Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ترتبط ظاهرة ارتداء الحجاب وخلعه بالمراحل السياسية في تونس؟

يرى مراقبون أن المجتمع التونسي ما زال لم يحسم نموذجه الذي تتنازعه القيم الحداثية والتقليدية

يرى مراقبون أن صعود الإسلام السياسي يفسّر في جزء منه، توسع ظاهرة التحجب (أ ف ب)

بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، انتشر ارتداء الحجاب بين التونسيات بشكل لافت بعدما زال خطر منعه من قبل سلطة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي كان يحارب كل مظاهر "أسلمة المجتمع" التونسي ويعتبر الحجاب موقفاً سياسياً معارضاً له. بعد صعود الإسلام السياسي في تونس أصبح الحجاب بمثابة النموذج الذي يسعى إليه قسم كبير من التونسيات، لكن بعد مرور أكثر من 10 سنوات، يبدو أن نجم هذه الظاهرة أفل، ولا يقتصر الأمر على تقلص انتشار الحجاب، بل إنه بات يطرح إشكاليات عدة مرتبطة إما بالجانب الذاتي والجسدي أو بالجانب السياسي لدى كثيرات.

تجربة شخصية

تسدل الشابة الثلاثينية سارة شعرها الطويل بكل اعتناء على كتفيها، ولا تمر ثوان إلا وتحركه بكل بطء ليتموج بشكل جميل. وتقول "قبل سنة كان أجمل ما أملكه تحت غطاء لا يمكن لي التمتع به، ولا يمكنني إظهار أنوثتي وجمالي أمام من حولي، كنت أشعر أنني كبرت سنوات بارتدائه". وتضيف سارة "بعدما قررتُ خلع الحجاب شعرت أنني خلعت شيئاً ما كان جاثماً على صدري، خلعت شيئاً يحد من حريتي ويقلل من أنوثتي".

أسوار الجامعة والمد الإسلامي

لبست سارة الحجاب في عام 2012، عندما كانت في الجامعة، وهي السنة التي شهدت مداً دينياً داخل أسوار الجامعات. وقالت "وقتها، تأثرت بمحيطي وبخاصة بزملائي الذين يحضرون حلقات دراسية لنشر الفكر الإسلامي داخل المجتمع، فوجدت نفسي منجذبةً إلى الحجاب وإلى حضور الدروس ومحاولة تطبيق تعاليم الدين الإسلامي بكل صرامة". لكن بعد مرور سنوات، وجدت سارة نفسها أمام "صراع وتساؤلات عن جدوى ارتداء الحجاب بخاصة مع فشل الإسلاميين في الحكم".
وقالت سارة في هذا الصدد، إن "الاسلاميين الذين حكموا البلاد أرادوا تغيير نمط عيش التونسيين وحاولوا إقناع الناس أن الإسلام الذي كان يعتنقه التونسيون ليس الإسلام الصحيح". وتابعت "بعد سنوات شعرت أنني تغيرت ولم أعد أرى نفسي بهذا الغطاء، بخاصة بعدما أصبحت أتعرض للتنمر ونعتي بالإخوانية في السنوات الأخيرة، عندما فقد الإسلاميون مكانتهم ومصداقيتهم بعد اعتلاء سدة الحكم وفشلهم في تسيير شؤون البلاد، وتورطهم في ملفات فساد وإرهاب وغيرها".
وتُعَدّ سارة واحدة من مئات التونسيات اللواتي خلعن الحجاب، وإن اختلفت قصصهن في التفاصيل، إلا أنها تشترك في سبب التخلي عنه وظروف ارتدائه.
يُذكر أن الحجاب مُنع قبل الثورة في تونس بواسطة منشور رئاسي يمنع ارتداءه في المؤسسات العامة والمدارس والجامعات. ويفسر هذا المنع، انتشار ارتدائه بعد الثورة، خصوصاً مع دخول الإسلام السياسي إلى تونس،  لكن لم تصمد هذه الموجة كثيراً فسرعان ما تخلت عنه نساء وفتيات كثيرات".

نفاق اجتماعي

أما زينب (35 سنة)، فتقول إنها لم تستطع لبس الحجاب قبل الثورة لأنها لا تريد فقدان عملها، لكنها ارتدته بعد ثورة يناير مباشرةً. وأضافت "شعرت حينها برغبة شديدة بارتداء الحجاب، إلا أنها انطفأت بعد ست سنوات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت "لا أستطيع التصرف بكل راحة مع أصدقائي بخاصة في أوقات الترفيه أو الحفلات، لا أستطيع الرقص بحرية ولا التدخين بحرية، ولا حتى الضحك بتلقائية، فكل هذه التصرفات عندما تصدر من محجبة تكون غريبة وغير محبذة، بالتالي قررت التخلي عن الحجاب وعيش حياتي بحرية دون نفاق اجتماعي".
ولفهم ظاهرة خلع الحجاب في تونس خلال السنوات الأخيرة، قالت الأستاذة الجامعية الباحثة في علم الاجتماع، خولة الماطري، إن "ظاهرة انتشار ارتداء الحجاب جاءت قبل الثورة، وكانت لها معان أهمها المعارضة السياسية للحكم القائم آنذاك". وتابعت الماطري "يفسر صعود الإسلام السياسي في جزء منه، توسع ظاهرة التحجب، لكنه ليس السبب الوحيد. فصعود الإسلام السياسي يبرر نوعاً من التطبيع السياسي مع ارتداء الحجاب، إذ انتقل من صورة سلبية إلى صورة إيجابية للغاية بعد الثورة، فمع صعود الإسلاميين للحكم أصبحت المرأة المحجبة هي المرأة النموذج".
أما بخصوص تراجع انتشار الحجاب خلال السنوات الأخيرة أو خلعه من بعض الفتيات، فشرحت الماطري الظاهرة سياسياً، قائلةً إنه "حصل نوع من الإحباط لمَن خلعن الحجاب، على مستوى الحياة السياسية والعامة". ومن الناحية الاجتماعية، قالت، إن "ظاهرة التخلي عن الحجاب مسألة معقدة للغاية، بخاصة أن ظاهرة التدين تُعاش كتجربة أو تجارب أكثر فردانية أو ذاتية، ويمكن وصفها بالمغامرة التي قد تستمر وقد تكون تجربة مؤقتة". وأوضحت الماطري أن "عديداً من النساء ارتدين الحجاب حتى قبل الثورة وخلعنه بعد صعود الإسلام السياسي، لأنهن رفضن أن يكن تابعات لهذا الحزب أو يتم تصنيفهن كمنتميات إلى الإخوان".  كما أن "هناك أيضاً أسباباً اجتماعية نفسية لخلع الحجاب"، بحسب الماطري، "تتعلق بخاصة بعلاقة المرأة بجسدها وبمكانتها الاجتماعية".

الرأي الآخر

شيماء شابة محجبة منذ خمس سنوات تعتقد أن " إرتداء الحجاب أو خلعه حرية شخصية، وكل واحدة لديها أسبابها الخاصة عندما قررت أن ترتديه، ربما لأسباب دينية أو اجتماعية أو حتى جمالية، وأيضا من قررت خلعه فلها مبرراتها". لكن شيماء ترى أن على من تقرر التدين ولبس الحجاب أن تكون مقتنعة ولا ترتديه تحت أي ضغط.

وهل توجد لديها نية لخلعه تقول شيماء" حالياً لا أفكر في الأمر بل هذا الأمر غير مطروح لأن الحجاب دخل في تفاصيل حياتي وأصبح جزءاً مني لا يمكن الاستغناء عنه".

أما منيرة السيدة الأربعينية ترى أن" إثم خلع الحجاب كبير وتطلب العفو لمن قامت بهذه الخطوة التي تراها من الكبائر"، وتضيف منيرة" لا أفهم حقيقة كيف لمرأة أن تتجرأ على خلع الحجاب الذي يسترها"، متساءلة " لماذا تلبسه إذا كانت غير مقتنعة به؟".

المخيال الجمعي

من جانبها، أفادت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية فتحية السعيدي أن "لباس الحجاب يرتبط انتشاره أو انخفاضه بدرجة سيطرة تيار على تيار آخر، ففي تونس، شهدنا ارتفاعاً لعدد المحجبات خلال حكم الترويكا (ائتلاف من 3 أحزاب حكم تونس بين عامي 2011 و2014) لينخفض نسبياً في الفترة المتراوحة بين عامي 2014 و2019". ويُفسَّر هذا حسب السعيدي، "بالحراك الاجتماعي والمتغيرات الاجتماعية والسياسية".
وزادت "نشير إلى أن مجتمعنا ما زال لم يحسم بشكل قطعي نموذجه المجتمعي الذي تتنازعه القيم الحداثية والقيم التقليدية".
"وفي إطار هذا النزاع وحدته أو خفوته يمكن تحليل ظاهرة الحجاب"، وفق السعيدي،" كظاهرة ثقافية واجتماعية مرتبطة بالتمثلات والتصورات الاجتماعية المرسخة في المخيال الجمعي".
ولمزيد من الفهم لظاهرة الحجاب في تونس، قالت السعيدي "جسد المرأة جسد اجتماعي، وتم تناول الجسد كموضوع ثقافي وسوسيولوجي. ومن هذا المنطلق، فإن الجسد يُعد مدخلاً لفهم الحجاب كظاهرة اجتماعية. فالحجاب يخص مظهر النساء ويرتكز أساساً على تقييم أجسادهن، كونها عورة وجب تغطيتها. وهو تقييم ينظر إلى النساء كموضوع وليس كذات اجتماعية فاعلة". وأضافت "النظر إلى جسد المرأة كونه موضوع يحيلنا إلى نظرة اجتماعية موجودة داخل المجتمع تختزل النساء في أدوار معينة مرتبطة أساساً بالفضاء الخاص. والحجاب هو جزء من هذه النظرة الاجتماعية التي تنظر إلى النساء كمواطنات من درجة ثانية. بما يعني أن حقوق النساء غير مكتملة لأن التمييز ما زال قائماً في المجتمع وما زالت هناك قوانين تمييزية في المنظومة التشريعية الراهنة لا تُقر بالمساواة. وهي قوانين ما زالت محل نزاع بين تيار تحديثي وتيار محافظ داخل المجتمع".

المزيد من العالم العربي