Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فضيحة مدوية"... مراهق سوري توفي في انتظار توطينه في بريطانيا

توفي فراس، 13 سنة، الذي كان يعاني الشلل الدماغي، في فبراير بعد أربع سنوات من تلقيه وعائلته وعداً بالانتقال إلى المملكة المتحدة في إطار برنامج إعادة التوطين

حنان برفقة ابنها فراس (بيل ترو)

يتعرض اللاجئون الأكثر ضعفاً، ومن بينهم الأطفال المعوقون، الذين أخذوا الموافقة على إعادة توطينهم في المملكة المتحدة من الشرق الأوسط، لمصير الموت، خلال سنوات انتظارهم الطويلة إلى أن ينقلوا إلى مكان آخر.

وفقاً للأمم المتحدة، ما يزال أكثر من ألفي لاجئ حاصلين على الموافقة في برنامج إعادة التوطين في المملكة المتحدة ينتظرون انتقالهم إليها. مر على بعضهم سنوات وهم على هذا الحال.

اطلعت "اندبندنت" على عدة حالات لأشخاص كانوا ينتظرون، إما وافتهم المنية وإما ما زال خطر الموت محدقاً بهم، لأن أوقات الانتظار طويلة جداً، بالإضافة إلى الظروف المروعة التي أجبروا على العيش فيها.

في فبراير (شباط) الماضي، توفي في بيروت الطفل اللاجئ السوري فراس البالغ من العمر 13 سنة، الذي كان بانتظار إعادة التوطين منذ عام 2018، بعد أن حذرت عائلته من عدم قدرتها على تحمل تكاليف رعايته الطبية أو الطعام أو الملابس الشتوية أو الكهرباء لتدفئة منزلهم.

أثارت "اندبندنت" قضية هذا الطفل مراراً بين القضايا التي طرحتها على وزارة الداخلية، وهو ما فعله أيضاً مكتب محاماة بريطاني يمثل اللاجئين. ورفضت وزارة الداخلية التعليق على ذلك حتى الآن.

تأتي أنباء وفاة فراس، التي اعتبرها النواب "فضيحة مدوية"، في الوقت الذي تواجه فيه المملكة المتحدة انتقادات متزايدة بسبب محاولتها تكريس إصلاحات جديدة وجدلية حول اللجوء والهجرة في إطار القانون، وقد اعتبرت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان هذه الإصلاحات "عنصرية" ومخالفة لاتفاقية اللاجئين.

سوف يكون بمقدور الحكومة بموجب أحكام هذا القانون "نقل (طالبي اللجوء) إلى الخارج" عن طريق صفقة أبرمتها بالفعل مع رواندا في أفريقيا الوسطى. وسوف يجرم القانون كذلك أي شخص يختار طريقاً غير قانوني، من قبيل عبور القنال في زورق صغير لبلوغ المملكة المتحدة.

دافعت وزيرة الداخلية بريتي باتيل عن مشروع قانون الجنسية والحدود الذي طرحته، قائلة لمجلس العموم الأسبوع الماضي إن الحكومة سعت لتطبيق هذه التغييرات في محاولة منها لوقف تهريب البشر بهدف "استحداث طرق آمنة وقانونية للنساء والأطفال والعائلات".

لكن التأخيرات المزمنة في إرساء هذه "الطرق الآمنة والقانونية" تركت أضعف الناس في العالم يدبرون شؤونهم بأنفسهم، وقد ترتبت على هذا الوضع تبعات وخيمة بعض الأحيان.

يقول عمر، والد فراس لـ"اندبندنت" في بيروت "أنا غارق في يأس مطلق. أشعر بخيبة أمل كبيرة بعد كل ما حدث معي ومع عائلتي. فقدت بوفاة فراس جزءاً من قلبي". حصلت العائلة على الموافقة لكي يعاد توطينها في عام 2018 ولكنها ما تزال بعد أربع سنوات من ذلك تنتظر أخباراً بشأن انتقالها على الرغم من أن فراس توفي خلال تلك الإجراءات.

وفقاً لتقارير طبية اطلعت عليها "اندبندنت" في 10 فبراير 2022، أدخل فراس الذي كان يعاني شللاً دماغياً إلى المستشفى في بيروت عندما تورم خده الأيمن، وتطور وضعه فأصيب بضيق في التنفس وبعد ذلك بالتهاب رئوي. توفي بعد أقل من أسبوعين بعدها.

يعزو عمر وفاة فراس إلى الأوضاع المتردية التي اضطر إلى العيش فيها. هربت العائلة من القصف الشرس في سوريا باتجاه لبنان الذي يعاني إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث. منذ عام 2020، فقدت العملة اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها فارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني. واضطرت الحكومة المفلسة إلى رفع الدعم الضخم الذي كانت تقدمه، مما يعني بأن أسعار الأدوية تضاعفت خمس مرات في ظل شح معظم الموارد. ولا تحصل الأسر على أكثر من ساعتين يومياً من الكهرباء.

وهذا يعني بأن عمر، العاجز عن إيجاد عمل، لم يتمكن من دفع كامل تكاليف علاج فراس الطبي ولا تأمين الغذاء المناسب له. ويقول بأن العائلة تعيش حالياً على كيس من البطاطا لأن كل الأطعمة الأخرى نفدت، وأصبحت على وشك أن تطرد لأنها عاجزة عن دفع بدل الإيجار.

يقلق عمر كذلك على مصير ابنته بتول، 12 سنة، المصابة هي الأخرى بالشلل الدماغي وتحتاج إلى دواء لا يمكنه دفع ثمنه كلياً. ويقول بيأس "لا يمكنني إيجاد الدواء وأنا بلا عمل كذلك. لا أفهم سبب كل هذا التأخير- لماذا هذا التأجيل في حالة عائلة لا يمكنها حتى تأمين قوتها اليومي؟".

"أرجوكم، أنا وعائلتي تعبنا من الانتظار. لقد أنهكنا الانتظار، وبتول بحاجة إلى العلاج والرعاية بسرعة، أرجوكم...". يبدو أن الإقامة تأمنت في المملكة المتحدة بعد طول انتظار لعائلة عمر، ولكن ليس قبل وفاة فراس. ومع ذلك، لم يتحدد موعد نقلهم بعد.

علمت "اندبندنت" كذلك عن حالات أخرى توفي فيها أفراد عائلات وعدت بإعادة توطينها أثناء انتظارهم. تنتظر سارة، وهي سيدة سورية كردية تبلغ من العمر 36 سنة منذ عام 2020 لكي يعاد توطينها، وهي معرضة لخطر الانتحار.

سارة معاقة وتعاني آلاماً مزمنة وتحتاج إلى كرسي متحرك لا تستطيع الحصول عليه في كردستان العراقية، حيث تعيش وحيث الرعاية الطبية غير مناسبة. وتقول "لا يمكنني السير جيداً. أحتاج إلى كرسي متحرك، وهو ما لا أملكه بالطبع. ألازم السرير معظم الوقت، وبالكاد أتحرك. لا يمكنني تحمل هذا الوضع أكثر. ليس لديَّ أمل ولا مستقبل ولا عمل. حياتي مرهونة بسفري إلى بريطانيا. لقد بلغت هذه الدرجة من اليأس".

تقول هانا باينز، من مكتب محاماة دنكن لويس، الذي يمثل عمر وسارة، إن حالتيهما لا تشكلان استثناء. هذا العام، مثل مكتب دنكن لويس 27 عائلة سورية مقيمة في لبنان وشمال العراق والأردن وتركيا، تنتظر نقلها بعد حصولها على الموافقة بإعادة التوطين منذ سنوات.

وتضيف السيدة باينز بأنها تعلم بوفاة لاجئين آخرين أثناء انتظارهم النقل، وتخشى ألا يكون هذا سوى "غيض من فيض". إنما لا يمكنها إعطاء تفاصيل محددة عن الحالات الأخرى لأسباب قانونية.

ما يقلق مكتب المحاماة هو ألا تكون وزارة الداخلية قد أدركت تماماً كم أن وضع عمر ملح، وكم أن سارة يائسة. وتشرح السيدة باينز "يزداد قلقنا من خطر إقدام سارة على الانتحار، فيما يتدهور وضعها النفسي ويشتد يأسها خلال فترة الضبابية [المجهول] وعدم اليقين المحيطة بانتقالها إلى المملكة المتحدة".

طلبت "اندبندنت" تعليقاً من وزارة الداخلية عدة مرات بشأن التأخير في حالات إعادة التوطين، وقد أثارت معها قضايا عمر وفراس وسارة تحديداً، بما في ذلك إعلام وزارة الداخلية بوفاة فراس. رفض المسؤولون في الوزارة التعليق على الموضوع، لافتين إلى أنهم لا يتحدثون عن حالات فردية ولكنهم أقروا بأن "إيجاد المكان المناسب الذي يلبي الحاجات المحددة للعائلات الضعيفة يتطلب وقتاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصر ناطق باسم الوزارة على أن المملكة المتحدة "لديها تاريخ طويل من دعم اللاجئين الذين يحتاجون إلى الحماية".

وأضاف "منذ عام 2015، أعدنا توطين أكثر من 26 ألف لاجئ عبر طرق آمنة وقانونية، مباشرة من مناطق نزاع واضطراب- أي أكثر من أي دولة أوروبية أخرى. عندما تقبل سلطة محلية باستقبال عائلة، تجري ترتيبات وصولها إلى المملكة المتحدة بأسرع وقت ممكن".

"سوف تصلح خطتنا الجديدة بشأن الهجرة نظام اللجوء غير الناجح بحيث يصبح عادلاً ولكنه صارم، فيساعد من هم بحاجة فعلية إليه عبر طرق آمنة وقانونية، فيما يوقف من يستغلون النظام".

ولكن الخطة الجديدة أثارت غضب النواب الذين يزداد شعورهم بالقلق منها.

 

صرح ستيوارت سي ماكدونالد، النائب عن الحزب الاسكتلندي الوطني لـ"اندبندنت" بقوله إنها "فضيحة مدوية" أن تكون عائلة عمر ما تزال بانتظار نقلها حتى بعد وفاة فراس.

وأضاف "هذا برهان على أن [توفر] (طريق آمنة وقانونية) في صلب خطة الهجرة الجديدة لهو أمر بعيد كل البعد من الحقيقة، إن كانت بريتي باتيل عاجزة عن الوفاء بوعودها وتوفير أكثر من الأماكن القليلة المتاحة حتى الآن".

ومن جهته، اعتبر النائب عن حزب المحافظين، ديفيد سيموندز حالة فراس "صادمة" وقال "على وزارة الداخلية أن تساعد هؤلاء الناس بأسرع وقت ممكن".

تعهدت خطة إعادة توطين الأشخاص المستضعفين في المملكة المتحدة التي انتهى العمل بها في مارس (آذار) من العام الماضي، باستقبال 20 ألف لاجئ من سوريا بين 2015 و2020. وقد استبدلت في فبراير الماضي بخطة إعادة التوطين البريطانية التي تعهدت بداية بإعادة توطين خمسة آلاف لاجئ من دول مثل سوريا وأفغانستان والسودان خلال السنة الأولى.

ولكن وزارة الداخلية ألغت هذا الهدف وقالت إن الأرقام "ستكون قيد المراجعة" بدلاً من ذلك، مما تسبب بقلق في أوساط المنظمات الخيرية والنواب ومنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). تظهر الأرقام الرسمية بأن 1131 شخصاً فقط منحوا الحماية عن طريق برامج إعادة التوطين بين مارس وديسمبر (كانون الأول) 2021.

كما صوتت الحكومة لرفض تعديل على مشروع قانون طرحه مجلس اللوردات بشأن وضع خطة إعادة توطين عالمية تتعهد باستقبال عشرة آلاف شخص كل عام، وإيصالهم إلى بر الأمان. كما رفضت نسخة مخففة عن هذا التعديل تقضي بالالتزام بهدف محدد بالأرقام في موضوع إعادة التوطين، داخل مجلس العموم هذا الشهر.

تزداد المخاوف حالياً من التغييرات المقترحة التي يتضمنها مشروع قانون الجنسية والحدود الجديد الذي طرحته السيدة باتيل، إذ يعبر النواب لـ"اندبندنت" عن قلقهم من عدم حصول اللاجئين الذين سيرسلون إلى رواندا على الحماية المناسبة.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الأسبوع الماضي إن مشروع القانون الجديد "سيضعف حماية اللاجئين بشكل جذري" وقد يحرم اللاجئين من حقهم بطلب اللجوء في المملكة المتحدة.

فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة عنصرية، وقالت إنها "تدمر اتفاقية اللاجئين" بما معناه أن المملكة المتحدة "تخلت بصورة مخزية عن المسؤولية التي تدين بها للاجئين".

وقال السيد ماكدونالد لـ"اندبندنت" إن مشروع القانون الجديد يقلص بشكل كبير حقوق لم الشمل للعائلات، واعتبر أن خطة رواندا "رهيبة إلى أبعد الحدود". وأضاف "إنها تشكل انتهاكاً كاملاً لاتفاقية اللاجئين. وسوف تكلف مبلغاً هائلاً من المال إن جرى تنفيذها، وتقوض النظم العالمية لحماية اللاجئين".

أما السيد سيموندز، الذي قال بأنه "يدعم بالمبدأ" القانون الضروري لمنع تهريب البشر، فقد أضاف بأن الحكومة لم تخصص الموارد الكافية لإنجاحه.

وتابع بقوله "على الحكومة أن تستثمر بشكل كبير في تعزيز قدرات معالجة الحالات. فالعملية تستغرق وقتاً طويلاً جداً. لو كنا نريد أن نبرهن حزمنا في إدارة حدودنا، علينا إذن أن نكون قادرين على اتخاذ القرارات وهذه المسألة تستهلك وقتاً أطول من المعقول في الفترة الراهنة".

يقول مكتب دنكن لويس للمحاماة إن المشكلة تكمن في كون نظام إعادة التوطين مكبلاً بالتأخير والبيروقراطية، وهو يعتمد اعتماداً كبيراً على السلطات المحلية لكي تجد وتؤمن المسكن والدعم للعائلات القادمة إلى المملكة المتحدة.

وتضيف السيدة باينز "هذه هي (الطرق الآمنة والقانونية) التي يريد مشروع قانون الجنسية والحدود تأييدها. ولكن وفاة فراس أوضحت بأنها أبعد ما تكون عن الأمان، بل إن فترة التأخير غير المنطقية تضع اللاجئين المستضعفين في مواقع محفوفة بالخطر وغير قابلة للاستمرار".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات