Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقف كييف وراء طرد الدبلوماسيين الروس من بلغاريا؟

اتهامات "مثيرة للجدل" للرئيس البلغاري بالتورط في فضيحة فساد تتعلق بتجارة سلاح غير مشروعة مع أوكرانيا

الرئيس البلغاري رومان روديف لدى وصوله للمشاركة في اجتماعات "الناتو" في مدريد، الخميس 30 يونيو (أ ف ب)

في خطوة استفزازية بحسب تقديرات وزارة الخارجية الروسية، اتخذت بلغاريا قراراً بطرد 70 دبلوماسياً روسياً بعد سلسلة إجراءات أعقبت خطوات عدائية سابقة، ومنها طرد عدد من الدبلوماسيين الروس العاملين في السفارة والقنصليات والممثليات الروسية في بلغاريا، فضلاً عن الانضمام إلى عدد من الدول المجاورة ومنها الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية في قرار عدم السماح لطائرة سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بعبور أجوائها الإقليمية خلال رحلته التي كانت مقررة إلى صربيا.
وجاءت هذه الخطوة الأخيرة التي قدرها كيريل بيتكوف، رئيس الحكومة البلغارية التي حجب البرلمان عنها الثقة خلال الأيام القليلة الماضي، بأنها "غير مسبوقة من حيث العدد"، في توقيت مواكب لما وجّهته كورنيليا نينوفا نائبة رئيس الوزراء البلغارية، وزيرة الاقتصاد، من اتهامات في حق الرئيس البلغاري رومان روديف ووزير الدفاع السابق ستيفان يانيف بالتورط في التجارة غير المشروعة للأسلحة مع أوكرانيا. وكانت مطبوعة "أكتوالنو" Actualno البلغارية نشرت عدداً من الوثائق التي تشير إلى تورط الرئيس البلغاري في إبرام صفقة توريد أسلحة وذخيرة إلى أوكرانيا في نهاية العام الماضي، وهو ما اعتبرته القوى اليسارية تأجيجاً للصراع القائم هناك. غير أن الأهم في هذا الصدد فيتلخص في ما أعلنه توشكا يوردانوف، زعيم الكتلة البرلمانية لحزب "يوجد شعب كهذا"، حول أن قرار طرد الدبلوماسيين الروس لم يكن نتاج جهود أجهزة الأمن والاستخبارات البلغارية التي أكدت تورط هؤلاء الدبلوماسيين في جريمة التجسس، بل كان قراراً شخصياً اتخذه كيريل بيتكوف، رئيس الحكومة البلغارية، بإيعاز من الجانب الأوكراني خلال زيارته الأخيرة إلى كييف في نهاية أبريل (نيسان) الماضي. ومضى إلى ما هو أبعد حيث كشف عن أن بيتكوف تشاور حول هذا الأمر مع عدد من أعضاء الوفد المرافق له خلال زيارته إلى كييف، وكان منهم ستانيسلاف بالابانوف، عضو البرلمان عن حزب "يوجد شعب كهذا". وكانت المصادر البلغارية نقلت ما نصه أن "رئيس الوزراء البلغاري أعلن خلال زيارته إلى كييف في نهاية أبريل الماضي، أنه يريد تقليص عدد الدبلوماسيين الروس في صوفيا. وأن وزارة الخارجية البلغارية شكلت في أعقاب صدور هذه التصريحات لجنةً مشتركة من ممثلي مختلف الوزارات لدراسة هذه المسألة".

بيتكوف يوضح

وفي محاولة لدحض هذه الاتهامات، حرص بيتكوف رئيس الحكومة البلغارية (السابق) في حديث بثته قنوات التلفزيون البلغارية على توضيح موقف بلاده وما قامت به أجهزة الأمن والاستخبارات وكذلك وزارة الخارجية، من جهود وصفها بـ"الاحترافية". ومضى ليقول "نحن نتحدث عن 70 دبلوماسياً شغلوا مناصب مختلفة، ولا نتحدث عن أشخاص خارج السفارة الروسية". وبحسب قوله، فإن هؤلاء الأشخاص قاموا بأنشطة "لا تتناسب مع وضعيتهم الدبلوماسية". كما استطرد ليقول "إن أجهزة استخباراتنا أثبتت أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون بأجهزة الاستخبارات الروسية ويعملون ضد مصالحنا. إلى جانب تعاون معظمهم مع وكالات أجنبية، وكان دورهم الدبلوماسي أكثر من غطاء". غير أن المسؤول البلغاري رفض الخوض في التفاصيل، على اعتبار أنها "معلومات سرية"، على حد تعبيره واكتفى بالقول "إن هذا ليس بأي حال من الأحوال اعتداء على الشعب الروسي. ولكن عندما تتدخل حكومات الدول الأخرى في الشؤون الداخلية لبلغاريا، فإن كل مَن يعمل ضد مصالحها سيُعاد إلى حيث أتى". واختتم بيتكوف تعليقه بقول "أتوقع أن تغادر طائرة كاملة إلى موسكو يوم الأحد".
ومن اللافت أن بلغاريا كانت انضمت إلى العديد من البلدان الغربية ومنها بولندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك والبرتغال وإيرلندا والسويد وجمهورية التشيك ورومانيا وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا واليونان التي اتخذت قراراتها بطرد جماعي للدبلوماسيين الروس في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) الماضي، وهي البلدان التي استخدمت موسكو حقها بموجب مبدأ "التعامل بالمثل" تجاه عدد من دبلوماسييها. وتحت ستار "قيامهم بأعمال لا تتفق مع وضعيتهم الدبلوماسية"، كانت بلغاريا اتخذت عدداً من القرارات المماثلة بحق السكرتير الأول للسفارة الروسية في العاصمة صوفيا في 1 أبريل الماضي، في أعقاب قرار مماثل بطرد 10 آخرين في 18 مارس (آذار) الماضي، غير أن القرار الأخير جاء ليشمل عدداً غير مسبوق من الدبلوماسيين والموظفين العاملين في السفارة الروسية في بلغاريا.

رد الفعل الروسي

وفي أول رد فعل رسمي صدر عن موسكو بهذا الشأن، كتب فلاديمير جباروف، نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد للعلاقات الدولية، على قناته على "تلغرام" Telegram يقول في لهجة تتسم بالكثير من السخرية: "إن بلغاريا غير الناكرة للجميل، أعلنت عن نفسها مرة أخرى في أفضل صورة". وخلص إلى القول إن "الإجراءات الانتقامية ليست بعيدة". وفيما تتواصل ردود الأفعال أعلنت المصادر الرسمية في بلغاريا أن نواب البرلمان البلغاري صوتوا إلى جانب "قرار سحب الثقة واستقالة الحكومة الائتلافية". وقد أيّد القرار 123 نائباً وعارضه 115 نائباً، بما يوفر النصاب القانوني اللازم وهو الحصول على أصوات 121 نائباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن قضية أو "فضيحة" التجارة غير المشروعة للأسلحة التي تورط فيها رئيس الجمهورية رومان راديف بحسب المصادر البلغارية، فقد نقلت الصحف والمواقع الإلكترونية ومنها Actualno البلغارية عن نائبة رئيس الوزراء كورنيليا نينوفا ما قالته حول الكشف عن وثيقة حول "صفقة أُبرمت في نهاية عام 2021 ولم توافق عليها الحكومة". وتطرقت نينوفا إلى ما تردد من "إشاعات"، منها ما يقول بنقل "الكثير من الأسلحة إلى أوكرانيا في الليل"، لكنها صرحت رسمياً أنه "لم يتم إرسال خرطوشة إلى أوكرانيا".
ومضت لتقول إنها التزمت الصمت لأنها "لا تريد أن تشتت انتباهها عندما تكون هناك أشياء أكثر أهمية" مثل النظر في الميزانية ومساعدة المواطنين، لكن "هناك حد لكل شيء". وتعليقاً على مثل هذا الموقف، تدخل نواب معارضون للمطالبة بالمزيد من التفاصيل عن حقيقة ما يقال حول "تغذية بلغاريا للصراع في أوكرانيا بالأسلحة"، وهو ما تطلب الكشف عن "أربعة أسطر من وثيقة" نشرها وزير الرئاسة ديميتري ستويانوف تقول إن "وجهة الأسلحة كانت أفغانستان وهو ما جرى شطبه لتغييره إلى أوكرانيا". وكانت نائبة رئيس الحكومة البلغارية نينوفا قدمت النص الكامل للوثيقة التي استشهد بها ستويانوف، من دون إعلان الموقف النهائي مما يتناثر من اتهامات بحق الرئيس البلغاري.
ومن الغريب في هذا الصدد أن الرئيس البلغاري رومين راديف كان قد حظي في وقت سابق بعلاقة متميزة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استضافه في المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبرغ، في زيارة أعقبها راديف بزيارة عمل إلى سوتشي جرت خلالها مناقشة مختلف قضايا التعاون الاقتصادي، أملاً في إحياء فكرة "إعادة الحوار بين روسيا وبلغاريا"، واستعادة الثقة في ظل تفاقم الأوضاع الإقليمية والدولية واحتدام العلاقات بين روسيا وحلف "شمال الأطلسي"، نتيجة ما جرى فرضه من عقوبات ضد روسيا في أعقاب اندلاع الأزمة الأوكرانية. وذلك ما لم يتحقق لأسباب تتعلق بضعف الإرادة السياسية للقيادة البلغارية، وامتثالها لما اتخذه الاتحاد الأوروبي من قرارات وما مارسه من ضغوط. ويذكر المراقبون أن البلدين كانا قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ مختلف المشروعات الاقتصادية التي تعود بالنفع على الجانب البلغاري أكثر، ومنها ما كان يتعلق بخط أنابيب الغاز "التيار الجنوبي"، بموافقة ضمنية من جانب تركيا، امتداداً لخط السيل الجنوبي الذي سبق واتفقت روسيا وتركيا حول بنائه وجرى افتتاحه منذ سنوات.

وضع بلغاريا

وفي هذا الصدد يقول مراقبون روس إن بلغاريا كانت من أشد أنصار التعاون مع روسيا، وهي التي لطالما حاولت أن تثبت لنظيراتها في الاتحاد الأوروبي، عدم جدوى الانصياع لمقررات هذا الاتحاد، التي قالت إنها تقف على طرفَي نقيض مع المصالح البلغارية، بحسب تصريحات يوري كفاشنين، رئيس قطاع أبحاث الاتحاد الأوروبي في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية. وتعليقاً على ما يجرى من تطورات على صعيد العلاقات الروسية البلغارية تقول المصادر الروسية إن موسكو لم تفاجأ بما اتخذته وتتخذه صوفيا من قرارات، وهي التي سبق ونكثت بالكثير من وعودها، وما كانت تقول إنه يصب في مجرى مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى. وقد أكدت مثل هذا التوجه بانصياعها المطلق لكل قرارات الاتحاد الأوروبي والناتو، لا سيما ما يتعلق منها باستيراد الغاز الروسي على الرغم من كل ما تتكبده من متاعب وخسائر، تعترف اليوم صراحة بأنها تتزايد حدة على وقع ما اتخذته روسيا من قرارات حظر بيعه لبلغاريا وبولندا خلال الأيام القليلة الماضية.
وها هي الخلافات تحتدم مجدداً بين أعضاء الفريق الواحد حول الموقف من قضية الغاز الروسي ومدفوعاته إلى روسيا والموقف من صادرات الأسلحة إلى أوكرانيا التي اضطرت القيادة الأوكرانية للامتثال لكل ما صدر من قرارات وما مارسته الولايات المتحدة والناتو من ضغوط على بلغاريا لإرغامها على الانضمام إلى جانب قرارات تسليح ومساعدة أوكرانيا منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" ضدها في 24 فبراير الماضي. ونقل راديو "سبوتنيك" الحكومي الروسي عن رئيس الحكومة البلغارية "السابق" كيريل بيتكوف ما قاله حول خلافاته مع الرئيس راديف بشأن قضيتي استيراد الغاز الروسي وإمداد أوكرانيا بالأسلحة. وكشف بيتكوف عن موقف راديف المناهض للتعاون مع أوكرانيا في مجال إمدادها بالأسلحة والمعدات العسكرية. كما نقلت الإذاعة الروسية عنه تصريحاته لصحيفة "الغارديان" البريطانية، التي اتهم فيها اليانورا ميتروفانوفا، السفيرة الروسية في بلغاريا، وعدداً من السياسيين وأعضاء البرلمان البلغاري بالوقوف وراء تصويت البرلمان إلى جانب قرار "سحب الثقة" من حكومته. وذلك ما تقول المصادر الغربية إنه سيزيد الأمور تفاقماً، ما قد يدفع الساسة الأوروبيين إلى المزيد من الجهود لتنظيم صفوفهم من أجل مواجهة أكثر حسماً لروسيا، في الوقت الذي يقول فيه آخرون بانحسار مقاومة أوكرانيا وضياع الكثير من أراضيها.

المزيد من متابعات