انخفضت قيمة الجنيه الاسترليني مقابل الدولار وسجلت أسواق الأسهم البريطانية منذ بداية الأسبوع خسائر بعد أن أشارت أرقام قاتمة إلى اقتراب شبح الركود من البلاد.
فقد تقلص الاقتصاد في شكل غير متوقع في أبريل (نيسان) بعد أن ارتفعت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً جنونياً وازدادت معدلات الفائدة وبلغت أسعار الوقود مستويات قياسية.
وقال خبراء إن البيانات تعكس الآن "مزيج التحديات" الذي تواجهه المملكة المتحدة، مع احتمال بروز المزيد من المشكلات مع تدهور العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت أرقام رسمية أن الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة -وهو مقياس لإجمالي البضائع والخدمات المنتجة- انخفض بنسبة 0.3 في المئة في أبريل، في أعقاب انكماش بنسبة 0.1 في المئة في مارس (آذار) ونمو صفري في فبراير (شباط).
وقد ظهرت تداعيات هذه الأنباء سريعاً على الأسواق، إذ هبط مؤشر "فايننشيال تايمز 100" اللندني الخاص بالأسهم الرائدة بنسبة 1.5 في المئة وانخفض الجنيه بمقدار 1.5 سنت مقابل الدولار. وكان الجنيه الاسترليني يتداول عند 1.216 دولار عندما أقفلت بورصة لندن للأوراق المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر عبر المحيط الأطلسي، اتشحت شاشات "وول ستريت" بالأحمر عندما عاد مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" إلى الانخفاض عند افتتاح التداول، فخسر 2.4 في المئة من قيمته في التعاملات الصباحية.
والآن أصبح المؤشر في سوق هابطة، بعد أن خسر خمس قيمته منذ الارتفاع الأخير المحقق في يناير (كانون الثاني). وفقد مؤشر "ناسداك" الذي يركز على شركات التكنولوجيا الآن أكثر من 30 في المئة من قيمته منذ ارتفاعه الأخير.
وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا المتقدمة، مثل "بيلوتون" و"زوم"، في الأسابيع الأخيرة، فمحت المكاسب الكبيرة التي تحققت خلال الفترة الأولى من انتشار الجائحة.
وجاء التخلص من الأسهم عبر بيعها في حين ترفع المصارف المركزية معدلات الفائدة في محاولة لتهدئة الاقتصاد وإبطاء وتيرة زيادة الأسعار.
وتتزايد المخاوف من أن تضطر المصارف المركزية إلى التصرف على نحو أكثر صرامة، وإلا ستكون السيطرة على التضخم أمراً بالغ الصعوبة قريباً.
وشهد أبريل ارتفاع فواتير الطاقة المنزلية في المملكة المتحدة بنسبة 54 في المئة، في حين تعرض العاملون إلى ضربة بزيادة مساهمات التأمين الوطني. ومن ناحية أخرى، ارتفعت أسعار الأغذية والوقود في أعقاب تعطل ضخم للإمدادات إثر غزو روسيا لأوكرانيا.
وأعلن مكتب الإحصاءات الوطنية الاثنين أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة يزيد الآن بنسبة 0.9 في المئة على مستواه قبل انتشار الجائحة، لكنه يقل بنسبة 0.4 في المئة عن الذروة التي بلغها في يناير. وكان الخبراء يتوقعون زيادة بنسبة 0.1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في أبريل.
ولفت مكتب الإحصاءات الوطنية إلى أن هذه المرة هي المرة الأولى التي ينخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي لمدة شهرين على التوالي منذ مارس وأبريل 2020، عندما حلت الجائحة للمرة الأولى ودفعت الاقتصاد إلى الانخفاض.
وانكمش الناتج بنسبة 0.3 في المئة في قطاع الخدمات، الذي يشكل أكثر من ثلاثة أرباع اقتصاد المملكة المتحدة. وكان هذا راجعاً إلى حد كبير إلى إنهاء برنامج الفحص والمتابعة الحكومي الخاص بـ"كوفيد-19"، وتراجع نشاط التلقيح.
وكان إنهاء الفحوص المجانية سبباً في حذف 0.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وباستثناء أثر برنامج الفحص والمتابعة واللقاحات، يكون الناتج ارتفع بنسبة 0.1 في المئة في أبريل، وفق مكتب الإحصاءات الوطنية.
كذلك هبط النشاط أيضاً في القطاعين الرئيسين الآخرين من الاقتصاد، فقد انكمش قطاع التصنيع بنسبة واحد في المئة، إذ أفادت الشركات بأنها تضررت بشدة بسبب ارتفاع الأسعار الكبير والتأخيرات في الإمدادات. وانخفض ناتج قطاع البناء بنسبة 0.4 في المئة.
والأسبوع الماضي، كشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة تضم البلدان الغنية، عن توقعات تشير إلى أن المملكة المتحدة ستتخلف عن كل اقتصاد متقدم آخر باستثناء روسيا العام المقبل، مع انخفاض النمو إلى الصفر.
وانقسم المحللون حول ما إذا كانت المملكة المتحدة ستتجنب ركوداً يعرف بأنه فصلان متتاليان من النمو الاقتصادي السلبي.
ولفت مارتن بيك، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى "النادي المستقل للنموذج الاقتصادي للخزانة" التابع لـ"إرنست أند يونغ"، إلى أن التوقعات ضعيفة.
وقال "إن الضغوط الخطيرة بالفعل على قدرة الأسر على الإنفاق ستتأثر سلباً بالآثار التضخمية المترتبة على الاحتكاكات التي تصيب سلاسل الإمداد العالمية وضعف الاسترليني الأخير"، مرجحاً أن ترتفع معدلات الفائدة في المملكة المتحدة مرة أخرى في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
ومن المقرر أن يعلن بنك إنجلترا عن قراره الأخير في شأن سعر الفائدة الخميس، وتتوقع الأسواق مزيداً من الارتفاع.
وتسعى لجنة السياسة النقدية التابعة للمصرف إلى ترويض التضخم، المتوقع أن يصل إلى عشرة في المئة في وقت لاحق من هذا العام، وهو معدل أعلى كثيراً من المعدل المستهدف البالغ اثنين في المئة.
وسيؤدي مزيد من الزيادات إلى إضعاف إضافي لميزانيات الأسر، ومن المتوقع أن يبطئ الإنفاق الاستهلاكي، وهذا من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد ككل.
وقال كبير خبراء الاقتصاد في الشأن البريطاني لدى "بانثيون للاقتصادات الكلية"، صموئيل تومبس، إن نشاط القطاع الخاص ساعد في التعويض عن الانخفاض الحاد في الإنفاق الحكومي المرتبط بـ"كوفيد" و"الضعف المتجدد" في التصنيع، لكنه أضاف أن حدوث ركود لا يزال أمراً غير محتمل.
"إن المداخيل الحقيقية المتاحة للأسر يجب أن ترتفع في الفصلين الثالث والرابع بعد أن أعلن وزير المالية عن منح إضافية بقيمة خمسة مليارات جنيه (6.08 مليار دولار) خلال هذين الفصلين، تعادل ما يقرب من اثنين في المئة من مداخيل الأسر المحتملة في هذين الفصلين.
"وإذا توقفت أسعار الطاقة عن الارتفاع، وبدأت الأسر في الاعتماد بحذر على مدخراتها، قد نجد نمواً فصلياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة نحو 0.6 في المئة في الفصل الثالث و0.5 في المئة في الفصل الرابع".
© The Independent