Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت "الإنترنت" إلى ساحة حرب سياسية وعسكرية؟

باحثان أميركيان يؤكدان اتساع حجم الشبكة العنكبوتية وأن معظم لاعبيها الرئيسيين هم أنفسهم

الإنترنت تغزو العالم في السلم والحرب (وسائل التواصل)

على مدى خمس سنوات درس مؤلفا كتاب "شبه حرب: تسليح وسائل التواصل الاجتماعي"، الأميركيان بي دبليو سينغر وإيمرسون تي بروكينغ، ما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي في السياسة والأخبار والحروب في جميع أنحاء العالم.

تتبع المؤلفان عشرات الصراعات في كل ركن من أركان العالم التي حدثت على أرض الواقع وكذلك على شبكة الإنترنت، وقدما رؤى مختلفة تشمل المسوقين والفيروسيين والمتصيدين ومروجي الدعاية الإرهابية والمراسلين الصحافيين، وزارا مكاتب وقواعد دوائر الدفاع والدبلوماسية والاستخبارات الأميركية، وسافرا إلى الخارج للقاء عملاء حكوميين، وجلسا في مكاتب شركات التواصل الاجتماعي المعروفة وكذلك في مختبراتها السرية المظلمة، حيث تصنع معارك المستقبل، بحسب ما ورد على ظهر غلاف الطبعة العربية للكتاب الذي صدرت طبعته الإنجليزية في نيويورك عام 2018 بعنوان "Like War The weaponization of Social Media".

وفي واقع الأمر، وتحديداً في ما يخص الاهتمام العربي بهذا الشأن، يمكن القول بأن "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" في أبوظبي أولى هذا الموضوع بشكل خاص عناية ملحوظة عبر سلسلة كتب، منها كتاب الباحث المصري إيهاب خليفة الصادر بالتعاون مع دار العربي للنشر والتوزيع في القاهرة عام 2016 بعنوان "حروب مواقع التواصل الاجتماعي".

وفي خلاصة هذا الكتاب أنه "بعدد مستخدمين تجاوز الملياري شخص، لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد أداة للترفيه وتحقيق التواصل بين الأفراد، بل ظهر لها وجه آخر قبيح وتحولت إلى ساحة خلفية لممارسة نوع جديد من الحروب، هي بالأساس حروب أفكار، وطرحت إشكالات رئيسة عدة، منها الأمنية المتعلقة باستخدام المنظمات الإجرامية والجماعات الإرهابية لها كوسيلة لتهديد الأمن الدولي، ومنها السياسية المتعلقة بضمان حق الأفراد في تحقيق التواصل الآمن بينهم من دون اختراق لخصوصيتهم أو تهديد لحريتهم في إبداء الرأي والتعبير، ومنها الثقافية التي تتعلق بالحفاظ على الهوية والقيم والمعتقدات التقليدية في عالم مفتوح الثقافات ولا يعترف بحدود جغرافية". وهناك كذلك على سبيل المثال المفكر المصري نبيل عبدالفتاح الذي كثيراً ما كتب عن ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي المستجد بما سماه "الطغاة الدينيين الرقميين"، ملاحظاً اجتذاب الواقع الرقمي ومجاله العام "عشرات الملايين من المحتسبين الجدد والطغاة الصغار في وجه السلطة ورجال الدين والآخر الديني والمذهبي، حتى باتت الحياة الرقمية ومحتسبوها عائقاً في مواجهة أي تطور ديموقراطي محتمل" (جريدة "الأهرام" 26 مايو (أيار) 2022). 

البلاد المستهدفة

وبالعودة لكتاب "شبه حرب: تسليح وسائل التواصل الاجتماعي"، فقد تمت ترجمته إلى العربية في إطار برنامج "الكتاب العربي" التابع للسفارة الأميركية في القاهرة، وأنجزت الترجمة هدى يحيى (دار آفاق - القاهرة)، وهذا يفسر انشغاله بتصوير أميركا في وضع الدفاع عن النفس في مواجهة حروب تستهدفها من جانب دول مثل روسيا وتنظيمات إرهابية مثل "داعش"، ومع ذلك يظل السؤال الأساس الذي يطرحه الكتاب هو كيف تحولت شبكة الإنترنت إلى ساحة قتال؟ وفي سياق الحصول على إجابة لهذا السؤال وجد المؤلفان أن "وسائل التواصل الاجتماعي" لم تعد تبشر بالسلم أو التفاهم، إذ باتت منصة لتحقيق أهداف من يتلاعب بها على النحو الأكثر كفاءة وفاعلية.

إن تسليحها والصراعات التي تندلع عليها في ما بعد تحدد ما يحدث وما يمكن أن نستخلصه منه، وهما يريان كذلك أن المعركة على الشبكة مستمرة وساحات المعركة متجاورة والمعلومات التي تنتجها تؤثر عميقاً في الرأي العام، ويستخلصان أيضاً أن أفضل جوانب الطبيعة البشرية وأسوأها تتنافس الآن حول أهم شيء على شبكة الإنترنت، وهو جذب انتباهنا ومشاركتنا لأخبارها، وأنه لم يحدث أن كانت الحرب والسياسة بهذا الترابط على مر التاريخ، وأن في الفضاء السيبراني تبدو الرسائل التي "يتم الفوز" من خلالها بالمعارك السياسية أو العسكرية شبه متطابقة.

ونتيجة لذلك يقول المؤلفان إن السياسة بدأت في استخدام عناصر حرب المعلومات، بينما ازداد تأثر الصراعات العنيفة للعبة شد الحبل على شبكة الإنترنت، وهذا يعني أيضاً في تصورهما أن مهندسي "وادي السيليكون" تحولوا من غير قصد إلى سماسرة قوة عالمية، فحتى أبسط قراراتهم تسهم في صنع ساحة المعركة، وهي الساحة التي صار القرار في شأن الحرب والسياسة يتخذ فيها الآن أكثر فأكثر، ومن ثم "فنحن جميعاً جزء من المعركة، ونحن محاطون بصراعات معلوماتية لا حصر لها، بعضها ظاهر وبعضها مستتر، وكلها تسعى إلى تغيير تصوراتنا عن العالم، وكل ما نلاحظه وما نعجب به وما نشاركه يصبح التقليعة الرائجة التالية، ولا توجد أرض محايدة في حرب الحروب الجديدة التي تدور على شبكة الشبكات، ولا أحد يحب حرب النقرات.

هذا الوضع البائس ليس ما وُعدنا به، وبغض النظر عن الجهد الذي يبذله التقنيون اليوم، فإنه حتى أفضل ما بوسعهم عمله لن يفضي أبداً إلى المستقبل المثالي المشرق الذي تصوره مخترعو الإنترنت الأوائل، ومع ذلك لا ينبغي التسليم بالهزيمة إذ يمكن للحكومات أن تدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل الآن أساس الحياة التجارية والسياسية والمدنية، وأنها في الوقت نفسه ساحة نزاعات لها عواقب هائلة على أمن المواطنين.

وكما سبق لها تمييز تهديد الحرب السيبرانية ومن ثم تنظيمها والاستعداد لها على مدار العقدين الماضيين، وعليها أيضاً مواجهة هذه الجبهة الجديدة، كما ينبغي ملاحظة أن القادة الاستبداديين تعاملوا مع إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها تهديداً لحكمهم، لكنهم في الوقت نفسه وجدوها قوة موجهة جديدة يهاجمون من خلالها أعداءهم".

تحصين المجتمعات

لاحظ المؤلفان أنه على الرغم من أن ديمقراطيات عدة أسست مبادرات وطنية لمواجهة الأخطار الناتجة، فإن الولايات المتحدة الأميركية وهي مهد الإنترنت بقيت من دون استعداد بشكل مخز، وبات ينظر إليها كواحدة من أوضح الدول "الخاسرة" في هذا النوع من الحروب الجديدة، فيما تعد فنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا والسويد من أوائل الدول التي عملت على تحصين مجتمعاتها ضد تهديدات المعلومات، خصوصاً من جانب روسيا التي تنهال عليها بوابل من الهجمات الإعلامية التي تدعمها الدبابات الروسية الرابضة على مقربة منها، بحسب ما ورد في الكتاب.

ولاحظ المؤلفان خلال إعدادهما هذا الكتاب العام 2018، أن الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترمب لم يعقد اجتماعاً واحداً على مستوى مجلس الوزراء حول طرق مواجهة التحديات السيبرانية، في حين رفضت وزارة الخارجية الأميركية تعزيز جهود مكافحة الدعاية الإرهابية والتضليل الروسي على شبكة الإنترنت، حتى مع تخصيص الكونغرس ما يقرب من 80 مليون دولار لهذا الغرض.    

وبحسب متن الكتاب كذلك، فإنه قبل جيل مضى كانت شبكة الإنترنت لعبة متخصصة ابتعد منها الجيش الأميركي نفسه، ولم ير أنها قد تصبح ذات يوم ساحة قتال حيوية، كما لم يتخيل أحد أن الجيش الأميركي سيضطر إلى دفع ملايين الدولارات لاستخدام شبكة ثانية مزيفة بهدف تدريب الجنود على حروب شبكة الإنترنت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن في ظل الفوضى الجامحة على شبكة الإنترنت الحديثة، يكافح الجنود في لويزيانا للتكيف مع الصراع المعلوماتي، ويفعل المهندسون في "وادي السليكون" الأمر نفسه، ويلاحظ أن جميع قوى وسائل التواصل الاجتماعي تأسست على فرضية متفائلة تقول إن العالم الذي يرتبط أفراده ببعضهم هو الأفضل، ومع ذلك فإنه ينبغي على هذه القوى - الشركات استيعاب حقيقة أن هذا الانفتاح هو الذي أحال إبداعاتها إلى ساحات للصراعات العالمية المستمرة.

إن السمات التطورية التي تجعلنا مخلوقات اجتماعية ديناميكية، أي الفضول والتقارب مع الآخرين والرغبة في الانتماء، تجعلنا عرضة لتيارات خطرة من المعلومات المضللة، فالإنسان بطبيعته غير مهيأ للتعامل مع سرعة المعلومات وضخامتها، وهما السمتان اللتان تميزان عصر التواصل الاجتماعي، ومع ذلك يمكن القول إن بيئة المعلومات الحديثة في طريقها إلى الاستقرار.

المستقبل المنظور

"الإنترنت" هي الآن وسيلة التواصل الأبرز في العالم، وستبقى كذلك في المستقبل المنظور، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي سيزداد حجم الشبكة العنكبوتية ونطاقها وأعداد مستخدميها، ولكن شكلها الأساس ومركزها في نظام المعلومات الإيكولوجي لن يتغير، كما أنها وصلت إلى مرحلة من النضج تؤكد أن معظم لاعبيها الرئيسين سيبقون كما هم، وسواء أحببناها أم كرهناها، ستستمر معظم شركات وسائل التواصل الاجتماعي البارزة في لعب دور حاسم في الحياة العامة لسنوات مقبلة.

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن بي دبليو سينغر محلل استراتيجي في "نيو أميركا" وأستاذ ممارس بجامعة ولاية أريزونا، ومدير شركة "يوسفول فيكشن إل إل سي"، وقد منحته مؤسسة "سميثسونيان" لقب أحد أفضل 100 مبتكر رائد في البلاد، واعتبرته "ديفينس نيوز" أحد أفضل 100 شخص مؤثر في قضايا الدفاع، ورأت "فورين بوليسي" أنه أحد أفضل 100 مفكر عالمي.

أما إيمرسون تي بروكينغ فهو كاتب مقيم في واشنطن العاصمة وخبير في العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصراعات، كما عمل مستشاراً في حرب المعلومات لمجلس الأمن القومي وهيئة الأركان المشتركة ومجتمع المخابرات الأميركية، وعمل سابقاً مساعداً لسياسة الدفاع وفي مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب