Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاكمات كبار المسؤولين الجزائريين تسقط "أوهام" عهد بوتفليقة

"أكاذيب" النظام السابق في محاربة الفساد تظهر تباعا أمام قضاة التحقيق

مع توالي مثول كبار المسؤولين ورجال الأعمال الجزائريين أمام قضاة التحقيق، انهارت "أوهام" عدة صنعها محيط الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، من بينها "نزاهة" كبار موظفي الدولة والقطاع الاقتصادي المنتج. وأسقطت التحقيقات "وهم" صناعة السيارات في البلاد ورجال الأعمال الذين أُسنِدت إليهم هذه المهمة من جانب الحكومة السابقة كمشروع من ضمن مخطط لتحقيق "نهضة" اقتصادية.

وأمر قاضي تحقيق في محكمة سيدي امحمد في ساعة متأخرة مساء الأحد، بإيداع رجل الأعمال مراد عولمي الحبس المؤقت في سجن الحراش، وهو مالك مجمّع "سوفاك" المتخصص بتركيب السيارات في عقد حصري مع العملاق الألماني "فولكسفاغن". ومثُل عولمي برفقة 52 مسؤولاً في الدولة أمام العدالة بتهم الحصول على مزايا من دون وجه حق وتهريب رؤوس أموال إلى الخارج. وعولمي هو ثاني رجل أعمال يحتكر تركيب السيارات في البلاد، يُسجن في الحراش، بعد محي الدين طحكوت، الشريك الجزائري مع العلامة الكورية الجنوبية "هيونداي". وشملت تحقيقات الدرك الجزائري، مسؤولين في شركات أخرى، من بينها "مؤسسة حسان عرباوي"، شريك علامة "كيا" وآخرون شركاء مع مؤسسات إيطالية وفرنسية في المجال ذاته.

واكتشف الجزائريون نتيجة تسرب أجزاء من التحقيقات الأمنية مع هؤلاء، "وهم صناعة السيارات" الذي قدمته حكومة بوتفليقة بعد فوزه بولاية رابعة كـ"مشروع نهضوي" ينقذ البلاد من التبعية للنفط. وتسبب هذا المشروع في إجراءات عقابية طاولت الجزائريين البسطاء بعد وقف استيراد السيارات، وارتفاع أسعار تلك المركّبة منها بشكل جنوني، مع تسجيل خروقات ضريبية وعمليات تهريب واسعة للأموال إلى الخارج، ونشوء "مافيا" جديدة في هذا القطاع.

أويحيى طبع المليارات

ومن ضمن قائمة أوهام "الحكومة الرشيدة" التي سقطت في جلسات أمام قضاة التحقيق، قصة طباعة المليارات من العملة النقدية الجزائرية بدءاً من عام 2017، وهي سياسة رافقت عودة أحمد أويحيى إلى رئاسة الحكومة في خريف ذلك العام. بل إن معارك سياسية نشبت تحت قبة البرلمان بينه وبين أحزاب المعارضة، نظراً إلى تقديمه مشروع طباعة النقود بتسمية "التمويل غير التقليدي" كخلاص للأزمة الاقتصادية في البلاد. وكان لافتاً في دفاع أويحيى عن سياسته في البرلمان قوله للنواب "إذا لم توافقوا على هذا المشروع، فلن تتمكنوا من تحصيل أجوركم بعد شهرين"، لتنطلق آلة الطباعة من دون حسيب أو رقيب متخطيةً الرقم المعلن عنه في بيان السياسة الحكومية بنحو 10 أضعاف ما أُعلن.

لكن وجهة تلك الأموال، لم تكن بطبيعة الحال، مشاريع تنموية ولا تطعيم خزينة الدولة بما يمكن من سداد أجور الموظفين، فالتحقيقات كشفت عن أن أكثر من نصفها وُجِّه بشكل قروض لرجال أعمال في مشاريع وهمية، بل إن تحصيل تلك القروض جرى على أساس ضمانات حصل عليها رجال الأعمال بشكل غير قانوني، وهي عقارات فلاحية ومزارع نموذجية مُنحت لهم في المجلس الوطني للاستثمار.

ملايين التوقيعات الكاذبة

ونظراً إلى أن التحقيقات الحالية المفتوحة في العاصمة وأكثر من محافظة أخرى، تطال مشاريع وقضايا حديثة، قبل الانتقال إلى ملفات تعود إلى ثلاثة عقود مضت على الأقل، فإن شبهات بحدوث خروقات أُثيرت حول ملف ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، اقتضت وفق مصادر، تدخل القضاء للتحقيق فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأودع ممثل بوتفليقة في حملته الانتخابية الملغاة، الوزير السابق عبد الغني زعلان (مقيد بالرقابة القضائية في تهم فساد)، نحو ستة ملايين توقيع يؤيدون ترشح الرئيس المستقيل، لكن مراجع موثوقة كشفت عن تزوير فاضح في تلك الملفات، ما يعني تورطاً محتملاً لأجهزة وزارة الداخلية في الفترة التي كان يقودها رئيس الوزراء الحالي نور الدين بدوي. وينص قانون الانتخابات على جمع 60 ألف توقيع على الأقل من أجل الترشح، إلا أن محيط بوتفليقة حاول المزايدة مزهواً بغياب الرقابة، فقدم ملايين التوقيعات من عمق المحافظات الجزائرية، ما سرّع من مسببات الحراك الشعبي الذي أطاح بمشروع الولاية الخامسة.

وزراء يكذبون

وتداول جزائريون تصريحات سابقة لمسؤولين كبار، بينهم وزراء ومحافظو ولايات، ينفون فيها تهم الفساد عنهم وعن ذويهم، بل كانوا يهاجمون وسائل إعلام ومدونين كلما جرى الحديث عن تورطهم. ورفع هؤلاء دعاوى ضد إعلاميين ومدونين، ليحاكَموا هم اليوم في تلك القضايا التي أُثيرت سابقاً. وظل وزير العدل السابق الطيب لوح، أحد أبرز "رجال الثقة" لدى بوتفليقة، ينفي وجود فساد في الجزائر، مدافعاً بشدة عن القضاة الذين لم يتحركوا ولو مرة واحدة "تلقائياً" بموجب القانون. وبعد وضع محافظ العاصمة عبد القادر زوخ الاثنين، تحت الرقابة القضائية، في ملفات فساد واسعة، عادت أسئلة لتظهر حول الجهة التي كانت "تحمي الفساد الرسمي" في البلاد، إذ إن زوخ ليس وحيداً، فملف الوزير السابق للأشغال العامة عمار غول، أثار نقاشات واسعة، فذكرته تحقيقات "الاستخبارات" سابقاً كمتورط رئيس في فضيحة "الطريق السيار"، قبل سحب اسمه.

وحصل الأمر ذاته مع عمارة بن يونس وزير التجارة السابق، وحتى مع حميد ملزي مدير إقامات الدولة وعائلة "كونيناف" ورجال أعمال آخرين. ويمكن فهم أشياء كثيرة حول مصير معارك سابقة وقعت بين الرئاسة و"الفرقة الاقتصادية" لجهاز "الاستخبارات" في فترة معينة، حين بُنيت التحقيقات على أساس علاقات الرئاسة مع الجهاز الأمني في فترة تولي الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق) رئاسته. ووضع مدين رجال بوتفليقة على قائمة المتورطين في قضايا فساد بدءًا من عام 2010، ثم عاد ليسحب أسماءهم في وقت لاحق، في عملية وصِفت بـ"تبادل المنفعة" بينه وبين السعيد بوتفليقة الذي تحول إلى الحاكم الفعلي للبلاد منذ مرض شقيقه الذي أقعدته جلطة دماغية في كرسي متحرك منذ عام 2013.

وكان ملف شكيب خليل، وزير الطاقة السابق، الأغرب على الإطلاق، فبين الاتهام التام وسوء السمعة ما بعد عام 2010 من جهة، وتسميته كـ"أنظف رجل في تاريخ الجزائر" منذ عام 2015 من جهة أخرى، حين عاد من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة، أعادت المحكمة العليا أخيراً فتح التحقيق مع خليل، على أساس التهم ذاتها التي وُجِهت إليه سابقاً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي