Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرمان لبنانيات من العمل بسبب الحجاب بين أنظمة الشركات والحرية الشخصية

شابة تلجأ إلى مواقع التواصل الإجتماعي لتروي قصتها... والجهة المعنية ترد

تتكر منذ فترة طويلة قصص شابات استُبعدن من وظائف معينة بسبب ارتدائهن الحجاب (رويترز)

تميّز لبنان تميزاً دائماً بالتنوع الطائفي واعتبر رمزاً للانفتاح، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال بعض المواقف السلبية تُرصَد أحياناً. ففي بلد يتغنى الكل بسمة العيش المشترك التي تميزه، تتكرر قصص الشابات المحجبات اللواتي يُستبعدن من وظائف بسبب الحجاب. وأثارت قصصهن نقمة واسعة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكانت آخرها قضية الشابة دينا الدر التي قررت أن تطرح قصتها علناً عبر نشرها على "فيسبوك" بعد أن استبعدت من الوظيفة في السوق الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت لمجرد أنها محجبة.

قصص تتكرر

في عام 2018، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي رسالة تتوجه فيها الشابة ملاك موسى إلى قائد الجيش جوزف عون، بعد أن طُلب منها نزع حجابها عندما أرادت أن تتقدم إلى وظيفة رتيب اختصاص في الجيش اللبناني وتحديداً عند دخولها لتقديم الطلب، بحجة أنه لا يمكنها الدخول بالحجاب. حصل تفاعل واسع مع القضية آنذاك وغردت حينها وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، المحجبة أيضاً، عناية عز الدين، عبر "تويتر"، "الحجاب هو أحد عناوين الحرية الشخصية، والتمييز ضد المحجبات في الوظائف الرسمية وغير الرسمية انتهاك لحقوق الإنسان، وفي لبنان تحديداً هذا تمييز مخالف للدستور الذي يضمن حرية المعتقد. هذه القضية سأطرحها في مجلس الوزراء". بالفعل، طرحت عز الدين آنذاك القضية على طاولة مجلس الوزراء باعتبارها تتناقض مع الحريات الشخصية والدستور، فأصدر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعميماً يقضي بعدم منع المحجبات من حق الحصول على الوظائف العامة. كانت هذه خطوة بارزة في هذا المجال أسهمت في وضع حد لهذا النوع من الانتهاكات في الأقل في الوظائف العامة، لكن في القطاع الخاص والأماكن العامة بقيت المحجبات عرضة لمضايقات سببها تلك الثقافة السائدة والنظرة التمييزية التي رسخها النظام الطائفي. ولم يسعَ أحد لإيجاد حل لها من خلال نصوص وقوانين يمكن تضع خريطة طريق وتسهم شيئاً فشيئاً في تغييرها.
في شهر فبراير (شباط) الماضي، تصدر وسم (هاشتاغ) حملة مقاطعة أحد المجمعات التجارية الكبرى في بيروت صفحات التواصل الاجتماعي في لبنان، وذلك بعد أن طلبت إدارة هذا المجمع من أحد المتاجر فيه فصل موظفة واستبدال أخرى بها بسبب ارتدائها الحجاب. رفض القيمون على المتجر الطلب حتى لا يكونوا "مشاركين في دعم أي عنصرية أو تعصب"، بحسب ما أتى في ردهم على المجمع. كما اتخذوا قراراً بإغلاق متجرهم في المجمع في معارضة للتمييز بجميع أنواعه، فيما تابعت الموظفة عملها في فرع آخر للمتجر. أما إدارة المجمع، فأكدت أن المسألة لا علاقة لها بالعنصرية، إنما يأتي ذلك في إطار تطبيق القوانين المفروضة فيه والتي بموجبها يمنع إظهار أي شعار ديني أو حزبي أو سياسي لأي فئة، مؤكدة احترامها جميع الأديان والمذاهب والتعامل معها على أساس مبدأ المساواة، وأنها لذلك تحديداً تمنع إبراز أي شعار أياً كان نوعه.
اعتبر كثيرون هذه الخطوة تمييزاً ضد النساء وتقييداً للحريات الشخصية وأثارت استياءً كبيراً على وسائل التواصل، وحصل تضامن واسع مع الموظفة. في الوقت نفسه، أثار الموضوع جدلاً حول التمييز بين الرموز الدينية وفتح الباب إلى التصويب على المؤسسات التي تفرض على موظفاتها ارتداء الحجاب أيضاً.

الحرية الشخصية

بعد أشهر قليلة على هذه القصة، أتت قضية الشابة دينا الدر لتشعل مواقع التواصل مجدداً، إذ نشرت على "فيسبوك" ما حصل معها بالتفصيل، بعد تقدمها بطلب توظيف في السوق الحرة في مطار بيروت، رغبة منها في تحريك الرأي العام في مواجهة هذا "التمييز" الذي يشكل برأيها "انتهاكاً للحريات الشخصية". وشهدت مواقع التواصل تفاعلاً واسعاً مع قضيتها دفاعاً عن "حق المحجبات في العمل ورفضاً للتمييز ضدهن بسبب الحجاب أو بسبب الانتماء الديني". وكانت النائب حليمة القعقور تفاعلت مع قصة دانا الدر وتضامنت معها في تغريدة، جاء فيها أنه "بينما تتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، يبدو مذهلاً استمرار فصول التمييز الديني الذي تمارسه مؤسسات لبنانية على مواطنات محجبات، مع رفض متجر السوق الحرة في مطار بيروت توظيف الشابة دينا الدر لمجرد ارتدائها الحجاب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كثيرون تعاطفوا مع دينا وعبروا عن رفضهم لما حصل، خصوصاً في بلد كلبنان حيث يعتبر العيش المشترك من سماته الأساسية فيما تنتهك الحريات الشخصية بهذا الشكل. ووفق ما روته الدر في حديثها مع "اندبندنت عربية" فإنها طالبة جامعية وقررت العمل لمساعدة أهلها، فتقدمت بطلب توظيف في السوق الحرة في المطار. وقالت "حصلت على موعد لمقابلة في قسم الموارد البشرية على الرغم من علمهم المسبق بأني محجبة. أجريت المقابلة وكانت مديرة القسم في غاية اللطف، لكنها شرحت لي بوضوح بأن السوق الحرة في تعاقد مع شركة أجنبية ترفض توظيف المحجبات ما يمنعهم من توظيفي".
لم يزعج ذلك دينا التي كانت تعلم مسبقاً بسياسة الشركة، فيما أرادت أن تخوض التجربة بعد أن أعطيت موعداً لإجراء المقابلة، لذلك لم تمتنع عن الرد بجرأة في التعبير عن رأيها بهذه السياسة التي استفزتها وتستفز كل شابة في مثل هذه الظروف. وقد أتى ردها "الحجاب يغطي رأسي لكنه لا يحجب كفاءتي ولا قدراتي". من تلك اللحظة، قررت نشر قصتها هذه على "فيسبوك" علها تحرك الرأي العام وتتمكن من إحداث تغيير في هذا المجال فلا تتكرر هذه التجربة المزعجة مع أخريات. ترفض دينا في حديثها هذه السياسة التي لا تستند إلى المنطق ولا تبرير لها، مشيرة إلى أن عاملات التنظيف في المطار هن من المحجبات ولم يشكل الحجاب عائقاً أمام قبولهن في الوظيفة. تدرك جيداً أن قصصاً مماثلة تتكرر بكثرة في لبنان، وترى أنه "لا يمكن فرض سياسات من هذا النوع على أحد". وعلى الرغم من التعاطف الواسع معها، تعبر دينا عن انزعاجها ممَن أتوا بتعليقات سلبية وعدوانية ضدها. وفي كل الحالات تؤكد أنها بعد هذه التجربة قررت التركيز على دراستها، وهي لن تبحث مستقبلاً عن وظيفة في أي مكان يضع سياسة مماثلة مع المحجبات حتى لا تتكرر هذه التجربة معها.

رد السوق الحرة

ورداً على القصة التي روتها دينا، وما نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح قسم الموارد البشرية في السوق الحرة بالمطار لـ"اندبندنت عربية"، أن مديرة القسم كانت حصلت على اسم ورقم دينا من دون أن تعلم أنها محجبة أولاً، وعندما أُبلغت بذلك اعتبرت أنه لم يكن من اللائق أن تلغي الموعد بكل بساطة بعد أن تواصلت معها. وكان قد اتخذ قرار بعدم توظيف محجبات في السوق الحرة لأن ذلك لا يتناسب مع طبيعة العمل من الناحية العملية، خصوصاً بعد أن حصل مع شابة كانت قد تحجبت بعد تسلمها الوظيفة، وأصبحت ترفض أن تمسك الكحول الذي يُباع في السوق الحرة بمطار بيروت. على هذا الأساس، أصبحت الشركة تمتنع عن توظيف المحجبات منعاً للإرباك والإحراج الذي يمكن أن يحصل.

وعندما استقبلت مديرة قسم الموارد البشرية دينا بشكل لائق، كما تفعل مع كل من يتقدم بطلب توظيف، شرحت لها كل التفاصيل المرتبطة بالعمل بوضوح. وأكدت دينا، بعد أن سُئلت إذا ما كان من الممكن أن تبيع الكحول، أنها تعلم مسبقاً أن الشركة لا توظف المحجبات. وما إن خرجت، خلال ما لا يزيد على 10 دقائق، أوضح قسم الموارد البشرية في "السوق الحرة" أنه أُبلغ أن الفتاة نشرت هذه التفاصيل على "فيسبوك"، وكأنها كانت مستعدة لذلك مسبقاً.

قصص أخرى

في مقابل الشابات المحجبات اللاتي تعرضن لمضايقات من هذا النوع واللاتي أحدثت قصصهن ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، تكثر القصص المماثلة التي لم تسلط الأضواء عليها فتركت أثراً أكبر بعد على من مررن بالتجربة. إنما هل يكفي التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير في هذا المجال أم أن المطلوب التحرك الفعلي والضغط في سبيل وضع القوانين اللازمة لمنع مثل هذه الانتهاكات للحريات الشخصية؟
في تعليقها على هذه الحوادث التي تتكرر في لبنان، أكدت الناشطة النسوية حياة مرشاد أن "هذه الممارسات ترتبط بشكل أساسي بثقافة التمييز ضد النساء السائدة في المجتمع اللبناني. من جهة أخرى، تلعب الاعتبارات الطائفية دوراً أيضاً وهذا كله يوضع في إطار العنف الاجتماعي حيث لا تحترم اختيارات المرأة في الحياة وتمنع من التعبير عن ذاتها، مع ما لذلك من آثار نفسية وعاطفية واقتصادية لأن هذا النوع من التمييز يؤدي إلى خسارة فرص بالنسبة إلى المرأة ويفقدها ثقتها بنفسها". وأضافت "ما حصل قبل أشهر في المجمع التجاري أيضاً دليل فاضح على ثقافة التمييز السائدة وكل التبريرات التي تعطى ليست إلا حججاً واهية للهروب إلى الأمام، لأن المجتمع يحب وضع القيود وتحديد الاختيارات. للأسف نحن ننمو على هذه الثقافة من الطفولة التي تضع معايير محددة وقوالب نوضع فيها كنساء فنجد صعوبة في التحرر منها. وفي مواجهة هذا التمييز يبرز دور المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والناشطين لرفع الصوت والحرص على التوعية الدائمة حول حقوق المرأة وضرورة احترام اختياراتها وعدم التحكم بها أو ممارسة انتهاكات معينة بحقها، كي تتمكن من التعبير بحرية عن نفسها".
ورأت مرشاد أن "ما نشهده اليوم من ردود فعل أمام قصص من هذا النوع يعتبر مهماً ويؤكد أنه لم يعد هناك صمت أمام هذا التمييز. واعتبر ثقافة رفع الصوت أساسية للضغط على الجهات المعنية لمنع مثل هذه الانتهاكات، وحملات الناشطين ووسائل الإعلام تؤثر في القرارات التي قد تتخذ لإيجاد الصيغ والقوانين اللازمة". وزادت "في لبنان نظرة تمييزية لا بد من مكافحتها على مستويات عدة ويجب عدم قبولها بأي شكل من الأشكال إلى حين الوصول إلى مرحلة سن القوانين لمواجهتها. فإذا لم يكن ممكناً مكافحة الجانب الطائفي العنصري في التعامل مع المرأة، في الأقل يجب مكافحة الجانب المرتبط بحقها وكيانها كامرأة".

المزيد من تحقيقات ومطولات