Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوميات "القبيلة" بين العرب والأمازيغ في ألمانيا

تهدف فكرة العشيرة إلى دعم بعضهم والمحافظة على اللغة والقيم المشتركة والحماية من العنصرية وأحياناً تورطهم بالجريمة

الهجرة الأولى للمغاربة نحو ألمانيا كانت منتصف القرن العشرين وغالبيتهم ينحدر من جبال الريف   (اندبندنت عربية)

في الوقت الذي بدأت تختفي "القبيلة" في بعض الدول العربية بسبب نمط الحياة الحديث، تأسست "قبائل عربية وأمازيغية" في ألمانيا، مبنية على نسب واحد يكفل لهم التضامن والعصبية المشتركة بهدف دعم بعضهم بعضاً، والمحافظة على اللغة والقيم والمشتركة والحماية من العنصرية. فكيف تأسست هذه القبائل؟ ولماذا يرتبط اسم بعض العشائر العربية بعالم الجريمة في ألمانيا؟

"ابنة عمي تفهم تقاليدنا وعاداتنا"

عندما ترك "عمر م"، البالغ من العمر  33 سنة، قريته في الناظور قبل سبعة أعوام، كان واثقاً من أن أقاربه سيساعدونه في الحصول على عمل بمدينة فرانكفورت في ألمانيا، "عندما قدمت إلى ألمانيا وجدت أبناء عمي وأقاربي، دعموني وأيضاً عملت معهم في مشروع خاص بهم".

لا يتعامل عمر مع المجتمع الألماني كما أنه لا يتحدث اللغة الألمانية جيداً، "أنا أعيش هنا في فرانكفورت، لكن أتحدث فقط الريفية مع أقاربي وبعض أبناء القرية، لست بحاجة إلى اللغة الألمانية، وعندما يكون لدي موعد مع مكتب الأجانب أو أية مصلحة في الإدارة الألمانية، يرافقني أحد أقاربي للترجمة". يضيف، "علاقتي بأبناء عمي وأقاربي تعززت بشكل كبير هنا في ألمانيا، نحن نجتمع دائماً ونساعد بعضنا بعضاً".

بالنسبة إلى عمر، "القبيلة" منحته الدعم والحماية كما أنه متزوج بابنة عمه. يقول، "من الصعب أن أرتبط بامرأة من ثقافة أخرى، لأن ابنة عمي تفهم تقاليدنا وعاداتنا". عمر وأقاربه لا يتحدثون الألمانية أو اللهجة المغربية بل فقط الريفية، بينما أطفالهم يتحدثون الريفية والألمانية.

"لعنة الخروج من القبيلة"

 في عمر 15 سنة، ارتبطت مونى بابن عمها المقيم بألمانيا في إحدى قرى ضواحي مدينة الناظور بالمغرب، بعد بلوغها 18 سنة، سافرت إلى ألمانيا للعيش معه.

تبلغ مونى حالياً 35 سنة، وتحكي عن تجربة زواجها بابن عمها، قائلة "كنت أعيش مع والديه وأشقائه، كان علي أن أعمل خادمة في البيت وزوجة، وكانوا يمنعوني من الخروج وعندما كنت أشتكي كانت أمه وهو يعنفاني".

لم تكُن مونى حينها تتحدث اللغة الألمانية، وتضيف، "لم أكُن أعرف أي شيء عن العالم خارج البيت، ومن الصعب أن أشتكي لعائلتي ما أعيشه لأنه ابن عمي".

تلعب النساء في هذه القبائل بألمانيا دور خدمة الرجل، ويُطالَبن بالصمت والخضوع لأوامر العائلة، تروي مونى، "تلك التقاليد التي بدأت تختفي اليوم من المغرب، عشتها معهم، الأم تمارس السلطة وتتدخل في كل شيء وعليّ أن أخدمهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تعُد مونى قادرة على تحمل معاناتها، لهذا حاولت الانتحار، تقول "لم أكُن أتقن اللغة الألمانية آنذاك، ولا أعرف أين أذهب فغالبية معارفنا من أقاربنا، لن يساعدني أحد. لذلك حاولت الانتحار ورميت بنفسي من نافذة".

نجت مونى من حادثة الانتحار، وتم نقلها إلى المستشفى، وهناك بلغت عن عائلة زوجها بمساعدة الشرطة والمترجمة، تضيف، "عندما طلبت الطلاق، أصبحت منبوذة من أقاربي، لا أحد يتحدث إليّ، فانتقلت من المدينة".

"الطلاق عار بالنسبة إليهم"

الطلاق بالنسبة إلى أقارب مونى يعني الخروج من القبيلة، تخبرنا "في الأعياد، أحتفل بمفردي وأعيش منذ طلاقي معزولة. بالنسبة إليهم أنا عار، وعلى الرغم من أني كنت ضحية لكن كان يجب علي في رأيهم أن أتحمل".

يشار إلى أن الهجرة الأولى للمغاربة نحو الدولة الأوروبية كانت في منتصف القرن العشرين، وتنحدر غالبيتهم من جبال الريف شمال شرقي المملكة، وجاء ذلك عقب توقيع اتفاقية بين المغرب وألمانيا عام 1963 تنص على جلب اليد العاملة المغربية للعمل في مناجم الفحم الحجري.

ويُعدّ النظام الاجتماعي السائد في مناطق شمال شرقي المغرب قبلياً، لهذا أرسل العمال الريفيون عقود عمل فقط إلى أقاربهم، وأسهموا في تزايد عدد المهاجرين الوافدين من قرى في الناظور شمال شرقي البلاد.

لكن هل يمكن للجيل الجديد الذي ولد في ألمانيا ودرس فيها أن يخضع لسلطة "القبيلة"، يقول "عمر م"، "هناك استثناءات قليلة لمن يقررون الحياة بعيداً من العائلة، لكن غالبية أقاربي الذين ولدوا هنا، تزوجوا في عمر 18 سنة بقريباتهم، ويعيشون مع عائلاتهم ويحافظون على عاداتنا وتقاليدنا".

في الوقت الذي يتحدث الأطفال والشباب اللهجة المغربية في مدينة الناظور وينفتحون على ثقافات أخرى، فإن هؤلاء المهاجرين يحافظون على بنية "القبيلة" ويعتبرون أنها تحميهم من الضياع وفقدان هويتهم في المجتمع المستضيف.

عشائر العربية والجريمة

تعمل "القبيلة" في ألمانيا بميكانيزمات خاصة، فبمجرد وصول المهاجر من قريته الأصلية، يجد أقاربه ينتظرونه في المطار، يعيش معهم لفترة إلى أن يجد مسكناً خاصاً به ويدبرون له عملاً معهم وأيضاً يتزوج قريبته. ولا يتحدثون باللغة الألمانية، بل بلهجات مجتمعهم الأصلي ولا توجد فقط "القبائل الريفية المغربية"، بل أيضاً "القبائل الكردية" و"العشائر اللبنانية" و"العشائر الفلسطينية"، القرابة هي المحدد الأساس للعلاقة بينهم.

يرتبط اسم القبيلة العربية في الإعلام الألماني بعالم الجريمة والمجتمع الموازي والزواج القسري بسبب تورط بعض العشائر العربية في الجرائم المنظمة.

بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، لجأ عدد من العائلات اللبنانية إلى ألمانيا، وفي حالة أفراد العائلات الممتدة سُجلوا على أنهم "عديمو الجنسية"، وعلى الرغم من أنهم كانوا لاجئين من الحرب الأهلية، لم يُعترف بهم كلاجئين.

"التعليق المؤقت للترحيل"

"حصل معظم اللاجئين على (Duldung) ويعني وفقاً للقانون الألماني شهادة التعليق المؤقت للترحيل، تمكن بعضهم فقط من الحصول على تصريح إقامة دائمة أو الجنسية الألمانية في منتصف التسعينيات"، بحسب دراسة الباحث محمد جرابعة المعنونة بـ"العائلات الممتدة العربية وجريمة العشيرة في مركز إرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا".

توضح الدراسة أنه "إلى اليوم، لا يزال كثرٌ من أفراد العائلات الممتدة وأبنائهم وأحفادهم يعيشون بشهادة (التعليق المؤقت للترحيل) وعليهم أن يجددوها بعد ستة أشهر"، مشيرة إلى أنهم "ليسوا متأكدين من بناء مستقبل في ألمانيا، ولا يسمح لهم بالسفر خارج مدينتهم وأحياناً لا يحق لهم فتح حساب مصرفي ويجدون صعوبة في العمل".

تضيف الدراسة أن "بعض أفراد هذه العشائر شعروا أن سياسات الحكومة تهدف إلى تدمير هويتهم الثقافية، واستبعادهم اجتماعاً، وهكذا نما عداء بعضهم إزاء الدولة"، لينتهي المآل إلى أن "السلوك الإجرامي كان رد فعل لبعض العشائر العربية ضد ما وصفوه برفضهم، بينما شكلت العشيرة لدى البعض بيئة حامية للفرد وداعمة له في مقابل غياب رؤية واضحة بخصوص مستقبلهم في ألمانيا"، بحسب الباحث.

المزيد من تقارير