Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف قطع عقد من "البيئة المعادية" أوصال حياة ناس كثر

مرت 10 أعوام منذ أن استخدمت تيريزا ماي عبارة "عودوا لدولكم" التي أصبحت مرادفة للسياسات المتشددة بشأن المهاجرين

بريتي باتيل اتخذت نهجاً متشدداً تجاه الهجرة غير الشرعية  (غيتي)

في 25 مايو (أيار) 2012، كانت تيريزا ماي – وزيرة الداخلية البريطانية آنذاك – أعلنت في مقابلة لها مع صحيفة "ديلي تلغراف" أن هدفها هو "خلق بيئة معادية للهجرة غير الشرعية في بريطانيا".

خلال العقد الذي تلا ذلك، في عهد ماي وخلفائها – أمبر رود وساجد جاويد وبريتي باتيل – ارتبطت جملة "بيئة معادية" بسلسلة سياسات عدوانية أثرت ليس فقط في المهاجرين غير الموثّقين [لا يحملون أوراق إقامة قانونية]، ولكن أيضاً في من لهم حق العيش والعمل في المملكة المتحدة.

وفي العام التالي، جابت الشوارع شاحنات مزينة بعبارة "عودوا إلى دولكم"، ما أدى إلى إثارة الهلع والخوف لدى عدد من المهاجرين.

كانت للسياسات التي من المفترض أن تمنع الوصول إلى العمل والإسكان والرعاية الصحية والحسابات المصرفية وخدمات عدة من دون وثائق صحيحة، عواقب وخيمة على كثيرين بما في ذلك ضحايا فضيحة وندراش [فضيحة سياسية عام 2018 تتعلق بأشخاص احتُجزوا خطأً، وحُرموا من الحقوق القانونية، ورُحّل منهم 83 شخصاً على الأقل خطأً من المملكة المتحدة من قبل وزارة الداخلية].

وشهدت الأزمة السياسية التي نشأت بفضل سياسات البيئة العدائية، تجريد الآلاف، غالبيتهم من السود من حقوقهم في العيش والعمل في بريطانيا بعد أن وصفوا عن طريق الخطأ بأنهم مهاجرون غير شرعيين. ولا يزال البعض منهم ينتظر آملاً في الحصول على تعويضات.

في الذكرى العاشرة لاستخدام مصطلح "بيئة معادية" للمرة الأولى، تحدثت "اندبندنت" إلى الذين تأثروا بما يُسمّى بـ"العيش في ظل الخوف الناجم عن بيئة بريطانيا المعادية".

"تحطمت حياتي بسبب هذه المعركة مع وزارة الداخلية"

جونيور - 46 سنة من جمهورية غانا - قضى 22 عاماً من حياته في المملكة المتحدة، ولكن معظم ذلك الوقت لم تكن إقامته قانونية.

جاء جونيور إلى بريطانيا للانضمام إلى أسرته ومساعدة أخته بلندن في رعاية أطفالها، لكن لم تقُم الحكومة بتمديد إجازته للبقاء فترة أطول، لذلك أصبح وجوده غير قانوني عام 2011 ودخل في حال من الشك والخوف.

وقال والد الأطفال الثلاثة لـ"اندبندنت"، "كانت الحياة فظيعة لفترة طويلة، لقد أصبحت بلا مأوى منذ عام ولغاية الآن. هناك أشخاص آخرون حيث أعيش يعانون من مشكلات عدة أيضاً".

وأضاف، "كنت أعاني من الاكتئاب والقلق والصداع النصفي الذي يؤثر في قدرتي على فعل أي شيء في بعض الأحيان"، "لقد فكرت في الانتحار، في بعض الأحيان كنت أشعر بالضعف لدرجة عدم الاهتمام ولم أعُد أرى بديلاً أفضل".

جونيور العاطل من العمل، لم يتمكن من تدبير شؤونه إلا بمساعدة بعض أصدقائه وأفراد عائلته بين الحين والآخر، كان يعيل نفسه سابقاً بالعمل في وظائف غير دائمة والعمل بأجور غير رسمية في مواقع البناء الذي توقف خلال جائحة كورونا.

لدى جونيور أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 و16 سنة، ينشؤون في دار للرعاية في ظل غياب والدتهم، إذ لم يسمح وضعه غير القانوني بتربيتهم بنفسه.

وقال جونيور "أتواصل مع أطفالي، ولكن هذه ليست البيئة المناسبة لجلب الأطفال إليها، وعلى الرغم من إتاحة بضع ساعات للزوار، لا أريد أن يتعرض أطفالي لهذه الأجواء ويروني بهذه الحال - لهذا يعني ذلك أن الوقت الوحيد الذي يمكننا أن نقضيه معاً هو في الخارج".

على مر السنين، عاش جونيور في خوف متواصل من مداهمات وزارة الداخلية ضد المهاجرين غير القانونيين، إذ كان ينام في الجانب الخلفي من سوبرماركت "سانسبيري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان يحاول دائماً الحصول على إقامة قانونية، ولكن باءت طلباته بالفشل. نجح في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في الحصول على إذن بالبقاء، ولكنه بات يصنف على أنه "مهاجر مؤقت".

يعني ذلك أنه سيتعين عليه تجديد طلب للإقامة كل عامين ونصف قبل أن يتمكن من الحصول على الإقامة الدائمة أو تقديم طلب الحصول على الجنسية البريطانية، ولكن بحلول تلك المرحلة، سيكون جونيور في أوائل الخمسينيات من عمره، وسيكون قد عاش في المملكة المتحدة لأكثر من نصف حياته.

على حد تعبيره، فعلى الرغم من محنته، استطاع جونيور أن يستمد بعضاً من الأمل من خلال عمله كحارس كنيسة وتطوعه في خدمة الآخرين.

ينام حالياً في سكن مدفوع تابع للحكومة مع تسعة أشخاص آخرين لديهم حاجات مختلفة أيضاً، وبدأ أخيراً بدراسة الديبلوم في الرعاية الصحية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته يتطوع في متجر خيري.

وأضاف "سأكون صادقاً، لم أفكر بالإيمان عندما كنت في أدنى مراحل حياتي، عندما تحطمت حياتي بسبب أزمتي مع وزارة الداخلية، كنت أعتقد أحياناً أن الله يجب أن يكون قادراً على حل الأمور بشكل صحيح، لكني قلت لنفسي إنه من الجيد مساعدة المجتمع، لأننا جميعاً نمر بصعوبات عدة - أتمنى فقط أن أقف على قدمي، وأن أحصل على الحق في رعاية أطفالي وأن أبني حياة أفضل بأسرع وقت".

وأوضح "يجب على حكومة المملكة المتحدة إلغاء السياسات المعادية للمهاجرين وبذل مزيد من الجهود تجاه مساعدة الأشخاص الذين هم مثلي، نحن بشر أيضاً".

"لم أتمكن من الحصول على مساعدة"

فايث أيضاً ليست مسجلة بالكشوفات الرسمية البريطانية بعد وصولها قبل 18 عاماً من غانا، عاشت من خلال عملها في وظائف بأجور غير رسمية لما يقرب من عقدين، الذي تضمن أعمال التنظيف والرعاية.

تعيش السيدة البالغة من العمر 54 سنة مع صديقتها في شرق لندن، ممتنة لها على كرمها، لكنها تقول إن العيش في حال من الشك وعدم اليقين والخوف أثرت في صحتها العقلية.

كانت عاملة نظافة قبل جائحة كورونا لكنها فقدت وظيفتها بسبب الوباء، وتكافح منذ ذلك الحين للعثور على عمل.

تقول فايث إنها تعاني من كثير من المشكلات الصحية لكنها لم تذهب إلى الطبيب العام لمدة 10 سنوات لأن الأطباء أخبروها عن طريق الخطأ عند وصولها للمرة الأولى أنها غير مؤهلة للتسجيل.

وأضافت "تدهورت صحتي حقاً على مر السنين ولم أتمكن من الحصول على مساعدة من الأطباء على الرغم من حقيقة أنني كنت في حاجة ماسة إليها"، "كان من الصعب التعامل مع الوضع. في كل ليلة، لم أكُن متأكدة أين سأضع رأسي لأنام أو من أين ستأتي وجبتي التالية. لقد جعلتني هذه السياسات أشعر بالاكتئاب، جعلتني أشعر وكأنني لست إنساناً، ولا أستحق الاهتمام".

قام المجلس المشترك لرعاية المهاجرين بتقديم بعض القسائم الشرائية للسوبرماركت لها خلال معظم أيام "الحظر الصحي" كما تلقت دعماً من كنيستها.

وقالت "لكي أقضي يومي، يجب أن أؤمن أن الله سيسخر لي شيئاً ما في طريقي"، "لقد مررت بكثير من الصعوبات مع قليل من الدعم من جميع الأشخاص، الدعم الأقل كان من الحكومة"، مضيفة "في بعض الأحيان، كان الأصدقاء يساعدونني، ولكن لا يمكنني الاعتماد على الآخرين في جميع الأوقات. لقد جئت إلى المملكة المتحدة من أجل العمل الجاد وبناء حياة أفضل، غانا صعبة للغاية".

في الوقت الحالي، يتم تمثيل فايث قانونياً بشكل مجاني من قبل محامية تقدمت بطلب لها لدى وزارة الداخلية للحصول على إذن بالبقاء على أمل أن تتمكن من إنهاء ما يقرب من عقدين من حالة عدم الاستقرار.

"لا أشعر بالانتماء على الرغم من حقيقة أنني بريطانية"

غليندا كايسر هي واحدة من آلاف مواطني الكومنولث الذين تم تصنيفهم عن طريق الخطأ كمهاجرين غير شرعيين في بريطانيا في ما عرف بفضيحة وندراش. لمدة 10 أعوام، جُرّدت من كامل حقوقها في العمل أو المطالبة بمساعدات.

قالت السيدة البالغة من العمر 61 سنة إنها شعرت بخيانة وزارة العمل لها بعد أن أوقفت "دفعات المساعدة في تكاليف المعيشة" وطلبت منها إرسال صور "سيلفي" من باب منزلها من أجل إثبات أهليتها وجنسيتها البريطانية.

غليندا، التي ولدت في جمهورية الدومينيكان، جيء بها إلى بريطانيا بشكل قانوني عندما كانت تبلغ من العمر ثلاثة أشهر عام 1961، تلقت مكالمة هاتفية من دائرة العمل والمعاشات الأسبوع الماضي، وسئلت عما إذا كانت لديها إقامة في المملكة المتحدة وبأن تثبت ذلك.

أبلغت السيدة كايسر "اندبندنت"  بعد مرور أسبوع على الحادثة إنهم لم يعيدوا لها "دفعات المساعدة في تكاليف المعيشة" بعد، على الرغم من التغطية الإعلامية والاجتماعات ومكالمات هاتفية عدة.

وأضافت "أنا غاضبة ولا أفهم تكتيك البلطجة الذي يجري"، "إذا كانوا يمارسون التنميط العنصري لمعرفة ما إذا كان لدينا الحق في أن نكون في هذا البلد، فهناك خطأ خطير في هذا البلد"، "لا أشعر وكأنني أنتمي إلى إنجلترا على الرغم من حقيقة أنني بريطانية، لقد نشأت هنا وعشت هنا طوال حياتي".

 

"حال جهنمية من الوجود في وضع اللامكان"

بينما اعترفت الحكومة بأخطائها في فضيحة وندراش، استمرت وزارة الداخلية في استخدام تكتيكات مشابهة لخطة "البيئة المعادية"، بدءًا من مشروع قانون "الجنسية والحدود" وانتهاءً بمقترحات ترحيل المهاجرين إلى رواندا.

أوضحت وزارة الداخلية أنها ملتزمة نظام هجرة "عادل لكن حازم" ومتوافق مع القانون من خلال مقاربة "تخضع للمراجعة المستمرة".

من جهتها، قالت باولا أوشيلاري من المجلس المشترك لرعاية المهاجرين لـ"اندبندنت"، إن القواعد الموضوعة كجزء من البيئة المعادية كانت "تدفع الناس إلى حال جهنمية من الفراغ القانون والخوف والديون".

وأضافت "عاش كثرٌ هنا لأعوام وأعوام، بل وحتى عقود، لكن وزارة الداخلية تجعل أفراد المستعمرات البريطانية السابقة الذين هم في الغالب من أصحاب البشرة السوداء أو البنية يشعرون بعدم الانتماء، لقد حان الوقت لتتخطى الحكومة هذه البيئة المعادية والعنصرية التي تسرق حقوق الناس، نحن بحاجة إلى قوانين هجرة تسمح للناس بالعيش حياة مستقرة وآمنة خالية من الخوف".

أنس مصطفى، من مجموعة المناصرة المستقلة CAGE [مقرها لندن وتهدف إلى تمكين المجتمعات المتأثرة بالحرب على الإرهاب]، قال إن هذه السياسات متشابكة أيضاً مع "الإسلاموفوبيا القانونية والثقافية، وهو نهج نشأ مما يُسمّى بـ"الحرب على الإرهاب".

وفي السياق ذاته، ذكرت "وندراش لايفز" Windrush Lives، وهي مجموعة تقود حملات توعية، أن إرث هذه السياسات يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي - وحتى أبعد من ذلك.

وقالت المؤسسة المشاركة راميا جايديف "بمعنى أوسع، لم تبدأ البيئة المعادية عام 2012، كان هذا بالكاد تعبيراً رسمياً عن نوع من صناعة السياسات. إن ثقافة الإقصاء والتمييز ضد ذوي البشرة السوداء والبنية والمهاجرين، لأغراض سياسية، هي ثقافة أكثر عمقاً بجذورها".

من جهته، وصف الناشط البارز في مجال المساواة باتريك فيرنون، هذه البيئة المعادية بأنها "كارثة صحية عامة" في ضوء آلاف الأشخاص المتضررين الذين تأثروا بهذه السياسات وبدرجات متفاوتة من الصدمات التي تعرضوا لها نتيجة لذلك.

وقال لصحيفة "اندبندنت"، "مئات الآلاف، إن لم يكُن الملايين من الأشخاص المتأثرين بهذه السياسات عانوا من أنواع مختلفة من المشكلات الناتجة من اضطرابات ما بعد الصدمة وتأثيرها في الحياة الأسرية، إلى الخوف من فقدان مصدر الرزق وخطر الترحيل من البلاد، كان لهذا تأثير في عقول الناس وأجسادهم على حد سواء".

وأضاف "قد تذهب الحكومة إلى أن الحاجة كانت ماسة إلى هذه السياسات لتقليص أعداد المهاجرين وتعزيز حقيقة أن بريطانيا هي قلعة حصينة، لكن في الواقع أثرت هذه السياسات بشكل مباشر في الأشخاص الذين هم أصلاً مواطنون بريطانيون، وبالتحديد جيل وندراش ومجتمعات المهاجرين الذين يرغبون بالعمل للمساهمة الفاعلة في بريطانيا، ومع ذلك لا يزالون يوصَمون بالعار"، على حد تعبيره.

*نشر المقال في اندبندنت بتاريخ 25 مايو 2022

© The Independent

المزيد من سياسة