Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية رهن مبادرات فردية

معرض فرانكفورت الدولي للكتاب والهجرة السورية يوسعان خريطة الاختيار

نجيب محفوظ ونازك الملائكة في لوحة داخل معرض فرانكفورت (غيتي)

بدأت ترجمة الأعمال العربية إلى الألمانية نهاية سبعينيات القرن الماضي في ألمانيا الغربية مقابل ترجمات أخرى قامت في ألمانيا الشرقية، وتحديداً في دار نشر لينوس الصغيرة التي خلقت آنذاك خطاً خاصاً بترجمة الأدب العربي شعراً ونثراً. ومنذ ذلك الحين كرت سبحة ترجمة الأعمال العربية إلى الألمانية ببطء وهدوء حتى سنة 2004، وهي السنة التي حل فيها العالم العربي ضيفاً على معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ونشطت عجلة الترجمة إلى الألمانية. مع معرض فرانكفورت العريق وأصداء جوائز العالم العربي للرواية، وبخاصة البوكر العربية وهجرة الكتاب والفنانين السوريين إلى ألمانيا، تضاعف عدد النصوص المترجمة إلى الألمانية، وراحت دور نشر ألمانية متعددة تلتفت إلى الأدب العربي الكلاسيكي والمعاصر، مثل دار Unionsverlag في زيوريخ، وVerlag C.H. Beck التي تعاونت مع Kiepenheuer publishing group لإنشاء "مكتبة شرقية"، عدا عن Edition Orient في برلين، وAlawi Verlag في كولونيا الألمانية، وLuchterhand Verlag التي نشرت مثلاً رواية يوسف زيدان "عزازيل" الفائزة بجائزة البوكر العربية سنة 2009، ودارHanser Verlag التي نشرت للبناني جبور الدويهي وSuhrkamp التي نشرت للبنانية علوية صبح.

وعلى الرغم من هذا التعداد الذي يبدو كثيراً وغزيراً فإن الترجمة إلى الألمانية هي أقل ترجمات الأدب العربي عدداً بالمقارنة مع ما ينقل إلى الفرنسية والإنجليزية، ما دفع بكثيرين إلى رفض الحديث عن "حركة ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية"، لأنها ليست حركة فعلية، وإنما مجموعة مبادرات فردية يقوم بها مترجمون مهتمون بالأدب العربي وشغوفون بنقله إلى القارئ الألماني. ما زالت ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية بنظر كثر، قائمة على خيارات مترجمين فرديين، ولم تصل إلى حد أن تكون حركة فعلية لها ديناميكية وأصول وخصائص وقواعد. ومن الجدير بالذكر أن الدولتين اللتين استأثرتا بحصة الأسد من الترجمة إلى الألمانية هما لبنان ومصر، وعلى وجه التحديد أعمال نجيب محفوظ وأترابه وروايات الحرب اللبنانية، إضافة إلى شيء من الأدب الفلسطيني.

ومتى كان موضوع الكلام هو ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية، فلا بد من العودة إلى آراء المتخصصين في هذا الشأن كالمترجم المعروف هارتموت فاندريتش الذي ترجم وحده نحو ثمانين عملاً عربياً، وكذلك المترجمة لاريسا بندر التي تدأب على نقل الأعمال العربية إلى الألمانية، وبخاصة النصوص السورية منها، وطبعاً الوكيلة الأدبية والمترجمة اللبنانية الألمانية ليلى شماع مؤسسة وكالة "ألف" لترجمة الأدب العربي إلى الألمانية، فكانت المعطيات الآتية حصيلة مقابلات ولقاءات مُجراة معهم.

الموضوعات القابلة للترجمة 

لا ضرورة لتكرار الفكرة المتوقعة، وهي أن أدب مناطق النزاع والحروب، وأدب مناطق وجود التطرف والإرهاب والعنف، وأدب مناطق انتهاك حقوق المرأة واضطهادها هو نوع الأدب الذي يجذب قراء الغرب ومترجميه. إنما في ألمانيا، يختلف المشهد قليلاً، فإضافة إلى هذه الآراء المسبقة المحفزة على قراءة الأدب العربي، يملك القارئ الألماني في مخيلته توقعات أخرى وأهدافاً أخرى.

يقرأ المتلقي الألماني اليوم الأدب العربي المترجم ليفهم عقلية المهاجر السوري الذي وصل إلى بلاده منذ أكثر من خمس سنوات وراح ينصهر في نسيج مجتمعه وحياته اليومية. يقرأ المتلقي الألماني الأدب العربي اليوم لوجود علاقات حياتية يومية مباشرة بينه وبين وافدين جدد لا يعرف عنهم سوى أنهم هاربون من حرب وعنف وتنكيل.

إن ما لا يتوقعه متابع حركة ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية هو أن نيل جوائز مهم لتحريك ترجمة عمل، إنما وجود الكاتب في ألمانيا أهم وأكثر تأثيراً. يفقد الكاتب العربي الذي لم يغادر العالم العربي حظوظه في الترجمة إلى الألمانية (أو غيرها) أما الكاتب الذي سافر وأقام في الخارج فيتحول التعامل معه إلى تعامل سهل وتمنح نصوصه أولوية الترجمة لدى القيمين على الأدب في الخارج.

والحق يقال إن مفاتيح الترجمة إلى الألمانية هي في يد المترجمين وليس دور النشر، فالقيمون على دور النشر لا يجيدون العربية، ولا يدركون ما يصدر في العالم العربي، ولا يميزون بين الغث والسمين من النصوص، من هنا أهمية المترجم، وأهمية ذائقته، وأهمية شبكة علاقاته وتأثيرها على ما يترجم. يختار المترجم النص القابل للترجمة ويبقى عليه أن يعرضه على دور النشر وأن يقنع الناشر بقيمة النص وبقدرته على در الأرباح على الدار في حال نشره.

قد يعتبر كُثر أن فقاعة ترجمة الأدب السوري إلى الألمانية قد خفتت، وأن الاهتمام بالأدب السوري وبالمهاجرين السوريين قد أفل، لكن الحركات الاجتماعية لا تعلو ولا تخبو بهذه السرعة. على العكس، فتحت موجة المهاجرين السوريين إلى ألمانيا الباب أمام مزيد من الترجمات، بخاصة أن القارئ الألماني، وبحسب مترجمين متعددين لا يزال يملك في لا وعيه صورة رومنطيقية عن الشرق. على عكس القراء الأنغلوفون الذين يبحثون عن فهم شؤون السياسة والإسلام والتطرف والمرأة في الأعمال الأدبية المترجمة، لا يزال جزء من القراء الألمان اليوم عندما يقرؤون عملاً مترجماً عن العربية يتوقعون قراءة الشعر أو الأساطير أو أخبار ليالٍ تشبه ليالي شهرزاد وملكها شهريار. لا يزال شيء داخل القارئ الألماني يبحث عن الشرق الذي كانت صورته رائجة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث تحفل النصوص بأخبار السلاطين وأهل الجن.

الصعوبات اللغوية واللوجستية

إن قراءة نص والاستمتاع بفنيته وتذوق جماليته أمر مختلف عن ترجمته والغوص في تفاصيله اللغوية. مترجمون متعددون من بينهم لاريسا بندر وهارتموت فاندريتش يتحدثون عن صعوبات الترجمة عن العربية، فأسماء الأماكن والملابس والأطعمة صعبة، التكرارات في التراكيب والكلمات ورصف الجمل والنعوت والأحوال صعبة، كذلك نقل الاختلاف في العربية بين العاميات والفصحى إلى الألمانية من سابع المستحيلات، لتبقى الأخطاء اللغوية التي لا يشرف على تصحيحها وتحريرها الناشر العربي أقسى ما على المترجم الألماني أن يتعامل معه. فتقول لاريسا بندر، "أحياناً نشعر أن الكاتب نفسه لا يعرف ماذا يريد أن يقول. وتكمن المشكلة في أن اللغة الألمانية لغة دقيقة بمكان، وعند الترجمة تفتضح أماكن الضعف والركاكة اللغوية، هذا عدا عن التكرارات الكثيرة التي يستحيل وضعها في النص الألماني، وهذا أمر صعب لأن الكتاب العرب يعشقون التكرار والرصف والإطالة ويكثرون منها في نصوصهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأسست وكالة "ألف" لسد فجوة في الترجمة من العربية إلى الألمانية، وقد قامت هذه الوكالة، وعلى رأسها المترجمة ليلى شماع بعمل جميل لنقل الأدب العربي إلى القارئ الألماني وتغيير الأفكار المسبقة التي يحملها المتلقي الألماني حول هذه البقعة من العالم وأهلها وأدبهم. ومن يتابع ترجمات شماع قد يجد أنها تركز أكثر على الكتابات الصادرة في المشرق العربي كأعمال غالب هلسا وعباس بيضون وعلوية صبح وخالد الخميسي وليلى بعلبكي وإلياس خوري وجرجس شكري وعلوية صبح، إلخ. إنما في الواقع نجد أن الترجمة إلى الألمانية تشمل كتاباً من الحقل الأدبي العربي كله، بخاصة أن ترجمة الأعمال المكتوبة في شمال أفريقيا أسهل لأنها قد تؤخذ أحياناً من ترجمتها الفرنسية وليس من النص الأصلي العربي.

إن وزارات الثقافة في العالم العربي غائبة للأسف عن دعم الترجمة، وكذلك المجتمع الأهلي ومؤسساته والناشر العربي، إضافة إلى أن وظيفة الوكيل الأدبي نفسها غير متعارف عليها بعد ويرمى بالثقل كله على كاهل الكاتب الذي يجب أن يكتب ويبدع ويؤمن ناشراً عربياً جيداً، وأن يحرص على تأمين تغطية صحافية جيدة لنصه ليعود فيبحث لنفسه عن مترجم أجنبي وناشر أجنبي وتغطية إعلامية أجنبية كذلك. الجوائز نفسها التي أصبحت مدخلاً إلى الترجمة نادراً ما تزيح عن الكاتب هذه الأعباء، فالرواية العربية المعاصرة غير مترجمة إلى الألمانية بكل ثقلها، وعندما نتحدث عن الرواية العربية في العالم لا يمكن أن نفكر فعلياً بالرواية المعاصرة التي بالكاد يترجم منها إلى الألمانية أربعة أعمال في العام.

على الرغم من صعوبات ترجمة الأدب العربي ومآزقه يبقى الأدب المترجم هو أمل الإنسان العربي الوحيد في تغيير الصورة النمطية المشاعة حوله في وسائل التواصل الغربية وفي نشرات الأخبار، وهذا ما يدأب المترجمون على القيام به عبر اختيارهم روايات ونصوصاً لا تصور العنف والإرهاب، ولا تقدم مزيداً من الصور النمطية ولا تجعل الإنسان العربي مجرد ضحية تبحث عن الخلاص على شواطئ أوروبا. إن القارئ الأوروبي قد يبحث عن قصص ناجين من الحرب والقتل، قد يبحث عن قصص تمجد الديمقراطية الغربية والليبرالية الأوروبية، لكن هذا ليس جوهر الترجمة. يجمع مترجمو الأدب العربي إلى الألمانية أن غايتهم هي مد جسور وعي بين الشعوب وكسر الصور المنمطة وتحرير الإنسان العربي من الهواجس الملتصقة به. فلا يخفى على أحد أن صورة الإنسان العربي سيئة في الغرب بسبب الإرهاب والحروب والعنف والتخويف واللجوء ومئات القضايا الأخرى، ليبقى الأدب المترجم والمترجمون هم المنقذ الوحيد للإنسان العربي المظلوم داخل بلاده وخارجها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة