Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خروجة سينما"... عيد مصر يقاوم المنصات والامتحانات والتضخم

عدد الأفلام تقلص إلى النصف والعائلات تعيد ترتيب أولوياتها للحفاظ على العادات المجتمعية الراسخة

تحاول "فسحة سينما العيد" أن تصمد حيال كل الضغوط، وتقاوم لتجد لها مخرجاً وسط انتشار منصات العرض الإلكتروني (مواقع التواصل)

تنقلب الأحوال الاقتصادية رأساً على عقب في العالم كله، تنخفض قيمة عملات، وتنتعش أخرى، تختفي بعض السلع من على أرفف المتاجر، وبعضها يصبح شحيحاً، وفي كل مرة تحاول الأسر ترتيب أولوياتها، والاستعانة ببدائل حتى يمر المنعطف على خير، لكن هذه المرة تبدو التقلبات عاصفة، ومع مناسبة مثل عيد الأضحى التي تأتي، ومعها تذبذب واضح للجنيه المصري، يحاول الجميع الحفاظ على ما تبقى من طقوس تلك المناسبة، وأبرزها "خروجة العيد" التي تكون بمثابة مكافأة منتظرة بالنسبة لعدد من الأسر، حيث تكون السينما محور تلك النزهة على الأغلب.

بنود العيد المصرية تتنازعها لحوم الأضاحي والعيدية والملابس وامتحانات الثانوية العامة، التي تأتي إجازة الأضحى في منتصفها، ومع ذلك تحاول "فسحة سينما العيد" أن تصمد حيال كل تلك الضغوط، وتقاوم لتجد لها مخرجاً وسط انتشار منصات العرض الإلكتروني، الذي يقلل بدوره من استمرارية هذا الطقس.

تقلص الإنتاج

المعروف أن الإنتاج السينمائي المصري في الأعياد كانت له ضوابط محددة، وعلى الرغم من أنها لم تكن مكتوبة أو ملزمة، لكن الأمر كان يشبه العرف المتفق عليه، إذ يتم تقسيم الأفلام بين العيدين، لتعرض الكوميدية والأكشن في عيد الفطر، بينما تكون الأفلام ذات الميزانيات الأكبر، التي تعتمد على قصص أكثر جدية، في عيد الأضحى، وهو الأمر الذي لا يزال معمولاً به إلى حد ما، فقد عرض في عيد الفطر 2022 أفلام "العنكبوت" لأحمد السقا ومنى زكي، وهو فيلم مؤجل منذ سنوات عدة، وفيلم كوميدي رعب بنجوم شباب هو "زومبي"، كما أن "واحد تاني" لأحمد لحمي كان يغلب عليه الطابع الكوميدي الخفيف أيضاً، فيما تبدو الوجبة السينمائية في عيد الأضحى أكثر تميزاً بفيلم ضخم الميزانية ذي موضوع جاد ومأخوذ عن رواية أدبية تتحدث عن المقاومة المصرية إبان الاحتلال الإنجيلزي هو "كيرة والجن" لكريم عبد العزيز وهند صبري وأحمد عز، وآخر اجتماعي رومانسي هو "بحبك"، من بطولة وإخراج وتأليف تامر حسني، ثم "عمهم" الذي يعود به محمد إمام للمنافسة بعد غياب عامين عن شباك التذاكر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن المؤكد أن تقليص الإنتاج ألقى بظلاله على كل المواسم، فقبل بضع سنوات لم تكن قائمة أفلام العيد تقل عن سبعة، والآن لم تعد تزيد على ثلاثة أفلام أساسية، والباقي أعمال محدودة الميزانية، وبنجوم أقل شهرة، وتطرح تباعاً بعد ذورة الموسم.

إذاً، فخطة الإنتاج نفسها تأثرت بظروف العرض والأزمة الاقتصادية واكتساح المنصات، وأخيراً ظروف فيروس كورونا، التي صاحبها إغلاق طويل الأمد، وعلى الرغم من تعطش الجمهور لمشاهدة الأفلام في قاعات السينما، والذي تمت ترجمته في الإيرادات الكبيرة التي حققها فيلم "كيرة والجن" (مليون و300 ألف دولار أميركي تقريباً خلال أسبوعه الأول)، فإن الأمر لا يزال مقلقاً لكثير من صناع السينما، إذ إن الإيردات تبدو ضخمة خلال وقت قياسي، لكن إذا تم حساب سعر تذكرة السينما في مصر (أربعة دولارات في المتوسط)، فسيكون هذا النجاح معتاداً وغير استثنائي، مقارنة بأفلام أخرى كانت قد حققت إيرادات تاريخية قبل عقود، لأن قيمة العملة اختلفت كثيراً، وبالطبع ارتفعت قيمة التذكرة أضعافاً مضاعفة، وقبلها تكلفة الفيلم نفسه.

إعادة ترتيب الأولويات

بالحديث عن قيمة التذكرة التي هي مجرد بند في نزهة العيد الأسرية المعتادة، فإن الأمر بالطبع يؤثر على عائلة من أربعة أفراد على سبيل المثال، إذ سيضطرون إلى دفع ما يعادل 16 دولاراً على الأقل لمتابعة فيلم في سينما بمستوى معقول، مع الوضع في الاعتبار أن الحد الأدنى للأجور لا يزيد على 140 دولاراً تقريباً، وبالحديث عن باقي بنود الـ"الخروجة" من الأكل والتسوق واللعب والانتقال، فإن الأمر بالطبع سيلتهم نسبة معتبرة من الدخل، ومن هنا يمكن الاستغناء عن بعض التفاصيل مقابل الحفاظ على الطقس، وهو أمر بالفعل تطبقه بعض العائلات التي تريد أن تحافظ على عادتها في الذهاب إلى السينما في الأعياد.

يشدد على تلك النقطة "عادل. م"، الموظف في مكتب العلاقات العامة بمجمع سينمائي في أحد المولات الشهيرة بالقاهرة، إذ قال تعليقاً على إصرار العائلة المصرية على الذهاب للسينما خلال الأعياد، "عادة تفضل العائلات حفلات العروض الصباحية، وحتى السادسة مساءً، بينما تتنزه الغالبية من الشباب مع أصدقائهم، وبشكل عام يتغير الإقبال بتغير الفصول، إذ يكون أكثر في الصيف بحكم طبيعة المناخ والإجازات، لكن المؤكد أن نزهة السينما في العيد لم يعد لها نفس الزهو القديم، بخاصة بالنسبة للعائلات التي تدبر أوضاعها وفقاً للظروف الاقتصادية المتقلبة، كما أن هناك امتحانات الثانوية العامة التي تفضل الأسر التركيز فيها وفي متطلباتها أولاً".

تهديد المنصات

الناقد الفني إيهاب التركي يقول إن "خروجة السينما" في العيد تضررت بالفعل لأسباب كثيرة، على رأسها أن ميزانية دخول عائلة لمشاهدة فيلم واحد أصبحت باهظة للغاية، فالوضع الاقتصادي وغلاء التذاكر مؤثر كبير، لكن الأثر الأضخم ستظهر نتائجه بعد نهاية موسم الصيف وعرض جميع الأفلام الجاهزة، ومن وجهة نظره فإن السينما ستعاني لفترة ليست بالقصيرة، وسيبقى الإنتاج مركزاً على عدد قليل من أفلام البطولات الجماعية، وباقي الأعمال ستكون ضحية غلاء أسعار التذاكر.

ويرى التركي أن بعض المنتجين قلق من طرح أعماله خوفاً من ألا تأتي بتكلفتها، أو أن تحصل على إيرادات صفرية، وينتظر لمراقبة الوضع، وحول ما إذا كانت المنصات تصلح كبديل لقضاء وقت العيد، بخاصة أن عدداً منها يحرص على طرح أعمال جديدة نسبياً خلال تلك الفترة، يعلق التركي، "بالتأكيد، غير أن المنصات تنتج أفلاماً عربية أغلبها حتى الآن متواضع المستوى وينافس بشكل محدود، فهي مثلاً لا تنتج أفلاماً ذات إنتاج ضخم من نوعية (كيرة والجن)، أو أفلام لنجوم لهم جمهور مثل تامر حسني، وهذا أمر يصب في مصلحة دور العرض".

طبيعة الأعمال التي تختارها منصات العرض الإلكترونية وتلائم موسم العيد حتى الآن لا ترقى للمستوى المطلوب على ما يبدو، وهو ما يؤكده "محمود. ش"، نائب مدير إحدى السينمات بوسط القاهرة، الذي يرى أن أغلب الأفلام التي تتيحها التطبيقات لا تكون عرضاً أول، بالتالي لا تكون جاذبة بالقدر الكافي، لافتاً إلى أن نزهة العيد لا تتمثل في السينما فقط، إذ يكون هدفها التجمع خارج المنزل للشعور بالاختلاف عن الأيام العادية، وتكون السينما جزءاً من تلك الخطة. أضاف أنه بمتابعته على مدار سنوات طبيعة جمهور السينما، فإن مشاهدي الأفلام خلال فترة الأعياد ليسوا هم جمهور السينما الحقيقي، فأغلبهم شباب ومراهقون يقضون الوقت في العيد بنزهة في السينما، مشدداً على أن 70 في المئة من مرتادي السينما في هذه الفترة ليسوا جمهورها المعتاد، وحينما تنقضي المناسبة لا يتبقى سوى رواد مشاهدة الأفلام في دور العرض، وعلى الرغم من تشديده على أن الأسر المصرية لا تزال تفضل الاستمتاع بأجواء قاعات السينما خلال العيد، فإنه لم ينكر أن الظرف الاقتصادي أثر على كثير من العائلات، بالتالي تقلصت الخروجات العائلية بعض الشيء في الفترة الأخيرة.

وتحاول وزارة الثقافة المصرية المساهمة في وضع حلول لذلك الأمر، إذ تم أخيراً افتتاح المرحلة الثانية من مشروع "سينما الشعب"، ليكون العدد الإجمالي تسعة مواقع بالمحافظات المصرية، بحسب بيان رسمي للوزارة، كما تم تخفيض سعر التذكرة إلى نحو دولار، وهو سعر رمزي مقابل مشاهدة أفلام جماهيرية حديثة، لكن حتى الآن لا يزال المشروع متاحاً في أماكن محدودة للغاية، بينما المستهدف تشغيل 60 موقعاً بحلول نهاية 2022.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات