Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشريع "نوبك" الأميركي... من يشعل النار في أسواق النفط؟

فشلت نسخ سابقة منه في الكونغرس على مدار أكثر من عقدين والتخوفات تتصاعد من تداعياته وعواقبه المرتقبة

قانون "نوبك" يثير الجدل مجددا في الكونغرس    (أ ف ب)

على مدى 22 عاماً، لم ينجح ساسة الولايات المتحدة في إقرار قانون "نوبك" المثير للجدل، والآن عاد القانون إلى الواجهة في محاولة للضغط على "منظمة البلدان المصدرة للبترول" (أوبك) وشركائها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار لتنسيق خفض الإمدادات بما يرفع أسعار النفط العالمية، التي أشعلتها الحرب الروسية الأوكرانية إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عاماً.

لكن وبحسب ما يراه متخصصون ومحللون نفطيون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية"، "فإن إقرار لجنة في مجلس الشيوخ لمشروع قانون نوبك يعتبر مناورة سياسية، تهدف إلى تهدئة الأوضاع في الشارع الأميركي بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة"، مضيفين أن "تداعياته السلبية ستطاول قطاعات اقتصادية أخرى في الولايات المتحدة بما في ذلك قطاع النفط والغاز".

وأقرّت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، الخميس الماضي، مشروع قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" المعروف اختصاراً باسم "نوبك" لحماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت التدفئة. 

جاء التصويت على القانون بعد ساعات فقط من رفض منظمة "أوبك" وشركائها في التحالف المعروف بـ"أوبك+" مرة أخرى طلبات الغرب والتشبث بخطط زيادة متواضعة في الإنتاج خلال يونيو (حزيران) المقبل قدرها 432 ألف برميل يومياً.

وكانت أسعار النفط قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008 في وقت سابق من العام بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، وظلت أعلى من 100 دولار للبرميل وسط مخاوف من أن يؤدي الصراع إلى استمرار شح الإمدادات في سوق الخام العالمية التي تعاني بالفعل ضغوطاً.

أداة أخرى 

ونشرت اللجنة القضائية التابعة للكونغرس الأميركي في بيان على موقعها الرسمي، "سيسمح نوبك لوزارة العدل بمحاسبة أوبك وشركائها على أنشطتهم المانعة للمنافسة. الأهم من ذلك، أن التشريع يسمح فقط لوزارة العدل برفع دعوى ضد منظمة أوبك وأعضائها. إنه يمنح المدعي العام أداة أخرى في صندوق الأدوات لملاحقة منتهكي مكافحة الاحتكار، بينما لا يزال يسمح للإدارة بموازنة تداعيات السياسة الخارجية"، مضيفة، "يشعر الأميركيون بالألم عند مضخة الوقود مع ارتفاع الأسعار القياسية، بينما تستفيد روسيا وفنزويلا وإيران ودول معادية أخرى". 

ما هو مشروع قانون "نوبك"؟ 

ومن شأن "نوبك" المقدم من الحزبين الرئيسين، تغيير قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي "أوبك" وشركات النفط الحكومية في دولها الأعضاء منذ فترة طويلة، من الدعاوى القضائية.

وإذا أصبح "نوبك" قانوناً سارياً، سيكون بمقدور المدعي العام الأميركي مقاضاة "أوبك" أو أعضائها أمام محكمة اتحادية، كما سيمكنه كذلك مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع "أوبك"، يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات في إطار ما يُعرف باسم مجموعة "أوبك+". 

ولم يتضح كيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكام قضائية لمكافحة الاحتكار على دولة أجنبية. لكن عدداً من المحاولات لسن قانون "نوبك" أثارت قلق دول منتجة كبرى انتظاراً للتطورات.

وبعد أن أقرّت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ أحدث نسخة من مشروع القانون، الخميس، بتأييد 17 عضواً مقابل رفض أربعة، يتعين إقراره من قبل مجلسي الشيوخ والنواب، ثم يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانوناً سارياً.  

ولازم الفشل "نوبك" في الكونغرس على مدى أكثر من عقدين، ففي 2007، وقفت له إدارة جورج دبليو بوش بالمرصاد، وفي عهد دونالد ترمب تعثر القانون مرة أخرى. ومع ذلك، يقول مؤيدوه إن "المشروع قد يرى النور أخيراً هذا العام بسبب أفعال روسيا التي كانت تنتج أخيراً نحو 10 في المئة من نفط العالم". 

تداعيات مرتقبة

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن "الإدارة الأميركية لديها مخاوف من التداعيات المحتملة والعواقب غير المقصودة للتشريع، لا سيما في ظل أزمة أوكرانيا". وأضافت أن "البيت الأبيض يدرس مشروع القانون".

وفشلت نسخ سابقة من مشروع قانون "نوبك" في الكونغرس على مدار أكثر من عقدين بسبب مقاومة مجموعات داخل قطاع الطاقة الأميركي مثل معهد البترول، لكن الغضب تنامى في الفترة الأخيرة داخل الكونغرس من ارتفاع أسعار البنزين الذي أسهم في وصول التضخم إلى أعلى مستوياته في عقود، ما يزيد من فرص نجاح سن القانون هذه المرة.

ولطالما تجاهلت "أوبك" مطالب الولايات المتحدة وحلفائها بزيادة ضخ النفط بأكثر من الزيادة التدريجية التي تطبقها المنظمة، في ظل ارتفاع الأسعار الشديد مع خروج المستهلكين على مستوى العالم من قيود جائحة كورونا وهجوم روسيا على أوكرانيا.

تحرك سياسي وليس اقتصادياً  

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي إن إقرار مجلس الشيوخ لمشروع قانون "نوبك" هو تحرك سياسي، من الدرجة الأولى، لتهدئة الأوضاع في الشارع الأميركي بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة"، مضيفاً أن "تلك الخطوة ليس لها منطق اقتصادي وتهدف في الأساس إلى إلقاء اللوم على دول أوبك وليس تحمّل مسؤولية فشل القوانين والسياسات الأميركية في تأمين إمدادات بديلة من الطاقة وفك اعتماد واشنطن على استيراد الخام من دول المنظمة".

وأردف أن "أهم ما يؤخذ على القانون أن أوبك تحدد الأسعار وهذا مخالف للقوانين الرأسمالية، فالأسواق هي التي تحدد الأسعار، وليس عن طريق زيادة أو خفض الإنتاج"، موضحاً أنه "في حال استمرار الارتفاع الحاد في الأسعار وتأثيره في الاقتصاد الأميركي، سيضغط مجلس الشيوخ على أوبك لرفع الإنتاج وفي حال لم يستطِع ذلك، سيلقي اللوم على المنظمة وليس على سياسته".

تأثير محدود 

ويتفق معه في الرأي المتخصص في الشؤون النفطية خالد بودي بقوله، "في تصوري، تأثير هذا القانون سيكون محدوداً، فالأسعار تحددها السوق ولا تحددها أوبك، وكمية الإنتاج لا يمكن لوم المنظمة على تحديدها باعتبارها منظمة مستقلة لا تخضع لأي دولة وهي وأعضاؤها لهم كامل الحرية في عملية اتخاذ القرار".

وأضاف بودي أن "الارتفاع الحالي في الأسعار ليس بسبب أوبك بل بسبب الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا. فقبل الحرب، كانت الأسعار أقل من 80 دولاراً للبرميل، علماً أن إدارة بايدن تعارض هدا القانون خشية تعرّض الشركات الأميركية التي تعمل في دول أوبك لبعض العراقيل من دول المنظمة، رداً على إصدار هذا القانون. وسبق إقرار قانون مماثل عام 2007 ولكن الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش استخدم حق الفيتو وأسقطه وقد يكون التشريع الحالي عرضة للرفض من قبل الإدارات المتعاقبة أيضاً".

وزاد بودي، "يؤثر القانون في شركات النفط الأميركية داخل الولايات المتحدة فقط في حال صدور أحكام ضد أوبك وتراجع الأسعار، وهنا تتأثر الشركات الأميركية داخل الولايات المتحدة وهذا أمر بعيد الاحتمال". 

وأردف، "أعتقد أن أوبك قد تتخذ إجراءات في المقابل ضد الشركات الأميركية العاملة في مناطقها فقط إذا صدرت أحكام لصالح الإدارة، وهذا الأمر لو حدث، فإنه قد لا يحصل قبل 10 أعوام من الآن بسبب طول الإجراءات القضائية ومراحل استئناف الأحكام في الولايات المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة  

وبدوره، قال المستشار الاقتصادي الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية، ومقره الرياض، علي بوخمسين، إن "الإسراع في سن القانون قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة نفسها ذات شقين، أحدهما داخلي والآخر خارجي بحيث يضع صناعة النفط وشركات الطاقة المحلية، خصوصاً المنتجة للنفط الصخري في دائرة الخطر، إذا ضغط على أعضاء أوبك لإغراق الأسواق العالمية بالخام، لأن بعض تلك الدول تنتجه بطريقة أسهل في الاستخراج وبتكلفة أقل بكثير من الشركات الأميركية".

وتابع بوخمسين، "إضافة إلى ذلك، يمكن للدول المنتجة للخام، التي تقع تحت طائلة القانون أن تقلص الاستثمارات الأميركية فيها، أو ترفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة، ما يقوّض الهدف الأساس من سن القانون الذي يبدو في ظاهره كأنه يخدم مصالح المستهلك الأميركي، ولكن آثاره السلبية قد تمتد إلى قطاعات اقتصادية أخرى وستطاول تداعياته السلبية التعافي الاقتصادي الأميركي والوظائف أيضاً".

وأشار إلى أن "القانون ما زال يحظى بمعارضة شديدة من لوبي البترول الأميركي (معهد البترول) وغيره من المنظمات التي عارضته، نظراً إلى استفادتها من تقييد أوبك إنتاجها والحفاظ على الأسعار مرتفعة، فيما قد يعرّض تطبيقه منتجي النفط والغاز في الداخل لنتائج سلبية قد تصل إلى حد الإفلاس وعدم استقرار إمدادات النفط في الولايات المتحدة مع عودتها إلى الدائرة السابقة تحت رحمة أوبك وخسارة ما حققته من التأثير في الأسواق النفطية".

ورداً على سؤال عن رد فعل "أوبك" في حال بدء تنفيذ القانون، قال بوخمسين "بطبيعة الحال ستكون هناك ردود فعل كثيرة ومروحة واسعة من الخيارات لدول المنظمة ذات السيادة، التي ستبحث عن مصالحها ضمن الأطر القانونية الدولية عبر اتخاذ قرارات عدة تمتد لتشمل إفراغ هذا القرار من محتواه الفعلي عبر زيادة الإنتاج، بالتالي إغراق الأسواق العالمية وانحسار وتراجع في الأسعار، ما قد يؤدي إلى خروج شركات النفط الأميركية من الصورة". 

وأوضح أن "أحد السيناريوهات المتوقعة هو بيع النفط بعملات محلية غير الدولار بحسب الدول المصدرة لها على سبيل المثال باليوان الصيني، وهذا يعني تآكل هيمنة العملة الأميركية، ما يشكل ضربة قاسية لأكبر اقتصاد في العالم ويقوّض وضع الدولار كعملة احتياط رئيسة، ما يخفض نفوذ واشنطن على التجارة العالمية ويضعف قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى".

وأضاف بوخمسين أن "هناك خياراً آخر ينبع من طبيعة قانون نوبك نفسه، إذ إن سحب الحصانة السيادية من الدول المصدرة أو التكتلات النفطية قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكانية أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات صناعية أو تكنولوجية أو زراعية، على سبيل المثال تطبيقها من باب المساواة أو المعاملة بالمثل".

ويرى أن "فتح النقاش لإصدار قانون نوبك هو لعب بالنار من قبل الإدارة الأميركية يأتي بمثابة إلقاء قنبلة يدوية على أسواق الطاقة العالمية، كما عبّر عن ذلك أحد محللي أسواق الطاقة العاملين لدى وكالة الاستخبارات الأميركية بجانب ذلك، فإن الحديث الآن ليس في مجال استقرار إمدادات النفط، بل في تأمين استقرار الطلب العالمي وتأثيراته في الأسعار، وهذا هو ما تتحمله منظمة أوبك وبالذات أكبر هذه الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية، التي تستطيع بموجب معطيات نوبك أن تتخذ إجراءات حمائية أيضاً لصالحها، تتمثل في حماية أسعار النفط من الانهيار الذي قد يواجهها في أي لحظة كما حدث خلال جائحة كورونا وما نتج منها من كساد اقتصادي عالمي".

وألمح إلى ضرورة الإشارة إلى أن "السعودية هي من قادت الجهود الدولية سابقاً لمكافحة قانون نوبك ونجحت في فرملة إصدار هذا القرار مراراً، وكان آخرها عام 2019 عندما لفتت إلى الأهمية الاستراتيجية للبترودولار وأثره في تعزيز هيمنة الاقتصاد الأميركي، الأمر الذي غيّر مسار اتخاذ هذا القرار وخبّأ الحديث عنه تماماً، وهذا الأمر الآن  مفتوح على مصراعيه ولا شك في أن إدارة بايدن الحالية لمست الإصرار السعودي على الحفاظ على استمرار اتفاقية أوبك+ والتزامها التام بها للحفاظ على ما يخدم استقرار إمدادات الطاقة في الأسواق العالمية".

صعوبة تقبل الضغوط  

ويرى رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة "أوراسيا" لاستشارات المخاطر أيهم كامل أنه من الصعب على منظمة "أوبك" والسعودية على وجه الخصوص تقبّل الضغوط الأميركية في حال تشريع "نوبك". 

وقال كامل إنه "على مدار العقود الماضية، حاولت السعودية عبر منظمة أوبك مراعاة مصالح شركات الطاقة الأميركية"، متوقعاً أن "تعمل المنظمة على محاولة امتصاص الضغط، بما أن توقيع الرئيس جو بايدن على نوبك غير مرجح حتى الآن".

معارضة قطاع النفط الأميركي 

وأبدى معهد البترول الأميركي، وهو أكبر تكتل في قطاع صناعة النفط في الولايات المتحدة، اعتراضه على مشروع قانون "نوبك"، قائلاّ إنه "قد يضرّ بمنتجي النفط والغاز في الداخل".

ومن مخاوف القطاع أن يؤدي مشروع قانون "نوبك" في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج "أوبك" عن حاجة السوق، ما ربما يخفض الأسعار إلى درجة تجد معها شركات الطاقة الأميركية صعوبة في تعزيز الإنتاج. ولدى السعودية ودول أخرى من أعضاء "أوبك" بعض من أرخص الاحتياطيات النفطية وأسهلها في الاستخراج.

وقالت مجموعة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" البحثية في مذكرة نشرتها وكالة "رويترز" إن "أي ضخ إضافي للنفط من منتجي أوبك، حتى في وقت تهيمن عليه المخاوف من نقص إمدادات روسيا، قد يجمد أنشطة الحفر في الولايات المتحدة، ما قد يعرّض للخطر أمن الطاقة المحلي وكذلك انتعاش الاقتصاد الأميركي". 

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز