Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أدب الروايات البوليسية: لماذا نرغب في معرفة الجاني؟ 

قيل إن قصص الجريمة قد نسجت غموضها بتوظيف "خفة اليد"- ولكن تقول إيريكا ويكرسون، إنها تتضمن في العادة الكثير من الأساليب الأكثر تعقيداً. 

صورة تظهر المحقق هركيل بوارو في أحد أفلامه (ريكس)

ابتداءً من شيرلوك هولمز إلى هرقل بوارو، ومن الآنسة ماربل إلى كولومبو، ومن سارة لوند إلى ساغا نورين، لطالما استحوذت الروايات البوليسية على عقولنا ومشاعرنا. فهي تضم صوراً نمطية كالإدمان على الأفيون، وشوارب مفتولة، ومعطف رث، وكنزة صوفية غريبة من البلاد الاسكندنافية، وسيارة بورش خضراء: إلا أنّ الشيء الوحيد الذي يبدو كقاسم مشترك بين هؤلاء الأشخاص غريبي الأطوار والمثيرين للشفقة هو قدرتهم على حل الجرائم.
قال النقاد عن القصة البوليسية إنها "تشبه خدع خفة اليد التي يؤدّيها الساحر بتحويل انتباهك قبل التلاعب بالبطاقات" (إدموند ويلسون، 1944)، وهي خدع "عفوية باعتبارها شكلاً من أشكال الاستغراق الذاتي في تعبئة لغز الكلمات المتقاطعة" (كريستوفر بوكر، 2004)، وهي أشبه بلعبة الشطرنج أو الداما (إدغار ألين بو، 1841).
فما الذي يجعل الشغف لمعرفة الجاني بهذه الدرجة الملحة يشكل نوعاً من الترفيه؟ هناك جريمة، ثم يصل المحقق إلى المكان؛ نراقبه بشوق بينما يحاول تجميع الأدلة التي ستساعده في القبض على الجاني في الوقت المناسب. ويبدو أن إعجابنا بمعرفة أسرار القتل لا يمكن إشباعه. فلا شك أن هناك عنصراً من التشويق لمتابعة القصة خلال النظر والاستمتاع بمشاهدة أشخاص ينهارون بسبب الحدث. لكن أليس اللغز هو الذي يستحوذ علينا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟


في عام 1916، كتبت أغاثا كريستي "القضية الغامضة في ستايلز The Mysterious Affair at Styles". وراهنت عائلتها وأصدقاءها بأنها تستطيع كتابة لغز بكل القرائن المقدمة للقارئ، ولكنهم لن يستطيعوا حلّه. إلا أنّ البلجيكي ذو الشوارب الطويلة المشذبة و ذو"العبقرية الفائقة" يمكنه فقط أن يكشف من هو القاتل. لذا ظهر هرقل بوارو.

وفي كتاب الحبكات السبع الأساسية "The Seven Basic Plots"، يقترح بوكر أن فكرة حب معرفة الجاني تتبع حاسة "التغلب على الشرير". فالقاتل طليق، ويجب القبض عليه. لكن الرواية البوليسية لا تبنى بشكل مباشر. إذ تكمن الإثارة والخدعة في تلاعب كاتب القصة بعامل الزمن.
قال تزفيتان تودوروف، الناقد البلغاري الفرنسي، إنّ هناك ثلاثة أنواع من السرد الروائي في رواية الجريمة: فالدافع وراء معرفة الجاني، يتجسد في الإثارة، وفي الحبكة التي تثير التشويق. إذ يعود حب معرفة الجاني بشكل فعّال إلى الوراء لتجميع الأحداث السابقة (بأسلوب بوارو)؛ بينما تتحرك الإثارة إلى الأمام مع الشخصيات (بأسلوب جيمس بوند)؛ وتجمع الحبكة التي تثير التشويق بين كليهما (بأسلوب هيتشكوك). ويدفعنا حب معرفة الجاني إلى السؤال: ماذا حدث؟ فيما تجعلنا الإثارة نتساءل: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وفي حال الحبكة التي تثير التشويق، فإننا نتساءل: ماذا حدث وماذا سيحدث؟
هذه الصيغة استحوذت علينا على الأقل لمدة 300 سنة. فقد كانت الكتابة حول الجريمة منتشرة في القرن الثامن عشر، مع زيادة التوتر نتيجة فرض عقوبة الإعدام حتى بالنسبة للجنح الصغيرة. 
ومع ذلك، لم تظهر فكرة سؤال من هو الجاني حتى القرن التاسع عشر، وكان بطلها عبارة عن شرطي يدرس القرائن لحل الألغاز.
 وغالباً ما يُنسب الفضل إلى أوائل الأمثلة على حب معرفة الجاني لكل من إي تي أيه هوفمان في قصته الآنسة سكودري (1819)، وقصة إدغار ألين بو و جرائم شارع مورغ (1841). 

تي إس إليوت من ناحيته اعتبر أن رواية "مونستون" لمؤلفها "ويلكي كولينز" هي التي ابتكرت هذا النوع من الروايات البوليسية، ووصفتها "دوروثي إل سايرز" بأنها أفضل مثال كتب على الإطلاق. 
ويصادف عام 2018 مرور 150 عاماً على كتابتها، لكن هذه القصة التي تحوي في طياتها أحداث سرقة وقتل ومؤامرات تجذب القارئ في القرن الحادي والعشرين.
 كما شهد هذا العام عرض الموسم الأخير من المسلسل البوليسي المعتمد على نمط الإثارة من اسكندنافيا  بعنوان "الجسر"، والذي يستقطب جمهوراً معاصراً ضخماً في داخل البلاد وخارجها.

تجري أحداث "مونستون" في منزل ريفي إنجليزي بورجوازي في عام 1848. بينما تجري أحداث "الجسر" بين كل من السويد والدنمارك في عام 2018. ويتتبع "مونستون" اختفاء ماسة لا تقدر بثمن، حيث كانت الأحدث في الأصل قد بدأت نتيجة عملية نهب من حقبة الإمبريالية. بينما يحقق مسلسل "الجسر" في عملية قتل شنيع لأحد موظفي الخدمة المدنية المتورطين في رفض طلبات اللجوء من قبل لاجئ مثلي جنسياً. وللوهلة الأولى، يبدو هذان العاملان مختلفان تماماً.


ولكن في الواقع، تتلاعب القصة في كل من رواية "مونستون" و "الجسر" بالوقت بطريقة معينة تحثنا على السؤال: من هو الجاني؟ وهذا ساهم في زيادة الاهتمام التاريخي برواية "مونسون" والشهرة والانتشار لمسلسل "الجسر". 
تبدأ معظم القصص البوليسية الكلاسيكية بجريمة، ليتم اكتشافها ما يعني تحريك العقل الباهر للتحري الخاص أو الشرطي الهاوي. وفي العادة، تدور القصة كاملة في وقت لاحق، وفي كثير من الأحيان بواسطة عميل قريب منها. فمثلاً يقوم الدكتور واتسون برواية مغامرات شيرلوك هولمز، ويروي النقيب هاستنغز بشكل عام تحقيقات هرقل بوارو. فكل من واتسون وهاستينغز قريبان من الأحداث، لكنهما يفتقدان البصيرة والبراعة التي يتمتع بها كل من هولمز وبوارو، وهما يستوعبان ما حدث بعد الوصول إلى نهاية الحبكة. فهما أيضا يشتركان في تجربتنا كقراء، ويشاهدان معنا الأحداث في محاولة للوصول إلى النهاية. 
وتعمل رواية "مونستون" ومسلسل "الجسر" على تقويض هذا النموذج بأثر رجعي. فهما لا يحتويان على حبكة واحدة بل حبكتين متشابكتين، واحدة تعود إلى الوراء في الزمن بينما تعود الأخرى إلى المستقبل. فهما لا تكتفيان بصياغة نفسيهما على طريقة حبكة "التغلب على الشر"، كما يقترح بوكير، ولكنهما تتداخلان مع قالب "السعي وراء الحقيقة" أيضاً. إذ يتضمن "السعي وراء الحقيقة" بحثاً من المحققين عن أدلة سابقة لاكتشاف هوية المجرم؛ وينطوي قوس "التغلب على الشر" على محاولات المحققين القبض على المجرم. وهذا يعني أن هناك توتراً ثابتًا يسحبنا باتجاه أو آخر، إلى الوراء أو إلى الأمام. وعند انخفاض دافع واحد، يرتفع الآخر.

يقوم ويلكي كولينز بقولبة رواية "مونستون" بطريقة مبتكرة للغاية. فهناك رواة عديدون، يتحركون في الطابق العلوي والطابق السفلي. ومع تغير الرواة، فإن روايتهم للقصة تتغير أيضاً. فبعضهم يعيد سرد الأحداث خصيصاً لغرض التحقيق، في حين أن البعض الآخر يقدم يوميات أو رسائل كتبت في حينه. وبالتالي فإن المنظور الزمني يتغير بشكل متكرر، في حين أن القصة تتأرجح بين الحركة إلى الوراء في البحث عن المعرفة، وإلى الأمام كنوع من الإثارة.
الشابة راشيل فيريندر مونستون ورثت جوهرة لا تقدر بثمن ولكنها ربما ملعونة. وفي ليلة عيد ميلادها الثامن عشر، وبوجود العديد من الضيوف في المنزل وزوار غرباء و أفراد غامضين كانوا يتجولون في المكان، تختفي الجوهرة. يتناول رئيس الخدم غابرييل بتريدج، القلم ويكتب ما يتذكر عن الفترة المحيطة بالسرقة، وبذلك فإنه يأخذنا معه إلى الزمن الماضي. 
يهيمن التحقيق في الجريمة على الرواية الأولى للأحداث. ثم يصل التحقيق إلى طريق مسدود، ويترك البطل، فرانكلين بليك، إنجلترا. وفي الرواية الثانية للأحداث، تُخرِج الآنسة كلاك المتدينة بشكل يبعث على الضيق، مفكرتها، حيث إنها كانت من الأقارب الفقراء الحسودين، إذ اعتادت أن "تدون في تلك المفكرة كل ما يحدث بشكل يومي". 
الآن يتسارع الوقت (حتى لو كانت هذه الفترة أقل استحواذاً علينا من حيث الأحداث) لأن الآنسة كلاك كانت عاجزة عن إدراك ما يجري وغير قادرة على استشراف الأحداث المقبلة. ونصبح معنيين أكثر في علاقات الوقت الحاضر، مع بقاء لغز الماضي معلقاً. ومع عودة فرانكلين بليك بعد عام، حيث لم يبق أي أمل للمصالحة مع هدف اهتمامه الرومانسي، راشيل فيريندر، فيخمد زخم التوقعات، ونعود إلى الماضي مرة أخرى.
تعود بنا رسالة الخادمة روزانا سبيرمان المكتشفة إلى الوراء، وهي رسالة كتبت قبل عام، إلى الأحداث المأساوية والغامضة في تلك الفترة. ثم يدخل مساعد الطبيب الغامض عيزرا جينينغز. وبينما كان يحاول تجربة إعادة صياغة ظروف ليلة السرقة، من خلال ما كتبه في مفكرته على مراحل، مما يسرع الوقت إلى أقصاه حتى الآن. فهل ستنجح التجربة؟ وماذا ستكشف؟ هل سيعيد العشاق إحياء الرومانسية؟ وهكذا يستمر التذبذب بين العودة إلى الوراء والتحرك إلى الأمام. وفي كل مرة يتخبط ويتراجع فيها أحد الجانبين، يسحبنا الآخر إلى الأمام.
يحدث التذبذب بين الماضي والمستقبل مع تغير الرواة، ولكن أيضاً على نطاق أصغر في الرواية. فعلى سبيل المثال، يقفز السرد الروائي لـ "بيتريدج" بأثر رجعي، إلى الأمام، ليخلق ما وصفه أخصائي السرد الفرنسي جيرارد جينيت بـ "حالة التدني"، وهي لحظة تالية رويت خارج نطاق التسلسل الزمني، وهي أكثر من مجرد التنبؤ بالأحداث القادمة. يرشدنا "بيتريدج" قائلاً: "واصل القراءة يا صديقي الطيب بصبر بقدر ما تستطيع، وربما تكون متأسفًا على روزانا سبيرمان كما كنت أنا، عندما اكتشفت الحقيقة". فماذا سيكون هناك لنشفق عليه لدى روزانا؟ وما الذي يجري اخفاؤه؟
بعد ذلك يشعر بيتريدج بالأسى قائلاً، "لو كان بإمكاني فقط أن أتطلع قليلاً إلى المستقبل، كنت سأخرج روزانا سبيرمان من المنزل، ثم هناك، بيدي". كما يشير بيتريدج بصفته راوياً إلى شخصيته في وقت لم يكن بإمكانه فعل ذلك. فذلك يثير اهتمامنا لمتابعة الأحداث. 
تلعب قصة "الجسر" بوجهة النظر والوقت بشكل مماثل لرواية "مونستون"، ولكن يتم نقل ذلك إلى التلفزيون. ومثل معظم المسلسلات التليفزيونية التي لا يوجد لها إطار سردي، يتم سرد قصة "الجسر" بشكل أساسي عندما تتكشف الأحداث وليس بعد انكشاف الحقيقة. ويختلف الموسم الرابع حتماً عن سابقاته لأن الجمهور يعرف بالفعل بعضاً من تاريخ الشخصيات. لقد تابعنا ساغا نورين خلال ثلاثة تحقيقات سابقة وحالات معقدة من العلاقات وقصص الموت. في بداية هذا المسلسل، نجدها في السجن، إذ إنها أدينت زوراً وبهتاناً بقتل والدتها. من الواضح أن افتتان فرويد بالصلات بين الروايات البوليسية والتحليل النفسي سيكون ذا صلة، فيكتب فرويد قائلاً، "في الحالتين لدينا اهتمام بشيء سري ومخفي ... في حالة المجرم، إنه سر يخفيه عنك، ولكن في حالة المصاب بالهستيريا، فهو سر يخفيه عن نفسه". وبالنسبة للموسم الأخير على وجه الخصوص، فإنه يعود بشكل مستمر إلى ماضي الشخصيات الخاص- إنه نوع من النظرية النفسية من وجهة نظر ساغا البغيضة بشأن العالم والتحقيق غير الرسمي في الاختفاء التاريخي لأطفال هنريك سابرو - إلى جانب التحقيق الذي يتقدم في عمليات القتل المتسلسل في الوقت الحاضر. فجلسات الاستشارات النفسية لساغا تعود إلى الطفولة وهلوسة هنريك حول بناته العالقين في ماض بعيد لا يؤثر فيهم الزمن و هو ما يعيدنا إلى الأزمنة الماضية دون الابتعاد عن الحاضر.
وفيما يتعلق بمونستون، يوفر تطور العلاقات الشخصية والتحقيق زخما قوياً إلى الأمام في مسلسل "الجسر"، في حين ننجر بشكل متقطع إلى الوراء إلى أحداث سابقة كذلك. فيبدأ المسلسل بجريمة قتل بشعة تتركنا في حالة من التساؤل عما حدث؟ وتتراكم المزيد من الجثث وتثار أسئلة أخرى عن الماضي. وبحلول الوقت الذي تتوصل فيه ساغا إلى وجود نمط في ارتكاب القتل منه "الرجم، والصعق الكهربائي، والسم، وهي الأساليب الثلاثة المستخدمة في تنفيذ أحكام الإعدام"، تتغير وتيرة الأحداث ويرتفع التشويق بشأن المستقبل. ويسأل ليليان لارسن، مفوض الشرطة: "كم عدد الوسائل المستخدمة؟"، ويؤكد رد ساغا على الأحداث القادمة: "سبعة تستخدم في العالم اليوم. فلدينا هنا الأساليب الثلاثة، بالإضافة إلى فرق الإعدام بالرصاص، والشنق، وغرفة الغاز وقطع الرأس". لكن من هم الضحايا الجدد؟ ومتى؟ ففي كل مرة يكون هناك خبر جديد وتقدم في القضية تقع جريمة جديدة، الأمر الذي يزيد من الشعور بالتهديد بشأن ما سيحدث بعد ذلك.
يحدث هذا التغيير في الاتجاه من الرغبة في معرفة الجاني إلى عنصر الإثارة في منتصف المسلسل، في الدقيقة الأخيرة أو نحو ذلك من الحلقة الرابعة من بين ثماني حلقات. ويبدو الإيقاع المعاكس واضحاً، على سبيل المثال، في "الحارس الشخصي" لجيد ميكوريو: حيث يبدأ المسلسل كموضوع إثارة عندما نشعر بشوق كبير لأن نعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك، ثم في منتصف الطريق أثناء التحولات نصل إلى الجاني بينما نتساءل عما حدث ومن يقع عليه اللوم. ونظراً لأن الشخصيات والمشاهدين (وكثيراً ما تكون لدينا معرفة أكثر بتفاصيل المسلسل من البطل نظراً لاطلاعنا من خلال المتابعة على أغلب الأحداث ووجهات النظر) نكتسب المزيد من الأدلة، ويتحول الاتجاه إلى التشويق مرة أخرى. 
ليست الحبكات المتداخلة والتوترات متعددة الاتجاهات أمراً مسلماً به في الروايات البوليسية. ولتعدد الرواة تأثير كبير على هذا الأمر. وكما يلاحظ تودوروف، فإن السمة الأساسية للرغبة في معرفة الجاني هي أن المخبر الذي يحل الجريمة والصديق المخلص الذي يروي القصة محصنان ضد الإصابة والموت. وبحكم الضرورة، فإنهما يعيشان ليرويا القصة. وهناك بعض الاستثناءات المشهورة لهذا النموذج (ولو أشرنا إليها هنا فسيكون ذلك بمثابة مفسد رئيسي لهذه الحالات). يشعر بوارو عموماً وكأنه شخص آمن في المكان. فعلى سبيل المثال، في رواية "جريمة قتل على قطار الشرق السريع"، يتمحور كل فصل في الرواية حول استجواب أحد المشتبه بهم الاثني عشر في عربة القطار. فالصديق موجود ولا يبدو في الواقع أنه في خطر. وتصبح استنتاجاته المسرحية في معظم الروايات علنية لدرجة أنه لا يكون هناك شعور بأن من المحتمل كثيراً أن يتمكن القاتل - الذي تم كشف النقاب عنه - من القيام بالكثير (على الرغم من أن التكييفات الحديثة في التلفزيون تستمتع بإضافة لمسة إضافية من الميلودراما في هذه اللحظات).

من المؤكد أن المسلسل التلفزيوني "شيرلوك" لـ"ستيفن موفات" و"مارك غاتيس" يرفع من حدة الإثارة، فيبدو أن شيرلوك هولمز الذي يجسده بينديكت كومبرباتش محصناً من الخوف عندما يكون اللغز ملحاً ومثيرا للخوف، ويظهر دكتور "واطسون" والدور لمارتن فريمان وهو يقوم بتحديث مدونته عن مغامراتهما بعد انكشاف الحقيقة، بدلاً من التصرف كما الراوي في جميع جوانب القصة. تجنبت رواية "مونستون" ومسلسل "الجسر" الشعور التقليدي بالأمان من خلال تقديم وجهات نظر متعددة. هذا يعني أن أي شيء يمكن أن يحدث لأي شخص. 

ولو تم تغيير وجهة النظر، فإنها تحدث نقلة في حالة الغموض. فعلى سبيل المثال، يكسر المسلسل البوليسي في لوس أنجلوس "كولومبو" قالب الرغبة في معرفة الجاني. إذ تبدأ كل حلقة بجريمة قتل، ولكن -على غير المعتاد- فإننا نحن المشاهدين، نشهد الجريمة، ونرى من هو القاتل، ونرى محاولاته للتغطية، وإلقاء الشكوك في أماكن أخرى، ومحاولة تكوين دليل النفي. فنحن نعرف الجاني، وكيف ارتكب الجريمة، ولماذا. ويكمن التشويق في كيفية اكتشاف كولومبو للحقيقة. إنها قصة بوليسية، لكنها ليست محاولة لمعرفة الجاني. 
يعتبر لغز الرواية البوليسية آسراً لنا. فقد تعرف شخصيات الرواية شيئا نرغب بشدة في اكتشافه، أو ربما نشاهد جزءاً منه، ونشعر بالقلق من أن المحققين لن يكتشفوه في الوقت المناسب. فتوقيت المعرفة هذا أمر حاسم لخلق التشويق. لكن الأشياء المثيرة حقاً تجمع بين حبكات متعددة ودوافع زمنية متعددة. 
على أيدي الخبراء، يخلق هذا الجمع بين العناصر زخماً ثابتاً. فهو ليس مجرد عمل خفة اليد لإخفاء مغزى بعض القرائن أو تشتيت الانتباه، ولكنه تذبذب حذر بين الأحداث الماضية وتوقع الأحداث المستقبلية. وعلى حد تعبير الخادمة المؤمنة "بيتريدج"، فإننا نتحرق شوقاً ولكننا أيضاً في حالة من الترقب لما يمكن أن يحدث بعد ذلك.

© The Independent

المزيد من ثقافة