Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سباق خفي على "الهروب" من القمر

الافلات من التابع المنير شرط اساسي لتحوله قاعدة فضاء

مرّة اخرى، يترافق تذكّر الإنجاز الأبرز في مغامرة اكتشاف الفضاء، مع صورة مأساوية في التعامل مع معطيات العلم في مسألة رصد هلال الشهور القمرية. على الهواتف الذكية، صار مشهد تقلبات شكل القمر عبر أيام الشهر القمري مألوفة تماماً. وتعطي مواقع علمية موثوقة على الإنترنت، سجلاً لبداية الشهور القمرية في بقاع الأرض كلها. وعلى رغم ذلك، عاشت الدول العربية والإسلامية مشهداً متكرراً في الخلاف على بداية شهر رمضان المبارك، وكذلك الحال بالنسبة للعيد. إلى متى يستمر ذلك الخلاف الذي يصعب أن يجد سنداً علميّاً له؟

أيّاً كانت الإجابة، جاءت الذكرى الخمسين لسير رائد الفضاء الراحل نيل آرمسترونغ على القمر، لتذكر أن علوم الفضاء صارت قمماً شامخة ومساحات يعبرها الفكر البشري يوميّاً بسرعة الضوء. هل نحن فعلاً على إيقاع الساعة في التطوّر العلمي؟ سؤال ربما يكون مؤلماً أيضاً.

في منحى أكثر إشراقاً، يمكن ذكر سعي دول عربية وإسلامية شتى للالتحاق بركب التطوّر في علوم الفضاء. ثمة توثّب واضح في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولعل الأبرز حاضراً هو الإنجاز السعودي الذي تحقق في مطلع السنة الجارية، بمشاركتها الصين في هبوط أول مركبة فضاء من صنع البشر على الجانب المظلم من القمر. وترافق ذلك مع سعي وكالة "ناسا" الأميركية للفضاء لتسريع برنامج "العودة إلى القمر" الذي يلاقي دعماً واضحاً من الرئيس دونالد ترمب. ويتضمن ذلك البرنامج الذي ستتولاه البعثة الفضائية "آرتيمس" Artemis عبر مركبات شتى، يتوقع أن يكون أولها في 2024، وأن تحمل امرأة إلى القمر.

هجران التابع المنير... ببساطة

منذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش (الإبن)، تعكف "ناسا" على برنامج طموح بشأن القمر، يتضمن إنشاء قواعد فضاء عليه لتكون منصة إطلاق لصواريخ تحمل مركبات إلى كواكب سيّارة في النظام الشمسي، أولها المريخ. ويلاحظ أن "ناسا" تسعى تحديداً إلى نقل صواريخ تعمل بالوقود الأيوني- الذري إلى القمر، كي تحمل مركبات إلى أهداف اخرى في الفضاء الكوني. وهناك دول تنافس أميركا في ذلك المسعى. وقد يكون حضور السعودية على الوجه الآخر من القمر، مدخلاً لمشاركتها مغامرة استكشاف كواكب النظام الشمسي.

لماذا تسعى الدول الى جعل القمر منصتها في الانطلاق صوب كواكب اخرى؟ ببساطة، يرجع ذلك الى الجاذبية الضئيلة التي يملكها القمر، ما يجعل السفر منه أسهل من الإفلات من الجاذبية القوية نسبياً للأرض. إذ يُنظَر إلى السفر في الفضاء على انه فعلياً تطبيق لمفهومين علميّين أساسيين هما سرعة الهروب وقوة الدفع.

لو أُطلق سهم إلى السماء بصورة عامودية، فان الارتفاع الذي يبلغه يعتمد على سرعته عند الانطلاق. وبدءاً من لحظة تركه القوس، تعمل الجاذبية الأرضية على إبطائه. ويتوقف عن متابعة الارتفاع، عندما تفوق تلك الجاذبية قوة اندفاعه إلى أعلى. يحدث أمر مُشابه للمركبات الفضائية، التي تُشبه سهماً منطلقاً صوب النجوم.

وفيما يتوجب على السهم السقوط إلى الأرض، فان مركبات الفضاء لديها خيار اخر، ذلك ان مقدار السرعة التي تبلغها بعيد الانطلاق، تُمكن أي جسم من الافلات إلى الأبد من جذب الأرض له. يُسمى ذلك المقدار سرعة الهروب التي تقدر بقرابة 11 كيلومتر في الثانية عند سطح الأرض. وغالباً، تُطلق مركبات الفضاء بسرعة تتزايد كل 5 دقائق. وعندما تصل الى ارتفاع 1600 كيلومتر، تصل سرعتها إلى 6 كيلومترات في الثانية، فتوضع في مدار دائري حول الأرض كي تنطلق منه لمتابعة رحلتها الفضائية.

 تعتمد تكنولوجيا السفر في الفضاء على تقنية اخرى هي قوة الدفع. وثمة فارق بين السرعة وقوة الدفع.  

إذ تلزم كمية أكبر من الطاقة لإيصال مركبة فضاء مُحملة بالأثقال إلى سرعة الهروب، مما يلزم مركبة فارغة. أنفق مهندسو السُفن الفضائية الأولى أوقاتاً طويلة للتفكير بحل للخروج من الدائرة المقفلة المتمثلة في أن الحاجة إلى طاقة أكبر تقتضي كمية أكبر من الوقود، ما يزيد وزن المركبة ويزيد بالتالي من الطاقة اللازمة لدفعها! وتمثل الحلّ في مخازن وقود متعددة الطبقات كي تتخلص المركبة من أجزاء منها كلما ارتفعت إلى الأعلى، حتى تصل إلى المدار المطلوب.

تجسّدت الأخبار المُفرجة لمهندسي سفن الفضاء المُخصصة للوصول إلى القمر، في أنّ سرعة الهروب من سطح القمر أقل كثيراً من نظيرتها على الأرض. لنتذكر أن كتلة القمر أقل من كتلة الأرض بثمانين ضعفاً، ما يجعل جاذبيّة التابع المنير تساوي 20% من نظيرتها على الكوكب الأزرق. ويعني ذلك أيضاً أنّ سرعة الهروب قمرياً تعادل 2,4 كيلومتر في الثانية. 

ولذا، تمكّن من ساروا على سطح القمر من القفز عالياً بسهولة، على رغم ثقل ملابسهم وتجهيزاتهم، كما انطلقت مركبتهم من القمر لتعود إلى السفينة الأم بيُسر.  

رقصة فضائية سريعة لا نشعر بها

يُشكّل القمر جارنا الأقرب. وتبعد الشمس 150 مليون كيلومتر من الأرض، فيما

يبعد القمر منها حوالى 385 ألف كيلومتر. ولأن القمر يتبع مداراً إهليلجياً (بمعنى أنه يُشبه البيضة) حول الأرض، فان تلك المسافة تتراوح فعلياً بين 350 الفاً و400 الف كيلومتر. يبلغ قطر القمر (3500 كيلومتر)، وٍيُساوي ربع نظيره في الأرض البالغ 21700 كيلومتر. يُشبه القمر مرآة عملاقة، ويدين للشمس بضوئه الذي هو مجرد انعكاس لجزء من ضوئها (7%) من سطحه الصخري.

ولأن الشمس قوية الضياء، يبعث القمر يكون بدراً بـ 7 في المئة من نور الشمس إلى الأرض، عابراً أكثر من ثلث مليون كيلومتر في الفضاء.

يُعطي القمر دائماً الوجه عينه للأرض، لأن الوقت الذي يستغرقه في الدوران حول نفسه (27,5 يوماً) يُساوي الزمن الذي يلزمه ليدور حول الأرض. ليست مجرد مُصادفة. انها نتيجة ملايين السنين من التفاعل بين جاذبيتي الجرمين الفضائيّن. ولا يُقدّم القمر الوجه نفسه تماماً للأرض، لأنه يخضع لأثر حركة اهتزازية تسمى الترجُّح. وبسببها، ترى الأرض نحو 60 في المئة من وجه القمر بصورة دائمة، فيما يظل الباقي محجوباً عنها.

استكمالاً للـ"رقصة" الفضائية التي نعيشها يوميًّا، يذكر إنّ الأرض تدور حول الشمس بسرعة 30 كيلومتر في الثانية (= 108 ألف كيلومتر في الساعة)، فيما تدور الشمس (مع بقية كواكب المجموعة الشمسيّة) حول مركز في مجرة "درب التبّانة"، بسرعة 200 كيلومتر في الثانية (72 ألف كيلومتر في الساعة). هل تعطي تلك الأرقام فكرة عن السرعة التي تتحرك فيها وأنت جالس ساكن تقرأ هذا المقال؟ هل فكّرت أن تعطف ذلك على نظرتك إلى إنجازات العلم في استكشاف الفضاء؟

اقرأ المزيد

المزيد من علوم