Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يؤدي ارتفاع الفائدة إلى انهيار سوق العقارات؟

بيوت كندا تفقد 10 في المئة والصفقات الأوروبية تهبط 6 مليارات دولار وخبراء: "لا قطاع محصناً من زيادة تكلفة الاقتراض"

لا يتوقع كثير من الاقتصاديين انهيار القطاع العقاري بالشكل الذي حدث مع الأزمة المالية العالمية عام 2008 (أ ف ب)

مع بدء البنوك المركزية في أغلب دول العالم موجة التشديد النقدي (رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق) نهاية العام الماضي، ارتفعت تكلفة الاقتراض في السوق، بما أثر على مختلف القطاعات وقيمة الأصول. ومن بين القطاعات التي تعد مخزناً للقيمة في كثير من الدول القطاع العقاري. وعلى الرغم من أن ذلك التأثير بدأ يظهر بشكل طفيف في أرقام صفقات البيع للعقارات السكنية في أسواق مهمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وغيرها، وكذلك في تراجع عدد القروض العقارية التي تمت الموافقة عليها، فإن قطاعات العقارات التجارية والمباني السكنية للتأجير تشهد تراجعاً أكثر وضوحاً.

بدأت أسعار العقارات، بمختلف أنواعها، تهبط بالفعل، بمعنى تباطؤ النمو في الأسعار إلى حد التوقف في بعض الأسواق. ونشرت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" في عددها الأسبوعي، السبت، تحقيقاً مطولاً عن القطاع العقاري وتأثره برفع أسعار الفائدة، جمعت فيه آراء مختلفة من شركات العقارات والمستثمرين فيها. ففي مثال من كندا. تقول بريندا ماكينلي، التي تعمل في قطاع بيع وشراء العقارات بأونتاريو منذ أكثر من عقدين، إن البيوت في المنطقة في الأسابيع الستة الأخيرة تفقد نحو نسبة 10 في المئة من قيمتها خلال مدة إنهاء صفقات البيع.

ظاهرة عامة

ليس التراجع في قيمة الأصول العقارية وأسعار البيع قاصراً على أونتاريو أو كندا وحدها، بل يتردد التساؤل بين المستثمرين وأصحاب العقارات والمشترين المحتملين في أكثر من بلد حول ما إذا كان استمرار رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى انهيار سوق العقارات. يقول مسؤول منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في وكالة العقارات "سي بي آر إي"، كريس بريت، "هناك تباطؤ واضح في كل مكان... فالتغيير في تكلفة الاقتراض يؤثر على كل الأسواق، وفي كل قطاع. لا أظن أن هناك قطاعاً محصناً. لقد فاجأتنا سرعة التغيير".

من المؤشرات التي يراقبها المستثمرون للدلالة على توجه السوق العقارية أسهم العقارات المسجلة في مؤشرات البورصات التي تراجعت بقوة هذا العام حتى الآن. على سبيل المثال، هبط مؤشر العقارات الأميركية على مؤشر "داو جونز" ببورصة "وول ستريت" في نيويورك منذ بداية العام حتى الآن بنسبة 25 في المئة. أما أسهم العقارات البريطانية المسجلة في بورصة لندن فانخفضت قيمتها بنسبة 20 في المئة هذا العام. وكلها نسب هبوط في أسهم العقارات أكبر من نسب الهبوط في المؤشرات العامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب أرقام المؤشر العالمي للأسهم "أم أس سي آي" تراجع عدد المشترين الذين يستهدفون صفقات أسهم عقارية في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا بشدة عن أعلى مستوياته خلال فترة وباء كورونا، إذ هبط العدد من 3395 مستثمراً في الربع الأخير من العام الماضي إلى 1602 مستثمر فقط في الربع الثاني من هذا العام. وتراجعت قيمة الصفقات أيضاً، فعلى سبيل المثال وصلت في أوروبا إلى نحو 12 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) الماضي، مقارنة مع نحو 18 مليار دولار (17 مليار يورو) في الشهر ذاته من العام الماضي.

ليس هذا فحسب، بل إن الصفقات التي يجري إتمامها تتعرض لإعادة التقييم وخفض الأسعار أيضاً. يقول رئيس شركة سمسرة الأسهم العقارية "ماديسون إنترناشيونال ريالتي"، رونالد ديكرمان، "يتعرض أي بائع لأي شيء الآن إلى خفض السعر من قبل المشترين المحتملين، وإلا ينسحب المشتري من الصفقة. ويضطر كل من يقيم مبنى الآن إلى إعادة التقييم. من الصعب تخيل حجم التخفيض في السعر الذي يحدث في قطاع العقارات حالياً".

العقارات التجارية والمكاتب

خلال فترة وباء كورونا زاد إقبال المستثمرين على مبانٍ تجارية مثل مساحات التخزين والمستودعات نتيجة الإقبال الهائل على التجارة الإلكترونية مع فترات الإغلاق خلال أزمة الوباء. كذلك زاد الطلب على مساحات المباني الإدارية ذات المواصفات الصحية، بينما انهار تقريباً الطلب على مباني المكاتب القديمة مع لجوء الأغلبية للعمل من منازلهم في فترة الوباء، كما شهدت تلك الفترة ارتفاعاً في قيمة العقارات السكنية للإيجار مثل مباني الشقق والمجمعات السكنية.

لكن ذلك كله اختلف الآن بعد نهاية الإغلاقات وبدء البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة، مما زاد من تكلفة الاقتراض للمستثمرين وحتى للمشترين للوحدات العقارية. وأشارت دراسة من جامعة كولومبيا الأميركية إلى أن العمل من البيت وانهيار قطاع العقارات التجارية جعل القيمة الإجمالية لعقارات المكاتب في مدينة نيويورك تهبط بنحو الثلث. ويضر ذلك بصناديق معاشات التقاعد وغيرها التي تملك نصيباً كبيراً من أسهم ذلك القطاع، وتعتمد على العائد منه لاستمرارها في الدفع لأعضائها المستفيدين.

يقول أستاذ المالية والعقارات في جامعة كولومبيا، أحد المشاركين في الدراسة، ستيجن فان نيوربيرغ، "تقديرنا أن كل أسهم قطاع المكاتب أصبحت قيمتها أقل بنسبة 30 في المئة عما كانت عليه عام 2019، ما يعني خسارة القطاع 500 مليار دولار من قيمته".

وفي بريطانيا كذلك يواجه من يملكون مباني إدارية للمكاتب تحدياً مماثلاً. وقدرت شركة الاستشارات العقارية "لامبرت سميث هامتون" هذا الأسبوع أن الفائض في العرض بسوق مباني المكاتب في بريطانيا يزيد على 7.6 مليون متر مربع (25 مليون قدم مربع)، بعد استطلاع للشركة أجابت فيه نسبة 72 في المئة بأنهم يخططون لتقليل مساحات المكاتب التي يستخدمونها لأعمالهم.

البيوت والعقارات السكنية

ربما لا يبدو التراجع بالوضوح ذاته في قطاع العقارات السكنية، لكن أرقام صفقات البيع والشراء للبيوت والشقق في بريطانيا تشهد تراجعاً في الشهرين الأخيرين، ما يشير إلى تباطؤ النمو في السوق العقارية. وحسب شركات السمسرة العقارية أصبح إتمام الصفقات العقارية يأخذ وقتاً أطول مما كان قبل بضعة أشهر، كما أن أسعار العرض للبيع غالباً ما تشهد تخفيضاً من قبل البائع ليتمكن من إتمام الصفقة، كما أظهرت بيانات بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) تراجع عدد القروض العقارية التي تمت الموافقة عليها في الفترة الماضية أيضاً.

تتوقع شركة "أوكسفورد إيكونوميكس" للأبحاث أن تشهد أسعار البيوت ترجعاً في أغلب الأسواق، من الولايات المتحدة إلى ألمانيا ونيوزيلندا. وكانت أسعار العقارات السكنية في تلك الأسواق شهدت ارتفاعاً كبيراً العام الماضي.

مع ذلك، لا يتوقع كثير من الاقتصاديين والمحللين في السوق العقارية انهيار القطاع العقاري بالشكل الذي حدث مع الأزمة المالية العالمية عام 2008. وبحسب ما ذكرته "الفاينانشيال تايمز" نقلاً عن رئيس واحد من أكبر صناديق الاستثمار في العقارات، فإنه قبل الأزمة العالمية كانت هناك نحو 20 شركة في وضع خطر، أما الآن فإن العدد ربما لا يتجاوز 5 شركات. ويضيف أن "كثيراً من تقييمات الأصول قبل الأزمة المالية العالمية كانت مزيفة ومُبالغاً فيها عمداً، لكن الوضع الآن يختلف".

والخلاصة، أنه مع ارتفاع تكلفة الاقتراض نتيجة الزيادة في أسعار الفائدة قد تشهد بعض جوانب القطاع العقاري هبوطاً كبيراً، لكن في الإجمال تظل احتمالات انهيار السوق العقارية بشكل كامل بعيدة حتى الآن.

اقرأ المزيد