Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كل السلطة للرئيس في جمهورية قيس سعيد

"الخيار في تونس، مع الأسف، هو بين السيئ والأسوأ والأقل سوءاً حتى إشعار آخر"

لا علاج لنقص الديمقراطية وقلة الخبرة في ممارستها سوى المزيد من الديمقراطية والتجربة (أ ف ب)

الصراع بين الرئيس قيس سعيد ومعارضيه ليس على روح الثورة، حسب الخطاب، بل على السلطة في الواقع. ومشكلة تونس أنها ضيعت الخيار الجيد بعد "ثورة الياسمين"، وهو النظام الديمقراطي الحقيقي، بألعاب السياسيين وهيمنة "النهضة" الإسلامية والعجز عن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. وهي مشكلة لم يحلها دستور عام 2014، ولن يحلها دستور 2022 الذي جرى الاستفتاء عليه بعد عام على قيام الرئيس سعيد بتعليق الحياة السياسية. فالخيار في تونس، مع الأسف، هو بين السيئ والأسوأ والأقل سوءاً حتى إشعار آخر. السيئ هو العودة إلى ما قبل 25 يوليو (تموز) 2021 يوم "انقلاب" سعيد الدستوري. والأسوأ هو العودة إلى ما قبل الثورة ونظام زين العابدين بن علي الرئاسي السلطوي. والأقل سوءاً، ويمكن أن يصبح الأكثر سوءاً حسب الممارسة، هو النظام الرئاسي الجديد الذي قال سعيد إنه "أنهى حكم الرجل الواحد" وأقام "جمهورية جديدة". فالنظام الرئاسي، حسب الدستور الجديد الذي جرى الاستفتاء عليه وسط مقاطعة المعارضة، وكانت نسبة المشاركين 27 في المئة من الناخبين هو عملياً حكم الرجل الواحد.

لا هو نظام رئاسي على الطريقة الأميركية حيث ما يسمى "التوازن والضبط" بين الرئاسة والكونغرس والقضاء. ولا هو نصف رئاسي على الطريقة الفرنسية حيث سلطة البرلمان قوية إلى جانب سلطة الرئاسة الأقوى. إنه رئاسي سلطوي على الطريقة الروسية والصينية والتركية مع الرئيس رجب طيب أردوغان. وعلى طريقة: كل السلطة للسوفيات أيام الثورة البلشفية، فإن كل السلطة للرئيس. وهو يعين ويقيل رئيس الحكومة والوزراء المسؤولين أمامه لا أمام البرلمان. هو يحل البرلمان الذي لا يستطيع إقالته أو محاسبته. هو يعين القضاة الكبار. وهو بالطبع القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلاً عن ابتكار "المجلس الوطني للجهات" الذي لم يتم تحديد صلاحياته، إلى جانب المجلس النيابي بسلطاته المحدودة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان من الخطأ أن يعمد المعارضون إلى مقاطعة الاستفتاء، بدل المشاركة فيه والتصويت بـ"لا" ليظهر الفارق بين نسبة الرفض ونسبة القبول، لكن هؤلاء اختاروا المقاطعة ليحسبوا أن كل من لم يمارس حقه في الاستفتاء من بين تسعة ملايين ناخب هو ضد الدستور. وهذا ليس حساباً صحيحاً. وكان سعيد على حق في انتقاد سوء الحياة السياسية في الديمقراطية البرلمانية، حيث لا خبرة في الممارسة الديمقراطية بعد العيش في نظام ديكتاتوري، ولا ضوابط للفساد، ولا شيء يمنع النواب من الانتقال من حزب إلى آخر بسهولة، بحيث تنقل بين الأحزاب نحو 40 في المئة من النواب، لكن سلطوية جديدة ليست العلاج. فلا علاج لنقص الديمقراطية وقلة الخبرة في ممارستها سوى المزيد من الديمقراطية والتجربة. وإذا كان رأي سعيد في النظام السابق هو معادلة "أنت لا تحكم، أنا لا أحكم، هو لا يحكم، بالتالي تقسيم السلطات وتبادل الترضيات"، فإن البديل ليس أنا الحاكم الوحيد على طريقة الملك الفرنسي القائل: "أنا الدولة".
مفهوم أن سعيد يرى في الديمقراطية القائمة على التمثيل البرلماني "لوبيات ومصالح خاصة"، لكن الديمقراطية المباشرة أيام أثينا والدولة المدنية واجتماع المواطنين في "الأغورا" لم تعد ممكنة في الدول هذه الأيام. والمؤكد أن جانباً مهماً من تأييد الناس لسعيد هو كونه ضد حركة "النهضة" وهيمنتها على الدولة والمجتمع وطموحات زعيمها التاريخي راشد الغنوشي. غير أن الحكم بالدستور من خلال رجل واحد ليس أفضل بكثير من "الحكم بالشوكة" عند حركات الإسلام السياسي.
والمؤكد أيضاً أن اعتبار "السيادة للشعب، والبقية وظائف لا سلطات، الوظيفة التشريعية والتنفيذية والقضائية" هو لعبة لفظية. فالوظيفة سلطة في النهاية. ومن يمارس السيادة ليس الشعب بل من يمثله.

"ثورة الياسمين" كانت رائدة "الثورات" في ما سمي "الربيع العربي". ونظام ما بعد الثورة، على علاته، بدا كأنه الاستثناء من القاعدة، حيث سادت الفوضى والحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية في بلدان "الربيع العربي" الأخرى. فهل انتهى الاستثناء؟ لا شيء في السياسة أسود أو أبيض.

المزيد من تحلیل