يستحق توبياس إلوود، وهو عضو حزب المحافظين المتمرد أبداً، الثناء على صدقه، إذ قال وفي العلن الأمر الذي يتداوله الجميع ولكن في السر، إذ اقترح أن بريطانيا يجب أن تدرس احتمال علاقة مع الاتحاد الأوروبي تكون شبيهه بعلاقته مع النرويج، والتي تعتبر جزءاً من السوق الموحدة لكنها خارج الهياكل السياسية للاتحاد.
وكتب في مجلة "ذا هاوس" معتبراً أن "بريكست" لم يكن في نهاية المطاف ما خاله "معظم الناس".
وقال إن "قطاعاً تلو القطاع يختنق بسبب الروتين الذي كان من المفترض أننا نحاول الابتعاد منه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لن يجاهر حزب العمال بهذه الحقيقة، وحتى الديمقراطيين الليبراليين يلتزمون الصمت حيال ذلك، وهو صمت لا علاقة له على الإطلاق بأصوات أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي الذين يشكلون نسبة 60 في المئة من الناخبين في دائرة تيفرتون أند هونيتون الانتخابية في ديفون حيث ستجري انتخابات فرعية وشيكة. إن إلوود يستحق تحيتين اثنتين لأنه تحدث علناً.
يصم صمت كير ستارمر الأذان أكثر حتى من صمت إد ديفي، كما أنه استراتيجي أكثر، فحسابات ستارمر تتجاوز أصوات أنصار الخروج وهم يمثلون 60 في المئة من الناخبين في دائرة وايكفيلد التي يكرس حزب العمال كثيراً من الاهتمام والموارد للفوز بمقعدها البرلماني خلال الانتخابات الفرعية التي ستجرى فيها قربياً.
إن سياسة حزب العمال تتمثل في عدم مقاطعة خصومه حين يرتكبون الأخطاء، وبوريس جونسون يرتكب كثيراً من الأخطاء، وآخر شيء يريد أن يفعله ستارمر هو تذكير الناس بأن الغالبية الساحقة من نواب حزب العمال وأعضائه تريد العودة من جديد للاتحاد الأوروبي.
يدرك معظم هؤلاء الأخيرين أيضاً أن عليهم ألا يقولوا ذلك، كما لفت توم هاريس أمس، وهاريس نائب عمالي سابق لم يكن واحداً من أعضاء تلك الغالبية في حزبه، (وبالفعل كان رئيساً لحملة دعم الخروج من الاتحاد الأوروبي في اسكتلندا المؤلفة من ممثلين عن كل الأحزاب)، ذكر أن رفض حزب العمال التعليق على مقالة إلوود "هو كل الدليل الذي تحتاج إليه لإدراك أن كير ستارمر قد طبق مستوى من الانضباط بين العناصر القيادية في كتلته البرلمانية، وهذا بمنتهى الجدية أمر مثير للإعجاب إلى حد ما".
لا شك في أن هذا الأمر مخيب للأمل كثيراً بالنسبة إلى حزب العمال، فهو يعني أنهم لا يستطيعون الإشارة إلى أنه على الرغم من حسن نية إلوود فهو قد تعامل مع الموضوع بطريقة خاطئة، ولن يسترعي نموذج النرويج اهتمام أي شخص جاد في شأن إصلاح الضرر الاقتصادي الذي تسبب به "بريكست". هناك ثلاثة مواقف فقط يمكن أن يكون لها أي مغزى، أولها هو "ادعم (بريكست) ليطبق بفعالية"، وهذا يلخص سياسة حزب العمال الحالية، أي رفض التفكير بإعادة التفاوض في شأن المعاهدات والحديث عن صفقة معايير الغذاء التي يمكن أن تخفف وطأة مشكلة حدود إيرلندا الشمالية، وهو موقف غير بعيد كثيراً من موقف الحكومة التفاوضي.
وكان من اللافت أن توني بلير قد طرح هذا الأسبوع اقتراحاً كان قريباً بشكل ملحوظ من وجهة نظر الحكومة، ومفاده أن البروتوكول الإيرلندي [الشمالي] "سيئ"، وأن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إظهار [قدر من المرونة والقيام بـ] "تحرك كبير" [مبتعداً من] موقفه المعلن حتى يجعل البروتوكول قيد العمل.
أما الموقف الثاني فيتجلى في إعادة إحياء التسوية التي وضعتها تيريزا ماي، وذلك من خلال انضمام المملكة المتحدة من جديد إلى الاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي، ويختلف ذلك عن الانضمام إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لأن دخول هذه السوق سيتطلب من المملكة المتحدة أن تقبل حرية التنقل للأشخاص، ومع ذلك فإن عضوية الاتحاد الجمركي من شأنها أن تحل مشكلة إيرلندا الشمالية، كما ستمنع المملكة المتحدة من التفاوض في شأن صفقاتها التجارية الخاصة مع دول أخرى، ولكن نظراً إلى أن الصفقات الوحيدة التي تفاوضنا عليها كانت صفقات التمديد [مع الدول ذاتها التي كانت بريطانيا قد أبرمت اتفاقات معها عندما كانت لا تزال دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي] للشروط المعمول بها في اتفاقاتنا كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، فلن يهتم أحد بذلك بالفعل، مع أن بعض زملاء إلوود سيتظاهرون بأنهم يهتمون.
ويتمثل الموقف الثالث في الانضمام مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي، وعندها ستحصل المملكة المتحدة في الأقل على التمثيل [وتكون قادرة على] التأثير لقاء قبولها بحرية التنقل، وأنا أعتقد أن البدء في ست سنوات بمحاولة عكس نتيجة الاستفتاء سيكون متسرعاً، (وأشك في أن الاتحاد الأوروبي سيرغب في عضويتنا على أي حال).
من اللافت للنظر أن الديمقراطيين الليبراليين ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون ذلك، بل [تشاطرهم هذا الرأي] أيضاً "في مصلحة بريطانيا"، وهو الاسم الذي اتخذته لنفسها الحملة المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
كان ينبغي على إلوود أن يجادل من أجل الانضمام من جديد إلى الاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي إذا كان يفكر بشكل مبتكر بعيداً من الإطار المألوف، كما يدعي، لكن ذلك أيضاً لن يقابل إلا بالأصوات المرحبة المبتهجة من جانب المدافعين عن "بريكست" القاسي [انسحاب ثلاثي من الاتحاد الاوروبي والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة] الذي تقدم به بوريس جونسون، وذلك نظراً إلى أن زملاءه المؤيدين السابقين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي متواطئون بالتزام الصمت.
أفهم أن "10 داوننيغ ستريت" كان سعيداً بتفكير إلوود الحر، لأنه كان واحداً من النواب المحافظين الذين طالبوا بالتصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء، فهم [فريق مكتب رئيس الحكومة] يستطيعون الآن أن ينبذوا كتبة الرسائل [الخاصة بسحب الثقة] معتبرين أنهم في الغالب من مؤيدي عضوية الاتحاد الأوروبي الذين يشعرون بالمرارة.
توم توجيندهات، وهو المرشح الوحيد المعلن حتى الآن ضد رئيس الوزراء، كان سعيداً بتعليقات إلوود، إذ أعلن أن "توبياس مخطئ"، وباعتباره أحد أنصار البقاء السابقين فقد استغل هذه اللحظة للإعلان عن أنه قد تغير بصورة كاملة، وصار من جديد مؤيداً لـ "بريكست"، وقال إن "السوق الواحدة تسلم زمام الأمور للاتحاد الأوروبي [هكذا ستطبق] قواعد الاتحاد الأوروبي وحدوداً مفتوحة، ولا صفقات تجارية جديدة. إننا نحتاج إلى صفقة يتحكم بها الشعب البريطاني وليس القوانين الأجنبية التي لا كلمة لنا فيها. دعونا نخطط للمستقبل ونكف عن النظر إلى الخلف. لقد تم اتخاذ هذا القرار".
وسيتسبب هذا بالإحباط للعديد من المعجبين بتوجيندهات، الذين لا يملك معظمهم حق التصويت في انتخابات زعامات حزب المحافظين التالية.
إنهم يعرفون أن توبياس ليس مخطئاً بشكل كامل، ولقد قال ما لا يقال، أي أنه لا مفر للمملكة المتحدة من إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
أشك في أنه إذا خسر المحافظون أغلبيتهم البرلمانية في الانتخابات المقبلة، فإن حكومة أقلية عمالية قد تنضم من جديد إلى الاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يتعين على ستارمر وحزبه المنضبط بشكل مدهش أن ينكروا ذلك بشكل قاطع قبل الانتخابات، فوحده متمرد محافظ يمكنه أن يقترب من قول الحقيقة.
© The Independent