Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سقوط حليف آخر لبوتفليقة… الأمين العام لاتحاد العمال لن يترشح لولاية جديدة

"نقابي السلطة"… "الاشتراكي" الذي رسم "رأسمالية العصابة" في الجزائر

أعلن عبد المجيد سيدي السعيد، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين الجمعة، عدم ترشحه لولاية جديدة، بعد قيادته لأكبر تنظيم نقابي في البلاد لمدة 22 سنة كاملة. وبانسحاب سيدي السعيد سيشهد اتحاد "المركزية النقابية" أكبر تحوّل في تاريخه منذ استقلال الجزائر، وطيّ صفحة تحالفٍ "اشتراكي" مع "رأسمالية" الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، التي تجسدت في تغوّل رجال الأعمال.
وبمجرد افتتاح المؤتمر الثالث عشر للاتحاد العام للعمال الجزائريين، في قصر المؤتمرات في الضاحية الغربية للعاصمة، أعلن سيدي السعيد انسحابه وعدم الترشح، في موقف منسجم مع ضغوط آلاف العمال والنقابيين منذ بداية الحراك الشعبي ضد هذا الرجل الذي تحالف بشكل مطلق مع نظام بوتفليقة وسياساته الاقتصادية والاجتماعية.
ويملك القيادي النقابي سليم لباطشة، حظوظاً وافرة لخلافة السعيد، فهو مسؤول "فيدرالية عمال الصناعات الغذائية والفلاحة" في الاتحاد، ومعارض لسيدي السعيد وسياساته. وعُرف لباطشة في وقت سابق، بقيادته لحركة "تصحيحية" داخل حزب العمال، استهدفت زعيمته لويزة حنون، الذي كان ينتمي إليه قبل إقصائه. ويُشار إلى أن حنون مسجونة على ذمة التحقيق من قبل القضاء العسكري في قضية السعيد بوتفليقة.
 

شريك اجتماعي "يكفر" بحق الإضراب
 

ويُعتبر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في المنظومة السياسية والاجتماعية في البلاد، وعاءً شعبياً هو الأكبر على الإطلاق، ورمزيته أهم من كل التنظيمات الجماهيرية الأخرى في البلاد، قوة هذا التنظيم استمدها من تركة الرئيس الراحل هواري بومدين، حين انتهجت الجزائر نهجاً اشتراكياً قاده الاتحاد. وعلى مدار سنوات عدة، قاد سيدي السعيد خطاباً "مستفزاً" ضد المطالب العمالية، في مقابل أنباء، لم يؤكدها القضاء بعد، عن "انغماس" الرجل في فساد مالي يشترك فيه مع شخصيات سياسية بعضها بات في سجن الحراش بتهم تتعلق بقضايا فساد.
وعلى الرغم من بداية الحراك الشعبي الرافض للعهدة الخامسة لبوتفليقة، بمسيرات جمعة 22 فبراير (شباط) الماضي، وتعاظمه لاحقاً في مسيرة الأول من مارس (آذار) الماضي، ثم تدفق سيول بشرية في مسيرات لاحقة، إلا أن سيدي السعيد صم آذانه وبقي مصراً على موقفه المساند لبوتفليقة، ما كلّفه غضباً عمالياً عارماً في جميع المحافظات، لدرجة رفع صورته جنباً إلى جنب ضمن الشعارات المنددة بـ"العصابة" الحاكمة.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"مع رجال الأعمال ضد العمال"
 

وتتفق الآراء بشكل كبير حول وصف حصيلة مسيرة عبد المجيد سيدي السعيد النقابية، فالرجل الذي يقف على رأس أكبر تنظيم نقابي في البلاد، تحول إلى مدافع شرس عن مصالح أرباب العمل في الجزائر عبر منتدى رؤساء المؤسسات الذي ترأسه لسنوات رجل الأعمال المثير للجدل علي حداد، الذي يقبع في سجن الحراش منذ نحو ثلاثة أشهر.
وشكلت صور سيدي السعيد إلى جانب كل من علي حداد والسعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس المستقيل) في إحدى الجنازات الرسمية، أثناء معركةٍ خاضها حداد ضد رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون في صيف عام 2017، محطةً فارقة في اختياره المعسكر الذي اصطف إلى جانبه.
وكان تبون فجّر حين تم تعيينه في أغسطس (آب) من السنة ذاتها رئيساً للوزراء، معركةً علنية ضد كبار رجال الأعمال المقربين من السعيد بوتفليقة، ليظهر تكتل معارض له تمكن من إسقاطه من المنصب بعد شهرين فقط. وعلى هذا الأساس يرفع عمال ونقابيون يحتجون بشكل يكاد يكون يومياً منذ بداية الحراك الشعبي، أمام مقر الاتحاد العمالي وسط العاصمة، شعارات مناهضة لما اعتبروه "تجربةً فريدة في العالم"، بتحالف النقابة مع مصالح رجال المال، المتهمون بـ "تصفية أكبر الشركات العامة وطرد عمالها وكوادرها".
 

تحالف سيدي السعيد وبوتفليقة
 

لم تكن علاقة المركزية النقابية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين)، على ود كبير مع نظام بوتفليقة في بداياته، فالرئيس السابق بما وصف من "مكر سياسي" لم يتمكن من "تدجين" الاتحاد النقابي، إلا بعد سنوات عدة من المد والجزر، فسياسة بوتفليقة الاقتصادية والاجتماعية لم تكن على قدر كبير من الوضوح في البدايات، على الرغم من أن الرجل قدم نفسه رجل "حماية اجتماعية" تحافظ على أسس "الاشتراكية" التي ورثها عن الرئيس السابق هواري بومدين. إلا أن نزعة رأسمالية بدأت بالظهور بمرور السنوات العشر الأولى لحكمه، كان خلالها بوتفليقة أنهى بسط سيطرته على الاتحاد النقابي، مستغلاً "دهاء" رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، لتوقيع "عقد اقتصادي اجتماعي" يقر "هدنة" بين أكبر نقابة في البلاد والحكومة، مقابل تعهدات بمراجعة دورية للأجر الوطني الأدنى المضمون، وشروط بعدم المساس بما تبقى من مؤسسات عامة.
وتحولت نقابة "سيدي السعيد" منذ عام 2006، إلى شريك نقابي وحيد في ما يعرف بـ "الثلاثية"، وهي لقاء دوري بين الحكومة، منظمة أرباب العمل (رجال الأعمال) والاتحاد العام للعمال الجزائريين، وعلى الرغم من تقديم حضور "النقابة" كشريك فعلي، مع تحصيل مكتسبات دورية مكّنت من مراجعة الأجر القاعدي مرات عدة، إلا أن الحكومة انقطعت منذ عام 2011 عن مراجعة هذا الملف أمام صمت مطبق للنقابة، ما جعلها في مرمى الانتقادات.


"من يرفض بوتفليقة تنقصه الرجولة"


وفي خضم مسلسل التصريحات الاستفزازية ضد الحراك الشعبي في الجزائر، كان الأمين العام السابق لـ"جبهة التحرير الوطني"، سبّاقاً في وصف الجزائريين الذين تظاهروا يوم 22 فبراير بـ"الحالمين".
أما عبد المجيد سيدي السعيد فخيّر الجزائريين ما بين استمرارية عبد العزيز بوتفليقة أو "العودة إلى سنوات الإرهاب". بل أضاف "الذي ينكر خير بوتفليقة ويرفض أن يعيده إليه، ليس فيه من الرجولة شيء".
وتمسك سيدي السعيد، وهو غير مدرك بعد مدى جدية الجزائريين في إنهاء "مهزلة الخامسة" كما وصفوها، بترشيح بوتفليقة، ولم يجد لاحقاً ما يقوله غير "الوقوف إلى جانب الحراك الشعبي". بيد أن التصريح أتى متأخراً، إذ إن آلة "حصاد" رموز النظام انطلقت.
 

النقابات المستقلة عوضت غياب "سيدي السعيد"
 

وفي مقابل انسحاب المركزية النقابية، عن إبداء أي رأي في قطاعات شهدت اضطرابات غير مسبوقة، باتت النقابات المستقلة، على الرغم من تضييق الحكومة على نشاطها وتهديدها باستمرار بضوابط قضائية عبر المحاكم الإدارية، إلا أنها غطت على المشهد النقابي في البلاد في السنوات العشر الأخيرة.
وتمكنت نقابة "الكناباست" العمالية المستقلة مثلاً قبل سنة، من شل قطاع التربية لشهور طويلة، وبات قطاع التربية، مسرحاً لنشاط نقابات مستقلة ذات صدقية وسمعة، كل هذا على الرغم من محاولات "حلها" من قبل وزارة التشغيل والعمل، وإصدار قرارات من المحاكم الإدارية، تقضي ببطلان إضرابات دعت النقابة إليها.
وأدى هذا المشهد إلى تقوي النقابات المستقلة، في قطاعات التربية والإدارة والخطوط الجوية والنقل بالسكك الحديد وغيرها، إلى الوقت الذي "تحررت" فيه وزارة العمل "تحت ضغط الشارع" ما دفع رئاسة الحكومة إلى إقرار إجراءات اعتماد عشرات النقابات في الفترة الأخيرة، في مقابل غرق "الاتحاد العام للعمال الجزائريين" في صراعات غير مسبوقة صنعها "عمال بسطاء" ظلوا يطالبون بسقوط سيدي السعيد مطلقين عليه لقب "الذراع النقابية للعصابة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي