Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكون ليبيا ساحة حرب دولية قادمة؟

"التاريخ لا يعيد نفسه لكن الجغرافيا عبارة عن عملية تكرار"

قطع إحدى الطرق بالإطارات المشتعلة في طرابلس خلال احتجاجات جرت في 3 يونيو الماضي (أ ف ب)

"عندما أعيد النظر في تاريخنا، ما يبدو مدهشاً بالنسبة لي الآن، ليس كيف كانت السلطات الدينية، قوية وفعالة في إيران، بل كيف سيطرت الطرائق العلمانية المعاصرة بسرعة على مجتمع مهيمن عليه بشدة الدين التقليدي، والديكتاتورية السياسية".

آذر نفيسي – (أشياء كنت ساكتة عنها – ذكريات) – ترجمة علي عبد الأمير صالح – منشورات الجمل – الطبعة الأولى 2014.

ليبيا بوابة أفريقيا والباب الخلفي لأوروبا، بلاد صغيرة، بل هامشية، في نظر الاستراتيجيين الكبار والتكتيكيين الصغار، كما أوكرانيا مع الفارق، لكن للجغرافيا نظراً أبعد وأعمق، ولهذا فإن ليبيا في التاريخ، كانت دائماً حجر الأساس المنسي، منذ كانت قورينا (شحات الآن) أثينا الأفريقية، وكانت أويا (طرابلس الغرب) تؤم قرطاج الفينيقية. وهذه الأيام لا تغيب ليبيا عن الأخبار بخاصة العاجل منها، فالصحراء الليبية ثروة عامرة حتى بشمسها، طاقة البحر المتوسط والصحراء الكبرى، لدرجة أن في ألمانيا مَن يقترح أن تكون هناك شراكة بين ليبيا وألمانيا، لتكون الصحراء الليبية مصدراً رئيساً للطاقة، ليس غداً بل اليوم، فليبيا الغنية بالطاقة الأحفورية غنية أكثر بالطاقة البديلة، وبهذا تؤكد الجغرافيا أنها التاريخ.
إن ليبيا، هكذا، حالة مفارقة، والمقاربة الصواب، التي تمس المسألة الليبية باعتبارها مفارقة، لأنها بهكذا معطيات ظاهرة مرهونة إلى المستقبل دائماً وتخرج عن الماضي، كما لو كانت الهدف غير المتوقع من اللاعب المستبعَد، الذي يجلس على مقاعد الاحتياط، الاحتياط الاستراتيجي. ومن هذا المنظور يمكن فهم: لِم المسألة الليبية البسيطة والسهلة تبدو كما قضية مؤجَلة، قضية لا محام لها، وأن قضاتها يستحسنون هذا الغياب للمحامين، لهذا يتفقون على تأجيل البت فيها، فما بالك بإصدار الحكم، ومن هذا فإن الحل على الطاولة هو "اللا حل". والملاحَظ في تفاصيل الأخبار الليبية الجانبية، فإن ليبيا تظهر كما لو كانت أوكرانيا أفريقيا، بالتالي ساحة حرب قادمة.
في ما مضى، أي في الحرب الأوروبية الكبرى الثانية، جُعلت ليبيا ساحة الحرب الأفريقية المرادفة للحرب في الساحة الأوروبية، فكانت معركة العلمَين بمثابة المعركة الخلفية الحاسمة لتلك الحرب الكبرى، وهزيمة "ثعلب الصحراء" رومل، المسمار الرئيس في نعش الرايخ وزعيمه هتلر. بالتأكيد التاريخ لا يعيد نفسه، لكن المؤكد أن الجغرافيا عبارة عن عملية تكرار، فالجغرافيا  راسخة رسوخ الطبيعة، وليست كالتاريخ ذي الطبيعة البشرية السائلة. وعليه يمكن أن يكون الاحتياط الاستراتيجي محط عراك دولي، على الأقل لتخفيف وطأة الحرب الأوروبية الثالثة الكبرى، لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن العالم لم يعد قرية بل في كف اليد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مثل هذه الحرب الليبية في كف اليد تكون كما تحريك الخنصر، ما يقلل من احتقان البالون الساخن في آسيا التي تشير كل المعطيات إلى أنها عبارة عن مرجل بركان على وشك الانفجار، بخاصة وأن شرر نار أوكرانيا أول ما طال طال آسيا، آسيا الصين، وآسيا الهند، وآسيا الكوريتين، وكوريتي النار المشتعلة، وبلاد الملالي النوويين ومثلهما دولة اليهود!
وهكذا تكون ساحة الحرب في شمال أفريقيا/ليبيا، كما تخفيف لإمكانية اشتعال الحرب في آسيا، وتكون تحت السيطرة في يد مخرج "هوليوودي" ينفذ سيناريو اعتيادياً عُرف باعتباره مقومات الفيلم الأميركي.

في اعتقادي، أن التحليل السياسي نوع من ضرب الودع، لكن الحرب أيضاً لا تحتاج البتة إلى قرائن عقلية، فالحرب هي المهمة البشرية اللا عقلانية. وكلما كان ثمة أزمة مستفحلة تكون الحرب الطريقة لغياب الطريق. أو كما يقول تيموثي متشل في كتابه "ديمقراطية الكربون"، إن السلطة السياسية في عصر النفط "تقدم فترات الأزمة، كمناسبات مفيدة لفهم كيفية تجميع وإعادة تنظيم هذه العوالم. غالباً ما يكون الإعلان عن أزمة محاولة لإدخال قوى جديدة أو تحديد مخاطر يجب اتخاذ قرارات إزاءها، وهي تتطلب أيضاً تحديد الموضوع أو الموضوعات المجمعة المعرضة للخطر. وقد تفلت القوى المُدخَلة والمخاطر المحددة والموضوعات المجمعة جميعاً من سيطرة من يحاولون تعبئتها أو السيطرة عليها"، والانفلات من السيطرة اسم آخر من أسماء الحرب.
وما بعد الحرب الكبرى، اتخذت الحرب مساراً مختلفاً، بتفتيتها إلى حروب صغرى وبالوكالة، وباستبعاد الحرب عن القارة مركز الحروب الكبرى أوروبا، لكن المتغير الجذري أن الحرب عادت إلى "قارة الحروب"، وبإشعال حرب في ساحة مجانِبة يتم التخفيف من وطأة حرب المركز، بخاصة عندما تكون ساحة هذه الحرب المفتعلة إمبراطورية الرمال ليبيا، التي كانت حقل تجارب دائم لأوروبا، فعند تفاقم حدة التنافس في المتوسط بين الإمبرياليتين البريطانية والفرنسية سُلمت ليبيا في أكتوبر (تشرين الأول) 1911 لدولة أوروبية حديثة هي إيطاليا. وكانت الدولتان الإمبرياليتان، قد أسهمتا من قبل في عودة "الرجل المريض" أي تركيا، إلى حكم ليبيا إثر حرب أهلية في عام 1830، اندلعت في ايالة طرابلس الغرب، بين أفراد الأسرة القرهمانلية الحاكمة والمستقلة بالايالة. إن هذه السوابق التاريخية تذكر بأن الجغرافيا باقية على ما هي عليه في العصر السبراني.

المزيد من آراء