Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دلالات الاجتماع "الأفريقي" الأول للتحالف ضد "داعش"؟

وزراء خارجية 85 دولة يعلنون دعماً خاصاً لمكافحة إرهاب الساحل والصحراء ويحذرون من "فاغنر"

مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 سلط الضوء على تنامي تهديد "داعش" في أفريقيا (الصفحة الرسمية للتحالف الدولي)

أكد التحالف الدولي لهزيمة "داعش"، في ختام اجتماعه الأول، الذي يعقد في بلد أفريقي منذ تأسيسه عام 2014، أن التنظيم لا يزال يمثل "تهديداً مستمراً"، وذلك بعد أعوام من إعلان الولايات المتحدة التي تقود جهود محاربته، سقوطه في معاقله الرئيسة بسوريا والعراق، وسط صعود فروع التنظيم في أفريقيا، خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء وغرب القارة.

وبينما سلط مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 الضوء على تنامي التهديد في القارة، موضحاً أن 48 في المئة من إجمالي الوفيات العالمية بسبب الإرهاب السنة الماضية سُجلت فيها، وأنها أصبحت "مركزاً عالمياً للإرهاب"، أعلن وزراء خارجية الدول الـ85 الأعضاء في التحالف توجيه دعم خاص لمكافحة النشاط الإرهابي المتصاعد في أفريقيا.

تأتي خطوة التحالف من خلال دعم "مجموعة التركيز على أفريقيا" التابعة له، والجهود الوطنية التي تبذلها الدول الأعضاء، وحذر وزراء الخارجية من دور الشركات الأمنية الخاصة، في إشارة من دون تسمية إلى نشاط مجموعة "فاغنر" الروسية، التابعة لشخصيات مقربة من الكرملين، والمتهمة بالانخراط في الصراعات وأدوار "مشبوهة" في الساحة الأفريقية، وهو ما تنفيه موسكو.

وأقرت دول التحالف بتسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصراعات بالقارة في صعود النشاط الإرهابي خلال الأعوام الأخيرة بالمنطقة، وشددت قرارات الاجتماع الأفريقي الأول على أهمية إيجاد حلول مستدامة للأسباب الجذرية للإرهاب والتطرف العنيف.

وأكد الاجتماع في بيانه الختامي "أهمية ضمان الإدماج والمشاركة الهادفين للنساء والشباب والفئات السكانية المهمشة الأخرى في هذه الجهود، والدور الحيوي للمجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات النسائية والمنظمات التي يقودها الشباب، في منع ومحاربة الإرهاب والتطرف العنيف".

الأول في أفريقيا

وأثنى وزراء خارجية دول التحالف الدولي لهزيمة "داعش" على عقد الاجتماع الأول للتحالف في أفريقيا، مشددين من جديد على "تصميمهم المشترك على مواصلة قتال التنظيم من خلال الجهود العسكرية وتلك التي يقودها المدنيون، والتي تسهم في الهزيمة الدائمة للجماعة الإرهابية".

وقالت دلال محمود، أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة ومديرة برنامج الأمن والدفاع في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن استضافة المغرب للاجتماع الوزاري السنوي للتحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" الإرهابي تأتي في مرحلة متوترة يمر بها العالم كله بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الممتدة اقتصادياً وأمنياً وجيوسياسياً لتؤثّر في المناطق كافة، ومنها الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يزيد من أهمية الاجتماع وما قد ينتج منه من قرارات.

وأوضحت أن الاجتماع جاء بدعوة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة والمغرب، بصفته رئيساً مشتركاً لمجموعة "أفريكا فوكيس"، التابعة للتحالف، والمعنية بمواجهة الإرهاب في القارة، كما يوجد في المغرب المكتب الإقليمي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، معتبرة أن "دعوة الولايات المتحدة تأتي لتؤكد أن أميركا ما زالت تعتبر مكافحة الإرهاب على قائمة أولوياتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، على الرغم من اتجاهها للانسحاب التدريجي من الانخراط في قضايا المنطقتين".

وأشارت محمود إلى أن هناك ارتفاعاً للتهديدات الإرهابية، التي تجتاح بعض مناطق القارة، ليس فقط بكثافتها، لكن بامتدادها لتجعل من أفريقيا مكاناً لتموضع بعض التنظيمات المتطرفة، التي شنت في عام واحد نحو 7108 هجمات أسفرت عن 12519 ضحية. وتابعت أن "المرحلة الحالية تشهد نشاطاً إرهابياً مكثفاً في منطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص، وهي منطقة متاخمة للمغرب. ومع خروج القوات الفرنسية، ومن قبلها الأميركية، لمكافحة الإرهاب، تزداد فرص نشاط التنظيمات، بخاصة مع تراجع قدرة الجهود الأمنية لدول هذه المنطقة وحدها في التصدي لهذه التنظيمات، التي تتوسع في شبكات علاقاتها مع القوى المحلية بهذه الدول".

فروع "داعش" و"الخليفة" الجديد

جاء الاجتماع بعد أسابيع من كشف فروع التنظيم في أفريقيا عن مبايعة من يُسمّى بـ"الخليفة الجديد" لـ"داعش"، الملقب بأبي حسن الهاشمي القرشي، الذي أعلن أخيراً عن تولّيه زمام الأمور في التنظيم عقب مقتل قائده السابق بغارة أميركية في مطلع فبراير (شباط) الماضي في شمال غربي سوريا.

وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قال في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، الذي اختتم مساء أمس الأربعاء 11 مايو (أيار)، إن "أفريقيا أصبحت هدفاً رئيساً للإرهاب"، موضحاً وجود 27 كياناً إرهابياً متمركزاً في القارة على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي، وتابع "سجلت أفريقيا في 2021 نحو 48 في المئة من الوفيات بسبب الإرهاب العالمي، بحيث وصل عدد الضحايا إلى 3461 شخصاً، ووصل مجموع القتلى إلى 30 ألفاً في هجمات إرهابية بالمنطقة على مدى الأعوام الـ15 الماضية.

وأضاف بوريطة أن الإرهاب "ترك بصمته في التنمية، بحيث بلغ الأثر الاقتصادي للإرهاب في القارة خلال العقد الماضي 171 مليار دولار، ما أدى إلى تداعيات مباشرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول الأفريقية".

وتشير محمود إلى أن تنظيم "داعش" في هذه المرحلة يسعى إلى توسيع عملياته اللامركزية، ومع تولّي خليفة جديد، تتجه هذه الفروع للإعلان عن نفسها، أملاً في الحصول على الدعم المالي واللوجيستي من التنظيم المركزي، لذلك قد تشهد المرحلة الحالية والمستقبلية كثافة في العمليات الإرهابية التي تشنها فروع التنظيم، الأمر الذي يدفع إلى التعاون الاستباقي بين دول التحالف في محاولة لتفكيك، أو على الأقل، إضعاف شبكات التنظيم التمويلية والاتصالية وغيرها.

ورأت أن انعقاد اجتماع التحالف الدولي للمرة الأولى في أفريقيا يعبّر عن إدراك دول التحالف لخطورة التهديدات الأمنية التي تواجهها القارة السمراء، سواء الإرهاب أو غيره من التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية المنتشرة في القارة. لذلك، كان من المتوقع أن ينتهي الاجتماع بإصدار بيان يعبّر عن موقف دول التحالف من مكافحة الإرهاب بصورة عامة، وفي القارة بوجه خاص، والتأكيد على التعاون في ما بينها لتنسيق التصدي بما يقوّض الخطر الإرهابي.

وأعربت محمود عن اعتقادها بأن "الاتفاقيات الثنائية قد تكون هي الأكثر احتمالاً من التحرك الجماعي لكل دول التحالف، التي تتعارض مصالح بعضها، فعدد منها يواجهه وعدد آخر يرعاه"، معتبرة أن السيولة المصاحبة لانتقال العناصر المسلحة في المنطقة، "سواء تحت مسمى الفيلق الدولي التطوعي المتجه لأوكرانيا أو المرتزقة من شركات أو فرادى أو الإرهابيين، تنذر بتنامي خطر الإرهاب واتساع نشاطه مع تغيّر الأنماط التي يمكن أن يتبعها، ولأن عدداً من دول القارة الأفريقية يشهد ضعفاً في مؤسساته، فإن هذا الخطر يصبح أكثر ترجيحاً".

القضاء التام على "داعش"

وأكدت واشنطن التزام التحالف الدولي القضاء التام على التنظيم، خصوصاً في سوريا والعراق، وكذلك على مستوى القارة الأفريقية والعالم ككل. وأوضحت نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند أن عمل التحالف يشمل تحرير الأراضي الخاضعة لسيطرة "داعش" في العراق وسوريا وتحديد مناطق العالم، التي قد تشكل أرضاً خصبة لانتشار الجماعات الإرهابية ومعالجة الأسباب الجذرية.

وقالت نولاند، التي شاركت في الاجتماع، نيابة عن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين، الذي تغيّب بسبب إصابته بفيروس كورونا، إن بلادها تبذل جهوداً بالتنسيق مع شركائها في غرب أفريقيا لمواجهة التحديات التي أسهمت في تكاثر هذه الجماعات، مؤكدة عزم واشنطن تقديم دعم يناهز 119 مليون دولار لصالح أفريقيا جنوب الصحراء، من أجل تحسين قدرات قوات النظام المدني والنظام القضائي، بهدف القبض على الإرهابيين ومقاضاتهم وإدانتهم في جميع أنحاء القارة.

وترى أميرة عبد الحليم، الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية أن خطورة انتقال مقاتلين إرهابيين أجانب إلى ساحات الصراع وبؤر النشاط الإرهابي في أفريقيا تتخطى مستوى التهديد، الذي تمثله العناصر الإرهابية المحلية، معتبرة أن انتقال عناصر من الشرق الأوسط إلى الساحة الأفريقية يمثل السبب الرئيس في تشديد التحالف على أن القضاء التام على التنظيم في العراق وسوريا لا يزال يمثل الأولوية في استراتيجيته الراهنة لمكافحة "داعش"، سواء على مستوى القارة الأفريقية أو العالم ككل، كما أشار البيان الختامي للاجتماع.

وقالت عبد الحليم إن هذا الاجتماع عبّر عما وصل إليه تنظيم "داعش" من انتشار غير مسبوق فى القارة الأفريقية، "فلم يعُد هناك إقليم من أقاليم القارة الخمسة، بعيداً من أعمال التنظيم، كما برزت خلال الأشهر الأخيرة نتائج كارثية لتراجع الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب في القارة، خصوصاً منطقة الساحل، في ظل إعادة انتشار القوات الفرنسية أو انسحابها من مواقع حيوية، ما يعني ترك الجيوش الوطنية، لا سيما الجيش المالي لمواجهة الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي لا يزال التعاون الإقليمي على مستوى القارة الأفريقية لا يرقى إلى مستوى مواجهة النمو غير المسبوق للتهديدات الإرهابية، في ظل نقص الموارد المالية وتراجع القدرات العسكرية. كما يُعدّ الاجتماع مؤشراً إلى مدى التعاون وتطور العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى المملكة إلى تطوير علاقاتها الإقليمية وزيادة حضورها الأفريقي.

وأكد الوزراء أن ضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم في العراق وسوريا هو الأولوية الأولى للتحالف، مشددين على أنه بالرغم من الانتكاسات الكبيرة التي عانت منها قيادة "داعش" على مدار الأعوام الماضية، لا تزال الجماعة الإرهابية تواصل هجماتها، ما يمثل تهديداً مستمراً كما ظهر في الهجوم واسع النطاق على سجن الصناعة بشمال شرقي سوريا في يناير (كانون الثاني) الماضي.

مقاربة "أفريقية" للإرهاب

كما أقرّ الوزراء بالحاجة إلى مواجهة التهديد المتغير، الذي يشكله تنظيم "داعش" في أفريقيا، وأشاروا إلى الاجتماعات الثلاثة الأولى لمجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا، التي عقدت في بروكسل وروما ومراكش أخيراً، مؤكدين أن المجموعة ستساند قدرات مكافحة الإرهاب التي يقودها الأعضاء الأفريقيون في التحالف، من خلال الاعتماد على التجارب في العراق وسوريا، وعبر الاستفادة من الدروس المستقاة من حملة هزيمة التنظيم، لصالح قارة أفريقيا "بحسب الاقتضاء".

رابحة سيف علام، الباحثة المتخصصة في شؤون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، ترى أن توسع "داعش" في أفريقيا خلال العامين الماضيين ارتبط بانحساره في سوريا والعراق وحدوث فراغ في التصدي للتوسع الإرهابي خلال عامَي الجائحة، نتيجة الاهتمام بسياسات مكافحة الوباء.

وأوضحت أن تصاعد العمليات الإرهابية في غرب أفريقيا جاء نتيجة هشاشة الوضع الأمني، وتراجع قدرات السلطات القائمة في هذه البلاد، وعدم تطويرها لسياسات متكاملة لمكافحة الإرهاب تتعامل مع جذور الظاهرة وأسبابها، بحيث أصبح الانضمام إلى تلك الجماعات بمثابة "فرصة عمل" لأفراد بعض المجتمعات المحلية الأفريقية المهمشة.

وأشارت علام في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إلى أن دعوة الرباط لاجتماع التحالف تمثل محاولة لمدّ مظلة التحالف إلى هذه المنطقة الحيوية التي تقع على مقربة من المغرب، بما يهدد بانتقال العناصر إلى أوروبا والدول الغربية، حيث نجحت المملكة أخيراً في إحباط عمليات إرهابية عدة، وتفكيك بعض الخلايا من خلال تعاون مشترك مع أجهزة المعلومات والاستخبارات الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت إن سياسة استهداف قيادات الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا والتدخل العسكري، بخاصة الفرنسي، لم تنجح في إحداث تراجع بحجم التهديد الإرهابي، الذي أصبح عابراً لحدود المنطقة ودولها، ما جعل الاجتماع الأخير فرصة لإعادة إحياء نشاط التحالف في غرب أفريقيا، ومراجعة استراتيجيته هناك، وإعادة إطلاقها مجدداً من خلال أبعاد جديدة تنموية واجتماعية تعزز الجهود الأمنية والعسكرية القائمة.

وبحسب البيان الختامي، تشمل هذه الجهود تبادل التقييمات حول تهديد تنظيم "داعش" والمنظمات الإرهابية الأخرى في قارة أفريقيا، والتنسيق والتعاون بشأن الطرق الأكثر فاعلية وكفاءة لمقاربة هذه القضايا، بما في ذلك تبادل المعلومات وإدارة الحدود بشكل استباقي، فضلاً عن مشاريع تحقيق الاستقرار والردع ومنع التطرف.

وشدد الوزراء على ضرورة أن تعمل مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا على تضافر الجهود والمبادرات الأخرى القائمة على الأصعدة الدولية والإقليمية وشبه الإقليمية لمكافحة الإرهاب في القارة السمراء.

وأكد الوزراء أهمية مواجهة القضايا الكامنة وراء انعدام الأمن في أفريقيا، مع التشديد مجدداً على أن أي حل دائم يعيق توسع تنظيم "داعش" في هذه القارة سوف يعتمد بالأساس على السلطات الوطنية، فضلاً عن الجهود والمبادرات الإقليمية وشبه الإقليمية، التي تعترف بدوافع الصراع السياسية والاقتصادية وتتصدى لها.

وفي إشارة من دون تسمية إلى نشاط شركة "فاغنر" الروسية شبه العسكرية أخيراً في القارة، ذكر البيان أن الوزراء لاحظوا "بقلق نشر قوات من قبل شركات عسكرية خاصة مزعومة في الوقت الراهن بمنطقة الساحل، ما قد يزعزع الاستقرار ويزيد من هشاشة البلدان الأفريقية ويمهد الطريق لتنظيم داعش والمنظمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة الأخرى في نهاية المطاف".

وتقول علام إن سياسات مكافحة الإرهاب في القارة سوف تتأثر سلبياً بالاستقطاب الراهن بين روسيا والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا، حال التمادي في استغلال الجانبين للمنطقة كساحة خلفية لتصفية الحسابات.

كما ذكر الوزراء أن هزيمة تنظيم "داعش" سيقودها المدنيون في الدول الأفريقية الأعضاء، تماشياً مع مبادئ تولّي مقاليد الأمور على الصعيد الوطني، ووفقاً للحاجات الخاصة لهذه الدول الأعضاء. ورحّب التحالف بانضمام بنين إليه، ما رفع عدد الدول الأعضاء إلى 85 عضواً.

المزيد من متابعات