Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مآلات الحوار بين السلطة والمعارضة في تشاد؟

يؤرق المجلس الانتقالي هاجس انتقال الجماعات المسلحة إلى الحدود السودانية بعد تزعزع وضعها في ليبيا

ربما لن يتخلى ديبي عن السلطة في المدة المحددة مع تأكيده المستمر أن ذلك يحول دون أن تصبح بلاده بؤرة صراع (رويترز)

بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل (نيسان) 2021 متأثراً بإصابته أثناء تفقده مواقع الجيش في شمال البلاد، منهياً فترة حكم استمرت 30 عاماً، بدا أن تشاد ستدخل في دوامة صراع مع المعارضة ومنها الحركة المتهمة بقتله.

اندفع محمد كاكا ديبي إلى الأمام في طريق والده، وشكل المجلس العسكري الانتقالي برئاسته، وطمأن المجتمع الدولي بأنه سيمكث 18 شهراً فقط، من المفترض أن تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بإجراء انتخابات.

ومع أنه منذ ذلك الوقت لم تنته الانقسامات السياسية، لكن ديبي الابن وبمساندة الجيش الموالي لوالده، ربما لن يتخلى عن السلطة في المدة المحددة مع تأكيده المستمر أن ذلك من أجل المحافظة على عدم تحول بلاده إلى بؤرة ينطلق منها الصراع وتحويل أطرافها إلى حدود دموية.

وخلال هذه الفترة، طرأت تغيرات على الدولة التي تغوص في مستنقع صراعات جارتيها ليبيا والسودان، فضلاً عن تهديدات الجماعات الإرهابية برفع غطاء الحماية الفرنسية الممتدة منها إلى دول الساحل الأفريقي. كما كانت القوات الفرنسية توفر حماية داخلية وأبرزها فض اشتباكات قوات "جبهة التناوب والوفاق" مع الجيش النظامي التشادي أكثر من مرة، ومنها وصول دباباتها إلى القصر الرئاسي في العاصمة نجامينا عام 2008، ثم عام 2019 عندما تحركت المعارضة من الحدود الشمالية واقتربت من نجامينا، حيث تدخلت فرنسا أيضاً وقصفت تلك القوات عبر طائراتها الحربية ثلاثة أيام متتالية، مما أسفر عن تدمير كامل قوتها العسكرية.

تيارات ترى أن هذه خطوة أساسية لبناء الثقة وتفعيل لغة الحوار بين الطرفين، بينما تعتبر أخرى أن محاولات إجراء الحوار خلال عام ونصف العام فشلت، لأنها لم تشمل المعارضة المسلحة، وتعتقد ثالثة بأن مشاركة القوى المعارضة حالياً في الحوار الشامل لا تعني بالضرورة الخروج بنتائج مثمرة، لأن الجلوس إلى طاولة الحوار وحده لا يكفي، وإنما الاتفاق على البنود الرئيسة ثم تفعيلها حتى يتحقق الانتقال السياسي المنشود.

تركيبة المعارضة

أطلق محمد ديبي "مبادرة الحوار الوطني" بدعوة جميع الأطراف السياسية، بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة للمشاركة فيه، وبدأ "الحوار الوطني الشامل" في 15 فبراير (شباط) 2022 بهدف تحقيق المصالحة في البلاد وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وتأجل الحوار مرات عدة إلى أن عقد أخيراً في 20 أغسطس (آب) في نجامينا مع مقاطعة عدد من مجموعات المعارضة المدنية والمسلحة، ومخطط له أن يستمر ثلاثة أسابيع بهدف "طي صفحة المرحلة الانتقالية" والتوصل إلى الانتخابات.

مهد لهذا الحوار توقيع المجلس العسكري وحركات معارضة مسلحة في الثامن من أغسطس (آب) الحالي بالدوحة اتفاق سلام نص على "إنهاء التوترات المسلحة التي تشهدها البلاد ووقف إطلاق النار بوضع برنامج لنزع السلاح وتعهد المجلس العسكري بعدم القيام بأي عمل عسكري ضد الحركات الموقعة على الاتفاق والعفو عن المتمردين الموجودين في الخارج وتأمين عودتهم إلى البلاد"، ولم يخل ذلك الاتفاق من نقاط خلافية نقلت إلى جلسات "الحوار الوطني الشامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنظر إلى تركيبة المعارضة فهي تتكون من 52 حركة مسلحة على رأسها "جبهة التناوب والوفاق" (فاكت) التي انشقت عن "اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية" المدعوم من السودان، وهو تحالف قوى عسكرية تتقارب سياسياً وتنتمي إلى إثنية "التبو"، وتتمركز هذه القوات في جنوب ليبيا مستغلة عدم استقرار الأوضاع هناك ويقودها محمد مهدي علي، المنشق عن الرئيس ديبي، وأسسها لإطاحته وشن عمليات عسكرية ومواجهات مع الجيش التشادي انتهت بمقتل ديبي.

وهناك "تجمع القوى من أجل التغيير" الذي ترجع أصوله إلى قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها ديبي ويقوده تيمان أرديمي الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس ديبي الأب قبل الانشقاق عنه ومحاولة الانقلاب عليه في 14 مارس (آذار) 2006 وإعلانه مواصلة النضال المسلح عام 2013 ضد نظامه.

وينشط أيضاً "المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية" الذي يتمركز في جنوب سبها ويضم منشقين عن ديبي ينتمون إلى عرقية "الدزقرا"، و"الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" التي ينتمي أعضاؤها إلى عرقية "التبو"، إضافة إلى 200 حزب سياسي وتجمع مدني من الداخل والخارج، رحب بعضها بينما رفضت أخرى المشاركة.

محددات الحوار

يبدو حرص محمد كاكا ديبي على إجراء "الحوار الوطني الشامل" مدفوعاً بعدد من المحددات، أولها أنه خلال كلمته عقب تنصيبه رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي لتشاد، تعهد بأن بلاده ستنتهج الحوار وسيلة لتقريب وجهات النظر ولا تستثني أحداً، مع وعود بالعفو عن المتمردين السابقين، معظمهم عسكريون ووزراء سابقون يجمع بينهم عنصر الانشقاق عن والده، مما يرجح أن يكون العفو مشروطاً لاعتبارات يسرها ديبي في نفسه وهي عدم الثقة المفرطة.

أما ثاني المحددات أن حدود تشاد تواجه اضطراباً جيوسياسياً مستمراً بسبب الخطر الواقع عليها، مما عظم من دورها في حملات مكافحة الإرهاب التي انحسرت أخيراً بانسحاب فرنسا، الداعم الرئيس للقوات التشادية. وهنا ربما يواجه ديبي تغير النظرة إلى الجيش التشادي الذي يعد أحد أكثر الجيوش قدرة في منطقة الساحل وأثبت ذلك بمواجهة غارات قوات جماعة "بوكو حرام" التي كانت تنشط في منطقة بحيرة تشاد.

وثالث المحددات أن تشاد في هذه المرحلة من الصراع الداخلي وانعدام الأمن الذي انكشف للعالم بعد زوال قبضة إدريس ديبي، يلزمها التعامل بحيادية بعيدة من النزاعات الإقليمية، مما يعني وقوفها على مسافة واحدة من الأطراف المتناحرة في ليبيا والنأي بنجامينا عن أية تداعيات سلبية ناجمة عنها، وستسهم في ذلك التسوية السياسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في ليبيا نهاية عام 2020 لوقف إطلاق النار في البلاد مع ضغوط المجتمع الدولي بشأن ضرورة رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة منها.

وبغض النظر عن نتائج تلك التسوية وتداعياتها، فإنها خلقت حالاً من عدم الاستقرار لقوات المعارضة التشادية المسلحة في ليبيا، مما يعني إمكان استفادة المجلس العسكري التشادي من هذا الوضع بالتغاضي عن استعانة الفرقاء الليبيين بهذه القوات في وقت سابق ومحاولة استقطابهم للانضمام إلى الحوار، في مقاربة لاستراتيجية والده ربما تكون مفيدة إذا تم تحسينها، إذ كان ديبي يكافئ العائدين من التمرد بالسلطة والمال وأكثر المقربين منه كانوا متمردين سابقين، بعضهم عاد مرة أخرى إلى التمرد وآخرون استمروا في خدمته حتى تسلم ابنه السلطة.

تشكيك في النتائج

بعد أن بدأت جلسات الحوار الذي تأجل مرات عدة، يواجهه الآن تشكيك في الخروج بنتائج إيجابية، وذلك لأسباب منها أن تأجيله حتى قيامه في هذا الوقت مع مقاطعة عدد من الجماعات المسلحة يؤشر إلى عدم حصول توافق كلي حول مبدأ الحوار بعينه بينها وبين المجلس العسكري، ناهيك عن نتائجه. وتصر "جبهة التناوب والوفاق" على وفاء المجلس العسكري بمطالبها المنصوص عليها في اتفاق الدوحة أولاً حتى يعكس حسن نيته، وتبدو "الجبهة" الأكثر استعداداً من بين القوى المسلحة المعارضة لعدم الركون إلى مخرجات الحوار.

ومن الأسباب أيضاً تجذر المشكلات الاقتصادية في ظل نظام ديبي وامتداده إلى الفترة الانتقالية، وتتهم قوى المعارضة عائلة ديبي الكبيرة من إثنية "الزغاوة" بتهميش بقية الإثنيات بالاستيلاء على موارد الدولة، وعلى رأسها النفط الذي يمثل نحو 80 في المئة من الإيرادات الناتجة من الصادرات، ولكن يعيش نحو 47 في المئة من السكان في فقر مدقع، وتحتل تشاد المرتبة 160 من بين 180 دولة معنية، بحسب مؤشر مدركات الفساد لـ"منظمة الشفافية الدولية" الصادر في 28 يناير (كانون الثاني) 2021.

كما ينشط صراع آخر ذو طابع اقتصادي اجتماعي حول التنقيب عن الذهب في منطقة تيبسي شمال غربي تشاد، لكنه تحول إلى سياسي بتسليح الطرفين من قبل المعارضة المسلحة، مما فاقم التوترات، ولم يفلح فرض حظر التنقيب عن الذهب الذي أصدرته الحكومة التشادية في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في الحد من هذه الظاهرة لأنه تم بشكل جزئي وانتقائي، إذ تتهم السلطات بالتواطؤ مع بعض المجموعات المنقبة. وكذلك فاقمت الفوضى في ليبيا بعد مقتل القذافي ثم مقتل ديبي من تزايد تسليح هذه المجموعات، ثم ظهرت مجموعات متمردة بين المنقبين عن الذهب، مما زاد من أخطار إعادة تشكيل التمرد واستخدام الذهب كمصدر للتمويل.

كيانات مساندة

من المحتمل أن تسفر جلسات "الحوار الشامل" عن نتائج إيجابية يتعامل معها المجلس العسكري التشادي كأمر واقع وذلك بإعلان الاستعداد للعودة إلى شكل الدولة وإنهاء حالات التمرد واستيعاب المجموعات المسلحة المعارضة، مما يتطلب عملاً آخر هو الجدية في إجراء الاستفتاء تمهيداً لتنظيم الانتخابات.

لكن تواجه الاستفتاء عقبات من واقع طبيعة البلاد الشاسعة وصعوبة التحرك فيها. أما نتيجة التفاوض الحالي بين المجلس العسكري والحركات المسلحة، بالنظر إلى طبيعة المجتمعات المحلية غير المستقرة والمقسمة وفقاً للولاء للقبائل المنتشرة على مساحة واسعة وانتهاجها العمل بالعرف المحلي بدلاً من القانون في كثير من خلافاتها، فإن ذلك يدعو إلى الشك في مدى نجاح السلطة الحالية بفرض سيادة الدولة.

كما يؤرق المجلس الانتقالي التشادي هاجس انتقال المعارضة المسلحة إلى الحدود السودانية المفتوحة مع تشاد بعد تزعزع وضعها في ليبيا، وظهرت بوادر ذلك في الهجوم الذي نفذ على تخوم البلاد بين القبائل الحدودية التي تعاني، إضافة إلى إقليم دارفور بأكمله، من حال فراغ أمني على الرغم من أن إدارته تتولاها قوات سودانية تشادية مشتركة، وشهدت هذه الحدود خلال هذا الشهر مقتل 18 من رعاة الإبل على أيدي تشاديين في غرب دارفور حيث كانوا يلاحقون إبلهم لاستعادتها بعد نقلها إلى تشاد.

في حال صدقت توقعات المعارضة وفشل الحوار، سيسعى ديبي إلى استمالة كيانات مستقلة كانت مقربة من والده ربما توفر له سنداً لمواجهة المتمردين، وهي مكونة من الزعماء التقليديين الذين عزز من وجودهم الاستعمار الفرنسي، خصوصاً في شمال تشاد، ومنحهم صلاحيات تحصيل الضرائب وإدارة الشؤون العدلية، ثم استمر وضعهم المعنوي بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960، كزعماء محليين أشبه بالإدارة الأهلية في دارفور. كما يمكنه الاستفادة من التجار الحدوديين الذين كونوا ثروات كبيرة في عهد والده وأيضاً الاستفادة من المحاربين القدامى.

ومن ناحية أخرى، تتخوف المعارضة من احتمال ترشح ديبي نفسه للرئاسة ويتفق معها في هذا الخصوص تنظيم المجتمع المدني "واكت تاما" الذي يحمل المجلس العسكري تهماً أخرى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في تشاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل