استقبلت عديد من القوى السياسية السودانية المعارضة، إعلان البرهان أمس الاثنين بفتور لأنه، بحسب قولها، لم يأت بجديد، في حين فسرته قوى بأنه غامض وحمّال أوجه ويحمل "لغطا كبيرا" وفق تصريح لنائبة الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني، حليمة البشير.
ورأى القيادى في قوى الحرية والتغيير، مدني عباس مدني، أن "الخطاب الذي ألقاه البرهان لا يبتعد كثيراً عن محاولاته السابقة لتحويل الصراع عن حقيقته كصراع بين معسكر التحول المدني الديمقراطي ومعسكر الانقلاب".
ابتعاد العسكريين عن الحوار
أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في الحوار الذي تديره الآلية الثلاثية، وأنه سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع.
وقال البرهان الذي قاد انقلاباً على قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للقوى المدنية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن "المؤسسة العسكرية ستلتزم تطبيق مخرجات الحوار"، وإن مجلس السيادة "سيُحل بعد تشكيل الحكومة المقبلة، وسيتم تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة".
جاءت هذه التصريحات في كلمة متلفزة بثها التلفزيون السوداني للبرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة اليوم الاثنين، موضحاً أن "القرار يأتي لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكونات الوطنية الأخرى من الجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال مطلوبات الفترة الانتقالية".
وأضاف "عليه آمل في أن تنخرط هذه القوى في حوار فوري وجاد يعيد وحدة الشعب السوداني ويمكن من إبعاد شبح المهددات الوجودية للدولة السودانية ويعيد الجميع إلى مسـار التحول والانتقال الديمقراطـي".
وشدد البرهان على أن "القوات المسلحة لن تكون مطية لأي جهة سياسية للوصول لحكم البلاد، مضيفاً أنها ستلتزم تنفيذ مخرجات الحوار".
وأوضح أن المجلس الأعلى الذي سيجري تشكيله "سيتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات على أن تستكمل مهامه بالاتفاق مع الحكومة التي يتم تشكيلها".
ودعا إلى التمسك بالسلمية مؤكداً "أن حق التعبير عن الرأي مكفول للجميع".
وأعلن تأسفه على سقوط الضحايا من كل الأطراف، مضيفاً أن المؤسسة العسكرية والأمنية ستقف إلى جانب تحقيق العدالة وتساعد في التحقيق الذي يفضي إلى تبيان الحقائق وتقديم المتورطين في إزهاق الأرواح للعدالة.
وأكد البرهان التزام القوات المسلحة العمل مع جميع مكونات الشعب السوداني من أجل الوصول إلى توافق وتراض وطني يكمل مسار الانتقال والتحول الديمقراطي وصولاً لقيام انتخابات، "كما تؤكد دعمها للجهد الذي تبذله الآلية الثلاثية وأصدقاء ودول جوار السودان"، و"أن القوات المسلحة ستبقى حارساً لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني".
وأضاف "سنقوم على تحقيق العدالة التي تفضي إلى تقديم المتورطين في العنف للمحاكمة"، داعياً الشباب إلى التمسك بالسلمية من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي.
الاستمرار في الحراك
من جانبها، استقبلت القوى السياسية السودانية المعارضة، إعلان البرهان بفتور لأنه، بحسب قولها، لم يأت بجديد.
وقال مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني، فؤاد عثمان، إن "خطاب البرهان لم يحمل أي جديد، بل أنه أكد إصراره بالمضي قدماً في نفس مخططه الرامي لإجهاض الثورة السودانية"، مشيراً إلى أن تحالف قوى الحرية والتغيير يرى أن الانقلاب مكتمل الأركان ولا بد من إنهائه أولاً.
وبيّن عثمان أن البرهان يريد من خلال خطابه أن يظهر للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي أن المكون العسكري ليس طرفاً في الأزمة السياسية الحالية وأن المشكلة تتعلق بصراعات وخلافات وعدم توافق بين المكونات المدنية، وهذه محاولة تغاضي عن جوهر وأصل المشكلة.
وأكد مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني، أن القوى الثورية المناهضة للانقلاب ستستمر في حراكها الجماهيري والثوري وتسعى بجدية لتأسيس الجسم القيادي الموحد، وهو شرط حاسم لإنهاء الانقلاب بمشاركة كل القوى السياسية والنقابية والمهنية.
حمّال أوجه
في السياق، أشارت نائبة الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني، حليمة البشير، إلى أن خطاب البرهان حمل لغطاً كبيراً وجاء حمّال أوجه، بخاصة في ما يتعلق بالقوى المدنية التي دعاها إلى التوافق لتشكيل الحكومة المقبلة، مؤكدة أن الجسم المعني بترتيب الشأن السوداني يتمثل في قوى الحرية والتغيير والقوى الثورية ولجان المقاومة باعتبارها كيانات مؤمنة بالتحول الديمقراطي.
ونوهت إلى أن "الخطاب ترك الأشياء على عواهنها، ما يؤكد أن فقدان الثقة والتباعد بين المكونين العسكري والمدني ما زال كبيراً"، وأضافت أن "المكون العسكري أصبح فاقداً للبوصلة نظراً لانفلات الوضع وعدم سيطرته على ما يجري من تدهور في شتى الجوانب". وتابعت أنه "مرر الكرة للقوى المدنية بطريقة مفتوحة من دون مواجهات محددة ما يجعل اللغط كبيراً، فليس من المعقول أن يعلن أنه المسؤول عن حماية البلد، ولكنه لا يتحمل مسؤولية الطرف الثالث الذي يقوم بقتل المتظاهرين، بحسب قوله".
تكتيك سياسي
في حين، أشار القيادي في قوى الحرية والتغيير، مدني عباس مدني، إلى أن "الخطاب الذي ألقاه البرهان لا يبتعد كثيراً عن محاولاته السابقة لتحويل الصراع عن حقيقته كصراع بين معسكر التحول المدني الديمقراطي ومعسكر الانقلاب، إذ يريد البرهان إقناعنا كسودانيين والعالم أجمع أن هناك صراعاً بين القوى السياسية المدنية، لكنهم كعسكريين مترفعين عن الصراع".
وأضاف "في الحقيقة أن معسكر الانقلاب تقوده الأطماع العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى الحركة الإسلامية ذات النفوذ المتغلغل في المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات العسكرية والأمنية، وهي صاحبة المصلحة العليا في الانقلاب، بيد أن الحركات المسلحة مع اختلاف أدوارها تجاه أزمة الانقلاب إلا أنها ليست الطرف الرئيس فيه"، وفق تعبيره.
ونوه القيادي في قوى الحرية والتغيير إلى أن خطاب البرهان يزخر بالتكتيك السياسي ومحاولات إرباك المشهد، فضلاً عن كونه محاولة لذر الرماد في عيون الداخل والخارج، لكنه في الوقت نفسه يعكس أن الثورة السودانية لن تنكسر بل صامدة.
مواصلة الاعتصام
وأتت قرارات البرهان بينما يواصل مئات السودانيين اعتصامهم لليوم الخامس على التوالي في شوارع الخرطوم وضواحيها للمطالبة بحكم مدني وإنهاء الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش العام الماضي.
ومنذ الانقلاب، قُتل 114 متظاهراً أحدهم قضى السبت بعدما أصيب "في الرأس بعبوة غاز مسيل للدموع في مواكب 16 يونيو (حزيران)"، كما ورد في بيان لجنة الأطباء.
وخلال الأسابيع الأخيرة، مارست الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة دول شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيغاد) عبر ما يعرف باسم "الآلية الثلاثية"، ضغوطاً لإجراء حوار مباشر بين العسكريين والمدنيين. إلا أن كتل المعارضة الرئيسية، مثل قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، رفضت خوض هذا الحوار.