تحمل زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى العراق، التي تبدأ الأربعاء (19 يونيو)، أهمية كبيرة لجهة توقيتها، تزامناً مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، والدور الذي يمكن أن تلعبه كل من بغداد والكويت في هذه المرحلة.
وقال الناطق باسم الرئيس العراقي لقمان الفيلي إن الزيارة "ستنعكس على العلاقات الثنائية وأيضاً سيكون الحوار مع القيادات العراقية حول طبيعة التوتر في المنطقة وعن آلية التعاون بين البلدين ومع الخليج، إضافة إلى التعاون المشترك لدراسة العقوبات الأميركية على طهران".
وأضاف أن "انفتاح العراق على الجميع سيساعد في تقليل التوتر، وهناك أحاديث كثيرة ستتضمنها الزيارة، منها ما خرجت به زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى الكويت في الفترة الماضية".
طي الملفات العالقة بين البلدين
ترتبط الكويت مع العراق بمنفذ سفوان الحدودي، وينفذان مشاريع لموانئ متجاورة كانت في السنوات الماضية موضع خلافات، بسبب تطوير الكويت ميناء مبارك الكبير قرب منفذ العراق الضيق على الخليج العربي.
وتسارعت خطوات طي الخلافات بتوقيع اتفاق "التعاون الاقتصادي الشامل"، وسط حالة من التفاؤل بتحريك القضايا العالقة وإزالة أسباب التوتر السياسية التي من شأنها فتح أفق كبير لإنعاش النشاط الاقتصادي في البلدين، بخاصة من خلال إنشاء منطقة للتجارة الحرة في تلك الموانئ. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، عقد وزيرا تجارة البلدين مباحثات لوضع الأسس الخاصة بتطوير الملف الاقتصادي، ووقّعا محضراً للتعاون الثنائي المشترك في جميع المجالات، كما اتفقا على آليات للتكامل الاقتصادي وحلحلة المشاكل العالقة.
إطاران للخطوة الكويتية
إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي قال إن هذه الزيارة تأتي في إطارين، الأول يرتبط بالعلاقات الثنائية ومحاولة دفع العلاقات إلى مستويات جديدة في الجوانب السياسية والاقتصادية، ومنها ما يشمل تفعيل مقررات مؤتمر المانحين الذي انعقد في الكويت العام الماضي، فضلاً عن إيجاد المشتركات لحل الملفات العالقة بين البلدين، إضافة إلى مناقشة ملف التعويضات وإمكانية تشجيع الشركات ورؤوس الأموال الكويتية على الاستثمار في العراق. وأوضح الشمري أن الإطار الثاني يتمثل في "الصراع الأميركي الإيراني، المحفز الأساس لهذه الخطوة الكويتية، في ظل تصاعد احتمالات الاشتباك أو الاحتكاك بينهما وبما يؤثر في المنطقة بشكل كامل".
ورأى الشمري أن "العراق والكويت يتشاركان قلق الحرب ويسعيان لإيجاد مسارات اعتدال لنزع فتيل الأزمة"، مشيراً إلى أن "العراق انطلق بمشاورات لتكوين محور دول اعتدال يسهم في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران". وأوضح أن "الكويت داعمة للعراق واستقراره، وتجد أن هناك ترابطاً مهماً بين البلدين". وقال إن "العراق يعد الكويت الرجل الحكيم الذي يمكن أن يسهم في عقلنة الأمور في المنطقة".
أشاد قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بمساعدات الكويت الإنسانية للشعب العراقي. وفي تصريح لوكالة الانباء الكويتية كشف عضو المكتب السياسي للحزب هوشيار زيباري أنه بحث مع القنصل العام الكويتي في أربيل الدكتور عمر الكندري العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى تقديم المساعدات لشعب العراق.
زيارة تاريخية
من جهتها وصفت الصحافة الكويتية الزيارة "بالتاريخية" وسط أوضاع إقليمية معقدة سبق لأمير الكويت ان حذر من تداعياتها، قائلاً "إننا نعيش في ظروف بالغة الدقة والخطورة نتيجة ارتفاع وتيرة التصعيد في المنطقة".
وكان أمير الكويت ألقى كلمة بمبنى وزارة الخارجية في وقت سابق، مناشداً أن تسود الحكمة والعقل في التعامل مع الأحداث التي يشهدها الإقليم.
وسبق إعلان الزيارة تنسيق بين الطرفين، حيث قام رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بزيارة رسمية للكويت الشهر الماضي.
ونقلت وكالة الانباء الكويتية "كونَّا" عن نائب وزیر الخارجیة الكويتي خالد الجارالله، قوله: إن زیارة أمیر الكويت صباح الأحمد الصباح، للعراق تأتي في إطار العلاقات الأخویة المتمیزة بین البلدین.
وأضاف الجارالله أن زیارة أمير الكويت تنطوي على أبعاد مھمة ودلالات حیویة، مؤكداً حرص الأمیر على العلاقات الثنائية بين البلدين، وسعيه لتطویرھا وتعزیزھا في المجالات كافة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عايد المناع أشار الى "أن الأوضاع الحالية في المنطقة واحتمالات التدهور، تدفع بلا شك الى التشاور بين البلدين وتبادل الأدوار للدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية"، منوهاً بالدور الدبلوماسي الذي تلعبه الكويت كوسيط للسلام، ولافتاً بهذا الصدد الى ما تتمتع الكويت والعراق من علاقات إيجابية بين طرفي الخلاف، لكنه لفت أيضاً إلى "ان آثار المواجهة بين طهران وواشنطن من شأنها ان تنعكس على دول المنطقة."
وأضاف المناع "ان المواجهة في المنطقة اليوم بين قوة عظمى دولية هي أميركا وأخرى عظمى إقليمية هي ايران، تدفع إلى أخذ الحيطة والحذر والتنسيق بين العراق والكويت أمنياً، خشية ان تقوم ميليشيات محسوبة على ايران بأعمال عدائية تضر بأمن البلدين" .
وعودة الى تصريح الجارالله فقد أبدى حرص أمير الكويت على "دعم العراق وتمكينه من تجاوز تداعیات ما تعرض له من أعمال إرھابیة"، وجھوده الھادفة لإعادة الإعمار.
وأكد أن الزیارة ستمثل فرصة ليبحث الوزراء في البلدين سبل تعزیز التعاون وتطويره وحسم الملفات العالقة بینھما.
وقال الجارالله "ما یضاعف أھمیة الزیارة أنھا تأتي في ظروف دقیقة وحرجة تمر بھا المنطقة، وتتمثل باستمرار التصعید فیھا، الأمر الذي یؤكد أھمیة التنسیق والتشاور مع الأشقاء في العراق، لتجاوز ھذه الظروف وتمكین المنطقة من النأي بعیداً عن التوتر والصدام.
من جهته، أكد سفير الكويت في العراق سالم الزمانان ان الزيارة تاريخية وتتوج العلاقات الوطيدة بين البلدين، لافتاً الى أنها تأتي استكمالاً لدور الكويت الداعم لإعادة إعمار العراق، لاسيما ان البلدين سبق وترأسا معاً المؤتمر الدولي لإعمار العراق، الذي أقيم في الكويت في فبراير (شباط) العام الماضي بمبادرة كريمة من الشيخ صباح، وشدد على أن الكويت تؤمن بشكل راسخ بأهمية ان ينعم العراق بالأمن والاستقرار.
أما سفير العراق في الكويت علاء الهاشمي فوصف الزيارة بانها استكمال للزيارات العالية المستوى بين البلدين الشقيقين، وتأكيد لروح التعاون بين القيادتين، مشيداً بمستوى تطور العلاقات الثنائية.
عودة العلاقات الدبلوماسية
العلاقات الدبلوماسية كانت شهدت بين البلدين تطورات مهمة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت في الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين والانعقاد الدوري للجنة الوزارية العليا المشتركة الكويتية - العراقية.
وكان لزيارتَيْ رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح في 2010 وفي 2011 إلى بغداد أثر إيجابي في إنهاء مرحلة التوتر وفتح صفحة جديدة للعلاقات، خصوصاً أن الزيارة في 2010 كانت الأولى لمسؤول كويتي رفيع المستوى يزور العراق منذ الغزو.
وأكد مسؤولون في غرفة تجارة وصناعة الكويت آنذاك أن رجال الأعمال والمستثمرين الكويتيين سيكونون أول المبادرين للاستثمار في العراق حينما تسمح الظروف بذلك. وإعلامياً، كانت هناك زيارات متبادلة تمثلت في وفود إعلامية من الجانبين بدأت في 2008 واستمرت طوال السنوات التالية واستهدفت تعزيز التعاون الثنائي في هذا المجال.
وسبق للكويت أن قدمت مساعدات إنسانية متنوعة للنازحين العراقيين طوال السنوات الماضية تمثلت بمساعدات إغاثية وتربوية وصحية متنوعة، حظيت بترحاب واشادات من قبل النازحين والمنظمات العاملة في الإقليم.
كما استضافت عام 2018 مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار العراق بمشاركة عدد من الدول المانحة والمنظمات الدولية برئاسة خمس جهات هي (الاتحاد الأوروبي والعراق والكويت والأمم المتحدة والبنك الدولي) وانتهى بتعهدات بلغت 30 مليار دولار.