Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الـ"شيش بيش" بطولة تجمع العرب واليهود على طاولة التعايش والسلام

خطة إسرائيلية حتى عام 2030 تهدف إلى ضمان مستقبل وازدهار المدينة وتعزيز التمكين المجتمعي والثقافي

بطولة الـ "شيش بيش" انطلقت هذا العام بمشاركة عربية ويهودية واسعة (مجموعة دبل يورشاليمي)

في الوقت الذي تشهد فيه مدينة القدس انقسامات حادة أكثر من أي وقت مضى، تعيش مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين عند منطقة "الباب الجديد" معركة من نوع آخر، ليست كتلك التي اعتاد الطرفان على خوضها عند "باب العامود" و"الشيخ جراح"، فالمواجهة في ما بينهما هذه المرة تعتمد بالكامل على أجواء الانسجام والضحك والحظ في كثير من الأحيان، لأن بطولة الـ"شيش بيش" (الاسم المحلي للعبة طاولة الزهر) التي تنظمها مجموعة "دبل يورشاليمي" للسنة السابعة على التوالي، انطلقت هذا العام بمشاركة عربية ويهودية واسعة، في محاولة لإقامة علاقات أوثق بين العرب واليهود، من خلال تنظيم أنشطة ثقافية وفنية مثل الغناء والرقص، وهذه البطولة تزداد شعبية، بحسب وصف المنظمين، ويعد "الباب الجديد" مركزاً للعبة الطاولة، ويأمل المشاركون فيها والقائمون عليها، تعزيز ذلك من خلال تنظيم بطولة لدول البحر المتوسط في "الطاولة"، يشارك فيها لاعبون من المغرب وتركيا ومصر والأردن ومن أوروبا.

أجواء مختلفة

ووسط موسيقى شرقية لا تُسمع عادة في النصف الغربي من القدس الذي تقطنه أغلبية يهودية، ومزيج من رائحة كعك القدس الشهير وطبق الفلافل، تجمع نحو 216 لاعباً حول طاولات عليها "لعبة الطاولة"، في منافسة فريدة تحت عنوان "كلنا مشتاقون"، تخللتها فعاليات فنية للأطفال الذين حضروا مع عائلاتهم لتعلم اللعبة .

سمير (28 سنة) من القدس الشرقية يقول، "الأمر يستحق الانتظار، مئات المشاركين من كل أنحاء القدس، ومن كل الأعمار والخلفيات خلقوا أجواء احتفالية رائعة وجديدة في الباب الجديد، وبسبب أحاسيس كهذه بالضبط نحن نحب جداً لعبة الشيش بيش التي تعلمنا أن كل شيء ممكن، وهذا ليس تطبيعاً أو خيانة كما يراها البعض، إنه تعايش حقيقي بين الفلسطينين والإسرائليين، فأثناء اللعب ننسى السياسية ونتجاذب أطراف الحديث والنكات باللغتين العربية والعبرية، وتعقيدات الصراع في ما بيننا تمحى تماماً".

منظمو البطولة "دبل يورشاليمي"، أكدو عبر تغريدات عدة، أن إنشاء وتسهيل اللقاءات غير السياسية بين اليهود والعرب في القدس في الأساس لتحسين نوعية الحياة في القدس الشرقية، ومن خلال البرامج  والأنشطة الثقافية الممتعة الرامية لتعزيز استراتيجية أوسع للتغيرات الاجتماعية والمادية المهمة في القدس.

أحد المنظمين للبطولة ويدعى جمال زكي يقول، "هناك أحياء منفصلة في القدس منذ سنوات، بسبب العنف والتوترات الدائمة، وأردنا من خلال لعبة الشيش بيش المحببة عند كثيرين من العرب، أن نجمع اللاعبين من مختلف الجهات والديانات والجنسيات، وأن نشجع اليهود للتعرف على القدس الشرقية ومن فيها من عرب، وأن يتجرأ العرب لزيارة القدس الغربية ومصداقة من فيها من يهود، ولطالما كانت الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة هي الجسر المتين الذي يجمع بين الناس، نحاول الدفاع عن حقوقنا بالحياة والعيش المشترك".

نجاح كبير

وبعد النجاح الكبير الذي حققته لعبة الـ"شيش بيش" في القدس، أدرك مؤسسو البطولة أنه من أجل قيادة تغيير كبير على الأرض، بخاصة في القدس الشرقية، هناك حاجة إلى تأسيس مبادرات جديدة، يديرها العرب واليهود بشكل مشترك، ومستقلون عن المنظمات وجداول الأعمال القائمة، وقدموا على إثر ذلك مشروع الشطرنج الجديد باسم "جميعاً ملوك"، وتمكنت المبادرة الجديدة من جمع محبي الشطرنج منذ عام 2019 في القدس، ضمن منافسة سنوية تركز بشكل أو بآخر على طلاب المدارس العربية واليهودية.

يضيف زكي، "من خلال لعبة الملوك الشطرنج، يلتقي الطلاب من كلتا المدرستين بشكل أسبوعي ثابت ويتعلمون معاً أساسيات اللعبة، وسر نجاح ذلك هو اللقاء المشترك، والتاريخ الطويل من العمل المشترك من أجل تعزيز التعايش في القدس، أسسنا كأصدقاء عرب ويهود في القدس الشرقية والغربية مبادرة الغناء الهادئ، وهي سلسلة من الأحداث الغنائية التي صممت في اللغتين العربية والعبرية لتجمع بين العرب واليهود في حب الموسيقى الشرقية".

مؤسسة "صندوق القدس" (غير ربحية) التي تمول بطولة الـ"شيش بيش" وغيرها من المبادرات والمسابقات التي تجمع العرب واليهود في أنشطة ثقافية وفنية، أشارت في منشور لها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنها تصمم على رسم مستقبل القدس "كمدينة مزدهرة تشكل مصدر إلهام للعالم كله"، وكتبت، "من خلال القدرة على التعرف على الاحتياجات المتغيرة للقدس والاستجابة لها، نمنح فرصة للذين يحبون القدس وللأصدقاء من كل أنحاء العالم في المشاركة في الحفاظ على مستقبل المدينة، وإلهام الأجيال القادمة لكي تلعب دوراً في مستقبل القدس، لتعزيز مكانتها كعاصمة معاصرة وثقافية نابضة بالحياة ومتنوعة، باعتبارها مدينة يسودها التسامح والتعددية"، وأضافت، "تطور مؤسسة صندوق القدس القيادة والتميز في المدينة من خلال دعم النشاطات المجتمعية والاستثمار في الجيل القادم، إننا نحافظ على مستقبل المدينة من خلال الترويج للقيادة المدنية الشابة على المدى البعيد، ما يضمن توفير فرص النجاح للمجتمعات المتنوعة القاطنة في المدينة".

ميرا محفوظ، منسقة مشاريع مؤسسة "صندوق القدس" في القدس الشرقية تقول، "الهدف من هذه المشاريع هو خلق تفكير حضري واسع في ما يتعلق بالتفاعل بين السكان في الحياة اليومية، فمن الضروري أن تجمع المعلومات عن الإمكانات والأخطار الكامنة في المساحات المشتركة في المدينة باستمرار، وفي الوقت نفسه، يجب أن يجرى تطوير التخطيط الهيكلي والمادي للمساحات المشتركة التي من شأنها تحسين فرص المقابلات الإيجابية والودية بين مختلف الأطراف"، وأضافت، "تسعى ورشة المساحات المشتركة للنظر إلى مدينة القدس كمختبر اجتماعي تعيش فيه المجتمعات المختلفة جنباً إلى جنب مع نقاط المواجهة والاحتكاك، وكيف ننظر ونفعل من أجل تنمية المجتمع في عالم العولمة الذي يخضع للتوسع الحضري السريع وكيفية بناء الثقة بين السكان".

تهويد مدروس

ويقول البعض، إن لهذه البطولة بهذا الحشد والتنظيم، في هذا المكان التاريخي، استعارة صغيرة لهذه اللعبة، في أن رمية النرد النهائية، شخص واحد لا يكفي للانتصار بها، وهناك حاجة لاثنين، لكن بالنسبة للمقدسين، فإن تنظيم بطولة "شيش بيش"، وغيرها من الأنشطة الثقافية والفنية وجمع المتسابقين العرب واليهود من نساء ورجال وأطفال معاً في مكان واحد مثل "الباب الجديد"، يهدف إلى تغيير معالم المنطقة ونسخ الطابع الإسرائيلي في القدس بشطريها، وإلى تقديم القدس كمدينة جديدة بعيداً عن كل ما هو عربي، بخاصة أن هذه الانشطة المتزايدة دفعت عدداً من الوزارات والهيئات الحكومية الإسرائيلية، لتطوير وتأهيل منطقة "الباب الجديد".

وقد خصصت لجنة التخطيط والبناء منذ بداية العام الحالي ميزانية قدرها 40 مليون شيكل (حوالى 12 مليون دولار) بهدف تطوير القطاع السياحي هناك، في وقت أعلنت بلدية القدس أنها أكملت الأمور اللوجيستية كافة من مخططات ومعدات، لبدء تنفيذ المشروع خلال العام الحالي 2022. وبحسب المخطط، فستقام ساحات وأسواق ومجمعات تجارية وسياحية ضخمة، وتركيب أعمدة إنارة في الشارع مصممة بشكل فني خاص تنير الأبنية ومسالك الطرق، بهدف إضفاء لون سياحي مميز على المنطقة لاستقطاب السياح إليها، وكانت مجلة "Foreign Policy" أشارت في تقرير سابق، إلى رغبة إسرائيل في تعزيز السياحة العربية، وأن لديها خطة لجذب المزيد من السياح العرب إلى القدس، في إطار مساعيها لتوطيد العلاقات العربية الإسرائيلية بعد "اتفاقات أبراهام"، ويعتبر "الباب الجديد" الذي يقع في الطرف الغربي للجدار الشمالي لسور القدس، منطقة حيوية وحساسة للغاية، لقربه من محطة القطار الخفيف، وكنيسة القيامة وحي النصارى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الباحث المقدسي روبين أبو شمسية يقول، "الهدف من هذا المخطط ليس إحكام الربط بين شقي المدينة الشرقي والغربي فقط، وإنما تعزيز مشاريع اقتصادية سياحية وثقافية استيطانية في المدينة، وقرب الباب الجديد لكثير من الأحياء اليهودية جعله محط أنظار بلدية القدس، فالجانب الإسرائيلي يريد أن يؤثر على السائح والزائر القادم إلى المدينة من خلال حواسه، بأن يكون كل ما يراه ويسمعه في المكان ذا طابع يهودي غربي، إذ إن كل من سيمر من غربي القدس إلى شرقها عبر الباب الجديد وباب الخليل لن يلاحظ الفرق، ولن يشعر بأي إختلاف عن غرب القدس، وبالتالي تغيير كامل للمنطقة، وهذا المشروع الذي تسوق له تل أبيب على أنه مشروع سياحي ثقافي وفني لتجميل الباب الجديد، نراه سيطرة للحواس وتغيير معالم المكان".

وكانت الرئاسة الفلسطينية حذرت في وقت سابق، من أن الحكومة الإسرائيلية تحاول أن تسابق الزمن لفرض وقائع على الأرض، لمنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وعاصمتها القدس الشرقية، واعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن "عمليات أسرلة وتهويد القدس باطلة وغير شرعية وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتمرداً إسرائيلياً رسمياً على الشرعية الدولية وقراراتها".

تحسين وتطوير

وفي الوقت الذي يتخوف فيه الفلسطينيون من تهويد منطقة "الباب الجديد" لصالح مشاريع سياحية وثقافية إسرائيلية، أكدت بلدية القدس وهيئة تنمية القدس والتراث، أن المشاريع المختلفة في القدس بشقيها تأتي "لتطوير وتجميل المدينة وتحسين مرافقها"، التي ستخدم سكان المدينة على حد سواء، كما أشارت بعض المؤسسات الإسرائيلية الداعمة للمشروع إلى أنه سيفضي إلى توفير فرص عمل للمقدسيين وتحسين معيشتهم ضمن الخطة الاقتصادية والاجتماعية الحكومية الخمسية (2018-2023)، الرامية إلى "تحسين جودة حياة السكان بشكل هائل وخلق العدالة الإنسانية والمكانية والحضرية"، وذلك بحسب معهد القدس لبحث السياسات الإسرائيلية (غير حكومي)، ونقلت صحيفة "كول هاعير" الإسرائيلية عن وزير القدس والتراث زئيف إلكين قوله، "أحد أهداف وزارة القدس والتراث تحت قيادتي هو عودة الجمهور الإسرائيلي لزيارة مختلف أنحاء البلدة القديمة ووضع المنطقة كمجمع سياحي واسع، إذ تقدم للزوار من إسرائيل والخارج مجموعة متنوعة من الأنشطة والمعالم السياحية التي من شأنها تعزيز المنطقة الخاصة والقدس بأكملها".

المزيد من تحقيقات ومطولات