Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كهرباء غزة"... تحسن ملحوظ في "الظلام"

يحتاج القطاع إلى 550 ميغاواط في اليوم لا يتوافر منها سوى 185 واتهامات لـ"حماس" بعدم توريد الاشتراكات للخزانة

يتساءل السكان عن سبب الظلام في ظل عدم وجود توتر أمني واستمرار إسرائيل في توريد الوقود لتشغيل محطة الطاقة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

في بداية يونيو (حزيران) الحالي، كانت غزة تتمتع بثماني ساعات وصل للكهرباء، وبعد مرور أسبوع، بات التيار يصل ست ساعات، ومع انتصاف الشهر انخفضت مدة وصل الطاقة إلى أربع ساعات، واليوم ينعم السكان بثلاث ساعات فقط، أما خلال الأيام المقبلة، فقد يعيش القطاع وسط الظلام.

هذا الانخفاض التدريجي الحاد في مدة وصل التيار إلى البيوت والمنشآت الصناعية، اعتبره سكان غزة "تحسناً ملحوظاً" لكن في قطع الكهرباء، ومن باب السخرية غرد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بهذه العبارة، متسائلين عن السبب، في ظل عدم وجود أي توتر أمني، كما أن إسرائيل لم توقف توريد الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة.

في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن ملف الكهرباء في غزة تديره ثلاث جهات: الأولى سلطة الطاقة، والثانية شركة توليد الكهرباء والثالثة شركة توزيع الكهرباء، فيما يعمل المسؤولون عن توزيع التيار، وفق جداول ثابتة، إذ يقسمون القطاع إلى مناطق صغيرة، ويرسمون جدولاً لوصل الطاقة، بحيث يكون عدد ساعات الفصل نحو 20 ساعة.

حول ذلك، يكشف مسؤول التواصل في شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت أن السبب وراء انخفاض مدة وصل الطاقة ناتج من نقص في إمدادات التيار التي يتسلمونها من مصادرها، موضحاً أنهم يوزعون الكمية بالتساوي على المناطق.

الغريب الذي أثار سخرية سكان غزة أن هذا التحسن في قطع الكهرباء، جاء بعد حديث سلطة الطاقة عن عملها المستمر خلال هذه الفترة لتوفير مزيد من الخدمة للمواطنين. يقول رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم إنهم يسعون إلى تطوير شبكة الكهرباء في غزة، استجابة للطلب المتزايد على الكهرباء، من خلال رفع الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الطاقة، بما ينعكس إيجاباً على عدد ساعات وصل التيار إلى المواطنين، على الرغم من جميع العراقيل الموجودة على أرض الواقع.

لكن الواقع يقول العكس تماماً، وما يؤكد ذلك حديث شركة توزيع الكهرباء حول أنها تتسلم كميات مخفضة من التيار. وأيضاً ما يعيشه المواطنون من أزمة انقطاع للطاقة لفترة تصل إلى 20 ساعة يومياً.

مصادر تزود غزة بالكهرباء

ملف الكهرباء في غزة معقد للغاية، فالقطاع الصغير المساحة، الذي يحتاج إلى 500 ميغاواط فقط لتكون الطاقة على مدار اليوم، يعتمد على ثلاثة مصادر تزوّده بالتيار: الأول وهو الرئيس، ما تنتجه شركة توليد الكهرباء في غزة (مؤسسة خاصة ربحية تعمل مباشرة مع سلطة الطاقة التي تديرها السلطة الفلسطينية)، وفي أحسن الحالات تنتج نحو 75 ميغاواط، أما الثاني، فهو شركة الكهرباء الإسرائيلية بقدرة تصل إلى 120 ميغاواط عبر 10 خطوط منتشرة في مختلف مدن القطاع، والثالث الخطوط المصرية، لكنها معطلة منذ مارس (آذار) 2018، وكانت تزوّد غزة بنحو 25 ميغاواط.

يقول ثابت إن المتوافر حالياً من الطاقة 185 ميغاواط، إذ نستلم الـ120 ميغاواط الواصلة من إسرائيل، و65 ميغاواط تنتجها شركة توليد الكهرباء، ما يعني أن الأزمة كبيرة، في ظل الحاجة خلال الصيف إلى 500 ميغاواط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدأت الأزمة عام 2006، حين قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، عقب عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط، ما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، لكن الاتحاد الأوروبي تكفل عام 2009 بإصلاحها وعادت إلى العمل جزئياً. ومنذ ذلك الوقت، أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر عجزاً جزئياً في الطاقة.

وسببت أزمة الكهرباء الممتدة منذ زمن طويل كوارث مختلفة في غزة، ونتيجتها أن مات نحو 30 طفلاً، في وقت حرقت مئات المنازل بسبب اعتماد ساكنيها على وسائل بدائية لإنارة بيوتهم فترة قطع الطاقة.

والإصلاح الجزئي الذي نفذه الاتحاد الأوروبي لم يسِر بالشكل المخطط له، وتراجعت المحطة عن الأداء، ما أدى إلى زيادة ساعات فصل الكهرباء، والسبب التعطل المستمر للمولدات في محطة الإنتاج. ويشير ثابت إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الكهرباء الواردة من إسرائيل بشكل كامل، لأنها لا تفي بحاجات غزة، لذلك ما تنتجه شركة توليد الكهرباء مهم جداً.

الوقود وجباية الاشتراكات

وظل الاتحاد الأوروبي يدفع نحو 1.8 مليون دولار أميركي شهرياً لشراء 8800 متر مكعب من الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد، بما يكفي لإنتاج نحو 60 إلى 65 ميغاواط، إلى أن توقف عن ذلك عام 2011، ثم تولّت سلطة الطاقة دفع ثمن الوقود.

يقول رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم إن حركة "حماس" المسؤولة عن أزمة الكهرباء في غزة، فهي تقوم بجباية أموال الاشتراكات منذ 2007، من دون أن تعيدها إلى الخزانة العامة، ما أثر سلبياً في جودة الكهرباء ورصيد الخزانة.

وبحسب ملحم، فإن السلطة الفلسطينية التزمت دفع 2.1 مليون دولار ثمن الكهرباء الواردة من مصر حتى 2017، كما تدفع ثلاثة ملايين دولار شهرياً ثمن الكلفة الإنتاجية والتشغيلية لمحطة إنتاج الطاقة في غزة، وكذلك تدفع 15 مليون دولار شهرياً ثمن استهلاك الكهرباء المزودة لقطاع غزة عبر إسرائيل، بمجموع 18 مليون دولار شهرياً، من دون أن يعود إليها أي دولار من الجباية التي تحصّلها "حماس" مقابل استهلاك المواطنين للكهرباء.

ويضيف ملحم، "إذا التزمت الجهات الإدارية في غزة دفع ما تتم جبايته من اشتراكات الكهرباء، حينها نستطيع توفير كميات أكبر من الطاقة من الجهات الموردة ومن جانب إسرائيل ومحطة التوليد في القطاع".

وبحسب بيانات شركة توزيع الكهرباء، فإن 63 في المئة من المنتفعين لا يسددون قيمة فواتير الكهرباء المستحقة عليهم، لكن ملحم ينفي ذلك، مشيراً إلى أن نحو 60 في المئة ممن يستهلكون الطاقة يدفعون ثمنها لمحصّلي الجباية في غزة.

ويؤكد ثابت أن شركة الكهرباء لديها مديونية تصل إلى 1.3 مليار دولار عن 278 ألف منتفع لا يسددون ثمن استهلاكهم من التيار، ما سبب خسارة سنوية تُقدّر بنحو أربعة ملايين دولار.

محاولات لحل الأزمة

لمحاولة حل الأزمة، مدّت السلطات المصرية القطاع بالكهرباء عام 2011، واستمرت في تغذيته بقدرة 25 ميغاواط إلى عام 2018، وفي مارس من العام ذاته تعطلت الخطوط الناقلة للطاقة، ومن وقتها لم يجرِ إصلاحها، الأمر الذي فاقم المشكلة.

وفقاً لشركة كهرباء غزة، فإن السبب وراء ذلك توقف دفع السلطة الفلسطينية ثمن الطاقة لمصر، لكن ملحم يقول إنهم التزموا الدفع حتى عام 2017، وكان يخصم من المساعدات العربية للسلطة الفلسطينية 2.1 مليون دولار شهرياً ثمناً للطاقة المصرية التي يستخدمها القطاع.

وما زاد الأزمة، القرار الإسرائيلي الذي صدر عام 2017، بتقليص تزويد غزة بالكهرباء بنسبة 40 في المئة. وحول ذلك، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إنهم يبيعون الطاقة وليست بالمجان، وعليهم تسلّم ثمنها من السلطة الفلسطينية، التي توقفت حينها عن الدفع.

وعقب التفاهمات التي جرت بين إسرائيل وحركة "حماس"، برعاية مصرية وأممية عام 2019، تكفلت قطر دفع 12 مليون دولار شهرياً، ثمن الوقود الصناعي اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة، على أن يجري ذلك من دون تدخل الحركة، بإشراف الأمم المتحدة وبواسطة السلطة الفلسطينية.

هذه الخطوة أسهمت في تخفيف أزمة الكهرباء، حتى الشهر الحالي، إذ يقول ثابت إن أموال الدوحة لم تعُد تغطي كمية الوقود اللازم لتشغيل المولدات الثلاثة معاً.

في شركة توليد كهرباء غزة، أربعة مولدات للطاقة، ثلاثة منها تعمل، أما الرابع فمعطل، وجميعهما تعمل بوقود خاص صناعي يُسمّى بـ"سولار ثقيل". ويوضح ثابت أنه لا توجد خزانات للوقود. ففي 2014، دمرت إسرائيل المخازن التي كانت تستوعب 20 مليون ليتر. وتم تعويض مخزن بقدرة 700 ألف ليتر، بينما لدى شركة توليد الكهرباء اثنان يستهلك الواحد منهما 160 ألف ليتر في اليوم لينتج أقل من 30 ميغاواط. وتحتاج شركة توليد كهرباء غزة إلى 650 ألف ليتر يومياً لتشغيل ثلاثة مولدات لإنتاج الكهرباء.

نتيجة الاستهلاك العالي من الوقود الذي يكلف مبالغ مالية كبيرة، اتفقت السلطة الفلسطينية وإسرائيل وقطر عام 2021 على إنشاء مشروع للكهرباء يعمل بالغاز الطبيعي. يقول ملحم، "بعد خمس سنوات تنتهي أزمة الكهرباء في غزة، الآن نعمل مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي، على مشروع مسار خط أنابيب الغاز لمدّ شركة إنتاج الطاقة به، وهذا يكلف 100 مليون دولار".

المزيد من تقارير