Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريو روسي قديم لحرب أوكرانيا وما بعدها

كشفه بوتين قبل 8 سنوات عندما طالب بعودة كييف لحدود ما قبل الاتحاد السوفياتي

بيلاروس تحد بدرجة كبيرة من حرية حركة قوات الناتو المنتشرة في بولندا (أ ف ب)

تتواصل أحداث ومشاهد المواجهة العسكرية على الساحة الأوكرانية، ولا أحد يعلم بعد ما يمكن أن تحمله الأقدار إلى هذه المنطقة، وإن كان هناك ما يشير إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سبق وتناول سيناريو المواجهة المحتملة مع أوكرانيا، ومن يقف وراءها في أكثر من مناسبة، وقبل هذا التاريخ بما يقرب من العام.

ولعل استعادة ما كتبه بوتين في مقالته "الأكاديمية" حول الأصول التاريخية المشتركة للشعبين الروسي والأوكراني قد يكون كافياً لإماطة اللثام عما يمكن أن تنتهي عنده ما يجرى اليوم من مواجهة عسكرية بين الشعبين "السلافيين الشقيقين"، بما في ذلك ما تنبأ به الرئيس الروسي حول احتمالات أن تفقد أوكرانيا وضعيتها كدولة مستقلة، أو بقول آخر "احتمالات تقسيمها"، وما قد يرتبط بذلك من ضم مساحات كبيرة من الأراضي، التي يتوالى انتقال تبعيتها يوماً بعد يوم إلى السيطرة الروسية، على الرغم من عدم اعتراف الغرب بذلك.

غير أن هناك ما يشير في الوقت ذاته إلى ارتباط ما يجري، وما يمكن أن يجري على مقربة في بيلاروس، بكل ما سبق وأعلن عنه بوتين من وحدة الشعوب السلافية، التي يقصد بها روسيا وأوكرانيا وبيلاروس، التي لطالما كانت تشكل نسبة 80 في المئة من القوة الضاربة للاتحاد السوفياتي السابق، بكل ما كان يتمتع به من مساحات جغرافية وقدرات اقتصادية عسكرية تستند إلى تاريخ مشترك وقدرات علمية عالمية.

موقف بيلاروس

وكان ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروس، قد توقف عند ذات المعاني، حين أفصح خلال زيارته الأخيرة لروسيا عن ضرورة أن يكون لبيلاروس دورها ومكانها في أية تسوية يمكن أن تجري في المنطقة، بما في ذلك أي اتفاقيات أو معاهدات قد تعقدها روسيا مع أوكرانيا. وهو أمر يقيناً أن موسكو ترحب به وتدعمه، بوصفه النواة التي يمكن أن يسفر عنها ظهور كيان وحدوي يريد بوتين أن يضم بلداناً أخرى من الفضاء السوفياتي السابق، ومنها كازاخستان الدولة الأقوى في آسيا الوسطى.

ومن هذا المنظور يتوقف مراقبون كثيرون عند ما تعيره الصحافة الروسية من أهمية لتناول سيناريوهات العمل خلال الفترة الراهنة، وما قد يعقبها من مراحل تقف منها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المعسكر الأوروبي بالمرصاد.

وحول هذا الصدد، تناولت لينا كورساك، في "موسكوفسكي كومسوموليتس"، إحدى الصحف الروسية الأكثر توزيعاً والأوسع انتشاراً، ما تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها لتعزيز وجودهم العسكري بالقرب من الحدود البيلاروسية.

قلق من الناتو

ونقلت الصحيفة عن الجنرال فيكتور غوليفيتش، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة البيلاروسية، النائب الأول لوزير الدفاع، ما أعرب عنه من قلق تجاه مضاعفة مجموعة قوات الناتو لوجودها، كماً ونوعاً، خلال الأشهر الستة الماضية.

وأشارت مصادر هيئة الأركان العامة البيلاروسية إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية تحشد ما يقرب من 20 ألف جندي في الاتجاه الجنوبي بمنطقة الحدود البيلاروسية- الأوكرانية، وهو ما قالت إنه "يتطلب أيضاً رد فعل من بيلاروس"، بوصفه "خطوة خطيرة من شأنها أن توسع الحرب في المنطقة".

وفي الصدد ذاته، نقلت الصحيفة الروسية عن الخبير العسكري يفغيني لينين، أن "كل ما يحدث منطقي تماماً. تعد دول الناتو، بطريقة أو بأخرى، بيلاروس طرفاً في النزاع. ويتجلى ذلك في العقوبات الدولية، التي فرضت عليها مثل روسيا". ومن المعروف أن بيلاروس، وبموجب مقتضيات تحالفاتها مع روسيا، سواء في إطار ما وقعته من معاهدات اتحادية مع موسكو منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، أو عضويتهما المشتركة في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تقدم إلى القوات المسلحة الروسية الكثير من التسهيلات اللوجستية، ومنها فرصة نقل القوات وإجراء التدريبات واستخدام أراضيها للدفاع الجوي، لكنها لا تشارك بشكل مباشر في الصراع.

وقالت الصحيفة، إن "بيلاروس تحد وبدرجة كبيرة من حرية الحركة لقوات الناتو المنتشرة في بولندا عند حدودها الغربية، وتحول دون توريد الذخيرة والوقود وزيوت التشحيم والموارد المتنقلة من غرب أوكرانيا إلى الشرق".

خطوة بولندية

وها هي بولندا وقد أعلنت عن نفسها بطرحها لفكرة الدفع بقوات حفظ السلام إلى غرب أوكرانيا من دون تفويض من جانب الأمم المتحدة، وما قد يتبع ذلك من طموحات في بعض أراضي غرب بيلاروس إلى ما وراء شرق ما كان يسمى بخط كيرزون، تساندها ما يجرى من مداولات للإعلان عن تلبية طلبي فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما سوف يجرى النظر فيه خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ولم يكن كل ذلك بغائب عن مداولات دوائر صناعة القرار في روسيا، التي بدورها تحدد البدائل الممكنة والسبل اللازمة للخروج من المأزق الراهن بأقل قدر من الخسائر، إن لم يكن بأكبر قدر من المكاسب، انطلاقاً مما يترتب على هذه العقوبات من نتائج تنال بدورها من استقرار كل البلدان التي تورطت في اتخاذ قرارات العقوبات أو انضمت إليها بحكم تبعيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، سواء في حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وما يتفرع منهما من مجالس وتشكيلات.

وننقل عن دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ما كتبه على قناة "تلغرام" حول أن عالم ما بعد العقوبات ضد روسيا سيحمل معه 10 نقاط ستحدث جراء ذلك، مؤكداً أن ذلك ليس من باب "التوقعات".

أزمة لوجستية كبرى

ومن هذه النقاط، ما ورد على الموقع الإلكتروني لقناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية، حول "انهيار عدد من سلاسل التوريد العالمية للسلع، إلى جانب احتمالات حدوث أزمة لوجستية كبرى، بما يتضمنه ذلك من احتمال انهيار أنشطة شركات الطيران الأجنبية، التي يحظر عليها التحليق فوق الأراضي الروسية".

وأشار ميدفيديف كذلك إلى "تزايد حدة أزمة الطاقة" في الدول التي فرضت عقوبات "إطلاق النار على نفسها" على توريد ناقلات الطاقة الروسية، إلى جانب زيادة أسعار الوقود، وتراجع نمو الاقتصاد الرقمي في العالم، واندلاع أزمة غذاء عالمية شاملة مع احتمال "حدوث مجاعات في بعض الدول".

لكن الأهم في ما أورده ميدفيديف من احتمالات، قال إنها تستند إلى معلومات، قد يكون في "اندلاع صراعات عسكرية إقليمية جديدة بالمناطق التي لم يتم فيها التوصل إلى حلول سلمية لسنوات طويلة، أو تم تجاهلها لحساب المصالح الأعلى للاعبين الدوليين الرئيسيين، إلى جانب عودة نشاط الإرهابيين، استناداً إلى اعتقادهم بتحول اهتمام السلطات الغربية اليوم إلى المواجهة مع روسيا"، وهو ما نشهده في مناطق أخرى كثيرة بالشرق الأوسط.

وإذ أشار إلى تراجع أنشطة المؤسسات الدولية، التي لم تتمكن من إثبات فعاليتها في سياق تسوية الوضع الأوكراني، مثل المجلس الأوروبي"، قال ميدفيديف بوجود ما يؤكد "احتمالات انهيار فكرة العالم المتمركز حول الولايات المتحدة الأميركية، وقيام تحالفات دولية جديدة للبلدان على أساس معايير براغماتية، وليس على أساس المعايير الأيديولوجية الأنغلوساكسونية"، على حد قوله.

السيناريوهات المتوقعة

ومن هنا يمكن التوقف عند ما نشرته صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"، أوسع الصحف الروسية انتشاراً حول السيناريوهات المتوقعة لانتهاء "العملية العسكرية الروسية" الخاصة، من واقع الحوار الذي أجرته على الهواء مباشرة مع ثلاثة من خبراء السياسة في روسيا، خلصوا جميعهم إلى أن السيناريو الأكثر احتمالاً يتلخص في ما سوف تحرزه روسيا من تقدم عسكري وصفوه بالمحدود، ويتمثل في الاستيلاء على كل أراضي جمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" في حدودهما التاريخية، والتمسك بما جرى الاستيلاء عليه من أراض في مقاطعتي خاركوف وزابوروجيه وغيرهما، ومنها خيرسون التي توفر الكثير من مستلزمات الحياة، وأهمها المياه العذبة لشبه جزير القرم، التي صارت ترتبط برياً بكل هذا الأراضي والمقاطعات للمرة الأولى منذ انضمامها إلى روسيا في 2014.

وأشارت الصحيفة إلى الممر البري، الذي يربط اليوم كلاً من خيرسون وبيرديانسك وميليتوبول وماريوبول، الذي قالوا إنه كان يمثل "الهدف الرئيسي للمرحلة الأولى من العملية الخاصة". ولم يغفل هؤلاء "احتمال احتلال نيكولاييف مع أوديسا"، الذي وصفوه بأنه "سيكون أمراً جيداً إن حدث".

وخلص المراقبون إلى أن روسيا لا يجب أن تتوقف عند هذا الحد، على اعتبار أن ما حدث "ليس الانتصار النهائيط، وهو ما تشير الكثير من التطورات إلى صحة التقديرات بشأنه، في إطار السيناريوهات الرئيسة الثلاثة التي جرى طرحها، ومنها ما كان يتناول السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية في حدود عام 1939، الأمر الذي جرى استبعاده منذ البداية، بعد التأكد من صعوبة وقوع الانقلاب، ووقوف الغرب وراء الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي، وما أعقب ذلك من تطورات، ومنها اعتقال فيكتور ميدفيدتشوك، الذي كانت دوائر في موسكو وخارجها ترشحه بوصفه أحد أبرز المرشحين لخلافته.

السيناريو الأقرب للتنفيذ

وعلى الرغم من الإيغال في التوقعات، والمضي في تغليب الاحتمالات، فإن هذا السيناريو يظل الأقرب إلى التنفيذ على ضوء ما يحدث من تطورات على أرض الواقع، تستند في معظمها إلى ما سبق وأعلنه الرئيس بوتين على مدى السنوات الثماني الماضية، وما طرحه من أسانيد تاريخية أودعها مقالته الشهيرة بشأن الأصول التاريخية المشتركة للشعبين الروسي والأوكراني.

وفي هذا الصدد يبدو ما يشبه الإجماع في الساحتين السياسية والإعلامية بموسكو حول عدم الاعتداد بكل ما طرحه الرئيس الأوكراني زيلينسكي حول رفضه لمجمل مضمون هذه المقالة من أسانيد تاريخية، وما يعلنه من تصريحات حول قدرات الشعب الأوكراني على "المضي في الحرب ضد روسيا لعشر سنوات مقبلة"، على حد قوله.

وشأن ما سبق، قال في ذكرى انضمام القرم وسيفاستوبول إلى الوطن الأم، "لقد عاشوا على أرضهم وأرادوا أن يعيشوا مصيراً مشتركاً مع وطنهم التاريخي مع روسيا. كان لديهم كل الحق في القيام بذلك وحققوا هدفهم"، كان بوتين سبق وأشار في مقالته الأكاديمية التاريخية إلى مصير مشابه لشعوب جمهوريتي "دونيتسك"، ولوغانسك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحذير قديم

ونورد أدناه تلك الفقرة، التي كان لا بد من التوقف عندها طويلاً. ففيها كشف بوتين عما يجرى اليوم من خطوات منذ إعلانه الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" ولوغانسك". فبعد استعراضه للكثير من المشاهد التاريخية، قال بوتين:

"ولذلك، فإن أوكرانيا الحديثة هي نتاج خالص للحقبة السوفياتية. ونحن نعلم ونتذكر جيداً أنها قد تشكلت - بمعظمها - على أراضي روسيا التاريخية. وللتأكد من ذلك يكفي أن ينظر المرء إلى حدود الأراضي، التي توحدت مع الدولة الروسية في القرن السابع عشر وأراضي جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية عندما انفصلت عن الاتحاد الأوروبي.

تعامل البلاشفة مع الشعب الروسي على أنه مادة لا تنضب لتجاربهم الاجتماعية، فهم كانوا يحلمون بثورة عالمية ستطيح بالدول الوطنية. ولذلك كانوا في غاية السخاء عند رسم الحدود، وتقديم العطايا الإقليمية. على كل حال، لم يعد الآن مهماً الحديث عن نيات القادة البلاشفة عندما كانوا يقطعون البلاد إرباً. يمكن أن نختلف حول تفاصيل رئيسة وخلفيات، والمنطق وراء بعض القرارات، ولكن الحقيقة تبقى في غاية الوضوح: لقد تعرضت روسيا إلى السلب حقاً.

اعتمدت أثناء عملي على هذا المقال على وثائق لا تحمل طابع السرية، احتوت على حقائق معروفة، وليس على بعض الوثائق والسجلات السرية. ويفضل قادة أوكرانيا المعاصرة ورعاتهم الخارجيون تجاهل هذه الحقائق، فضلاً عن أنهم لا يفوتون فرصة، سواء في داخل البلاد أو خارجها، لاستغلالها من أجل إدانة "جرائم النظام السوفياتي"، وإدراج أحداث لا علاقة للحزب الشيوعي السوفياتي، ولا للاتحاد السوفياتي بها، ناهيك عن روسيا المعاصرة. وفي الوقت نفسه، لا تعتبر جهود البلاشفة لفصل الأراضي الروسية التاريخية عن روسيا جريمة. ونحن نعلم لماذا: "فإذا كان ذلك يمكن أن يكون سبباً في إضعاف روسيا، فإنه لا بد وأن يرضي من لا يحمل لنا وداً".

الالتزام بالعودة إلى حدود ما قبل السوفيات

وللمزيد من الإيضاح مضى بوتين ليقول، وكأنما يخاطب القيادة الأوكرانية على وجه الخصوص: "أنت تريد إقامة دولتك الخاصة على الرحب والسعة، ولكن بشروط. وهنا استذكر التقييم الذي قدمه أناتولي سوبتشاك أحد أبرز الشخصيات السياسية في روسيا الحديثة، أول محافظ لمدينة سان بطرسبورغ. وبوصفه متخصصاً قانونياً بارزاً قال إنه يؤمن بأن أي قرار يجب أن يكون شرعياً. ومن هذا المنظور أعلن في عام 1992 عن الرأي التالي: على الجمهوريات المؤسسة للاتحاد بعد أن ألغت معاهدة الاتحاد لعام 1922، الالتزام بالعودة إلى حدودها، التي كانت قائمة قبل انضمامها إلى الاتحاد السوفياتي، بما يعني ضرورة أن تخضع كل ما اكتسبته من أراض بعد ذلك إلى النقاش والمفاوضات، نظراً لانتفاء الأساس الذي استندت إليه في ضمها لهذه الأراضي. وبقول آخر، يجب أن تخرج بما جئت به. وهذا منطق يصعب دحضه. سأقول فقط إن البلاشفة قد شرعوا في إعادة تشكيل الحدود حتى قبل قيام الاتحاد السوفياتي، وتلاعبوا بالأراضي بحسب أهوائهم متجاهلين إرادة الناس".

وهنا نتساءل، ألم يكن ذلك تحذيراً من مثل ما تواجهه اليوم أوكرانيا من مواقف وأحداث؟ ألم يكن ذلك كله إعلاناً عما ينويه الرئيس بوتين، وأعلن عنه صراحة قبل ذلك بثمانية أعوام تاريخ عودة القرم إلى روسيا؟

المزيد من تحلیل