Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أضحى المهاجرون بيادق في حرب بوتين الباردة؟

الاتحاد الأوروبي يستعد لفرض عقوبات شاملة الإثنين بحق عشرات المسؤولين البيلاروسيين وعلى شركة طيران سورية

في كوخ خشبي على بعد أميال قليلة من حدود بيلاروس، تنتظر مجموعة مكونة من ثلاثة أطباء استدعاءهم إلى الغابة. مكالمة استداعئهم تأتي أحياناً من مجموعات مساعدة، وأحياناً أخرى من أحد السكان المحليين. سيهرول هؤلاء المسعفين لمساعدة اللاجئين، ومعظمهم من سوريا والعراق واليمن، الذين ربما يعانون من انخفاض حرارة الجسم الناجم عن درجات الحرارة التي تتدنّى بين عشية وضحاها إلى ما دون الصفر.

قال جاكوب سيتشكا، طبيب التخدير من وارسو، الذي أسس في سبتمبر (أيلول) "بورد إييد"، وهي مجموعة من 33 متطوعاً: "حتى الآن، لا بد من أننا عالجنا 200 إلى 300 شخص، معظمهم يمكننا مساعدتهم ميدانياً. نحن نعمل من خلال نوبات عمل على مدار 24 ساعة في المقصورة بالقرب من هاجنوكا في جنوب شرقي بولندا. لكن في بعض الأحيان تكون حالتهم سيئة للغاية، وسوف يموتون إذا تركناهم في الغابة".

وبحسب سيتشكا، نقلوا ما لا يقل عن 15 إلى المستشفى، من بينهم امرأة سورية تبلغ من العمر 24 سنة هي الآن في العناية المركزة بعد أن تسبب انخفاض درجة حرارة جسدها بالتهاب رئوي، ورجل يمني يبلغ من العمر 60 سنة مصاب بالإنتان (عدوى بكتيرية تنجم عن تعفن الدم). كان المريض الأصغر يبلغ من العمر 14 سنة فقط، وغالباً ما يقاوم اللاجئون: "بمجرد وضع شخص ما في سيارة إسعاف، يُطلب من المجموعة إبلاغ حرس الحدود، لكي يحضروا إلى المستشفى، حيث أجبروا الناس على المغادرة وأعادوهم إلى الحدود وهو أمر مخالف تماماً للقانون الدولي"، بحسب سيتشكا.

وتقول صحيفة "صنداي تايمز" إن اللاجئين أضحوا أدوات للرئيس ألكسندر لوكاشينكو. وتضيف منذ أشهر شنّ الرجل البيلاروسي هجوماً غير تقليدي على الغرب من خلال إغراء المهاجرين إلى مينسك لهندسة أزمة هجرة لجيرانه في الاتحاد الأوروبي.

واليوم، بينما يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بثقله خلف بيلاروس، فإن المواجهة تنذر بالتصعيد إلى ما هو أبعد من بولندا ولاتفيا وليتوانيا، التي تشترك في ما بينها في أكثر من 650 ميلاً من الحدود مع بيلاروس.

وقالت إنغريدا سيمونيتي، رئيسة وزراء ليتوانيا، التي أعلنت حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروس، بعد خطوة مماثلة من قبل بولندا: "لا يمكن للوكاشينكو الفوز، لكنه سيجعل هذا الوضع سيئاً قدر الإمكان". وأضافت "هذه مشكلة لنا جميعاً، لأن هذه هي الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي".

التكتيك الغريب والمريض

وأكدت سيمونيتي أنه لا يساورها أدنى شك في أن لوكاشينكو كان ينسّق أفعاله مع الكرملين. وأشارت إلى أن روسيا كانت رائدة في ما وصفته بـ"التكتيك الغريب والمريض" الذي استخدمه لوكاشينكو خلال أزمة المهاجرين السابقة في أوروبا عام 2015، حين سمحت موسكو للمهاجرين بعبور حدودها البرية مع النرويج في محاولة واضحة لزعزعة استقرار هذا البلد.

وفي نهاية هذا الأسبوع، حوصر ما يصل إلى 4000 مهاجر في الغابة بين قوات الحدود البيلاروسية والبولندية، بعد خداعهم لدفع آلاف الجنيهات الاسترلينية، مقابل ما اعتقدوا أنه سيكون طريقاً سهلاً إلى أوروبا. وقالت الشرطة البولندية الأحد 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، إنه تم العثور على جثة شاب سوري بالقرب من الحدود، ما زاد عدد القتلى إلى الضعف.

محنة اللاجئين لاقت استجابة إنسانية ضخمة في بولندا، تمثلت في انتشار المتطوعين الطبيين. وفي غضون أيام من إطلاق حملة لجمع التبرعات الشهر الماضي، جمع المتطوعون أكثر من 80 ألف يورو ( 91.6ألف دولار). وقام أحد الأعضاء الذين يمتلكون شركة طبية بتأمين سيارة إسعاف لهم، وذلك نظراً لصعوبة الوصول إلى المرضى في أجزاء من الغابة، وهم يستخدمون سيارة 44X، ويمشون لمدة ساعة أو أكثر. وأصبح عملهم معقداً أكثر لأنه غير مسموح لهم بدخول المنطقة الأمنية على بعد أميال عدة على طول الحدود.

وفي الوقت ذاته، تم حث البولنديين الذين يعيشون في المنطقة على إضاءة مصابيح خضراء خارج منازلهم حتى يعرف المهاجرون أنه من الآمن الاقتراب لأخذ حاجتهم من الطعام والمأوى. وقال منظم الحملة المحامي كامل سيلر، لصحيفة "غازيتا واي بورزا": "نحن سكان المنطقة الحدودية، نشهد على المعاناة الإنسانية، ولسنا مضطرين إلى حساب ما يجب القيام به". وأضاف: "يجب أن نظل بشراً".

وتتبنّى حكومة بولندا المحافظة منذ فترة طويلة، إلى جانب حليفتها المجر، نهجاً أكثر تشدداً ضد الهجرة، ورفضت الموقف الأكثر ليبرالية لأعضاء الاتحاد الأوروبي الغربيين.

أسوة بمسعفي "بورد إييد"، يُمنع الصحافيون وعمال الإغاثة من دخول المنطقة الحدودية، لكن اللقطات التي صوّرتها السلطات البولندية وبُثت على نطاق واسع في التلفزيون الحكومي، تظهر مهاجرين يضغطون بشدة على صفوف من الأسلاك الشائكة، التي يهاجمونها أحياناً بانتزاع البراغي. وتقترن بمقابلات امتدح فيها البولنديون العاديون عمل حرس الحدود، الذين تتهمهم جماعات حقوق الإنسان باعتماد تكتيكات قاسية. ويقول بعض المهاجرين الذين نجحوا في ذلك، إنهم تلقّوا مساعدة من البيلاروسيين. وقال حرس الحدود البولندي أمس إن الجنود البيلاروسيين أزالوا جزءًا من السياج المؤقت الذي أقامته بولندا لردع المهاجرين. كما يؤكد البولنديون أن الأعداد المقابلة لهم كانت تستخدم أشعة الليزر والأضواء القوية في محاولة لإبعادهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين الذين علقوا في المنتصف نبيل دالو، الكردي البالغ من العمر 33 سنة، الذي غادر منزله في السليمانية شمال العراق نهاية الشهر الماضي مع مجموعة من الأصدقاء. أعطاه أحد معارفه رقم هاتف الوكيل، الذي رتب تأشيرته ورحلاته الجوية إلى مينسك عبر دولة ثالثة مقابل مبلغ قيمته 4500 دولار. من هناك، كان يخطط لركوب سيارة أجرة إلى الحدود والعبور إلى بولندا، وبعد السفر عبر ألمانيا وفرنسا، كان يخطط للهروب إلى بريطانيا للانضمام إلى الأصدقاء والعائلة الموجودين هناك بالفعل.

وبدلاً من ذلك، أوقفه الجنود البولنديون هو وأصدقاءه عند الحدود، وألقوا الغاز المسيل للدموع عندما حاولوا تحطيم جزء من السياج. وخلفهم كان جنود بيلاروسيون رفضوا السماح لهم بالعودة.

ويوم الخميس، قضى دالو يومه الخامس في الغابة وحوله كانت مئات العائلات. قال وهو يتحدث بهدوء حتى لا يسمعه الجنود القريبون: "أستطيع أن أرى كثراً من النساء والأطفال، هناك دخان كثيف لأننا أشعلنا النار، فالطقس بارد جداً". وأضاف: "هناك أربعة أسوار، اثنان منها محكمان للغاية - ولا حتى الفأر يستطيع المرور. لديهم أمن مكثف للغاية هناك. الجنود البولنديون على بعد عشرة أمتار فقط".

إدانة بريطانية وأوروبية شديدة اللهجة

من جانبها، دانت بريطانيا ودول أوروبية أخرى بشدة موقف بيلاروس، التي بدأت بتحويل قضية المهاجرين إلى سلاح في الصيف بعدما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها، رداً على انتخابات مزورة قبل عام، أعادت تأكيد لوكاشينكو رئيساً بعد أكثر من ربع قرن من الحكم.

من جانبه، زعم بافيل لاتوشكا، سفير بيلاروس السابق، الذي تحول إلى منتقد للنظام، أنه درّب أفغاناً وعراقيين على تنفيذ هجمات مسلحة على الحدود البولندية بمساعدة الاستخبارات العسكرية الروسية.

وفي الأسبوع الماضي، أرسل الكرملين 250 مظلياً لإجراء مناورات مشتركة مع الجيش البيلاروسي بالقرب من الحدود البولندية. وهدد لوكاشينكو يوم الخميس بقطع إمدادات الغاز الروسي التي تتدفق عبر بلاده إلى أوروبا.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن لندن أرسلت عشرات المهندسين الملكيين لتقديم المشورة للجيش البولندي بشأن بناء أسوار أقوى، ونشر قوات من قاعدتهم الواقعة على بعد 75 ميلاً غرب أورزيش، على الرغم من أن المساندة "تقتصر على الدعم الهندسي"، فهي الأولى من قبل أي من حلفاء بولندا في "ناتو".

وعلى بعد 500 ميل إلى الشرق، يتمركز حوالى 90 ألف جندي روسي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا. في وقت أعرب أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، يوم الأربعاء، عن قلقه من أن موسكو ربما تستعد للغزو، كما فعلت عام 2014.

عقوبات مرتقبة

من الواضح أن بوتين "يستمتع بانزعاج الغرب" بحسب متابعين، لكن هناك حدوداً لدعمه للوكاشينكو، الذي يراه بمثابة "مدفع فضفاض". وقال بوتين الأحد إن حليفه ربما يكون "أصبح عاطفياً للغاية" عندما وجّه تهديد الغاز، مضيفاً: "أريد أن يعرف الجميع: ليس لدينا أي علاقة على الإطلاق بهذا الأمر". كما لم يستبعد الزعيم الروسي أن تكون المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مستعدة للتحدث مع لوكاشينكو، لكن لم يكُن هناك رد على ذلك من برلين.

ولا يبدو الاتحاد الأوروبي في حالة مزاجية لتقديم تنازلات إلى الرئيس البيلاروسي، ومن المرجح أن يوافق غداً على "أعمال انتقامية" ستشمل، حسبما أوردت "تايمز"، عقوبات شاملة ضد عشرات المسؤولين، وكذلك على "أجنحة الشام" وهي شركة طيران سورية متهمة بنقل المهاجرين من دمشق إلى مينسك.

وهذا يعكس اقتناع الحكومات الأوروبية بأن وقف الرحلات الجوية هو الطريقة الوحيدة لإيقاف لوكاشينكو. وتحت ضغط للتحرك، منعت تركيا جميع المواطنين السوريين واليمنيين والعراقيين يوم الجمعة من ركوب الطائرات إلى مينسك. كما أوقفت وزارة الخارجية العراقية كل الرحلات الجوية المباشرة إلى بيلاروس، وقالت إنها ستنظم رحلات لجمع المواطنين الذين يرغبون  بالعودة إلى الوطن من الحدود البيلاروسية البولندية.

وخلال الأشهر الماضية، دخل الاتحاد الأوروبي في نزاع متصاعد مع الحكومة البولندية حول ما اعتبرت بروكسل أنه تجاهل لسيادة القانون، ما أثار أزمة سياسية ربما يتمخّض عنها "بوليكزيت" (الانسحاب البولندي الافتراضي من الاتحاد الأوروبي على غرار "بريكست" البريطاني)، وهي فكرة رفضتها وارسو باعتبارها "أخباراً كاذبة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات