Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يخصص لقاح جدري القرود للرجال؟

أهمل المسؤولون على ما يبدو فئة مهددة أخرى تمثلها النساء العاملات في تجارة الجنس

إنها ليست المرة الأولى التي تلقى فيها النساء التجاهل عند ظهور فيروس (رويترز)

سيمر بعض الوقت قبل تحديد فئات السكان التي يرتفع لديها خطر التعرض لفيروس [جدري القرود]. خلافاً لكورونا الذي اتضح أنه شديد الضراوة، أثبت فيروس جدري القرود أنه أكثر انتقائية منه، وبالتأكيد بعيد كل البعد عن القدرة الكبيرة لدى نظيره في الانتشار والعدوى.

حينما ظهر جدري القرود في المملكة المتحدة قبل بضعة أسابيع، لم يذكر أحد تقريباً أي المجموعات السكانية يتهددها هذا الخطر. يعزى ذلك في جزء منه إلى أننا لم نكن نعلم بشأن هذه المجموعات، لكن حتى حينما أصبح من الواضح أن الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال مثلهم معرضون بشكل خاص للإصابة بالفيروس، كانت الخشية من أن تضاعف المجاهرة بهذه الحقيقة، وصمة التمييز ضد فئة اعتادت أن تلقى تعصباً أعمى تجاهها.

والآن، كشفت "وكالة الأمن الصحي" في المملكة المتحدة أخيراً عن استراتيجيتها التي ترمي إلى التخفيف من حدة انتشار فيروس جدري القرود، وسيتمثل تدخلها الصحي الرئيس في تقديم لقاح مضاد يُعطى للرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية.

وفيما تقر "وكالة الأمن الصحي" رسمياً بأن معدلات انتقال عدوى الفيروس أعلى كثيراً في مجتمع المثليين من الذكور، تحرص على التأكيد بأن الفيروس ليس محصوراً في هذه المجموعة السكانية وحدها. في الحقيقة، تسعى الوكالة جاهدة إلى تبيان أنه على الرغم من أن الفيروس ليس مصنفاً بأنه أحد الأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي، يبقى الاتصال الجنسي الحميم الطريق الرئيس للعدوى.

في المقابل، لا أجد مانعاً في استخدام استخبارات الصحة العامة لاستهداف الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، لكن يبدو أنهم أهملوا فئة تواجه خطراً متزايداً أيضاً تتمثّل بالنساء العاملات في تجارة الجنس. لن يهتم جدري القرود أبداً في كون طرفا العلاقة الجنسية الحميمة زوجين من الجنس نفسه أو زوجين مغايرين. بالتالي، إنّ الأشخاص الذين يمارسون عدداً أكبر من العلاقات الجنسية، مع شركاء متعددين، ما زالوا عرضة للخطر أكثر من غيرهم.

ليست هذه المرة الأولى التي تلقى فيها النساء الإهمال عند ظهور فيروس ما، والشروع في إعداد توصية وتدخلات صحيين. في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، حينما ظهر فيروس "نقص المناعة البشرية"HIV ، وأخذ يتفشى بين مجتمع المثليين من الذكور، لقيت النساء التجاهل، خصوصاً العاملات في الجنس منهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذا كنا جادين في التصدي لهذا الفيروس، علينا أن نستهدف كل الأشخاص المعرضين للخطر، وليس فئة سكانية واحدة بعينها. لعل غياب الاهتمام بالمرأة ليس موقفاً سلبياً تجاهها إنما نتيجة عجز يشوب ثقافتنا في ما يتصل بالتحدث عن الجنس. أتمنى حقاً أن أكون مخطئاً، لكني على يقين بأن خجلنا الجماعي بشأن الجنس قد أدى دوراً في ذلك.

طوال عقود من الزمن، شكّل رفض التعرض لمسائل جنسية ما يمكن اعتباره استراتيجية مطروقة جداً بالنسبة إلى كثير من صانعي السياسات وبعض المسؤولين في الصحة العامة، ما يعكس إنكارنا الأوسع والخجل الكبير الذي يعترينا عندما يتعلق الأمر بالجنس، لا سيما التجاري منه.

مرت سنوات (والرب وحده يعلم عدد الأرواح التي أُزهقت) قبل أن تنال النساء نصيباً من الجهود المبذولة في سبيل الحد من عدوى فيروس نقص المناعة البشرية. ويبدو أنه مقدر لنا تكرار هذا الخطأ الفادح مع جدري القرود. ولكن في وسعنا تغيير هذا الواقع بسرعة إذا امتلكنا الإرادة وتصرفنا بنضج أكبر حول الجنس بجميع أشكاله، سواء جرى في المنازل أو لأغراض تجارية.

ما لم نغير مواقفنا الاجتماعية، ستعاني النساء من دون مبرر، وسيدفع بعضهن حياتهن ثمناً، ببساطة نتيجة شعورنا الجماعي بالحرج حيال الجنس.

ولكن تبرز مشكلة أخرى أيضاً. إذا لم نكن مستعدين للتحدث عن الجنس والمنخرطين في هذه التجارة، فستتراجع الحقائق أمام الأوهام. سرعان ما امتلأ فضاء الصحة العامة بإشاعات وحكايات بدلاً من الأدلة والعلم. مرة أخرى، يجور هذا الواقع على البعض أكثر من البعض الآخر، وكلما تعاظم الخطر الذي يطرحه عليك هذا الفيروس، ازدادت حاجتك إلى الحقيقة.

إنّ أحد الأنباء السارة فعلاً يتمثّل في إعطاء الأولوية للرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية في التلقيح ضد جدري القرود، إنما ثمة نساء ينبغي أن يشملهن هذا التدخل الصحي المحدد الهدف.

وربما يكون التطعيم الأكثر إلحاحاً الذي نحتاج إليه هو تحصيننا ضد حرجنا حيال الجنس. حينها، يسعنا إحراز تقدم حقيقي في الحد من المخاطر والوفيات التي ما زالت تواجهها الفئات المهمشة من دون مبرر.

 

* إيان هاملتون بروفيسور مشارك يدرس تخصص الإدمان في "جامعة يورك"

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 28 يونيو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة