التجاعيد، بينما الرجال يقبلون أكثر على زرع الشعر وأيضاً على شفط الدهون وترميم أعطاب أخرى في الجسد.

وتدر "صناعة الجمال" في المغرب أموالاً طائلة على القائمين عليها بالنظر إلى أسعار هذه التدخلات الطبية الدقيقة، على الرغم من كون أسعارها تعتبر منخفضة مقارنة مع أوروبا، مما يفسر إقبال الأجانب أيضاً على جراحات التجميل داخل الرباط، غير أن هذا التجميل لا يخلو من أخطار صحية قد تكون مميتة أحياناً.

ترميم أعطاب الجسد

تلخص سناء الأسباب التي دفعتها لاتخاذ قرار اللجوء إلى جراحة تجميلية للحصول على قوام رشيق، في عبارة واحدة هي "جذب انتباه الآخرين والراحة النفسية" التي اكتسبتها بعد إجراء التدخل الجراحي.

وأضافت الشابة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن الكيلو غرامات الزائدة في وزنها كانت تشعرها بأنها غير مرغوب فيها من طرف المجتمع، خصوصاً نظرات صديقاتها وزميلاتها في العمل"، وأشارت إلى أنها "قررت الحصول على قوام رشيق للرد على تلك النظرات السيئة"، وفق تعبيرها.

وترى سناء أن صناعة الجمال سواء بشفط الدهون أو بنحت القوام أو بتكبير الثديين أو الأرداف أو غيرها من الأمور التي تضفي جمالاً على المرأة شيء محبذ ومطلوب، لأنه من دون هذه التحسينات التي تجمل جسد المرأة وشكلها الخارجي فإن كثيراً من الأمراض النفسية تظهر وتتضخم".

من جهته، قال محسن وهو مقاول في عقده الخامس، إنه لجأ إلى خدمات جراح تجميل من أجل ترميم عطبين في جسده، الأول رأسه الأصلع والثاني تجاعيد وجهه، مضيفاً أنه زرع الشعر كما أصلح التجاعيد وصار وجهه مشدوداً مثل أي شاب.

وأضاف محسن أنه كمقاول "يحتاج إلى تقدير الذات والتصالح مع نفسه وجسده قبل أن يجلب ثقة الشركات والمتعاملين معه في مهنته التي تتطلب شكلاً خارجياً جذاباً"، مشيراً إلى أن الحاجة إلى جراحة تجميلية تختلف من شخص إلى آخر، لكنها بكل تأكيد تمنح ثقة أكبر إلى الإنسان خصوصاً إذا حققت أهدافها التجميلية.

الإقبال على صناعة الجمال

وتعرف "صناعة الجمال" إقبالاً كبيراً في المغرب طوال سنوات مضت، خصوصاً جراحات شفط الدهون وتجميل الثدي وشد الجلد وزرع الشعر بالنسبة إلى الرجال كما غيرها من التدخلات التجميلية، بل يعتبر المغرب أحد أشهر البلدان التي يقبل عليها الأجانب أيضاً من أجل هذه الجراحات.

ويعزو جراح التجميل عز الدين برادة الإقبال على جراحات التجميل من طرف النساء أو الرجال إلى عاملين رئيسين، الأول هو سمعة أطباء وجراحي التجميل المغاربة وكفاءاتهم التي تستقطب الراغبين في تحسين شكلهم وجسدهم،

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والثاني يتمثل في الأسعار المناسبة لهذه الجراحات التجميلية مقارنة مع الأسعار للخدمات نفسها في أوروبا، وهو ما يدفع السياح الأجانب إلى القدوم للمغرب لتلقي تدخلات جراحية تجميلية، كما أوضح برادة لـ "اندبندنت عربية".

وأشار إلى أن أرقاماً غير رسمية تقول بأن 72 في المئة من زبائن جراحات التجميل نساء، و75 في المئة منهن غير متزوجات، و25 في المئة "مرتبطات"، كما أن 28 في المئة من المقبلين على "صناعة الجمال" هم ذكور من شباب ورجال ومسنين أيضاً.

وبخصوص المستويات الاجتماعية والثقافية للمقبلين على صناعة الجمال يرى برادة أنه "يصعب الجزم بإقبال طبقة اجتماعية أو فئة من دون أخرى، لكن طالبي جراحات التجميل عموماً هم من الطبقات المتوسطة والثرية، كما أنهم بمستويات تعليمية مختلفة.

أموال طائلة

وتفيد معطيات مهنية حصلت عليها "اندبندنت عربية" بأن أسعار الجراحات التجميلية تختلف من مركز إلى آخر، لكنها تظل من بين الأرخص في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وهو ما يجذب الأجانب إلى المغرب لإجراء جراحات تجميلية.

ووفق المعطيات فقد يتراوح سعر شفط الدهون مثلاً بين 10 آلاف و40 ألف درهم (بين 1000 و4000 دولار)، وفق المنطقة من الجسد التي سيتم شفط دهونها، وأيضاً قد يصل التدخل الجراحي لتكبير الثدي أو الصدر إلى أكثر من 20 ألف درهم (2000 دولار)، من دون احتساب تبعات الجراحة ولواحقها الطبية.

وقد تصل جراحة زرع الشعر إلى 30 أو حتى 120 ألف درهم (3 آلاف دولار أو 12 ألف دولار)، وذلك بحسب عدد بصيلات الشعر التي سيزرعها الطبيب الجراح وبحسب كثافة الشعر المطلوب.

الباحث في الاقتصاد الاجتماعي عبدالرزاق بلملاح قال إن هذه المبالغ المالية تشير إلى الأموال الطائلة التي تدرها صناعة الجمال في المغرب، سواء على صاحب المصحة أو على الطبيب الجراح وحتى على باقي العاملين أيضاً،

وأضاف بلملاح أنه بعملية حسابية بسيطة فإذا كانت الجراحة التجميلية تساوي 20 ألف درهم (2000 دولار) والطبيب الجراح يحصل على نصف المبلغ (10 آلاف درهم) تعويضاً عن تدخله الجراحي، ثم إذا أجرى هذا الطبيب جراحتين فقط في اليوم وبعدم احتساب السبت والأحد وهما عطلة نهاية الأسبوع، فإن الطبيب سيحصل في الشهر على 200 ألف درهم (20 ألف دولار)، وهو تعويض خيالي مقارنة مع مستوى الرواتب في المغرب.

وأشار إلى أن الأمر يتعلق أكثر بدورة ربحية كاملة تراهن على مبالغ مالية كبيرة تخرج من جيوب الباحثين عن الجمال والرفاه والشكل الخارجي الأنيق والجذاب، لافتاً إلى أن هذا يفسر الفكرة الذهنية المتداولة عند المغاربة في شأن ثراء جراحي التجميل مقارنة مع باقي التخصصات الطبية.

تقدير الذات

ويرى أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة مراكش المصطفى السعليتي أن الإنسان بطبعه شخصية نرجسية في حد ذاتها، فهو دائماً في حاجة إلى مرآة لينظر فيها، كما أنه يحتاج إلى مرآة المجتمع التي يراه الآخرون من خلالها.

وشدد السعليتي على أن "للجمال علاقة بتقدير الذات، فهو يؤثر في العلاقات الاجتماعية وعلى الجانب النفسي للشخص، وقد يكسبه حب الآخرين كما قد يكون له تأثير في الوظيفة والزواج والعلاقات العاطفية".

وأشار إلى أن هناك أشخاصاً لا يستطيعون تعويض النقص في جمال الشكل الخارجي إلا بالبحث عن حلول أخرى، خصوصاً عند توافر إمكانات مادية لتغيير الصورة التي يشكلها حول نفسه وذاته، إذ يمكن لبعضهم أن يصرفوا أموالاً طائلة فقط للحصول على الصورة الجميلة التي يرجون أن يكونوا عليها.

وأوضح السعليتي أن صناعة الجمال يمكن أن تغير نرجسية المرأة والصورة التي شكلتها حول نفسها وذاتها وقد تزيد سعادتها، مشيراً إلى أن "هذه الرغبة ليست بالضرورة عند الذين يملكون الأموال بل هي رغبة قد تتملك الجميع".

وذهب المتحدث إلى أن "من لا يملك المال لإجراء جراحة تجميلية فإنه يحاول توظيف مجموعة من الوسائل لتعويض ذلك النقص، كأن تجعل المرأة من نفسها جميلة في السلوك أو في مجالات أخرى"، قبل أن يخلص إلى أن "الجمال حاجة أساس في الحياة يمكن التعاطي معه بطرق مختلفة انطلاقاً من خصوصيات سيكولوجية واجتماعية".

أخطار ومحاذير

وإذا كان الجمال عملة مطلوبة من طرف النساء والرجال فإن لكلفة البحث عن جمال الشكل باللجوء إلى الجراحة ثمن باهظ أحياناً قد يصل إلى وقوع أخطاء طبية تشوه هذا الجمال المنشود، وقد تفضي أحياناً إلى ضحايا ووفيات.

وفي هذا الصدد قال الباحث في السياسة الصحية الطيب حمضي إنه "يتعين التقسيم بين التدخلات التجميلية ذات الطابع الجراحي وبين التدخلات التجميلية غير الجراحية"، موضحاً أن أخطار التدخلات الجراحية تماثل جميع العلميات الطبية الأخرى وتخضع للمسؤوليات نفسها.

وشدد حمضي على أن القانون يحاسب الأطباء والجراحين على الوسائل المستعملة في تدخلاتهم الجراحية وعلى النتائج هل تحققت أم لا، وفق البروتوكولات الطبية المتعارف عليها.

وعن النوع الثاني أضاف المتحدث أن التدخلات التجميلية غير الجراحية مثل الـ "بوتكس" أو الـ "كولاجين" وغيرهما قد يمارسها أطباء غير اختصاصيين، لكن يجب أن تكون لديهم الرخصة لمزاولة المهنة.

وأشار إلى أن المغرب يخضع هذه الجراحات التجميلية لكثير من المراقبة بخلاف دول أخرى، وهذا ما يفسر تطور السياحة الطبية وإقبال السياح على الرباط لهذا الغرض.

واستدرك حمضي بأن "هذا لا يعني أن المريض لا يتعرض لتلاعب بعض المتطفلين على المهنة، إذ قد تحصل مشكلات وأخطار صحية مرتبطة بالجراحة نفسها"، داعياً المقبلين على مثل هذه التدخلات الجراحية التجميلية إلى التثبت والتأكد من الطبيب الذي سيضع جسده بين يديه.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات