Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرار  يسمح بإجراء تنقيبات في الضفة الغربية وضم مواقع أثرية لإسرائيل

يرى الفلسطينيون أنها خرق للقانون الدولي فيما تؤكد جهات في تل أبيب أنها مهمة لحماية التاريخ وإنقاذه

مكان التنقيبات في "خربة تبنة " غرب رام لله (اندبندنت عربية)

بعد أسابيع مكثفة من الحفر والتنقيبات داخل منطقة خربة تبنة الواقعة شمال غربي مدينة رام الله، تمكنت جامعة بار إيلان الإسرائيلية من العثور على قرية تاريخية عمرها أربعة آلاف سنة تعود إلى أوائل العصر الهلنسي – البرونزي، حتى بداية العصر العربي المتأخر (العثماني)، وفخاريات وعملات وعظام سليمة وعملة نادرة، وتعتبر هذه الحفريات الأولى من نوعها في الضفة الغربية منذ ثمانينات القرن الماضي.

مستوطنة يهودية
على موقعها الإلكتروني، زعمت الجامعة أن المسوحات والمكتشفات الأثرية التي وجدت أخيراً داخل الخربة الممتدة على مساحة 50 ألف متر مربع، تدلل على وجود مستوطنة يهودية  قديمة في المنطقة، كانت في بعض الأحيان ذات طابع إداري إقليمي وأهمية عسكرية، وأنها كانت مأهولة في العصر البرونزي ومرتبطة بمدينة تمنات حارس التوراتية (المسمى الإسرائيلي لقرية كفل حارس الفلسطينية)، التي وصفها التوارة "بأنها مكان إقامة ودفن يهوشواع بن نون (قائد بني إسرائيل بعد موت موسى عليه السلام). 
ووفقاً لصحيفة "إسرائيل اليوم" فإن الحديث يدور  عن "مدينة في نهاية فترة الهيكل الثاني، وموقع خربة تفنا (تبنة) تحولت قبل حرب 1967 إلى تلة ذخيرة أردنية". وزعمت الصحيفة أن قائد فريق البحث الإسرائيلي ديفيد رفيف، "عبر عن أمله في استمرار تلك الحفريات".
قرار تنفيذ الحفريات الأثرية في الضفة الغربية بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، يعتبر "غير عادي"، فغالبية علماء الآثار الإسرائيليين يتجنبون القيام بالتنقيبات في الضفة الغربية، لأن المجلات الدولية المرموقة تميل إلى رفض نشر مقالاتهم البحثية بسبب مخالفة ذلك للقانون الدولي، كون الجامعة إسرائيلية والمنطقة المستهدفة في أراضي 1967 بحسب القانون، تعتبر "مناطق محتلة"، في حين أن البروتوكول الثاني لاتفاق لاهاي الدولي "يحظر على قوة الاحتلال الحفر  في الأراضي المحتلة، باستثناء عمليات التنقيب الضرورية لإنقاذ وحماية الموقع".
لكن إسرائيل وفقاً لما هو معلن، لم توقع على هذا البروتوكول. وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نبهت قبل وقت قصير أن "علم الآثار بات أداة لإدارة دحر الفلسطينيين عن الأرض وتثبيت رواية الحق اليهودي في المنطقة"، زاعمة أن "معظم الباحثين في الجامعات بإسرائيل، كانوا حذرين من الانشغال بشكل مباشر في الحفريات في الضفة، لأن مثل هذه الحفريات لا تزال تعد عملاً غير قانوني". وقدرت أن أي باحث قد يسعى لتمويل من جسم غير إسرائيلي لمشروع في الضفة الغربية، "من شبه المؤكد أنه سيلقى الرفض".
إضافة إلى جامعة "بار إيلان"، كشفت "هآرتس" في وقت سابق أن من بين الجامعات الإسرائيلية التي تقوم بأعمال تنقيب وحفر في الضفة الغربية جامعة تل أبيب التي تتعاون منذ سنين مع جمعية "العاد" الاستيطانية في حفريات ما يعرف بمدينة داود شرق القدس، والجامعة العبرية حفرت في "هوروديون" قرب بيت لحم، وجامعة حيفا أجرت استطلاعاً أثرياً ضخماً في الضفة الغربية.
 
 
الجامعة من جهتها، أكدت حصولها على إذن رسمي بالتنقيب داخل منطقة غرب رام لله، بعد أن صرحت لها لجنة آثار الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، وأكدت أن أراضي "خربة تبنة" المستهدفة للبحث، تعتبر  "أراضي دولة " وتقع في منطقة "جيم" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية التامة. 
وبرر  رئيس جامعة بار إيلان موشيه كافيه أعمال التنقيب بقوله "كل مسح أو تنقيب هو  عملية إنقاذ علمية مهمة، حتى لو لم يحددها القانون على هذا النحو". 
أراض خاصة

في المقابل، تفيد الجامعة بأن الأراضي التي أجريت فيها المسوحات والتنقيبات، وفقاً للإدارة المدنية هي "أراضي دولة"، ويؤكد الفلسطينيون وأصحاب الأراضي أنها تجري على أرض خاصة يملكونها، مطالبين  الإدارة المدنية الإسرائيلية بوقفها فوراً، لاعتقادهم أن التنقيب عن الآثار هو مجرد ذريعة للاستيلاء على الأرض، و جزء من سياسة إسرائيلية لحرمانهم منها فيما بعد بتسميتها أرضاً حكومية، بحسب تعبيرهم.

يقول الناشط الفلسطيني ناجي التميمي "قدمنا كل الصور والوثائق من ضريبة الأملاك الأردنية التي تؤكد ملكية الفلسطينيين للأرض في مكان التنقيبات، ومع ذلك رفضت تحت بند حماية التاريخ والآثار  وإنقاذها، واستمر العمل في الحفريات، حتى أن أصحاب الأراضي منعوا من استصلاح أراضيهم وصودرت آلياتهم ومعداتهم الزراعية، وحرموا من وضع سياج لحماية مزروعاتهم من الخنازير، بادعاء أن المنطقة أثرية لها أهمية توراتية لليهود، مع العلم أننا تفحصنا وراقبنا عن كثب كل المقتنيات التي تم كشفها من فخاريات وعملات وعظام ومعدات قديمة وما شابه، ولم نلاحظ أن هناك أي شيء يدل على يهودية المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "صحيح أن حماية الآثار في مناطق جيم تقع على عاتق السلطات الإسرائيلية، لكن هناك طرقاً كثيرة لحمايتها من النهب وسرقة لصوص الآثار بعيداً من السيطرة عليها، وحرمان المزارعين الفلسطينيين منها، وسنحاول بكل الطرق التوجه إلى مؤسسات دولية، لفضح الجامعة الإسرائيلية وممارساتها، وتقييد عمل الإدارة المدنية في الضفة الغربية التي أصبحت تتمادى في صلاحياتها، لأننا متأكدون أن الحفريات جاءت بأهداف سياسية استيطانية، وليست علمية وبحثية كما يدعون، ففي عام 2010 صودرت منطقة "عين القوس" الواقعة على أراضي قريتي دير نظام والنبي صالح، بذريعة اعتبارها منطقة أثرية، وفي 2017، تم الاستيلاء على مناطق زراعية واسعة في الجهة الشرقية من مستوطنة "حلميش" القريبة من قرى غرب رام لله، ومنع الفلسطينيين من استخدام الشارع المحاذي لها. وأخيراً بدأت قوات إسرائيلية بإغلاقات متقطعة لمنطقة طبيعية جذابة تعرف بـ "حرش فايز بيك" أمام الفلسطينيين، فيما تبقيه متاحاً للمستوطنين".

في حين أكد عالم الآثار  الإسرائيلي دفير رفيف، الذي رسم خرائط للموقع عام 2015 لصحيفة "إسرائيل اليوم"، " كان من المفترض أن تبدأ الحفريات العام الماضي، لكن السكان الفلسطينيين رفعوا التماساً يؤكدون فيه أن هذه أراض خاصة، وهذا الحديث لا أساس له من الصحة"،منوهاً إلى أن الحفريات استمرت على رغم الاحتجاجات الفلسطينية.
الضم أثري

في سياق متصل، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منتصف يونيو (حزيران) الماضي، أن وزارة الثقافة الإسرائيلية والإدارة المدنية، قررتا تنفيذ اتفاق يقضي بالسماح لمفتشي سلطة الآثار الإسرائيلية العمل في أرجاء الضفة الغربية، بموافقة وزير الثقافة الإسرائيلي حيلي تروبر. وبحسب الصحيفة، "هذه خطوة أولى نحو إدراج الضفة الغربية ضمن صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية واستجابة لضغوط مارستها منظمات يمينية بهدف إضعاف الإدارة المدنية، بل وإلغائها"، لكن المدير العام لهيئة الآثار الإسرائيلية إيلي إسكوزيدو ومصادر مقربة من وزير الثقافة، نفت لـ "هارتس"هذه الادعاءات، ولفتت الصحيفة أن منظمات يمينية متطرفة عدة على رأسها "منظمة الحفاظ على الخلود" ومنظمة "ريجافيم" تدير منذ سنوات حملات ضد ما تسميه عجز ضابط الآثار.وأكد حنانيا حزمي، رئيس دائرة الآثار للإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية في وقت سابق، أن "حق إسرائيل لإجراء أعمال أثرية في المنطقة يخضع للقانون الدولي والاتفاقات الموقتة مع الفلسطينيين".

حفريات إنقاذ

منظمة "عميك شفيه" التي تعنى بمكانة علم الآثار في المجتمع الإسرائيلي، تقدمت بطلب رسمي لوقف أعمال التنقيب في "خربة تبنة" وغيرها في الضفة الغربية، وادعت في وثيقة تحليلية أن الحفريات الأثرية التي نفذها ضابط الآثار بالضفة الغربية بين سنوات 2007 و2014، ترصد العلاقة القوية بين الحفريات الأثرية في المشاريع الاستيطانية و كيفية استخدام الآثار لأهداف أيدولوجية. 
وبينت الوثيقة، أنه تمت المصادقة بالضفة الغربية على 165 طلب ترخيص لحفريات أثرية من ضمنهم 118 طلباً (تشكل 72 في المئة من مجموع الطلبات) بغرض "حفريات إنقاذ"، و 25 طلباً بغرض "حفريات البحث" و 18 طلباً لإقامة "مسوحات أثرية" تفحص بقايا أثرية يمكن العثور عليها في منطقة محددة من دون تنفيذ حفريات .
هذه المعطيات بحسب المنظمة، تشير  إلى الفجوة الكبيرة بين أعمال البناء والتطوير  لدى المستوطنين، وبين أعمال التطوير  لدى البلدات الفلسطينية بالضفة الغربية، بدليل أنه من خلال 118 حفرية إنقاذ، 106 تم عملهم لمصلحة المستوطنين، و 12 فقط لمصلحة الفلسطينيين، من أجل توسيع البناء بالبلدات الفلسطينية أو من أجل تحسين بنيتهم التحتية.
حفريات سياسية 

فيما تروج جهات إسرائيلية أن الموقع يهودي توراتي، تشير  وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بدورها إلى أن "خربة نبتة" الواقعة غرب رام لله، هي موقع أثري مسجل فلسطينياً، بني على أنقاض قرية سابقة من العصر البرونزي، معتبرة أن التنقيبات التي يجريها علماء الآثار الإسرائيليون في الضفة الغربية، "مخالف لقواعد القانون الدولي، وسابقة خطيرة لتزوير التاريخ تستوجب التوجه إلى منظمات دولية".

 

 

 
وفي هذا السياق، يقول المدير العام للمتاحف والتنقيبات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية جهاد ياسين لـ "اندبندنت عربية"، إن "هذا الإجراء من قبل جامعة بار إيلان غير عادي، فالحفريات التي تدعي بأنها علمية هي بالأصل حفريات سياسية تهدف إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية وسلبها من خلال خطة ممنهجة لشن هجمة على الآثار الفلسطينية لتزييف وتغيير الواقع والتاريخ، إذ شهدت الفترة الأخيرة تكثيفاً في عمليات التنقيب لسرقة الآثار الموجودة بالمواقع الأثرية في داخل الضفة الغربية، وهو أمر مخالف للقوانين الدولية، وما يجري في ’خربة تبنة‘ ليس الأول ولن يكون الأخير، فهناك عشرات المواقع الفلسطينية التي نهبت والسيطرة عليها بحجة الإنقاذ والبحوث العلمية الإسرائيلية، من بينها في منطقة تل رميدة في الخليل، وقرية سبسطية قرب نابلس وتل هيروديون في بيت لحم وتل دوتان قرب جنين، إذ إن 60 في المئة من المواقع الأثرية التي يقدر عددها بسبعة آلاف معلم وموقع أثري في الضفة الغربية، تقع في المناطق "جيم" وتعرضت لأعمال تدمير  ونهب وسرقة من قبل الاحتلال".
ويؤكد ياسين أن " وزارة السياحة والآثار توثق الاعتداءات الإسرائيلية كافة على التراث الفلسطيني، وترسل تقاريرها للمؤسسات الدولية، وقد خاطبنا منظمة اليونيسكو  (الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) لمطالبتها بإلزام إسرائيل بوقف سرقتها للآثار  وتشويه الحقيقة، ومساعدتنا في حماية المواقع الأثرية الفلسطينية في الضفة الغربية". 
من جهة أخرى، اعتبر  رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال جلسة أسبوعية للحكومة الفلسطينية، أن قيام جامعة بار إيلان الإسرائيلية بأعمال حفر  وتنقيب في أراض فلسطينية خاصة شمال غربي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية "انتهاك خطير"، داعياً منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لمتابعة هذا الانتهاك والعمل على وقفه فوراً.
وفيما يرى فلسطينيون أن سياسة التنقيبات الأثرية تعزز الادعاءات الإسرائيلية بملكية الأرض، وتحول دون وصول الفلسطينيين إلى مواردهم الطبيعية والثقافية والاستفادة منها في تنميتهم الاقتصادية، لا سيما قطاعهم السياحة، تؤكد جهات رسمية إسرائيلية أنها مساعٍ ثقافية بحتة تساعد في الحفاظ على المواقع الأثرية المهمة من الدمار. وتقول بيانات إسرائيلية وفلسطينية رسمية، إن هناك ما بين ستة و10 آلاف موقع أثري معروف في الضفة الغربية، وبقايا آلاف السنين من استيطان الحضارات منذ العصر الحجري الحديث. 

المزيد من تقارير