Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النسخة البريطانية من أتلانتس: دليل على وجود نشاط بشري يعود إلى العصر الحجري تحت بحر الشمال

خاص: موقعان سكنيان محتملان يعودان إلى ما قبل التاريخ على ضفاف نهر جفّ منذ زمن بعيد

في العصر الحجري عاشت غالبيّة السكّان على الساحل (غيتي)

وجد علماء الآثار دليلاً على نشاطٍ بشري قديم العهد في ما اعتُبر أنّه مدينة أتلانتس البريطانية.

واكتشف العلماء الذين أجروا تحقيقاً في المشهد الطبيعي الذي يعود إلى العصر الحجري في قاع بحر الشمال موقعين سكنيين محتملين يرجعان إلى ما قبل التاريخ على ضفاف نهرٍ قديم اختفى منذ زمنٍ بعيد.

وتُعتبر تلك المرّة الأولى التي تجد فيها بعثة أثريّة دليلاً كهذا بعيداً عن الشاطىء وتحت كميّة ضخمة من المياه.

في الماضي، قام الصيادون في مناسباتٍ عدّة بجمع القطع الأثرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ والتي عثرت عليها فرق التنقيب عن النفط - غير أنّ بيئات قاع البحر التي أتت منها لم يسبق أن تمّ تقييمها من الناحية الأثرية من قبل.

هذه المرّة، شكّلت الاكتشافات جزءاً من استطلاعٍ أثري نظامي.

ووجد علماء الآثار من بريطانيا وبلجيكا قطعتين أثريّتين حجريّتين في غاية الأهمية في مواقع محددة تمّ التحقّق فيها عمداً عن نشاطٍ إنسانيّ قديم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقام العلماء الذين درسوا توزيع النشاط البشري القديم ومواقع السكن على الأرض من خلال تطبيق معرفتهم على مشهد الطبيعة الغارقة التي تعود إلى العصر الحجري لما سُمّي بأتنلانتس بحر الشمال البريطانية - وسرعان ما أصابوا "الذهب" الأثري.

من الناحية البصريّة، لا تبدو القطعتان الحجريّتان مؤثّرتين بشكلٍ ملحوظ- وهما مغطتان بعيّنتين من رواسب قاع البحر (يبلغ حجم كلّ منهما أكثر من قدم مربّع) من مواقع قاع البحر المستهدف (25 ميلاً شمالي بلاكيني في نورفولك). ولكنّهما في الواقع مهمّتان للغاية، إذ تمكّنان للمرّة الأولى علماء الآثار من استعادة ما يُعتقد أنّه مواقع سكنيّة تعود إلى العصر الحجري وابتلعها البحر حوالي العام 6000 قبل الميلاد.

ويُعتقد أنّ المستوطنات السكنية المحتملة تلك - التي تقع على الجانبين المعاكسين لمصبّ نهر قديم- يرجع تاريخها إلى ما بين 8200 و 7700 قبل الميلاد.

واكتشف علماء الآثار من جامعتي برادفورد وغانت دليلاً يشرح بالتحديد سبب انجذاب البشر في العصر الحجري إلى هذين الموقعين المعينين.

وتُظهر حبوب اللقاح وغيرها من الأدلة البيئية التي تمّ استخراجها من حول الموقعين أنّ الصيّادين في العصر الحجري المتوسط أو الميزوليتي الذين كانوا نشيطين هناك امتلكوا إمكانية الوصول إلى أكثر من نصف دزينة من مشاهد طبيعية مختلفة تتمتّع كلّ منها بموارد مختلفة لاستغلالها.

توفر المستنقعات الغنيّة بأسرّة القصب فرصاً لصيد الطيور المائية الكبيرة فضلاً عن جمع البيض والقصب لصنع السلال ومصائد الأسماك.

وقدّمت السهول الطينية المداريّة وشواطئ الحصى إمكانية الوصول إلى أنواع مختلفة من المحار المغذي - وكانت الفقمات الرمادية والعادية الكثيرة توفر مصدراً موسمياً وافراً باللحوم والدهون الغنية بالبروتين.

ويُعتقد أنّ المستنقعات المالحة جذبت الغزلان والأيائل والماشية البرية العملاقة (الأُرخص) التي زوّدت في المقابل تمويناً أساسياً باللحوم على مدار العام للبشر المحليين.

وكانت الأراضي الجافة التي تعلو قليلاً والمطلّة على مصب النهر، مغطاة بأشجار البندق- وهي لا تنتج المكسرات وحسب، بل أيضاً الخشب الذي كان مثالياً لتصنيع السهام.

ومن شأن المشي على طول مجرى النهر أن يكون أتاح للسكّان إمكانية الوصول إلى أعدادٍ كبيرة من الأسماك التي تعيش في المياه العذبة.

أمّا تضاريس الطباشير (الصخر الرسوبي الأبيض) المتموجة بلطف والتي شكلت المناطق النائية في كلتا المستوطنتين المحتملتين فلعلّها احتوت على ينابيع مياه وجداول صغيرة لمياه الشرب.

أخيراً وليس آخراً، برز مصدر جيولوجي حاسم على الجهة الغربية من مصبّ النهر. هناك امتدّت طبقة من الصخور الرسوبيّة على سطح الأرض القديمة ما زوّد السكّان بحجارةٍ الصوّان الجديدة ليصنعوا منها أدواتهم.

وتقدّم القطعتان اللتين اكتشفهما علماء الآثار لمحةً عمّا كان يفعله سكّان العصر الحجري هناك.

على الجهة الغربية من مصبّ النهر، حيث تقع نتوءات الطباشير والصوّان وجد علماء الآثار جزءا من مطرقة حجرية كبيرة بشكلٍ غير اعتيادي - وهي أداة كانت تُستخدم لكسر صخور الصوّان الكبرى إلى أجزاء أصغر حجماً ليُصار تحويلها بشكلٍ ملائم إلى معدّاتٍ مناسبة.

ويعتقد خبراء الأدوات الحجرية أن جزء حجر المطرقة انكسر عن طريق الخطأ عن حجر المطرقة الأصلي أثناء استخدامه لإنتاج مثل هذه المصنوعات البدائية.

وافترض العلماء أنّ الموقع كان يُستخدم كقاعدةٍ لصنع المعدّات.

وتوصّل العلماء إلى أنّ حجر المطرقة الرئيسي الذي انكسر الجزء منه كان بحجم ثمرة الليمون الهندي ويزن حوالي كيلوغراماً واحداً.

أمّا الجزء الأصغر منه - الذي يبلغ طوله 5 سنتيمتراتٍ وسماكته 6 ملم- فما زال يحمل دليلاً على أنّ حجر المطرقة الذي أتى منه استُخدم بطريقةٍ واسعة. وكان القسم الأعلى من القطعة الصغيرة المنشطرة مغطاة بعشرات علامات التصادم - وهو دليل على كيفية استخدام المطرقة الأساسية في المراحل الأولى من صناعة الأدوات المتعددة.

ومن المحتمل أن تكون المراحل اللاحقة والأكثر دقة لتصنيع الأدوات قد حدثت هي الأخرى أيضاً في الموقع.

وعلى الجانب الآخر من مصبّ النهر الذي اختفى منذ فترةٍ طويلة، وجد علماء الآثار قطعتهم الأثرية الثانية - فتيت صغير للغاية بطول سنتيمتر واحد وسُمك ملمترين مكسور من قطعةٍ كبيرة من الصوّان خلال صناعة الأدوات. وهي تدلّ أيضاً على أنّ صناعة الأدوات كانت تتمّ على ضفّتي مصبّ النهر.

يخطّط علماء الآثار الآن للمرحلة التالية من تحقيقهم تحت الماء.

أولاً، سيقومون بإرسال غوّاصة صغيرة لا تحمل اسماً لمزيدٍ من التحقيق ولتصوير قاع البحر في الموقعين.

ومن المتوقّع بعدها أن تستخدم الغوّاصة الصغيرة أذرعا آلية لاستخراج أيّ قطعةٍ قديمة قد تكون مرئية في قاع البحر.

وقد يرسلون في النهاية غوّاصين إلى عمق 32 متراً نحو قاع البحر للقيام بأعمال التنقيب الملائمة هناك.

أمّا التحديات في الاستقصاءات في قعر بحر الشمال فهي هائلة، ولهذا يتوقّع أن يستغرق التحقيق بضع سنوات.

وتتّخذ هذه الاستكشافات أهمية خاصة لأنّه من المستحيل في العادة إيجاد مواقع ساحليّة سابقة بهذا العمر على أراضٍ جافّة. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الذوبان الجزئي لصفائح الجليد التي تعود إلى العصر الجليدي في نهاية العصر الجليدي الأخير (التجمّد الأخير) أدّت إلى ارتفاعٍ ملحوظ في مستويات البحار حول العالم.

بالعودة إلى العصر الحجري، وكما لا يزال الناس يفعلون اليوم، عاشت غالبيّة السكّان على الساحل (حيث كانت الموارد وافرة بالإجمال)- ولهذا تقع مساكنهم القديمة اليوم، في معظم الحالات، في قعر البحر.

وتشكّل طبيعة العصر الحجري التي تغطّت بالمياه مع تشكّل بحر الشمال إحدى أكبر المساحات الطبيعية الغارقة على كوكب الأرض.

وبغية التوصّل إلى فهمٍ كامل للتطوّر الثقافي للبشرية، يتميّز التحقيق الحالي لأتلانتس البريطانية بأهميّةٍ كبيرة.

ويقول د. سايمون فيتش من جامعة برادفورد وهو أحد علماء الآثار المشاركين في المشروع: "سيمكّننا بحثنا المستمرّ من إعادة بناء شكل الحياة على أكثر من مئة ألف ميل مربع للأرض السابقة الكامنة تحت ما أصبح اليوم بحر الشمال والبحر الايرلندي قبل أن يغمرها ارتفاع مستوى البحر منذ ما بين عشرة آلاف وسبعة آلاف سنة."

وقاد بعثة التنقيب في بحر الشمال الباحثة الجيوفيزيائية البلجيكية د. تين ميسيان من جامعة غانت ومعهد فلاندرز البحري Flanders Marine Institute بالتعاون مع مشروع "الحدود الأوروبية الضائعة" Europe's Lost Frontiers للمساحات الطبيعية الغارقة الذي تقوده جامعة برادفورد ويترأسه عالم الآثار البروفسور فينسنت غافني.

وكان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح البعثة مشاركة البحرية البلجيكية التي سمحت لعلماء الآثار وعلماء الجيولوجيا باستخدام أسطولها الخاص بالبحث "أر في بلجيكا" RV Belgica.

تجدر الإشارة أنّه تمّ تمويل البعثة من قبل مجلس البحث الأوروبي ERC في إطار برنامج هورايزون    Horizon 2020  الخاص بالاتحاد الأوروبي لتمويل البحث والابتكار.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات