Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات الشمال السوري على أعتاب نزوح جديد؟

تحذيرات من "تطهير عرقي" وتغييرات جيوسياسية وتركيا تنفي: "أمور غير مطروحة"

تقلب السيدة "أم باكير" صاحبة الـ50 سنة صوراً لها ولعائلتها في منزلها وحديقتها بمدينة عفرين بريف حلب الغربي في الشمال السوري، تنظر إلى الصور بحسرة وتبكي ذكرياتها هناك، حيث اضطرت إلى رحلة نزوح قبل ثلاث سنوات، امتدت من شمال البلاد إلى شرقها ثم جنوبها، حتى حطت رحالها بمنطقة يطلق عليها الدويلعة بريف دمشق العاصمة.

رحلة الشتات والذكريات

تعيش الحاجة أم باكير بعد نزوحها من قريتها لدى ابنها الذي يعمل بالعاصمة في مصنع صغير، تتقاسم وأسرة ابنها الصغير مر الحياة وحلوها، تقول "نزحنا تحت جنح الليل، وقصف الطائرات والمدافع، تشردنا واغتصبت أراضينا وحقولنا من دون رجعة".

هول الفاجعة التي تكبدتها تلك المرأة المنحدرة من أصول كردية أفقدها صوابها، فهي تريد العودة إلى منزلها وحقل الزيتون والرمان الممتد أمامه، هكذا يحكي ابنها جمعة لـ"اندبندنت عربية"، "حدث ولمرات عدة ليلاً، توقظنا للعودة إلى بيتها وأرضها".

هذا الحب للأرض الذي طالما انتاب قلب المرأة، وهو موجود لدى أغلب العائلات الكردية التي أُخرجت من أراضيها عنوة، بعد تعرضها لتهجير قسري خلال عمليات عسكرية تركية، كانت أولها "درع الفرات" في أغسطس (آب) عام 2016، وثانيها "غصن الزيتون" في يناير (كانون الثاني) 2018، والعملية الثالثة "نبع السلام" في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

مع اندلاع عملية "نبع السلام"، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها أن بلاده تدفع للأمام نحو عملية عسكرية لتطهير مناطق يسيطر عليها فصائل أكراد من حزب العمال الكردستاني وأحزاب كردية أخرى وصفها بـ"الإرهابية"، وأشار إلى عزم أنقرة إعادة 3.6 مليون سوري لاجئ يعيشون في بلاده، بالمقابل تشير الإحصائيات إلى نزوح 200 ألف مدني جراء تقدم القوات التركية وفصائل سورية معارضة باتجاه رأس العين وتل أبيض.

الحرب والنزوح الجماعي

حالة من القلق تنتاب أهالي منطقة الفرات بشقيه الغربي والشرقي؛ إذ ما زالت التوترات قائمة في شأن مخاطر عملية تركية جديدة، خصوصاً أن الجهود الدولية لم تفلح في ثنيها، وتبرر أنقرة التقدم في العمق السوري وباتجاهات متعددة تصل إلى 30 كيلو متراً، بإيجاد منطقة آمنة حتى ريف حلب، وعليه تتفاقم الهواجس حول ما يرافق تلك العمليات من تهجير قسري وتطهير عرقي، يتعرض له بالمقام الأول المكون الكردي.

ويرى عضو اللجنة الكردية لحقوق الإنسان (راصد) ومسؤول الفرع الخارجي جوان اليوسف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أنه "عادة ما تحدث عمليات نزوح جماعي نتيجة العمليات العسكرية، قد تكون موقتة أو دائمة، بحسب اتساع العمليات وديمومتها وعنفها، وفي الحالة التركية نجد العمليات مرتبطة أساساً بمحاولات تطهير عرقي أو ديني أو قومي أو عمليات ممنهجة لتغيير الهندسة الديموغرافية مثلما حدث في حمص ونبل والزهراء وبعض الأماكن الأخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويردف بأن الأمر مختلف فيما يتعلق بتركيا لكونها فعلياً تعمل على إجراء تغييرات جيوسياسية في المناطق الكردية التي تتوزع على طرفي الحدود السورية التركية، منوهاً بأنها "عملت وبشكل مستمر على محو الوجود الكردي بعنف وبكل أشكال بسط النفوذ التي أتيحت لها، واستطاعت إلى حد بعيد تغيير البنية الديموغرافية في المناطق الكردية داخل الجغرافيا السورية".

ويستشهد اليوسف بما حدث في عفرين، قائلاً "قبل أن تسيطر عليها تركيا والفصائل المدعومة منها، كانت تضم أقل من 20 في المئة من غير الكرد، أما الآن فلم تعد كذلك بفعل التغيير الديموغرافي الممنهج الذي نفذته أنقرة بأدوات سورية".

وتابع "الآن نحن أمام تهديد أخطر لأن أية عملية عسكرية تعني أن الكرد والآشوريين سينزحون إلى مناطق دير الزور والرقة بشكل خاص ومناطق أخرى، ما يعني أن باباً من الصراع العرقي الحقيقي سيفتح في المنطقة".

من جهته، توقع الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون فابريس بالونش عدم تمكن اللاجئين من العودة إلى بلدانهم وقراهم بعد إحلال السلام، وقال إن "التنوع الطائفي إلى زوال في عدد من المناطق السورية، وعملية توحيد لون المنطقة هذه تؤدي إلى رسم حدود داخلية، والتقسيم الرسمي لا يشكل حلاً جيداً، إذ يمكن أن يقود إلى صراعات جديدة، الأمر الذي شهده السودان، حيث انتهى أمر دولة جنوب السودان الجديدة بحرب أهلية".

نفي تركي

وتنفي تركيا الاتهامات الموجهة لها بممارسة عملية التطهير العرقي في مدينة عفرين من خلال استبعاد وتهجير المدنيين قسراً. وقال مسؤول تركي وصفته "رويترز" برفيع المستوى، إن الاتهامات "لا أساس لها من الصحة، فنقل السكان إلى منطقة عفرين لتغيير التكوين السكاني أمر غير مطروح"، على حد قوله.

من جهته، يعتقد المسؤول في لجنة حقوق الإنسان (راصد) أن "العملية العسكرية ستكون كارثة حقيقية على كل الجزيرة من دجلة إلى الفرات وسيكون العرب والآشوريون والسريان، بالإضافة إلى الكرد، متضررين من ذلك، وستفتح العملية باب الجحيم على الجميع".

المناشدات لا تتوقف من المنظمات الحقوقية وشخصيات المجتمع الدولي لثني أنقرة عن عمليتها المزمع إطلاقها، لوقف نزيف الدماء في شمال سوريا، لكن يبدو أن الأمر غير مجد، إذ لم تفلح الولايات المتحدة في هذا المسعى ولا حتى الاجتماع الثلاثي بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران في طهران، ولعلها مسألة وقت حتى تنطلق الرصاصة الأولى لتبدأ معها رحلة الآلام.

المزيد من العالم العربي