Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف آذنت التكتيكات الروسية العنيفة في سوريا بتلك في أوكرانيا؟

بالنسبة للكثيرين في الغرب، شكّلت وحشية غزو بوتين لأوكرانيا صدمة. ولكن بالنسبة للسوريين، بدا ما يجري مألوفاً إلى حد كبير

فنانون في محافظة إدلب السورية يرسمون لوحة جدارية للاحتجاج على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (غيتي)

عندما أطلقت روسيا عملية غزو واسعة النطاق في أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، ساد شعور بالصدمة في العواصم الغربية ولّدته أولاً وقاحة العملية نفسها ووحشيتها عندما بدأت تتكشّف. ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً بالقوات الروسية لكي تبدأ بقصف المناطق المدنية المأهولة في محاولتها الاستيلاء على الأراضي الواقعة في شرق البلاد وشمالها الشرقي. وخلال الشهر الأول من بدء الغزو، سجّلت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفاة 3455 مدنياً في البلاد غالبيتها ناجمة عن القصف المدفعي والقصف الثقيل والصواريخ والغارات الجوية.

وانتقل فلاديمير بوتين من كونه شريكاً على الساحة الدولية إلى شخص منبوذ في عيون الحكومات الأوروبية وتبدّل الرأي العالمي بشأن روسيا بين ليلةٍ وضحاها. بيد أنّه بالنسبة للعديد من السوريين، كان الأمر أشبه بشعورٍ قاسٍ مألوف رافق تكشّف الأحداث في أوكرانيا. فهم رأوا هذا النوع من الوحشية من قبل في بلادهم.

"ما صدمني هو أنّ العالم شعر بالصدمة. لماذا هم مصدومون؟ هل لأن الأمر متعلق بدولة أوروبية؟" يقول عبد الكافي الحمدو وهو مدرّس لغة إنجليزية يتحدّر من مدينة حلب السورية. وقال لصحيفة "اندبندنت": "شكّلت سوريا مختبراً لأسلحتهم ولتكتيكاتهم المختلفة. وها هم يستخدمونها اليوم في أوكرانيا".

على مرّ الشهرين الماضيين، تحدّث العديد من السوريين عن نقاط التشابه بين التكتيكات الروسية في أوكرانيا والتكتيك الذي استخدمته خلال تدخّلها العسكري في سوريا عام 2015. وتساءلوا جهاراً كيف أنّ العالم أخفق في معرفة المدى الذي ستصل إليه روسيا بقيادة بوتين لبسط سلطتها.

وتدخّلت روسيا في الحرب الأهلية السورية دعماً لرئيس البلاد بشار الأسد. وكسرت بذلك حالة من الجمود الفعلي لصالح الديكتاتور من خلال استخدام القوة الجوية المدمرة في جميع أنحاء البلاد.

قدّرت "إيروارز" Airwars وهي منظمة استقصائية تحصي عدد الضحايا المدنيين في الحروب مقتل أكثر من 6398 مدنياً جرّاء التدخّل الروسي خلال السنوات الستّ التي نشط فيها في سوريا. وشهد الحمدو وحشية هجومٍ عسكري روسي عندما كان في الطرف الآخر من حصارٍ روسي-سوري طاول مدينته الأم حلب.

وخلال المعركة الأخيرة في المدينة السورية الشمالية الشرقية في العام 2016، أدّت حملة قصفٍ روسية وسورية إلى مقتل أكثر من 440 مدنياً في غضون شهرٍ واحد بحسب مركز توثيق الانتهاكات (Violations Documentation Center) وهي مجموعة رصد مدنية سورية. ومن جهة أخرى، أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" Human Rights Watch بأنّ القصف الجوي "كان يبدو غالباً عشوائياً متهوراً واستهدف مرفقاً صحياً واحداً على الأقل وشمل استخدام أسلحة عشوائية على غرار الذخائر العنقودية وأسلحة حارقة".

وقال الحمدو إنّ مشاهدة الهجوم الروسي على أوكرانيا كان بمثابة "استعادة أحداث فيلم مجدداً". وأشار إلى أنّ العيش تحت أنظار الجيش الروسي يعني العيش في "خوفٍ مستمرّ". وتابع قائلاً: "إنّه خوف مستمر، التفكير بالموت والتهجير والقلق على أسرتك. في الواقع، يعني العيش تحت القصف الروسي أنّه كلّما ظننت بأنّ مكاناً ما آمن، كلّما كان أشدّ خطراً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليست فظاظة الغزو الروسي لأوكرانيا هي وحدها التي استدعت بناء هذا التشابه مع سوريا، بل يتعلق الأمر أيضاً بالتكتيكات الخاصة التي نشرتها. وشكّل التدمير الشامل للمناطق المدنية واستهداف المرافق الطبية والطواقم الصحية وتكتيكات الحصار وشنّ هجمات على الممرات الإنسانية تكتيكات تمّ استخدامها في سوريا أولاً.

وأعلن مسؤولون أميركيون بأن روسيا أوكلت قيادة الغزو الروسي على أوكرانيا للجنرال ألكسندر دفورنيكوف. وكان سبق لدفورنيكوف أن تولّى قيادة التدخّل الروسي في سوريا طوال السنة الاولى تقريباً بين سبتمبر (أيلول) 2015 ويوليو (تموز) 2016.

وأشار مجد خلف، وهو متطوع سابق في الدفاع المدني السوري وهي منظمة إغاثة تُعرف باسم "الخوذ البيضاء" White Helmets إلى أنّه رصد العديد من الإشارات التي تدلّ على أنّ موسكو تتبع التحرّكات نفسها التي اعتمدتها في سوريا. وفيما كان يتصفّح "تويتر" في أحد الأيام، شاهد فيديو لمسعفٍ يعالج إحدى ضحايا قصف جوي على ما يبدو عندما حصل هجوم آخر في الموقع نفسه. وفي سوريا، أصبحت تلك "الهجمات المزدوجة" بمثابة علامة بارزة تحمل توقيع قوات الجوّ الروسية. وقال خلف: "شاهدت فيديو لهجومٍ مزدوج في أوكرانيا وذكّرني بما حصل لنا في سوريا. وقمت بتغريدة حول الموضوع بهدف تحذير الناس في أوكرانيا، من مسعفين وصحافيين، لكي يتمكنوا من حماية أنفسهم. ويقوم هذا التكتيك على استهداف الموقع ومن ثم انتظار وصول المسعفين لمساعدة المدنيين قبل أن تأتي الطائرة إلى الموقع نفسه وتستهدفه مجدداً".

وغالباً ما كان مسعفو "الخوذ البيضاء" في الصفوف الأمامية إثر هذه الهجمات. "فقدت الخوذ البيضاء أكثر من 292 متطوعاً" يقول خلف. وفي هذا الإطار، تمّ توثيق استخدام الجيشين الروسي والسوري للهجمات المزدوجة خلال الحرب السورية. وفي عام 2020، أعلن محققو الأمم المتحدة بأنّ القوات الروسية شنّت هجوماً مزدوجاً على سوقٍ في 22 يوليو 2019 مما أدى إلى مقتل 43 مدنياً. فبعد وقوع الهجوم الأول، وصل المسعفون إلى المكان لإسعاف المصابين وعندئذٍ وقع الهجوم الثاني.

وجاء في تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا بأنّ "القوات الجوية الروسية لم توجّه هجماتها على هدفٍ عسكري محدد ممّا يجعل ذلك يرقى إلى مستوى جريمة الحرب المتمثلة في شن هجمات عشوائية على مناطق مدنية".

وأضاف خلف قائلاً: "استغرقنا الأمر وقتاً طويلاً لكي نفهم هذا التكتيك". وقال بأنّ تأثير دخول روسيا إلى الحرب كان هائلاً على المدنيين. "منذ قيام روسيا باجتياح سوريا تغيّر كلّ شيء. وتماماً مثل ماريوبول، كان أمام الناس خياران لا ثالث لهما: الموت في تلك المدينة أو تهجيرهم قسراً. ما تقوم به روسيا اليوم في ماريوبول سبق أن فعلته في حلب. إنّها الاستراتيجية نفسها".

الدكتور زاهر سحلول هو طبيب سوري-أميركي ورئيس منظمة "ميد غلوبال" Med Global وأحد الأشخاص القليلين الذين رأوا تأثير القذائف الروسية على كلّ من سوريا وأوكرانيا. فقد قام بالعديد من الرحلات إلى سوريا خلال الحرب لتدريب الأطباء المحليين والمساعدة على إنشاء المرافق الطبية. ويقوم اليوم بالأمر نفسه في أوكرانيا.

ويقول لـ"اندبندنت" بأنّ جزءاً من التدريب كان يقضي بالشرح لأكثر من 200 طبيب أوكراني كيفية معالجة المرضى الذين أصيبوا بهجوم أسلحة كيماوية وهو أمر لم يحصل بعد في أوكرانيا ولكنه حصل مئات المرات في سوريا. وأضاف قائلاً: "أجرينا التدريب على الإصابات الجماعية ومرضى الصدمات والأسلحة الكيماوية. إنّه التدريب نفسه الذي استخدمناه في سوريا وطاول العديد من الاطباء".

وفي سوريا، زار الدكتور سحلول المرافق الطبية التي بُنيت داخل الكهوف لتجنب القصف الجوي الروسي والقصف الجوي الذي تشنه الحكومة السورية على إثر الهجمات التي لا هوادة فيها. وفي هذا الإطار، قامت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" غير الحكومية (Physicians for Human Rights) والتي تُعنى بتوثيق الهجمات على مرافق الرعاية الصحية برصد ما يناهز 244 هجوماً مماثلاً في سوريا شنّتها روسيا والقوات الموالية للنظام السوري. وفي عام 2019، كشف تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ الطائرات الروسية قصفت أربعة مستشفيات خلال 12 ساعة في شهر مايو (أيار) من ذلك العام.

وفي مطلع الشهر الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية بأنّ أكثر من 70 شخصاً لقوا حتفهم فيما أُصيب 53 آخرون بجروح في الهجمات الروسية على مرافق طبية أوكرانية منذ بداية الغزو. وكشفت المنظمة بأنّها أكّدت حصول 147 هجوماً على الأقلّ طاول مرافق الرعاية الصحية بما في ذلك هجوم على مستشفى للأطفال في ماريوبول.

ويضيف الدكتور سحلول قائلاً: "الأمر مشابه إلى حدّ كبير ما حصل في سوريا من قصف للمستشفيات واستهداف مزوّدي الرعاية الصحية والبنى التحتية المدنية. انطلاقاً من تجربتنا، أعتقد بأنّ الهدف من ذلك هو إجبار عدد كبير من المدنيين على النزوح ممّا يسهّل عملية استيلاء القوات البرية على منطقةٍ محددة".

وأشار الدكتور سحلول إلى الحصار المفروض على ماريوبول في جنوب أوكرانيا كمثلٍ ملموس لهذه الاستراتيجية المتّبعة. وفرضت القوات الروسية حصاراً على المدينة منذ بضعة أسابيع وسمحت أخيراً للمدنيين بالمغادرة من دون أن يعني ذلك هروبهم من إطلاق النار. وفي هذا السياق قال عمدة المدينة بأنّ أكثر من 10 آلاف مدني قُتلوا في القصف. وتابع بالقول: "يمكن للحصار أن يتسبب بالعديد من المشكلات في الصحة النفسية ونقص في الطعام والغذاء ويجعل المرضى المصابين بأمراضٍ غير معدية أو أمراض مزمنة غير قادرين على شراء أدويتهم فيما يتعذر على النساء الحوامل الحصول على ولاداتٍ طبيعية وينتهي الأمر بالمرضى الذين يحتاجون إلى إجراء عملياتٍ جراحية بسيطة إلى تكوين مضاعفاتٍ أو يموتون بسبب صعوبة الوصول إلى المستشفيات أو الأخصائيين. نرى الأمر نفسه في ماريوبول. إنّها بالطبع جريمة ضد الإنسانية عندما تقوم بمعاقبة شعب بأكمله للسيطرة على البلاد. ولكن في الوقت نفسه، إنّها تكتيكات حرب فعالة للغاية استُخدمت في سوريا".

ولكن، يبرز اختلاف ملحوظ بين غزو روسيا لأوكرانيا وأفعالها في سوريا. ففيما أثار غزو بوتين لجارته الأوروبية استنكارا واسع النطاق ترافق مع فرض عقوبات ودعم عسكري واسع للجيش الأوكراني، لم تشهد سوريا ذلك الحشد عندما كان المدنيون السوريون تحت القصف.

في الواقع، يشير الدكتور سحلول إلى وجود علاقة مباشرة بين التقاعس والغزو الروسي الوقح لأوكرانيا. ويضيف قائلاً: "أعتقد أنه لو رأينا بعض المحاسبة على جرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا على يد نظام الأسد وإيران وروسيا، لما كنّا شهدنا الأمر ذاته يتكرر في أوكرانيا. حذّرنا المجتمع الدولي أنّه في حال بقيتم مكتوفي الأيدي تجاه ما يحصل في سوريا، فإنّ الأمر سيتكرر وسيطاردنا. الأشخاص مثلنا الذين ذهبوا إلى سوريا مرات عدة رأوا تأثير البراميل المتفجرة على الأطفال وتدمير أحياء ومدن بالكامل بفعل الطائرات المقاتلة فضلاً عن قصف مستشفيات واستخدام أسلحة كيماوية. وعلى الرغم من ذلك، اتّسم رد فعل المجتمع الدولي تجاه ما يحصل في سوريا بالصمت المطبق ولم يستحوذ الأمر على اهتمام الناس".

وفي غضون ذلك، يستمر خلف في متابعة الأخبار الواردة من أوكرانيا وغرّد في مناسباتٍ عدة مقدماً النصح للأوكرانيين والمسعفين. ويعتبر بأنّ تجربته في سوريا تسببت بشعوره بالقلق على مستقبل أوكرانيا. وقال: "عندما أتابع الأخبار في أوكرانيا، أشعر بأنني أعرف بأي اتجاه تسير الأمور".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير