خلال الشهر الماضي، قمت بزيارة ألمانيا لتوقيع اتفاقية لاستعادة 1130 قطعة بنين برونزية وهي المنحوتات اليدوية الصنع التي زينت القصور التاريخية لمملكة بنين في بلادي. نُهبت هذه المجموعات خلال حملة استعمارية عقابية في العام 1897، ومن شأن عملية إعادة الترحيل إلى الوطن أن تعيد تلك البرونزيات التي نملكها إلى ديارها الأصلية.
بيد أن ألمانيا لم تكن السلطة الاستعمارية السابقة في نيجيريا. ولم تكن هي من سرق تلك اللوحات التاريخية الزاخرة بالتفاصيل والتي زينت في ما مضى أعمدة القصور والرؤوس التذكارية المنحوتة من النحاس الأصفر التي تجسد الحكام وكانت توضع على المذابح أو سواها من التحف التذكارية الدينية والثقافية. كان البريطانيون هم الذين باعوا كنوزنا للألمان، لكي يدفعوا جزءاً من ثمن تدمير مملكة بنين. وعلى الرغم من أن ألمانيا استحوذت على تلك القطع بشكل قانوني، غير أنها أدركت بأن إعادة البرونزيات هو فعل الصواب.
ولعل الفضل يعود إلى ألمانيا لقيام بعض المؤسسات البريطانية بالخطوة نفسها. وهذا الأسبوع، وافقت مجالس الإدارة في كل من جامعتي أكسفورد وكامبريدج على إعادة 213 برونزية بنين يحتفظ بها متحفا بيت ريفرز وأشموليان في أكسفورد ومتحف علم الآثار والانثروبولوجيا في كامبريدج. يتوجب على مفوضية المنظمات الخيرية أن توقع على هذا القرار الذي، وإن تمت الموافقة عليه، سيشكل أكبر عملية ترحيل من نوعها تقوم بها بريطانيا.
بيد أنه، وعلى الرغم من الجهود المشكورة والتي تستحق الثناء التي تقوم بها هذه المؤسسات الصغيرة وغير الحكومية، ترفض المؤسسة البريطانية بشكلٍ عام الإذعان لهذه القرارات. ويرفض المتحف البريطاني الذي يحتفظ بأكبر مجموعة من البرونزيات، إعادة القطع التي تربط بلدنا بحقبةٍ تسبق الحكم الاستعماري البريطاني. وفي أحسن الأحوال، عرضوا علينا إقراضنا إرثنا الثقافي الخاص. ولكنه تحتم علي تذكيرهم أثناء زيارتي للمتحف خلال الشهر الجاري بأننا ما زلنا ننتظر رداً على رسالةٍ أرسلناها في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 نطلب فيها بإعادة التحف إلى بلدها الأم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحتفظ المتحف البريطاني وحده بحوالى 69 ألف تحفة فنية أفريقية من أنحاء القارة. فكيف بوسعنا أن نكون شركاء متساوين عندما تحرمنا من جزء كبير من تراثنا؟
هم لا ينكرون عملية السرقة. إذ يشرح القيمون بأن ظروف الاستحواذ، التي تشمل تدمير ونهب واحدة من القوى العظمى في غرب أفريقيا، تُعرض حالياً بشكل شفاف ومفصل إلى جانب القطع. إنها خطوة مرحب بها ولكنها تترك أيضاً شعوراً بالامتعاض. لماذا يعرضون الطرق غير القانونية التي تم من خلالها الاستحصال على هذه القطع الأثرية الثمينة إذا لم تكن هناك نية لإعادتها؟ الاعتراف وحده لا يؤدي إلى الغفران.
تتعلق إحدى الحجج التي يقدمونها بأن تلك القطع تضطلع بأهمية ثقافية عالمية ويجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة. والمعنى المخفي هو أنه لا يمكن الوثوق بالأفارقة ليكونوا أوصياء وأمناء على إرثنا الثقافي. ولكن هذا الأمر يلغي فرضية أن البرونزيات صمدت على مدى مئات السنين قبل أن تتم سرقتها، وبأن ما من ضرر لحق بتلك التي أُعيدت إما من خلال أطراف أخرى فعلت الصواب أو من خلال قيامنا، بكل تحفظ، بإعادة شراء ما هو أصلاً ملكنا.
وتعتبر إجابة أخرى على السؤال بأن المتاحف الموسوعية "لا تخدم مواطني بلد واحد وحسب بل شعوب كل البلدان أيضاً"، مما يروج للتعلم المشترك بين الثقافات، ويضع المسألة ضمن إطار عالمي شامل. ومع ذلك، بمجرد استعادة الملكية الشرعية، لا يوجد سبب لعدم إمكانية إعارة أجزاء من المجموعة إلى المتحف البريطاني. وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فلا ينبغي إثراء الثقافة العالمية من خلال طمس ثقافات معينة. لم يعد مسموحاً ببقاء الإرث الأفريقي رهينة في المتاحف الأوروبية للحفاظ على هذه الأفكار.
بالنسبة للنيجيريين، لا تشكل تلك القطع تحفاً فنية جميلة يحبون رؤيتها في المتاحف الأجنبية، بل هي صلة بأسلافنا. من خلال تلك القطع، نرسم تاريخنا ونرسي الأحداث الغابرة فيما أدت أخرى وظائف روحية أو ثقافية. ومن خلال معرفة ماضينا وترسخنا في إرثنا الغني، يمكن للمستقبل أن يتكشف. إن رفض إعادة تحفنا الفنية التاريخية يحرمنا من الأمرين معاً.
لهذا السبب تعمل الحكومات والمتاحف حول العالم في اتجاه استرداد الإرث. وإضافة إلى ألمانيا، قام كل من متحف سميثسونيان ومتحف المتروبوليتان للفنون في الولايات المتحدة بالإضافة إلى كلية يسوع في جامعة كامبريدج وجامعة أبريدين في المملكة المتحدة بإعادة منحوتات بنين البرونزية التي تحتفظ بها أو أبرمت اتفاقيات بإعادتها.
ومن بين الجهود الأشمل لاستعادة التحف الفنية الأفريقية، التي تتواجد 90 في المئة منها في أوروبا وليس في أفريقيا، قامت كل من بلجيكا وفرنسا وهولندا بالعديد من الالتزامات في هذا الإطار. بالنسبة للشعب النيجيري والعديد من الشعوب الأخرى حول العالم، تمت تسوية الجدل وصياغة الحسابات الأخلاقية. أصبحت المسألة الآن مسألة توقيت.
تواجه بريطانيا ومتاحفها خطر الإهمال وبأن تترك في الخلف. يود شعب نيجيريا وبلدان أفريقية أخرى استعادة تاريخهم. إضافة إلى ذلك، يهدد هذا الأمر بتشويه علاقتنا الأوسع مع المملكة المتحدة، إذ تضطلع المسائل الثقافية بأهمية متزايدة في الدبلوماسية. ومن خلال عملية الاستعادة البسيطة هذه، فإن الصداقة التي تربط المملكة المتحدة بنيجيريا، أكبر البلدان الأفريقية من حيث السكان والاقتصاد، ستتعزز وتتدعم.
وإن كانت الحكومة البريطانية جدية بشأن تعزيز روابط الكومنولث الآن، وقد خرجت من الاتحاد الأوروبي كما أعلنت أخيراً في كيغالي، فيشكل هذا الأمر طريقة سهلة لترسيخ الثقة. أرست ألمانيا اليوم مثالاً يجب أن يحتذي به العالم. ويتم حالياً إنشاء متحف جديد في مدينة بنين. وسيكون الأمر بمثابة لائحة اتهام توجه للمملكة المتحدة في حال افتُتح المتحف فارغاً بسبب رغبة المؤسسات البريطانية في تجنب ظهور الثغرات في مجموعاتها.
* لاي محمد هو وزير الإعلام والثقافة في حكومة نيجيريا
نُشر في اندبندنت بتاريخ 5 أغسطس 2022
© The Independent