Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إصلاح مؤسسات القطاع العام في تونس وسط تعثرها بالميزانيات والديون

تأسيس هيئة لتأهيل 213 إدارة رسمية في ظل تحذيرات من احتمال عدم نجاعتها

رئيس الحكومة التونسية نجلاء بودن أثناء ترؤسها اجتماعاً وزارياً في القصر الحكومي بالقصبة، في 17 أغسطس الحالي (صفحة رئاسة الحكومة على فيسبوك)

تتجه تونس نحو إنشاء هيئة متخصصة بالنظر في حوكمة المؤسسات والشركات العمومية التي يشهد جزء منها مصاعب مالية كبرى. ومن المنتظر أن تتكفل هذه الهيئة بمساهمات الدولة التونسية، عبر ضبط تنظيمها الإداري والمالي وتركيبتها وطريقة تسييرها والمقاييس المعتمدة للتعيينات فيها، كما تختص الهيئة بمهمة التصرف في حافظة الشركات ومساهمات الدولة في الشركات العمومية وإعداد الاستراتيجية المساهماتية فيها، علاوة على السهر على تحسين أدائها في إطار إعادة هيكلة هذه المؤسسات وإصلاحها لتسهم في دفع أداء الاقتصاد لرفع تنافسيته وتجاوز الأزمة المالية التي تمر بها منذ عقود بعد أن عجزت عن لعب دورها في تنشيط الاقتصاد والتشغيل والمساهمة في الناتج الإجمالي الخام من المداخيل الإضافية والأرباح وتحولت إلى عبء على ميزانية الدولة بسبب تفاقم مديونية عدد منها.
واستبعد متخصصون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" نجاح الآلية المقترحة نظراً إلى طبيعة العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة، وهي عدم مراجعة سياسة التسيير، والفشل في فرض برنامج إصلاحي مناسب لهيكلة كل مؤسسة وعدم ارتباطه بالتأسيس لهيكل جديد لمعالجته بقدر ما يتطلب مساراً إصلاحياً إدارياً ملحاً، إضافة إلى التحفظ على إنشاء هيئة جديدة لمراجعة حوكمة المؤسسات وإصلاحها، تسير بالتوازي مع هياكل حكومية متخصصة لم تتخلف عن القيام بهذه المهمة، وما ينطوي عليه ذلك من تشكيك في صدقيتها.

تدهور الوضعية المالية

وتعد هذه الشركات والمنشآت أكثر من 200 مؤسسة تقوم الدولة بصفتها مساهماً فيها من حيث رأس المال والاستراتيجية، بتحديد توجهاتها. وبحسب الفصل الثامن من القانون رقم 9 لعام 1989 تنقسم المؤسسات العمومية إلى أصناف، وهي المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية، والشركات التي تمتلك الدولة رأس مالها بالكامل، ثم الشركات التي تمتلك الدولة نسبة مئوية منها، وتنقسم إلى شركات خفية الاسم، ومؤسسات عمومية لا تكتسي صبغة إدارية، وتنقسم إلى مساهمات مباشرة للدولة، وأخرى غير مباشرة، وشركات ذات مساهمة مباشرة للدولة بمفردها أو مع آخرين، مثل الشركات التي تعمل في قطاع تنافسي وتتطلب إعادة هيكلة رأسمالها والمحافظة على صبغتها القانونية، وأخرى تعمل في قطاع استراتيجي مثل النقل أو الطاقة والصحة. وتسهر الدولة عن طريق هياكلها على حوكمة ومراقبة ومتابعة التصرف بالموارد المالية والتعيينات فيها. 

وأدى تدهور الوضعية المالية لعديد من تلك المؤسسات إلى غياب السيولة الكافيـة وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدولة في ما يتعلق بتسديد الديون الجبائية والجمركية والقروض الممنوحـة لها من قبل الدولة، والتي حل أجلها. لتجبر الدولة على تعويض هـذه المداخيل عـن طريق البحث عن موارد أخرى وبكلفة باهظة.

مديونية مهددة لميزانية الدولة

وأضحى مستوى مديونية المؤسسات العمومية التونسية وعدم قدرتها على سداد ديونها خطراً على ميزانية الدولة، وهو خطر صريح في حال ضمنت الدولة هذه الديون أو كانت هي نفسها قد منحت قروضاً، أو ضمنياً في حال كانت هذه المؤسسات تعمل في قطاع يعد حيوياً، وتلتزم الدولة ضمنياً بدعمها عند الحاجة.

وسجلت متخلـدات القـروض المسـندة مـن قبـل الدولـة إلى المؤسسات العمومية ارتفاعاً بنسـبة 18 في المئة لتبلغ 957 مليون دينار (300 مليون دولار) في عام 2020، مقابل 808 مليون دينار (253.2 مليون دولار) لعام 2019، بسبب تواصل تدهور الوضعية المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أهم الدائنين الذين تعلقت بذمتهـم قروض بمختلف أصنافها، عائدة للدولة، حتى عام 2021، وحل أجلهـا ولم يتم تسديدها، "الشركة التونسية للكهرباء والغاز" بـ99 مليون دينار (31 مليون دولار)، وهي قروض معاد إقراضها، إذ توقفت عن التسديد منذ عام 2020، و"شركة نقل تونس" بـ244 مليون دينار (76.4 مليون دولار)، وهي قروض خارجية معاد إقراضها وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بـ51 مليون دينار (15.9 مليون دولار) بقروض خارجية معاد إقراضها، و"الشركة التونسية لصناعة الحديد والفولاذ" بـ60 مليون دينار (18.8 مليون دولار) بقروض خزانة وقروض معاد جدولتها، و"الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق" بـ250 مليون دينار (78.3 مليون دولار) قروض خزانة، و"الديوان الوطني للتطهير" بـ58 مليون دينار (18.1 مليون دولار) كقروض خارجية معاد إقراضها، والديوان الوطني للزيت بـ51 مليون دينار (15.9 مليون دولار)، وهي قروض معاد جدولتها.

وتطور حجـم الديون التي لم يحل أجلها والممنوحة من الدولة إلى المؤسسات العمومية خلال عام 2020، ليصل إلى 2.4 مليار دينار (752 مليون دولار) بعد أن كانت في حدود 1.8 مليار دينار (564 مليون دولار) في 2019 بزيادة قدرها 30 في المئة على خلفية جائحة كورونا ولتوفير حاجات المنشآت العمومية من المال المتداول للوفاء بالتزاماتها تجاه الممولين.

وشهد حجـم القـروض المسندة للمؤسسات العمومية مع منح ضمان الدولة خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعاً بنسبة 52 في المئة وفق وزارة المالية التي كشفت بدورها عن أنها تمثل مخاطر عالية وفق معايير الدعم الموجه وحجم القروض المسندة من قبل الدولة أو الممنوحة بالضمان، ومتخلدات القروض المسندة من قبل الدولة، والمعطيات المالية للمؤسسات، والتي تتعلق تحديداً بـ"ديوان الحبوب" و"الصيدلية المركزية"، و"الشركة التونسية للكهرباء والغاز"، و"الشركة التونسية لصناعات التكرير"، و"شـركة الخطوط التونسية".
ويعد برنامج إصلاح وإعادة هيكلة الشركات والمنشآت العمومية من أبرز الوعود التي قدمتها الحكومات التونسية المتعاقبة في العشرية الأخيرة للمانحين بما فيها الحكومة الحالية. وأشارت إليها وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية في 7 يونيو (حزيران) الماضي، عند استعراض البرنامج الوطني للإصلاحات الذي ضمن في الوثيقة التي قدمت لصندوق النقد الدولي، وتضمنت برنامج إصلاح المؤسسات العمومية من خلال ضبط قائمة بأسماء الناشطة منها في القطاعات الاستراتيجية وإعداد برنامج لتسوية الديون بين الدولة والمؤسسات العمومية وتصفية الديون المتقاطعة بحسب القطاعات. وتعد إعادة هيكلة هذه المؤسسات وإصلاحها من أهم مطالب صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.

هيئة موازية

وكشف الباحث الاقتصادي حسين الرحيلي عن أن "عدد المؤسسات والمنشآت العمومية بلغ 213 حتى عام 2018، وتنقسم إلى 50 مؤسسة لا تكتسي صبغة إدارية وهي منشآت عمومية و52 شركة خفية الاسم و87 مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية و24 مؤسسة صحية". واعتبر أن "إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وإصلاحها غير مشروطة بإنشاء هيئة متخصصة بمراقبة المحفظة والوضع المالي وميزان المدفوعات، بل بالنظر في طبيعة هذه الشركات وهيكلتها وطريقة إدارتها من قبل الدولة، فقد تحولت إشكالية إدارة الموارد إلى أكبر العراقيل بعد أن أصبحت المؤسسات العمومية خاضعة لقانون 1989 الذي أخضعها لسلطة الإشراف وكبلها وارتهنت قراراتها لدى الوزارة المشرفة عليها ونزع صفة الإدارة المباشرة واستقلالية القرار عن مجالس الإدارة، ما تسبب في تفاقم البيروقراطية وتعطل القرارات. والحال أن عدداً كبيراً من هذه المؤسسات ينشط بقطاعات تنافسية لا تحتمل اتساع السقف الزمني لاتخاذ الإجراءات. الإصلاح لا يحتاج إلى هياكل جديدة أو قوانين نافذة بقدر ما يستوجب برنامجاً لإصلاح هيكلي يتناول جذور الإشكاليات والخلل".
وتختلف الشركات من حيث الخصوصيات، بالتالي منهج الحوكمة، ومن أساسات مراجعة الحوكمة، وفق الرحيلي، "التدقيق في التعيينات والاعتماد على الكفاءة بعيداً من الولاءات، كما تقتضي منحها للهياكل المتخصصة المنضوية أساساً تحت رئاسة الحكومة، وتحديداً لدى الكتابة العامة للحكومة المتخصصة بالمؤسسات العمومية، والتي تضم هياكل رقابية متخصصة برئاسة الحكومة ووزارة المالية من دون الحاجة إلى استحداث هياكل جديدة. ومن شأن مراجعة قانون 1989 ودراسة ملفات المؤسسات وخصوصياتها كل على حدة ومعالجتها على هذا الأساس ومراجعة التعيينات وفق الكفاءة وتحديد مهام الشركات وحاجاتها، أن يؤسس لاستراتيجية اقتصادية ناجعة وحوكمة رشيدة".

من جهة أخرى، استبعد الباحث وسيم بن حسين، "تمكن الهيئة المزمع إنشاؤها من تحقيق الإضافة بالنظر إلى مهامها التي تتقاطع مع محكمة المحاسبات والإدارة العامة لمراقبة الأداءات وغيرها من الهياكل الرقابية الموجودة، بحكم أن الهيئة التي ستنشأ بمقتضى مرسوم لن تتمتع بما يتوفر لدى المؤسسات المذكورة من علوية القانون". وأضاف أن "مراقبة الحسابات والمحافظ والتصفية هي من مهام محكمة المحاسبات التي توفرها سنوياً بقطع النظر عن اعتمادها من دونها، ما يدعو إلى طرح مسألة مساحة الهيئة الجديدة وطبيعتها وصلاحياتها وجدوى تقاريرها واتخاذها لتنفيذ الإصلاح أو لصفتها الاستشارية، ما يحيل إلى هيئة موازية في حال عدم توفر الحاجة والفجوة التي تحتم التأسيس لها. وتحدد عندها إمكانية تضارب صلاحياتها مع الهياكل المذكورة، الأمر الذي يطرح إشكال الاختصاص، بينما ترتكز إعادة الهيكلة للمؤسسات العمومية على برنامج إصلاح تضعه الوزارات المعتمدة بما يشمل الحوكمة والتصفية ووضع استراتيجية مخصوصة بكل قطاع وتتكفل الجهات المتخصصة بالرقابة بمرافقة المسار وفق اختصاصها".