Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كاتبة "ميريلاند" لوسي كيركوود: تطبيع العنف ضد المرأة يتوارث عبر الأجيال

تحولت المسرحية القصيرة "ميريلاند" التي كتبت كرد على مقتل عدد من النساء، إلى فيلم لـ"بي بي سي"... تتحدث جيسي طومسون مع الكاتبة عن المساومات الجنسانية التي تقدمها النساء لتشعرن بالأمان

هايلي سكويرز وزاوي أشتون في فيلم "ماريلاند" (بي بي سي/سنتشري لميدت/سارة ويل)

في نهاية عرض "ميريلاند" المسرحي للكاتبة لوسي كيركوود، لم يصفق أحد. كان الصمت مدوياً. لم يعرف أحد ماذا يفعل. المسرحية القصيرة واللاذعة – التي جاءت كرد على مقتل سارة إيفرارد وسابينا نيسا وبيبا هنري ونيكول سمالمان - كتبت في غضون يومين فقط. قدمها مسرح "رويال كورت" في العام الماضي - بسرعة كبيرة لدرجة أنه جرى تأديتها من قبل عدد مختلف من ممثلين يتناوبون الأدوار، كلهم يقرؤون من النصوص، فوق خشبة مسرح عارية لدرجة أنه تم استخدام الطباشير لتحديد مواقع المسرحية، ولكن بعد ذلك، عندما غادر الجمهور المسرح، بدأ شيء ما يحدث. بدأوا بهدوء في التقاط قطع الطباشير وكتابة الرسائل على خشبة المسرح. عبارات مثل: "شكرا لك"، أو "أنا سعيد لأنني كنت هنا الليلة"، أو "كنت بحاجة إلى هذا"... "لقد نشأت لحظة من المشاركة نابعة من غضب مشترك وحق". تخبرني كيركوود، وهي تتحدث عبر "زووم" من كوخها في سافولك، حيث تشرق الشمس من خلال الأبواب المفتوحة، "كنا نعرب عن التقدير  والاحترام  [للضحايا] ونحتج في الوقت نفسه [على القتل]، بمجرد وجودنا هناك".

وتضيف أن التصفيق لم يكن ليكون مناسباً... "إنها ليست تلك المسرحية التي تدفعك لقول، "أوه، برافو!"، إنها مسرحية تهدف إلى تسديد لكمة مؤلمة". في "ميريلاند"، تذهب امرأتان - كلتاهما تدعى ماري - إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن تعرضهما لاعتداء جنسي. هناك تعاملان بتعالٍ وعدم مبالاة. ويحذرهما ضابط الشرطة من التحدث مع بعضهما البعض. فتظهر جوقة غاضبة من الإناث مثل الراعيات، وتصف المخاوف الخاصة والتي أصبحت بديهية لدرجة التفاهة، "لقد بحثت في "غوغل" عن كيفية دفع الضوء الخلفي من داخل صندوق السيارة خارجاً". تطرح المسرحية في صميمها سؤالان: لماذا هناك سهولة لهذا الحد في قتل النساء؟ ولماذا لا نشعر بغضب أكبر حيال ذلك؟

تم الآن تحويل ميريلاند إلى فيلم من إنتاج "بي بي سي". ومن النجوم المشاركين زاوي أشتون وهايلي سكويرز ودانيال مايس، وقد أخرجته كيركوود بنفسها إلى جانب صانع الأفلام الوثائقية بريان هيل. تشعر الكاتبة المسرحية لـ"صيميركا" و"الأطفال" والحائزة جائزة أوليفييه [أرقى جائزة بريطانية في عالم المسرح] بالحزن العميق بسبب كراهية النساء. بعد بث نبأ [نقض حكم] "رو ضد وايد"، تتذكر أنها قالت لزوجها "لا أستطيع أن أصدق أن الناس يكرهون النساء لهذا الحد". "ميريلاند" هي تعبير لكيركوود في أبهى صورها فالفكاهة لاذعة، والسياسة لا هوادة فيها. تبدو المسرحية وكأنها الخليط الكيماوي الأمثل لمهاراتها المميزة.

هنالك بالفعل مكان يدعى "ميريلاند": إنه حي في شرقي لندن، بالقرب من حيث نشأت كيركوود - وتضيف، حيث قتلت أخيراً زارا ألينا البالغة من العمر 35 عاماً وهي في طريقها إلى المنزل بعد قضاء ليلة في الخارج، لكن في المسرحية، "إنه ذلك المكان الذهني الذي تعيش فيه النساء، والذي لا يعيش فيه الرجال". واحد من الخطابات الأكثر لفتا للأنظار في "ميريلاند" هي التي ألقاها ضابط الشرطة، والذي يؤدي دوره دانيال مايس في الفيلم. يصف ضابط الشرطة مودي والدته - وتسمى أيضاً ماري - بأنها "امرأة قلقة... تدخل عالمها الخاص مع مخاوفها، التي تبعد مليون ميل. كان والدي يقول، "آه.. لا تأبه يا بني، لقد ذهبت بعيداً إلى ميريلاند مرة أخرى".

هذه اللحظة مهمة لأن مسرحية "ميريلاند" مهتمة بإلقاء الضوء على مسألة تطبيع العنف ضد المرأة أكثر من اهتمامها بالعنف ذاته. "هذا الخطاب عن فشل الأبوة والأمومة - يتناقل عبر الأجيال. وكأن والده يقول، في سن مبكرة للغاية، "سأمنحك ترخيصا فقط لكي لا تهتم. لكي تنظر إلى امرأة تشعر بالقلق الشديد والتوتر بخصوص شيء ما وتقول في قرارة نفسك، لن أسألها". فلقد صدمت كيركوود بمحادثة أجرتها مع مخرج أفلام إباحية كجزء من بحث بعنوان "مادة للكبار" Adult Material أجرته للدراما الخاصة بها على القناة الرابعة، والتي تؤدي فيها سكويرز دور أحد أبرز نجوم الأفلام الإباحية في المملكة المتحدة، فقد قال لها إن الممثلات دائماً ما يحضرن "معكرات المزاج أو متأخرات". تساءلت كيركوود عما إذا كان قد سأل عن السبب. "بالنسبة لي، إذا كنت أعمل في مكتب وحضرت زميلتي منزعجة أو متأخرة باستمرار، فسأفكر "إنهم لا يريدون الوجود هنا، أو ربما هناك شيء ما يحدث في المنزل... أحتاج إلى أن أسألهم عن ذلك!" لقد بدا مصدوماً للغاية. مصدوماً حقاً. "في الواقع، لم يسألهم أبداً. تعتقد كيركوود أن هذا ليس متعمداً، ولكن لأننا "نغرس في ذهن الرجال تلك الخصلة، منذ الصغر - فقط لا تسأل عما يدور هناك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إضافة إلى "صيميركا" [مصطلح مستحدث من كلمتي الصين وأميركا] Chimerica، ملحمة مدتها ثلاث ساعات حول التوترات الجيوسياسية بين الصين وأميركا، تشمل أعمال كيركوود السابقة كوميديا عن فيزياء الجزيئات بعنوان البعوض Mosquitoes، التي أدت دور البطولة فيه أوليفيا كولمان في عام 2017، وملحمة عن مذنب من القرن الثامن عشر وهيئة محلفين من الإناث فقط "ذا ويلكن" The Welkin في عام 2020. طموحها لا يهاب. وعلى الرغم من ذلك، فهي شخصية دافئة وثرثارة، تتشكل أفكارها بسرعة، وتتعثر جملها. كانت تدرك دائماً أنها لا تريد جني أي أموال من مسرحيتها ميريلاند، فقد أنجبت ابنة في فترة الإغلاق خلال الجائحة وخصصت ميزانية لأخذ إجازة الأمومة، لذلك كان بإمكانها عدم تلقي الأجر، كما تنازلت عن الحقوق، وجعلت السيناريو متاحاً لأن يؤديه أي شخص، بحيث يمكن حتى للفرق المسرحية الصغيرة التي لا تملك أي ميزانية أن تنتجه. "أردت فقط مشاركتها مع الجميع".

هناك شعور فوري بالتقدير لكيفية وصف مسرحية "ميريلاند" لما تفعله النساء لكي تشعرن بالأمان. يبدو بعضها صغيراً: خيبات أمل صغيرة أو مضايقات بسيطة، مثل المشي نحو المنزل ليلاً ووضع مفتاح المنزل بين أنامل يديك. أو عدم قبول دعوة للشرب من شخص غريب كي لا يكون قد دس المخدر فيه. تقول كيركوود، "ليست أمورا هائلة مقارنة بما يحدث في أوكرانيا"، لكنها تسأل، "أليست من الأشياء المحببة والمبهجة في الحياة أن تكوني في حانة، ثم يرسل لك شاباً سليم البنية شراباً؟ أليس من الخزي أن تعيشين في حالة ذهنية حيث تفكرين، "لن أشرب ذلك الشراب". ألن يكون لطيفا إذا استطعنا جميعاً التفكير، "ما الذي ستفاجئنا به هذه الليلة؟". وتضحك على التفكير في الأمر. يبدو كل هذا سخيفاً، لكن هذه المساومات "قائمة جداً جداً جداً على أساس جنساني". وبشكل عام، فإنها تغير نسيج حياة المرأة، مما يجعلها أقل حرية.

يعود الأمر إلى الشعور بالقوة بأن الضحايا الذين تكسر مقاومتهم مرة واحدة، يمكن أن يخسروا بشكل دائم. تصف كيركوود نفسها بأنها "شديدة الحساسية من الناحيتين الفنية والسياسية تجاه الإفراط في التصوير الدرامي للضحية". وتشرح قائلة، "لقد مررت ببعض التجارب، وهنالك أشخاص أعرفهم في الحياة الواقعية ممن لديهم تجارب [و] الطريقة التي تواصل بها حياتك هي بمقاومة تصورك لنفسك كضحية". "بالنسبة لي، وهذه ليست سوى سياساتي الشخصية، إنه فعل عنف ثانٍ تجاه المرأة على وجه الخصوص، ففي أعقاب تعرضها للهجوم أو الأذى بأي شكل من الأشكال [إذا] امتص ذلك الإحساس هويتها، لذلك عندما أكتب عن هذه الأشياء، من المهم حقاً بالنسبة لي أن نشاهد النساء وهن يقاومن ذلك".

بعد عرض حالات لإساءة استخدام السلطة، وبخاصة تجاه النساء، منذ بداية مسيرتها المهنية، فإن كيركوود - بشكل عام – مفعمة بالأمل في أن الأمور آخذة في التحسن، حيث يتحرك الخطاب العام إلى الأمام. فنحن أكثر وعياً لتجارب بعضنا البعض. "لكننا نجري حديثنا هذا بعد أسبوعين من [نقض الحكم في قضية] "رو ضد وايد" [الحق بالإجهاض للنساء]، وأعتقد أن هذا هو، بالنسبة لي، جزءاً من التراجع الذي يجري ضد التقدم النسوي، ربما منذ دخول ترمب إلى السلطة".

كان هذا الإحساس بالإنذار الحقيقي تجاه عالمنا واضحاً في مسرحيتها الأخيرة، والتي انتهى عرضها للتو في "الرويال كورت". أعلن عنها لأول مرة تحت عنوان "هذا ليس أنا" (That is not who I"m) من قبل كاتب مسرحي غير معروف يبلغ من العمر 38 عاماً يدعى ديف ديفيدسون، لقد كانت في الحقيقة مسرحية تسمى "صدع" Rapture من قبل كاتب مسرحي معروف أكثر، والبالغ من العمر 38 عاماً: كيركوود نفسها. عندما وصل الجمهور تم إخبارهم بأنهم لن يروا المسرحية المعلنة. كيركوود، التي كتبتها وتدور حول الوفاة المشكوك بأمرها لناشطين بيئيين (خياليين)، أجبرت على استخدام اسم مستعار للحفاظ على سلامتها الشخصية. أبدى البعض استياءه من الاسم المستعار، ولم يفلحوا في استيعاب كونه جزءاً من السرد القصصي. تصف كيركوود خطتها: "فأنت تقرأ عنواناً غريباً كتبه شخص يحمل اسماً مزيفاً بوضوح. ويبدو هذا شعوراً غريباً بالنسبة لك". فهي تحب التشويق المؤامراتي وتستشهد بـ"قضية البجع" (The Pelican Brief) كأحد أفلامها المفضلة، فقد أرادت "اللعب بعقدة الملاحقة، ووضعك في حالة من أن هنالك أمراً مريباً منذ اللحظة التي تلاقي فيها العرض". كانت حريصة أيضاً على صنع شيء "صاعق" (punk). "أردت إيصال إحساس كهذا: ما هذا الذي رأيته للتو؟ ما الذي يحدث؟ أهو حقيقي؟ وليس مثل مسرحيات "الوست إند" في لندن، تعرض شخصاً من المشاهير يرتدي زياً لطيفاً، في المساء". وتصفق تصفيقا صغيراً لتوضيح وجهة نظرها.

أظهر هذا نوعاً جديداً من الثقة من قبل كيركوود. وقد جاء شعورها هذا بالجرأة، وبشكل مفاجئ، من مكان مؤلم، فقد كانت مسرحيتها "ذا ويلكن" (The Welkin) تعرض في المسرح الوطني عند دخول العالم في حالة الإغلاق. وانتهى عرضها بشكل مفاجئ، حيث وصلت إلى أقل من منتصف وقت عرضها، ولم يتم تصويرها أبداً كما كان مخططاً لها أصلاً. تقول كيركوود "لقد كانت هذه مسرحية هائلة بالنسبة لي"، وتقتبس عبارة من مسرحية "بعيد جداً" (Far Away) من تأليف كاريل تشرشل: "أنت تصنع الجمال وهو يختفي". إنها معتادة على ذلك - فجزء من قوة المسرح تكمن في عدم ثباته في نهاية المطاف – ولكن، في هذه المرة، "هذه الأشياء، لم تنتهِ فحسب. لقد انتهت دون أن يراها الجمهور بالفعل - وهو أمر غريب بالنسبة لكاتب مسرحي. مثل [قصيدة ت. س. إليوت] بروفروك Prufrock، حيث يمكنك قياس حياتك بعدد المسرحيات. أنا كاتبة بطيئة - تلك المسرحية استغرقت ثلاث أو أربع سنوات من حياتي، وقد انتهت دون وجود ذي معنى" (لكنها تجتهد في التحفظ من أن هذا "لا شيء" مقارنة بما مر به الزملاء الآخرون خلال الجائحة، والذين فقدوا دخلهم بين عشية وضحاها). بعد أن رثت المسرحية، قالت تباً لهذا الوضع!. وأرادت أن تصنع شيئاً مثيراً، مندفعاً مثل البودكاست. وتقول، "لقد انبثق من غيظ - أن الحقيقة قد تعرضت للتدنيس من قبل، وعلى وجه التحديد، رئيس وزرائنا المنتهية ولايته". كان هناك الكثير من طاقة "تباً لهذا الوضع" تنبعث مني".

في الوقت الحالي، ليست متأكدة مما إذا كان في داخلها مسرحية احتجاج أخرى. فلا يمكنها أن تتخيل أي رد على "رو ضد وايد"، على سبيل المثال، سوى حالة من "الصدمة التامة". "قد يكون لديّ فيلم سرقة يغلي في داخلي"، كما تقول مبتسمة. بعد تصوير ميريلاند، أخبرت سكويرز أنها تريد أن تكتب شيئاً من أجلها "حيث تكون في مونتي كارلو، في ثوب سهرة عاري الظهر، وتحتسي المارتيني". ها هي ذا: فترة "تباً لهذا الوضع" لكيركوود قد بدأت.

بث "ميريلاند" على القناة الثانية لـ"بي بي سي" في الساعة 10 مساءً في 20 يوليو

نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 20 يوليو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة