Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يجري في ملف الأسرى بين "حماس" وإسرائيل؟

الحركة تريد تأكيد حضورها في مشهد التفاعلات الجارية وخطف الأضواء من سلطة رام الله

ملف الأسرى توظفه دورياً "حركة حماس" عند الضرورة وفي توقيتات معينة (أ ف ب)

من دون مقدمات سياسية، أذاع الجناح العسكري لـ"حركة حماس" فيديو مسجلاً للإسرائيلي المحتجز في قطاع غزة لدى الحركة هشام السيد، وهو موصل بجهاز التنفس الاصطناعي (الفيديو حديث)، لإيصال رسالة مهمة بأن هشام السيد ما زال على قيد الحياة، وأنه يعاني بعض الأمراض إضافة لصعوبات في التنفس. نشر هذا الفيديو يؤكد أن "حركة حماس" تستهدف تحقيق بعض الأهداف الرئيسة والفرعية جراء إذاعة هذا الفيديو في هذا التوقيت. ويؤكد وجود مسار تتحرك فيه "حماس" في الوقت الراهن وتنتظر نتائجه. والأسير ليس مواطناً مخبولاً أو يعاني مرضاً نفسياً، فهو عنصر من وحدات قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي.

الجناح العسكري

جاء تحريك ملف الأسرى مجدداً من قبل الجناح العسكري للحركة في الوقت الراهن، وهو ملف متخم بالكثير من التفاصيل الممتدة والمعقدة، وتسبب من قبل في حدوث ردود فعل عدة على الجانبين الإسرائيلي و"حركة حماس"، بل وعلى الذين قاموا بدور الوساطة إقليمياً ودولياً، ما يعني أن هذا الملف معقد بالفعل، وتوظفه دورياً "حركة حماس" عند الضرورة وفي توقيتات معينة.

والذي يدير الملف "الجناح العسكري لحركة حماس" وليس المستوى السياسي الداخلي أو المكتب السياسي في إطار لعبة التوازنات الكبرى التي تعمل فيها الحركة. ولهذا المستوى العسكري الرد والفيصل في حسم الموقف النهائي، وهو ما برز في جولات التفاوض السابقة، وكاد يحدث اختراقاً، إذ تمت صفقة تبادل الأسرى وتعثرت في اللحظات الأخيرة. ويشرف على إدارة هذا الملف القيادي الكبير في الجناح العسكري محمد ضيف شخصياً، ويعاونه في إدارته يحيى السنوار، والذي كان أسيراً لدى إسرائيل وخرج في صفقة تبادل الأسرى الشهيرة (جلعاد شاليط). ومن ثم فإن التفاوض في شأن ما يجري محصور في دائرة محددة وشخصيات بارزة، وقد يشمل الأسير الإسرائيلي الثاني أفيرام مانجستو، وكذلك الجنديين شاوول وجولدن اللذين قتلا في حرب غزة 2014، وعلى الجانب الفلسطيني الأسير ناصر أبو حميد المصاب بالسرطان.

إن التطور الأخير في الملف قبل وبعد ظهور الأسير هشام السيد، ارتبط بموقف محدد داخل الحركة واختيار التوقيت المناسب، بخاصة أن هناك تطورات فلسطينية دولية مهمة ستجري في الفترة المقبلة مرتبطة بقدوم الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل وبيت لحم، وبلقائه الرئيس محمود عباس، وكأن "حركة حماس" تريد أن تؤكد أن لديها الحضور والتأثير في ملف يهم كل الأطراف، بما في ذلك الوسطاء الذين سيتحركون وعلى رأسهم الجانب المصري، بالتالي فإن التوقيت مرتبط بتطلع "حركة حماس" للتشويش على الموقف الفلسطيني وتحركات السلطة، والدعم المنتظر المنشود فلسطينياً من زيارة جو بايدن، وكأن الحركة أرادت تأكيد أنها الطرف القوي والمؤثر، والذي يمكن أن يغير من قواعد اللعبة عند الضرورة، وهو ما برز في اختيار التوقيت.

رسائل "حماس"

مبرر آخر لـ"حركة حماس" قد يكون الهدف من ورائه محاولة تأليب الداخل الإسرائيلي على الحكومة الراهنة، والتي باتت مؤقتة لحين إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل، الأمر الذي يؤكد أن الحركة تريد أن توجه رسالة للرأي العام الإسرائيلي بأنها من بدأت وطرحت وتدعو لإتمام صفقة تبادل الأسرى، وهي تعلم أن القرار الإسرائيلي في شأن ما يجري غير مطروح، وغير قادر على الحسم في ظل غياب سلطة تأخذ القرار في تل أبيب، لا سيما أن "حماس" لم تقدم حتى الآن على مقاربة حقيقية وجادة لإتمام الأمر، أو الحديث عن إمكانية الإفراج عن الأسير هشام السيد والذي ربما يواجه الموت، واحتمال تدهور حالته الصحية وعدم توافر العلاج المناسب، وهو ما قد يدفع الحركة إلى التفاوض حول أسير حي وليس جثماناً، كما يجري بالنسبة إلى جثث الجنود الآخرين، وهو ما تدركه الحركة عبر جناحها العسكري، والذي قد يتباين في مواقفه مع المكتب السياسي داخل القطاع وخارجه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى المستوى السياسي أن القرار المتعلق بإتمام صفقة كبيرة ومشرفة ومشابهة لما جرى في صفقة جلعاد شاليط مؤجلة بالفعل، وأن الرهانات الحالية قد ترتبط فقط بإمكانية تحريك المياه الراكدة في الملف ليس أكثر، وإعلان نيات الحركة في مخاطبة الإطارات الأميركية والداخل الإسرائيلي، على الرغم من حالة عدم الاستقرار وإعادة تقديم وجه "حركة حماس" الآخر للولايات المتحدة، وإعطاء ورقة الوساطة للجانب المصري والذي يملك خبرات متراكمة حقيقية في هذا الملف، ويمكنه -إن وجد جدية من قبل الحركة وإسرائيل- أن يتحرك بقوة وينجز كثيراً من التفاصيل في ظل تحسن العلاقات بين تل أبيب والقاهرة بصورة كبيرة، ولافتة تسمح لمصر العمل على مسارين: مسار "حركة حماس" - مصر، ومسار إسرائيل - مصر على الرغم من إدراك القاهرة التام بصعوبة الموقف الداخلي في إسرائيل في الوقت الراهن، وانشغال القوى الرئيسة في الساحة السياسية في الاستعداد للانتخابات التشريعية، ومن ثم فإن الأولويات ستختلف تماماً بالنسبة إلى الأطراف كافة.

خيارات إسرائيلية

إسرائيلياً، الحكومة المؤقتة ليس لديها خيارات كثيرة بل ضيقة ومحدودة، بالتالي فإن الاتجاه لمصر وليس لأي وسيط آخر كان مطروحاً في مراحل معينة، كان متوقعاً ومهماً في نقل رسالة إسرائيلية عنوانها: ماذا تريد "حركة حماس" في الوقت الراهن بفتح ملف الأسير هشام السيد؟ وهل هو حالة واحدة أم أنه مدخل لحالات أخرى متعددة ومهمة وقائمة، الأمر الذي سيؤكد أن ثمة أمراً غير مفهوم، ويختص بالوضع المرتبط بالأسير هشام السيد تحديداً، وليس حالة كل الأسماء الأخرى، والتي لم تعطِ الحركة تفاصيل بشأنها، واكتفت بتأكيد احتجاز عدد منهم ليس أكثر ما بين جثامين وأحياء، وإن كانت التأكيدات أن التفاوض جرى حول أسماء بعينها، مع التوقع بأن "حركة حماس" قد تكون قد خطفت أسماء آخرين مدنيين، بدليل ما ينقل على لسان النشطاء السياسيين من الجانب الإسرائيلي، والذين سمحت إسرائيل بدخولهم القطاع لتسويق خيارات التسامح والسلام والالتقاء وإتمام صفقة الأسرى. وهو ما تضعه أجهزة الأمن الإسرائيلية في بؤرة تركيزها الأمني، وتتعامل مع تفاصيله العديدة بخاصة أن "حماس" ترى أن الوسيط المصري قد يكون له أولوياته الأخرى لدى الشريك الأميركي أيضاً، وقبل حضور الرئيس جو بايدن للمنطقة، حتى ولو يتم تنفيذ أي تطور مفصلي يمكن البناء عليه.

رهانات متعددة

وتراهن إسرائيل في وضعها الحالي على أن الإفراج عن بعض الأسرى من قائمة المهمين VIP، مؤجل لا سيما أن الإفراج عن مروان البرغوثي تحديداً قد ينقل رسالة خاطئة للرئيس محمود عباس في الوقت الراهن، وسيغير من لعبة التوازنات الكبيرة في "منظمة التحرير" ولجنتها المركزية، وفي صراع السلطة بين تيارين الأول: يمثله حسين الشيخ وقيادات الأمن الداخلي والاستخبارات وعلى رأسها ماجد فرج، والثاني: يمثله جبريل الرجوب وقيادات تاريخية غير معلنة في اللجنة المركزية وفي الأطر المعطلة لـ"منظمة التحرير". والإفراج عن مروان البرغوثي (القائمة المهمة)، تشمل أحمد سعدات وآخرين، سيؤدي إلى تبعات خطيرة ومن ثم فإن إسرائيل في وضعها الراهن لا تريد الدخول في منعطفات جديدة حول تفاصيل جديدة، وستكتفي باتباع أحد مسارين، الأول: إدارة الملف من منظور إنساني سياسي مع التأكيد أن "حماس"، وبصرف النظر عن قرار الجناح العسكري ومن ورائه، تستهدف جملة من الأهداف السياسية والإعلامية بل والدولية، وهو ما تدركه إسرائيل. والثاني: الدخول من خلال الوسيط المصري في مفاوضات أمنية وليست سياسية بالمعنى التفاوضي، وهو ما قد يكون له تأثيراته الحقيقية على ما يجري من تطورات، مع تأجيل وتسويف النظر في مطالب وتوجهات "حركة حماس" الحالية في العمل على أكثر من مسار. فالاتجاه إلى إتمام الصفقة ككل مؤجل، والخلافات حول الإطار والهدف الاستراتيجي الذي يمكن العمل عليه، ليس أكثر.

الخلاصات الأخيرة

لا يريد الطرفان معادلة مكررة. وقد يكون نشر الفيديو للأسير هشام السيد مرتبطاً بمصالح وتوجهات محددة داخل "حماس" – بصرف النظر عن تبعية أو إدارة الملف. وفي المقابل، فإن تقبل الحكومة الإسرائيلية التعامل سيرتبط بالعمل على مقاربة مصلحية كاملة، سيختلط بها البعد الأمني بالاستخباراتي بالسياسي. ولا يوجد أي تطور في الجانب الإسرائيلي للعمل مرحلياً من خلال إتمام صفقة مؤقتة محدودة على مستوى الجانبين، أولاً من خلال الإفراج عن الأسير هشام السيد وآخرين مقابل الإفراج عن الحالات المتقدمة في السجون الإسرائيلية، على أن يتم تأجيل تنفيذ باقي المطالب الخاصة بـ"حركة حماس"، والإفراج عن بعض الأسرى في مرحلة تالية سترتبط ببناء إجراءات الثقة على مستوى الجانبين، ومن خلال مراقبة ومتابعة من الوسيط المصري تحديداً. وقد تقبل القاهرة بدور لأطراف أخرى على أن تكون مصر المرتكز الرئيس لاعتبارات عدة، ومن المرشح دخول قطر على الخط نظراً إلى تحسن العلاقات المصرية - القطرية بصورة كبيرة، وزيارة الشيخ تميم أمير دولة قطر القاهرة ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي.

"حركة حماس" لا تريد الدخول في دائرة الوسطاء الآخرين في ظل وجود الوسيط المصري، التي هرعت إليه إسرائيل لتحري الموقف ومراقبته والتعرف على مخطط "حركة حماس". ومن ثم لا حديث عن دور ألماني أو نرويجي أو أممي ممثلاً في المندوب الدولي لعملية السلام في التوقيت الراهن، والرسالة أن هناك تطورات هيكلية تجري في الملف بالفعل، وليس مجرد بالونة اختبار حقيقي من قبل "حركة حماس" في توقيت شديد الأهمية، وفي ظل ما يجري في مسار علاقات "حركة حماس" وإسرائيل من جانب، والسلطة الفلسطينية من جانب آخر.

المزيد من تحلیل