Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا بات طريق المرأة المغربية إلى الوظيفة محفوفا بـ"الاستغلال"؟

التنشئة الاجتماعية تجبرها على خوض استحقاقات الحياة بجهد مضاعف والظروف تدفعها لتحمل مضايقات أرباب العمل

نساء مغربيات يواجهن ظروفا صعبة في بيئات العمل (أ ف ب)

على الرغم من أن الأمر لا يشكل ظاهرة عامة، إلا أن المغرب يشهد حالات كثيرة لاستغلال سيدات في مجال العمل، سواء بتخفيض أجورهن أو بالتحرش بهن، لكن خوف عديد منهن من الفضيحة يحول دون اتخاذهن متابعات قضائية، ما يتسبب في غياب إحصاءات دقيقة حول المضايقات التي يتعرضن لها.

وكانت تصريحات إحدى العاملات في مصنع الكابلات بمدينة طنجة هزت الرأي العام المغربي ربيع هذا العام، بعد أن كشفت مواقع التواصل الاجتماعي الوضعية الصعبة التي تعيشها العاملات في ذلك المجال، جراء تعرضهن للابتزاز الجنسي مقابل استمرارهن في العمل، في حين تنتشر قصص على مواقع التواصل لنساء يحكين وقائع حالات تضييق أو تحرش في مكان عملهن.

معاناة

تقول لمياء (امرأة مطلقة ترعى طفلين) إنه بسبب الفقر الذي تعانيه اضطرت للبحث عن عمل، مضيفة أنه بالنظر لمستواها الدراسي البسيط ولافتقارها لخبرات مهنية توجهت للبحث عن عمل في مجال المقاهي بسبب انتشارها، ومن ثم تكون فرص العثور على عمل فيها كثيرة، فالتقت رجلاً ينشط في ذلك المجال لكي يتدخل من أجل تيسير مهمة العثور على وظيفة كنادلة أو عاملة تنظيف.

تضيف لمياء لـ"اندبندنت عربية" أنه بعد أن طمأنها الرجل بوجود وظائف شاغرة تحرش بها جنسياً من أجل القيام بالمطلوب منه، قائلاً لها إنه ساعد عديداً من النساء في الحصول على منصب عمل مقابل "خدمة جنسية".

بينما يرى جواد الجبلي، العاطل من العمل منذ أشهر، أنه "لا يجوز القول إن المرأة أصبحت تضايق الرجل على الوظائف، لكن الأمر يتعلق بعقلية بعض المشغلين التي تنحو لاستقطاب نساء بهدف إخضاعهن لجميع أنواع الاستغلال، الأمر الذي يسهم في تيسير مهمة بعض النساء اللاتي يرضين بذلك الوضع".

جهد مضاعف

أستاذ علم الاجتماع طيب العيادي، يوضح أن "التفوق الدراسي للفتيات أو ارتفاع نسب نجاحهن، وكذا تزايد الطلب على اليد العاملة النسوية في القطاع الخاص يثير اهتماماً متزايداً، حيث اعتبره بعضهم مجرد استغلال، بينما يحتسبه آخرون تفوقاً مستحقاً وموضوعياً ينصف الجهود المضاعفة التي تبذلها الفتيات والمرأة عموماً".

يضيف العيادي "نوع التنشئة القائمة في المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات الأفريقية والشرق أوسطية، تجعل الأنثى تخوض جميع استحقاقات الحياة العامة بجهد مضاعف لتخطي العوائق الاجتماعية المحيطة بها والمسيجة لكل تحركاتها وأفكارها، بينما يبقى الذكر في وضع أكثر راحة وتقتصر مهمته على ما يخص الاستحقاق فقط، وعلى الرغم من ذلك فالنتيجة المفارقة هي تفوق الإناث على الذكور بشكل متكرر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى أستاذ علم الاجتماع أن "تفوق المرأة في العمل، وإن كان يبدو اليوم واقعاً اقتصادياً، فهو لا يلغي أن هناك أيضاً تدخلاً غير بريء في توجيه هذا الواقع وتعزيزه، بمعنى أن ما يبدو تفوقاً أنثوياً أحياناً، سواء دراسياً أو مهنياً، يخفي أحياناً وجود استغلال من أي نوع كان، جنسياً أو اقتصادياً"، مضيفاً "الاستغلال والتحرش الجنسي يبقى مطروحاً وبقوة كدوافع تجعل بعض أصحاب العمل يقبلون على تشغيل الإناث".

ويختم العيادي "ستظل كل إصلاحات الدولة والمكتسبات القانونية ونضالات المجتمع الحقوقي المدني محدودة الأثر، وسيبقى كل تناول لتلك الظاهرة من قبيل اجترار لعبارات المظلومية والتنديد، إذا لم نعد لنقطة البداية المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية، فهي أصل المشكلة وهي المدخل لتمكين المرأة من أسباب حياة إنسانية كريمة".

وبخصوص التدابير الرسمية الواجب اعتمادها للتضييق على تلك التجاوزات، تشير السعدية وضاح، عضوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن مصادقة المغرب على الاتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل ستكون فرصة لوضع حد للانتهاكات الجارية في أماكن العمل، موضحة أن الاتفاقية تقدم حلولاً ناجعة لمعالجة ظاهرة العنف والتحرش في فضاء العمل، فضلاً عن توفير سبل الحماية والإنصاف".

حكم قيمة

من جهة أخرى، يرى باحثون أن سهولة حصول المرأة على وظيفة تبقى محدودة بدليل الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى مواصلة الرجل الاستحواذ على عدد أكبر من مناصب الشغل بالمقارنة مع نصيب المرأة، ويوضح محمد قنفودي، كاتب وباحث في علم الاجتماع أنه يصعب الجزم بفرضية وجود حظوظ أكبر للنساء مقارنة مع الرجال في الحصول على الوظائف، باعتباره   مرتبطاً بتجارب فردية أو محدودة، وأيضاً بمهن لها طابع أنثوي.

ويستدل الباحث بالإحصاءات الرسمية الصادرة بهذا الخصوص، وتظهر فوارق صارخة في مقاربة النوع الاجتماعي أثناء التوظيف، فحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن القوة العاملة النسائية لم تتجاوز 23 في المئة فقط عام 2020، معتبراً أنها نسبة منخفضة مقارنة مع بقية الدول على المستوى العالمي والإقليمي، مضيفاً أن "الأرقام تظهر أن نسبة النساء في مناصب المسؤولية سواء في القطاعين العام والخاص منخفضة، وهو ما يؤكد استمرارية هيمنة الرجال على الوظائف ونيلهم الحظوظ الأكبر مقارنة مع النساء، وهذا راجع إلى وجود بنيات ذهنية وثقافية ذكورية تحصر المرأة ضمن الوظائف الأقل مسؤولية، لكونها أقرب ارتباطاً بالمسؤوليات العائلية لا المهنية".

ويشير الباحث إلى أن تلك الثقافة هي نفسها من تؤسس لتأنيت بعض المهن والوظائف، وتمكين النساء منها مقارنة مع الرجال، وهي الوظائف المرتبطة بعمالة المصانع والفلاحة لانخفاض أجور النساء، وتقبلهن للعمل ضمن الوظائف المؤقتة. ويخلص إلى أن "سياسات التوظيف في المغرب ما زالت تفضل الرجال على النساء، والأرقام الرسمية تؤكد ذلك، إلا أن الاعتقاد السائد حول تفضيل النساء وتملكهن لحظوظ أوفر، هو مرتبط أساساً بالوظائف والمهن المؤنثة لدوافع ثقافية واقتصادية كذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي