Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دماء الأسرى" تضع السودان وإثيوبيا على شفير الحرب

البرهان يتفقد قوات الحدود ويتوعد بالرد وأديس أبابا تتنصل من الجريمة وتحذر من التصعيد

ارتفع منسوب التوتر على الحدود السودانية - الإثيوبية بدرجة غير مسبوقة قد تنذر بانفجار الوضع في أية لحظة، وذلك في أعقاب تصفية الجيش الإثيوبي سبعة من الجنود السودانيين الأسرى لديه، إلى جانب مواطن مدني، وتوعد السودان الرد على الواقعة بعد عرض صورهم بطريقة غير لائقة اعتبر أنها تتنافى مع قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني.

الجيش السوداني قال إن هذا الحادث "الغادر والجبان" لن يمر من دون رد يناسبه، وكان أول إجراء اتخذه السودان إغلاق المعبر الحدودي بمنطقة القلابات.

ويتزامن وعيد السودان مع أنباء عن حشد عسكري إثيوبي كبير، وتحركات مما يسمى ميليشيات الشفتة، على الجانب الآخر من الحدود عند مناطق الفشقة الصغرى قبالة إقليم الأمهرة، المحاذي لحدود ولاية القضارف.

البرهان في الفشقة

في ظل موجة من الغضب الشعبي العارم المطالبة بالثأر للجنود وصل، ظهر الاثنين 27 يونيو (حزيران)، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى منطقة الفشقة بمحلية القريشة الحدودية بولاية القضارف، يرافقه عدد من القادة العسكريين، وكان في استقباله اللواء ركن أحمد محمد خير، قائد المنطقة العسكرية الشرقية، واللواء ركن الطاهر سمبو، قائد الفرقة الثانية مشاة المرابطة هناك، حيث انعقد اجتماع مع قيادات المنطقة العسكرية. وقدم البرهان واجب العزاء للجنود والقادة العسكريين.

وشدد الفريق البرهان، لدى تفقده القوات بمنطقة الفشقة الصغرى على حدود السودان الشرقية برفقة أعضاء من هيئة القيادة، على أن الرد سيكون على الأرض واقعاً ملموساً، ولن تضيع دماء الشهداء سدى، مشيراً إلى أن ما حدث خلال الأيام الماضية لن يتكرر مرة أخرى، وأصدر توجيهات بعدم السماح بأية تحركات أو تعديات جديدة على الأراضي السودانية أو المواطنين حتى خط الحدود الدولية.

وكانت القوات المسلحة السودانية كشفت، في بيان رسمي، عن إعدام إثيوبيا سبعة جنود سودانيين ومواطن كانوا أسرى لديها، وتم عرضهم على الإثيوبيين عبر التلفزيون. ووصفت القوات المسلحة السودانية، في بيان خلال وقت مبكر من فجر الاثنين، التصرف الإثيوبي بالخسة والدناءة. وقالت إنه لن يمر من دون رد.

وقال البيان، الذي تلاه الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبدالله، إن الجيش الإثيوبي قام بما يتنافى مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني، بإعدام الجنود السودانيين السبعة ومواطن كانوا جميعاً أسرى لديه، ومن ثم عرضهم على مواطنيهم بكل خسة ودناءة.

وقال البيان، "تؤكد القوات المسلحة بشكل قاطع للشعب السوداني الكريم، بأن هذا الموقف الغادر لن يمر بلا رد، وأنها ستواجه هذا التصرف الجبان بما يناسبه، فالدم السوداني غال دونه المهج والأرواح، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، مقدماً التعازي لأسر الشهداء الكرام.

"الخارجية" تدين وتشكو

وزارة الخارجية السودانية، دانت بأشد العبارات، ما أقدم عليه الجيش الإثيوبي من جريمة نكراء تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي بقتل سبعة أسرى من الجنود السودانيين ومواطن مدني بعد اختطافهم من داخل الأراضي السودانية، 22 يونيو (حزيران)، واقتيادهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية، وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ.

وشجبت الوزارة هذا السلوك غير الإنساني، مذكرة بأن السودان يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة، ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح. وقالت في بيانها الصحافي، إنها حفاظاً على سيادة البلاد وكرامة مواطنيها، شرعت في تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة.

وذكرت الوزارة أن حكومة السودان تحتفظ بكامل الحق الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة في الدفاع عن أراضيه وكرامة إنسانه، وأن السودان سيقوم باستدعاء سفيره لدى إثيوبيا فوراً للتشاور، كما سيتم استدعاء السفير الإثيوبي في الخرطوم لإبلاغه رسمياً إدانة وشجب السودان لهذا السلوك غير الإنساني.

من جانبها، نفت الحكومة الإثيوبية في بيان من وزارة خارجيتها اتهامات السودان لقواتها بإعدام جنود سودانيين. وعبرت الخارجية الإثيوبية عن أسف حكومتها للخسائر في الأرواح نتيجة مناوشات بين الجيش السوداني وميليشيات محلية، ووعدت بفتح تحقيق في هذا الأمر قريباً، ودعت الحكومة السودانية إلى التحلي بضبط النفس، والامتناع عن أي تصعيد، وعدم اتخاذ أية إجراءات من شأنها أن تشعل الموقف.

وأشار البيان إلى أن الحكومة الإثيوبية تعتقد أن الحادثة كانت متعمدة بغرض تقويض العلاقات العميقة بين شعبي إثيوبيا والسودان، كما تهدف إلى عرقلة طريق إثيوبيا نحو السلام والتنمية.

غضب شعبي واسع

أثارت الواقعة غضباً واستنكاراً شعبياً واسعاً لدي جميع القوى السياسية والشعب السوداني عامة، وفي ولاية القضارف ومناطق الفشقة على وجه الخصوص. وطالب عدد من القيادات الشعبية والبرلمانيين السابقين في منطقة الفشقة بضرورة اتخاذ إجراءات قوية وطرد السفير الإثيوبي وكل طاقم السفارة في السودان. ودعا مواطنون إلى التجييش الشعبي وفتح معسكرات للرد على أي عدوان إثيوبي متوقع على البلاد. وطالب شعبيون الحكومة الإثيوبية بتقديم اعتذار رسمي من أديس أبابا.

ودان رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، الحادثة التي وصفها بالعمل الغادر والخبر الصادم والمؤلم، الذي تتعارض مع الأعراف والقوانين الدولية. ودعا الدقير الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي إلى ضرورة التحقيق في هذه الواقعة الصادمة لمحاسبة الجناة. وطالب، عبر حسابه على "فيسبوك"، الحكومة الإثيوبية بتوضيح ملابسات هذه الجريمة البشعة.

ووصفت وزيرة الخارجية السابقة، القيادية في حزب الأمة القومي، مريم الصادق المهدي، الواقعة بالصادمة التي تتنافى مع كل القوانين والأعراف الدولية، كما أن عرض الجثامين بهذا الشكل المهين يعد انتهاكاً آخر للكرامة الإنسانية، ومشاعر الشعب السوداني، وقوانين الحرب وحقوق الإنسان، ويسمم العلاقات بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودعت المهدي "الشعب السوداني بكل مكوناته السياسية والمدنية والمجتمعية لإعلان الوقوف بقوة في مؤازرة قواتنا المسلحة في مهمتها الجليلة"، وتقدمت بالتعازي لأسر الشهداء وقيادة وضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة.

كما دان رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل المهدي، عدوان الجيش الإثيوبي على السودان، بإعدامه للجنود السودانيين السبعة والمواطن الأسرى لديه، مستنكراً الفعل الإثيوبي الغادر، المجافي لكل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي.

واعتبر حزب الأمة الاعتداء الإثيوبي تصعيداً مؤسفاً وغير مقبول، من شأنه أن تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة، محملاً إثيوبيا المسؤولية كاملة عن تبعات ما سيحدث بسبب ذلك، ومؤكداً وقوفه إلى جانب القوات المسلحة في خندق واحد دفاعاً عن الأرض والعرض وحماية الحدود وتراب الوطن.

استنكار واتهامات

على الصعيد ذاته، استنكر المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، ما قامت به القوات المسلحة الإثيوبية، ووصف مدير المركز، أمية يوسف حسن، الحادثة بأنها غريبة على تاريخ العلاقات السودانية الإثيوبية، وتجافي كل الأعراف والمواثيق الدولية وحقوق الأسير التي نصت عليها الاتفاقات الدولية.

ودعا حسن القوات السودانية والقيادة السياسية إلى ضبط النفس، ومعالجة الأمر وفق نصوص القانون الدولي، بما يحفظ للمدنيين والعسكريين السودانيين حقوقهم المعنوية، ويمنع تكرار حدوث مثل هذه التجاوزات، لأن ذلك يمكن أن يكون شرارة لعدم استقرار في كل المنطقة والإقليم، ونزوح واسع وهجرات لم تشهدها المنطقة منذ عقود.

وتعليقاً على الحادثة، قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة، العميد الطاهر أبو هاجة، إن "التآمر الذي يحدث في حدودنا هدفه زعزعة الأمن القومي للبلاد"، مؤكداً أنها "تحركات مرصودة، ستتحطم عند صخرة تماسك المنظومة الأمنية، وإرادة الأغلبية الصامتة من جماهير شعب السودان".

إلى ذلك، أوضح المحلل السياسي والأمني، أمين إسماعيل مجذوب، أن إقدام الجيش الإثيوبي على إعدام الأسرى من الجنود السودانيين والتمثيل بهم عمل محرم يعاقب عليه بموجب الاتفاقيات الدولية، كما يعد خرقاً لقواعد الاشتباك القانونية والأخلاقية وأسس جنيف لمعاملة الأسرى، بالتالي يحق للسودان مقاضاة إثيوبيا على هذا العمل الشنيع، كما أن له حق الرد في الزمان والمكان المناسبين، لأن الجيش السوداني لا يتحرك بردود الأفعال، ولديه سجل ناصع ومشرف في أخلاقيات التعامل مع الأسرى.

كيف سيرد السودان؟

مجذوب توقع أن يتخذ السودان مواقف وإجراءات تجعل إثيوبيا تندم على فعلتها هذه، بحكم ما يمتلكه من علاقات أفقية ورأسية في الإقليم، فضلاً عن وجود أكثر من 3 ملايين لاجئ إثيوبي داخل أراضيه، وأكثر من 100000 من العمالة يدخلون سنوياً إلى السودان، لما يقدمه من فائدة في التجارة البينية الحدودية بين البلدين.

ولم يستبعد المحلل الأمني أن يدفع هذا الحادث الشنيع السودان إلى إعادة النظر في مسألة حياده إزاء جبهة تحرير تيغراي، وقال إن على إثيوبيا ألا تعتقد أن السودان في وضع ضعيف بسبب أزمته السياسية ومشكلاته الداخلية.

مجذوب توقع أن تدفع إثيوبيا بمبررات واهية، مثلما ظلت تكرر مراراً بأن الفاعل ليس الجيش الإثيوبي الفيدرالي، وتلصق الاتهام بما يسمى ميليشيات الشفتة أو "الفانو"، التي هي في الأصل وحدات من الجيش الإثيوبي، ترتدي الزي المدني لأغراض التمويه.

واستغرب المحلل الأمني أن تكون إثيوبيا قادرة على دحر جبهة تحرير تيغراي خلال عشرة أيام مثلما قال رئيس الوزراء الإثيوبي عند بادية حربه مع الجبهة، بينما تعجز عن دحر تلك الميليشيات لعشرات السنين، مما يؤكد أنها جزء من الجيش الفيدرالي.

بعض المحللين الإثيوبيين، ركزوا على استبعاد أن تكون الحادثة من فعل الجيش، مستشهدين بعدم وقوع أية اشتباكات مباشرة بين الجيشين حتى يسقط أسرى من أي طرف لدى الآخر.

وظلت إثيوبيا طوال النزاع بين البلدين تؤكد حرصها على حله سلمياً، مع تمسكها بأن هناك أراض اجتاحتها القوات السودانية، وتسعى إلى تسوية النزاع بشأنها عن طريق الحوار والتفاوض.

تاريخ من التوترات

منذ 25 عاماً، تمارس ما يسمى ميليشيات الشفتة الإثيوبية عمليات نهب وسلب وقتل كلما اقترب موسم الحصاد الزراعي في المناطق الحدودية مع ولاية القضارف شرق السودان، وتمكنت نتيجة لذلك من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في منطقتي الفشقة الكبرى والصغرى التي تتخللها في فصل الخريف أنهار عطبرة وستيت وباسلام الموسمية.

وظلت الخرطوم تكرر اتهامها للجيش الفيدرالي الإثيوبي بدعم تلك الميليشيات، التي تستولي على أراضي المزارعين السودانيين بعد طردهم بالقوة، في حين تنفي أديس أبابا ذلك، وتقول إنها مجرد جماعات خارجة عن القانون.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بدأ الجيش السوداني إعادة انتشاره في مناطق الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، وقال إنه استرد 90 في المئة من المساحات التي كانت تحتلها قوات وميليشيات إثيوبية طوال 25 عاماً، غير أن إثيوبيا اتهمت السودان وقتها، على لسان المتحدث باسم خارجيتها، دينا مفتي، بالاعتداء على الأراضي الإثيوبية، مؤكدة أن الجيش السوداني توغل داخل أراضيها، مستغلاً انشغالها بالأزمة الداخلية في إقليم تيغراي، وشددت على تمسكها بالحوار مع السودان وعدم السعى لتضخيم موضوع الحدود بين البلدين أو جعلها قضية ذات بعد إقليمي.

المزيد من متابعات