Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرضى التصلب المتعدد في لبنان يعانون بصمت

مصيرهم مجهول بسبب تكلفة العلاج المرتفعة والأدوية غير المتوفرة

التصلب العصبي المتعدد يحرض الجهاز المناعي على مهاجمة الخلايا العصبية في الدماغ والحبل الشوكي (غيتي)

انعكست الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان بشكل مقلق على القطاع الصحي. أزمة الدواء والمستشفيات والمستلزمات الطبية وهجرة الأطباء، إضافة إلى الوضع المعيشي الصعب، كلها زادت من أعباء المريض حتى بات عاجزاً عن الالتزام بعلاجاته في الوقت المحدد لها والمتابعة الطبية. وإذا كانت الأضواء تسلط على معاناة مرضى السرطان في تأمين علاجاتهم على وقع الأزمة، في الواقع لا يبدو مرضى التصلب المتعدد أفضل حالاً، لا بل إن الأعباء قد تكون أشد وطأة عليهم لاعتبارهم يتعاملون مع مرض مزمن وعلاجه الذي يبطئ من تطوره مكلف جداً، فيما لا يتوافر له حتى اللحظة علاج نهائي. ولولا وجود الجمعيات التي تدعم المرضى الذين يقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف، لكان الوضع أسوأ بكثير.

علاجات التصلب بين الأمس واليوم

بالعودة سنوات إلى الوراء أو بالأحرى إلى ما قبل الأزمة، كانت جميع العلاجات المتطورة المتوافرة عالمياً لمرضى التصلب المتعدد متاحة للمريض اللبناني، ما سمح بتقدم بارز في هذا المجال. كان من الممكن السيطرة على أعراض المرض ليعيش من يعانيه حياة طبيعية وينتج كأي فرد آخر في البلاد. اليوم، تعبر مديرة مركز التصلب المتعدد في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة ساميا خوري عن قلقها حيال ما آلت إليه الأمور، بعد أن أصبحت الأدوية مقطوعة في البلاد، ما اضطر المرضى إلى عدم تناول الدواء بشكل منتظم سعياً إلى الحد من استهلاكه، ما انعكس سلباً على حالتهم الصحية. فمنهم من أصبحوا على الكرسي المدولب خلال أقل من عام بسبب عدم توافر العلاج، ومنهم من زادت الأعراض لديهم بعد أن كانوا يعيشون حياة طبيعية، ويعانون تنميلاً مستمراً في الأطراف أو شللاً فيها، ومنهم من أصبحوا على العكاز وهم لا يزالون شباباً في قمة العطاء. يصعب وصف حجم الدمار النفسي الذي يعانيه المرضى حالياً في ظل هذه الظروف بالكلمات، فهم ينتظرون توافر حبة دواء حتى لا تزداد حالتهم سوءاً بشكل يصعب فيها العودة إلى الوراء، فيما يبقى مصيرهم مجهولاً إذا لم يحصلوا على العلاج، ولا يعلم أحد كيف يمكن أن يتطور المرض لديهم. تشير خوري إلى أنهم كأطباء يصفون حالياً الأدوية المعالجة للاكتئاب لمرضاهم أكثر مما يصفون لهم أدوية التصلب المتعدد المقطوعة أصلاً، هذا فيما كانت كل العلاجات المتوافرة عالمياً موجودة في لبنان مع تغطية من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة، بحيث لم تكن هناك مشكلة في وصف العلاج المناسب والفاعل للمريض ليعيش حياة طبيعية، ويؤخر تطور مرضه. علماً أنه في مركز التصلب المتعدد في الجامعة الأميركية في بيروت 3 آلاف مريض ومنهم من يتعايشون منذ 20 سنة بشكل طبيعي مع المرض بفضل العلاجات الفاعلة المتوافرة لهم، إلى أن أصبحت مقطوعة فجأة. حتى التزامهم بإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي وفحوص الدم الضرورية كل سنة قبل إعطاء الدواء، إذا كانت الحالة تحت السيطرة، لم يعد سهلاً نظراً إلى التكلفة العالية التي لا تغطيها شركات التأمين حتى بشكل تام. ولهذا الوضع أثر اقتصادي مهم، إضافة إلى تداعياته الصحية على المرضى وحياتهم، خصوصاً أنهم من فئة الشباب ونتيجة ذلك سيصبحون أقل إنتاجية.

"نجد أنفسنا كأطباء اليوم في حالة عجز تام، وكأننا نقف مكبلي الأيدي أمام مرضانا الذين تتدهور حالتهم، وهذا أمر محزن للغاية. حتى إن البدائل غير متوافرة حالياً. كأطباء لا نجد أمامنا إلا البحث عن حلول ولا نسمع إلا وعوداً من هنا وتعهداً من هناك من قبل شركات الأدوية ووزارة الصحة والمصرف المركزي، فيما نحن مع المريض في دوامة لا يمكن الخروج منها. المعاناة شديدة وحتى علاجات الكورتيزون غير متوافرة، ونطلب ممن توافرت لديهم إحضارها. لم يكن أمامنا سوى المشاركة في أبحاث عالمية حول أدوية بما يسمح بتأمينها للمرضى، إضافة إلى طلب التمويل من ممولين للأدوية أقل كلفة".

الدواء من خارج لبنان فقط وبالدولار "الفريش"

قد يتمكن بعض المرضى من تأمين الدواء من خارج لبنان بـ400 دولار أميركي مرة أو اثنتين، لكن في ظل هذه الأوضاع كيف له أن يتحمل شهرياً مثل هذه التكلفة. تأمين الدواء مرة ليس إلا الحل المؤقت لمشكلة تسويتها يجب أن تكون جذرية وحاسمة من دون تأخير. يبقى الحل الوحيد لمن لا يقدر على تأمينه من خارج لبنان الحد من استهلاك الدواء، وتحمل نتائج ذلك على صحته أياً كانت، وذلك بطبيعة الحال سيقلل من فاعلية العلاج ويؤدي إلى تراجع الحالة وإلى ظهور أعراض كالصعوبة في المشي أو التنميل في الأطراف أو ظهور بقع جديدة في الدماغ ما يؤثر على تطور المرض. فالأزمة تلزم المرضى بالتهاون في العلاج لعدم توافره وأيضاً في المتابعة الطبية بسبب الوضع المعيشي المتأزم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفاصيل المرض

ويعتبر التصلب المتعدد من الأمراض المرتبطة بجهاز المناعة الذي يحارب نفسه بسب خلل ما، بدلاً من أن يحارب الأجسام الغريبة كما يفترض أن يفعل. وفي هذه الحالة هو يحارب مادة "الميالين" التي تغطي ألياف الأعصاب. قد تختلف أعراض المرض بين حالة وأخرى، فقد يبدأ من خلال غشاوة في النظر أو شلل في اليد أو اختلال في التوازن. تؤدي الهجمة الأولى للمرض عادة إلى أعراض أو مشكلات مؤقتة تزول تلقائياً أو بعلاج الكورتيزون، وتحصل بعدها هجمات تسبب أعراضاً تزول في العادة. إنما من المتوقع أن تتراجع حالة المريض بعد 20 عاماً، ويزيد العجز الذي يعانيه ليصبح دائماً. أما العلاجات الحديثة فتظهر فاعلية كبرى وتساعد على إبطاء تطور المرض لما بعد 30 عاماً أو أكثر، ما يسمح بالسيطرة على تطور الحالة شرط الالتزام بالعلاج والمتابعة الطبية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المرض المزمن الذي لا يتوافر حتى الآن العلاج النهائي له، يصيب النساء بمعدل مرتين أو 3 أكثر من الرجال. وهو يظهر بشكل خاص بين سن 20 و40 سنة أي عندما يكون الشخص في ذروة العطاء والإنتاج، فيؤثر على قدراته الإنتاجية.

"في علم الأعصاب يقال Time is brain لأن كل ما يؤثر على الدماغ لا يسمح بالعودة بعدها إلى الوراء، وهذا ما ينطبق على التصلب المتعدد أيضاً، والأسوأ أنه يطال فئة الشباب ويؤدي بهم إلى العجز".

معاناة المرضى في ظل الأزمة

ساميا حركة مصابة بالتصلب المتعدد منذ 13 سنة، وقد استطاعت طوال هذه الفترة تأمين العلاج الذي سمح باستقرار حالتها، والتزمت دوماً العلاج. كانت الأمور جيدة حتى اشتدت الأزمة وبدأت المعاناة الحقيقية. فدواء حركة الذي تتناوله يومياً كان مؤمناً من وزارة الصحة، ثم أصبح مقطوعاً قبل أشهر وتم الاستعانة بالبديل. وإذا كانت هي قد أمنت دواءها من خارج لبنان مرتين عندما كان مقطوعاً بـ350 دولاراً، يبدو أنها على يقين أنها لن تتمكن من الاستمرار بذلك على المدى البعيد. فاضطرت إلى تناوله كل يومين لتحافظ على الكمية التي لديها ما جعلها تتعب أكثر. "لي صديقات أصبحن على الكرسي المدولب خلال أشهر معدودة لعدم توافر أدويتهم منذ أكثر من ستة أشهر. كان الأطباء يشددون سابقاً على التوقيت الذي يؤخذ فيه الدواء وضرورة الالتزام به، وها نحن اليوم نهمل تناوله لأيام لعدم توافره. لا نجد أمامنا اليوم سوى التضامن، فمن لديه دواء يتقاسمه مع آخرين لنستمر في هذه الأزمة". وبالنسبة للأدوية التي تخفف من الآثار الجانبية للمرض كالتعب مثلاً، خصوصاً في فصل الصيف، فغير متوافرة أبداً وهي تحاول تأمينها من خارج لبنان.

أما جورج عبده، فمصاب منذ عام 2012 بالتصلب المتعدد وقد عانى حينها تنميلاً وفقد الإحساس بالجهة اليمنى مع غشاوة في النظر. لم يكن يعرف شيئاً عن المرض وقتها فبدت وكأنها نهاية العالم حتى تعايش معه بعد أن تعرف إلى جمعية توعوية، وأصبح يسهم في نشر الوعي حوله، فقد 4 وظائف بسبب مرضه ما جعله أكثر تمسكاً بنشر الوعي في هذا المجال والتحلي بالإيجابية. علاج المرض المكلف كان مؤمناً له من وزارة الصحة، وعندما لا يتوافر يشتريه من السوق السوداء، إلا أن الأمور ازدادت تعقيداً اليوم لأن الدواء لم يعد مؤمناً بسبب الأزمة. يقول "أحرص على الحفاظ على الكمية التي لدي، وبدلاً من أخذه 3 مرات في الأسبوع قد أكتفي بمرة واحدة، لأني أجهل ما قد يحصل في حال وقفه تماماً. لم يبق لدي حالياً إلا ما يكفي لمدة أسبوع، فيما الدواء مقطوع تماماً وما من وسيلة لتأمينه. أما تأمينه من الخارج، فغير وارد بالنسبة لي لأنه مكلف جداً، وقد بدأت أخيراً العمل في وظيفة جديدة وأجري لا يكفي لتسديد ثمن الدواء. ليس أمامي اليوم سوى الانتظار".

وأسوة بباقي المرضى، يحصل عبده على الدعم من جمعية تتكفل بالمتابعة الطبية وبالفحوص جميع والتصوير بالرنين المغناطيسي كل ستة أشهر. فهذه الأمور مكلفة جداً ولما استطاع الالتزام لولا المساعدة التي يلقاها، لكنه غير متأكد ما إن كان سيتمكن من الاستمرار في المرحلة المقبلة. هذا، إضافة إلى جلسات العلاج الفيزيائي الضرورية له والتي باتت مكلفة جداً أيضاً، وارتفعت من 20 إلى نحو 200 دولار أميركي.

بالنسبة إلى ناهد حبيب، وعلى الرغم من معاناتها مع بداية ظهور المرض لديها في عمر 25 سنة، حين كادت تفقد النظر تماماً قبل أن تعالج بالكورتيزون، وكان مرضها سبباً لطلاقها، لم تكن الأمور بالصعوبة نفسها كباقي المرضى في تأمين العلاج. فهي تحصل على علاجها مرة في السنة وصودف أنه متوافر لأنه يوصف أيضاً لمعالجة حالات أخرى ما خفف من الأعباء عليها. إلا أنها لا تخفي قلقها مما يمكن أن يطرأ في المستقبل لاعتبارها تتعامل مع مرض مزمن وعلاجاته مكلفة، وقد يحين موعد تلقيها العلاج ولا يكون متوافراً. وهي تلتزم حتى الآن بالفحوص والمتابعة الطبية حتى اللحظة كل ستة أشهر، بمساعدة إحدى الجمعيات المعنية بمساعدة هؤلاء المرضى، لكن لا تدري إلى أي حد يمكن أن تصل تكاليف هذه الفحوص، وقد تضطر إلى تأجيلها ربما. حتى إن الفيتامينات المطلوبة لحالتها والأدوية التي تساعد على الحد من الأعراض أصبحت مكلفة ومن الصعب الالتزام بتناولها، هذا كله يجعلها في حالة من القلق والتوتر المستمر، كما توضح، خصوصاً أن مرضها بذاته يشكل عبئاً عليها وعلى كل من يعانيه، فكيف بالأحرى إذا بلغت المشكلات والضغوط هذا الحد وخرجت الأمور عن السيطرة؟

اقرأ المزيد

المزيد من صحة