Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التبوريدة"... كلمة سر بين المغاربة والخيول

تعرفوا إلى قاموس غريب منه "برنوس" و"الحراف" و"التماك" و"اللبد" و"القربوس"

تحظى الفرس باهتمام كبير لدى المغاربة الذين اعتنوا بها منذ قرون، حتى أصبحت تربيتها من التقاليد المغربية، خصوصاً في الأرياف. يروي الكاتب المغربي علال ركوك أن الفروسية شكلت تراثاً تاريخياً، سواء كان في الحرب أو السلم، وشكلت الفرس مظهراً من مظاهر الافتخار. والفارس المحترف يُصبح محط اهتمام لدرجة تجعل منه قدوة باعتباره صاحب شجاعة وإقدام.

لا يقدر عبد الرزاق مسالك، نائب رئيس سربة (جمعية) الفرح للفروسية، كما يقول لـ"اندبندنت عربية"، أن يتخلى "عن تربية الخيول التي أصبحت كأفراد العائلة. إن محبة الفرس تجري في عروقي، لا أتصور حياتي من دون وجود الجياد. لقد زرع جدودنا حب الفرس فينا، على الرغم من أن تربيتها ليست سهلة نظراً إلى ضرورة العناية بها وكلفة ذلك، لكن كل شيء يهون في سبيل وجود الأحصنة في حياتنا اليومية".

أهمية الفرس

يَعتبر الكاتب ركوك أن الفرس ظلت تشكل مقياساً للثروة والجاه، ما كان يزيد على حدة التنافس بين المغاربة في مضمار اقتناء أفضل أنواع الخيول وإيلائها عناية خاصة عبر تخصيص ميزانية مهمة لها. ويرى أن "هذا الاهتمام أفرزته جملة معطيات تاريخية، فقد ظل فرسان قبائل المغرب على نهج السلف والائتمان على ثرواته والفخر بما خلده الأجداد، ومن بين الإشارات التاريخية كتاب إتحاف أعلام الناس لبن زيدان السجلماسي الذي يؤكد مدى اهتمام القبائل البربرية بالفرس حتى تأصّل هذا الاهتمام في أوساطها. لقد منح المغاربة عناية فائقة للفروسية باعتبارها أحد فنون الحرب والدفاع، ولكونها ظاهرة احتفالية لدى القبائل في الأرياف، ولعل هذا كان محط اهتمام العديد من المصادر التاريخية التقليدية وكذلك الكتابات الاستعمارية.

أضاف أن المصادر التاريخية تشير إلى أنه "كانت هناك ضرورة ملحة إلى وجود فارس لحماية القبيلة، بحيث يكون دائماً على أهبة الاستعداد فوق حصانه للدفاع عن سلامة قبيلته، نجد الفرس قد أنيطت بها وظائف عديدة كخوض الحرب ووسيلة للتنقل والتواصل بين الأهالي. وكذلك حضورها في المواسم كدلالة رمزية على الأصالة".

الحصان البربري

يُشكل الحصان البربري أحد أقدم سلالات الخيول في العالم، يعود وجوده في شمال أفريقيا حسب بعض المصادر التاريخية إلى 3 آلاف عام، استخدمته القبائل الأمازيغية سابقاً في الصيد والتنقل والحرب، وارتبط الحصان البربري في المغرب حالياً بفن "التبوريدة" (الفروسية التقليدية) نظراً إلى ما يتميز به من خفة وليونة وسهولة في الترويض، ما يسهل عليه تأدية بعض الحركات الصعبة خلال تلك العروض، كما يُعتبر من أقوى الخيول نظراً إلى مقدرته الهائلة على التحمل وشجاعته، إذ يمكنه الجري لمسافات طويلة وبسرعه كبيرة. كل تلك المميزات جعلت منه أهم حصان يعتمد عليه المغاربة في عروض الفروسية التقليدية وبالتالي أصبحت له مكانة خاصة في حياتهم اليومية.

يتميز الحصان البربري من الناحية الجسدية بوجه أكبر من وجه الحصان العربي، ولديه قوة تحمّل تفوق قوة الحصان الإنجليزي، يكون ظهره مستقيماً، ولونه على العموم يكون رمادياً يميل إلى السواد مع شعر وفير وطويل، وله أكتاف قوية، صدره عميق وواسع، أذناه منتصبتان وقصيرتان، وذيله طويل يصل إلى الأرض، ومن بين أهم المميزات التي تجعل منه أقوى الجياد، كونه يمتلك 5 فقرات صدرية في حين تكون للفرس العادية 6 فقرات. تلك الفقرة الخامسة تُعتبر علمياً نقطة الضعف عند الأحصنة. وبالتالي، عدم وجودها لدى الحِصان البربري منحه القوة والمرونة والمقدرة على التحمل. ويمكنه البقاء من دون طعام ومياه لمدة معينة، ويراوح طوله بين 1,16  و1,55 متراً، ووزنه بين 400 إلى 500 كلغ، ويمكن أن يصل سعر أرقى سلالاته إلى 200 ألف دولار.

التبوريدة

تُعتبر الفروسية التقليدية أو "التبوريدة" من أهم مظاهر الاحتفاء بالفرس، وهو فن استعراضي احتفالي مرتبط بشكل عام بالأرياف، يعكس أمجاد الغزوات الحربية التاريخية وطرق الدفاع عن البلاد في زمن الاستعمار، وتجري تلك الاحتفالات ضمن طقوس مضبوطة امتدت على مدى قرون.

يُعرّف ركوك "التبوريدة" بأنها بمثابة نموذج للاحتفالات الجماعية التي تبرز قوة الفارس المتمرس الماهر، وترتبط بجملة من المناسبات الدينية والاحتفالات الشعبية كالزواج والختان والعقيقة وغيرها، كي يتمكن الفرسان بخيولهم المزينة إطلاق العنان لكفاءاتهم الإبداعية على صهوة جيادهم، في جو احتفالي على دوي طلقات البارود وأنغام فرق "عبيدات الرمى".

طقوس "التبوريدة"

يُقول المقدم الحر رئيس سربة سيدي علال البحراوي لـ"اندبندنت عربية" إن "تقاليد فن |"التبوريدة" منظمة منذ قرون، وتفرض على الفارس شروطاً يجب احترامها بشكل دقيق، يتمرن عليها منذ صغره حتى يشتد عوده ويصبح فارساً ماهراً".

ومن بين المواصفات التي يجب أن تكون في خيول "التبوريدة" أن تكون "الفرس حرة أي عزيزة النفس ومن مؤشرات ذلك التعفف عن أكل علف غيرها، وتحريك أذنيها في اتجاهين مختلفين عند اقتراب شخص غريب منها، إضافة إلى صغر السن والطول إذ يُستحسن أن تفوق المسافة بين ركبتيها و بين ملتقى الحافر والساق 40 سنتيمتراً. إن نجاح "التبوريدة" كفن شعبي رهين باحترام مجموعة من الشروط منها ما يرتبط بالفرس ومنها ما يرتبط بالفارس الذي يجب أن يتحلى بالشجاعة والقوة والانضباط والحرص على سلامته وسلامة زملائه، ومنها ما يتعلق بالمكان المخصص لممارسة ذلك النشاط الفني، وهو ما يُعرف لدى العامة بالمطرك، أي الميدان الذي يحتضن مجريات فن "التبوريدة" وعبارة عن مساحة واسعة تنصب على أطرافها الخيام".

خصوصيات اللباس  

يعرض ركوك للباس الفارس، "فهو زي تقليدي خاص موحد بين أفراد الفريق، يتكون من جلباب أبيض رقيق توضع تحته "الفرجية" والسروال العربي الواسع الأبيض، ويوضع فوق الكل سلهام "برنوس" ثوبه رقيق ولونه أبيض، كما توضع عمامة بيضاء على الرأس ويستعمل "الحراف" وهي حبال حريرية حمراء، ويتأبط الفارس خنجراً وشكارة (محفظة)، أما الحذاء الذي يسمى "التماك" فهو مصنوع من الجلد الخفيف يصل إلى ما دون الركبة تربط فيه من جهة القدم مهاميز لنقر الخيل في حال تقاعسها عن الاستجابة للفارس، فيما يُزين الفرس بسرج خاص يتكون من "اللبد" وهو نسيج صوفي ناعم يوضع على صهوة الفرس، و"الطرشاح" وهي ست سجاجيد من "الملف" (نوع من أنواع الثوب الجيد) وظيفتها حماية صهوة الفرس من الاحتكاك بـ"القربوس"، العنصر الأكثر أهمية في السرج بحيث يربط هذا الأخير بالجواد من مقدمة البطن برباط محكم.

تاريخ

تُرجع بعض الدراسات "تاريخ أولى استعراضات "التبوريدة" إلى القرن الخامس عشر، وكانت تستعمل خلالها الأقواس والنبال، قبل أن تعوض ببنادق البارود، في القرن السادس عشر. كانت ذات وظيفة شبيهة بالاستعراضات العسكرية التي تنظمها الجيوش النظامية في الوقت المعاصر، وذات وظيفة تحميسية لحث القبائل على الجهاد ومقاومة المستعمر، وأيضاً لتخليد ذكرى الملاحم العسكرية المرتبطة بالذاكرة الجماعية للقبيلة، ما يفسر الحال المعاصرة التي تقضي بإعلان أسماء القبائل في بداية الاستعراض، في استحضار للوفود الملحمي لسربات القبائل على معسكرات الجيوش، واستعراضها لقوتها ونظامها قبل أن تندمج في المعسكر. يستدل على هذه السياقات الأصلية للاستعراض بالتراث الفني الشفهي (الموسيقي والشعري) الذي يصاحب التبوريدات المعاصرة، خصوصاً فن العيطة الذي يسهب في وصف الأحداث التاريخية الأصلية على شاكلة ملاسنات قبيلتي دكالة وعبدة المستحضرة لصراعهما التاريخي حول موارد المياه، وبطولات الفارسة عائشة البحرية إبان مقاومتها للمستعمر".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات