عاد الحديث عن إمكانية تدخل الجزائر عسكرياً في منطقة الساحل من عدمه إلى الواجهة، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية وإعلان مالي إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا، لا سيما مع توالي التحذيرات، سواء الصادرة عن الرئاسة الجزائرية، أو مؤسسة الجيش، من مؤامرة تُحاك ضد أمن واستقرار البلاد.
اعتراف أممي وجهود جزائرية
وجاء تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ليبرر مخاوف الجزائر مما يحدث في دول الساحل من تهلهل الوضع على كل المستويات، وبخاصة أمنياً بعد تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية، إذ قال لدى وصوله إلى عاصمة النيجر، نيامي، منذ أيام، إن عدد الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقية مستمر في الازدياد. وأضاف أنه "يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن الإرهاب ليس مجرد قضية إقليمية أو أفريقية، ولكنه قضية تهدد العالم بأسره"، مشدداً عقب لقائه رئيس النيجر، محمد بازوم، على أن "السلام والاستقرار والازدهار في النيجر وعبر منطقة الساحل لا يزال يمثل أولوية مطلقة للأمم المتحدة".
وبلغت أحداث العنف المبلغ عنها في منطقة الساحل خلال عام 2021، ألفين وخمسة اعتداءات، بعد أن كانت 1180 في عام 2020، وفق إحصائيات مشروع بيانات النزاعات المسلحة "أسليد"، التي أشارت إلى أن المواجهات بين القوات النظامية وجماعات "القاعدة" زادت بنسبة 50 في المئة خلال عام 2021، مقارنةً مع عام 2020، في حين أعاد تنظيم "داعش" تموضعه في المنطقة، وهو يسعى إلى ترتيب صفوفه خلال عام 2022، بعد مقتل قائده في الصحراء الكبرى، أبو الوليد الصحراوي.
وعملت الجزائر بقوة على مواجهة التهديدات القادمة من منطقة الساحل منذ عام 2009، فبادرت إلى تنظم اللقاءات وإبرام المعاهدات الأمنية المشتركة مع دول المنطقة، وأبرزها موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد، لكن تبين مع مرور السنوات أن أي مقاربة أمنية لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الإقليمي لن تكون ذات جدوى، بسبب أن أغلب دول الساحل "رخوة" أمنياً وتعيش أوضاعاً هشة مع حدود مفتوحة وفضاء قابل للاختراق، وما زاد من المخاوف القبول المحلي لتنظيم "داعش" بعد أن كان الأمر يتعلق بتنظيم "القاعدة" فقط، إذ تولى زعامة التنظيمات الإرهابية في ظرف قصير مع بيعة معلنة من أكثر من 70 سرية أفريقية و10 تنظيمات و112 كتيبة مسلحة.
تعدد الفاعلين الدوليين
ويبدو أن تعدد الفاعلين الدوليين في الساحل من شأنه التأثير على صنع القرار في دول المنطقة وتعقيد الوضع أكثر، حيث إن الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا، قد يؤخر إتمام الاتفاق مع مالي بشأن نشر عناصر شركة "فاغنر" الأمنية الروسية، لكن دون عرقلة انخراط موسكو في منطقة الساحل، كما أن فرنسا لا تزال تسعى لتعزيز موقعها في المنطقة عبر الدفع باتجاه نقل تمركزها العسكري إلى النيجر وموريتانيا، إضافة إلى انعكاس تعزيز نيجيريا تعاونها مع الولايات المتحدة من خلال صفقات أسلحة متعددة، وبخاصة بعد مطالبة الرئيس النيجيري محمد بخاري نظيره الأميركي جو بايدن بنقل مقر قيادة القوات الأميركية "أفريكوم" إلى القارة الأفريقية، بدلاً من مقرها الحالي في شتوتغارت بألمانيا، وهي الخطوة التي رفضتها الجزائر من قبل، ولا تزال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما يزيد الوضع تعقيداً إعلان الحكومة المالية إلغاء الاتفاقيات الدفاعية الموقعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، وشجبت ما وصفته بالانتهاكات الصارخة من قبل القوات الفرنسية الموجودة في البلاد للسيادة الوطنية، وخروقاتها الكثيرة للمجال الجوي المالي. وأوضح المتحدث باسم الحكومة المالية عبد الله مايغا، أن باماكو "تلمس منذ فترة تدهوراً كبيراً في التعاون العسكري مع فرنسا".
لا تدخل عسكرياً جزائرياً
في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، أن "الهجمات الإرهابية الحاصلة في الساحل تعانيها كل دول المنطقة، بما فيها دولة بنين على خليج غينيا، ما يستدعي تعاوناً كاملاً، ولعل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة أخيراً شكلت رسالة دعم من المجتمع الدولي". وقال كاهي بخصوص إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع الجانب الفرنسي، إن "النتيجة كانت متوقعة منذ انعدام الثقة بين الجانبين، بدءاً من تسيير المرحلة الانتقالية والانقلاب على الرئيس السابق باه نداو وحكومته، ثم الاتهام الخطير بدعم وتدريب الجماعات الإرهابية في الشمال، فضلاً عن المجزرة الجماعية في حق جنود ماليين في قاعدة عسكرية كانت تشرف عليها فرنسا وما تبعها من تبادل للاتهامات، واختراق الأجواء المالية دون إذن، وكذلك إطلاق سراح إرهابيين في صفقة تبادل أسرى، وغيرها من الممارسات والتصرفات، وصولاً إلى طرد السفير الفرنسي"، مشدداً على أنه "لا يمكن الحديث عن تعاون عسكري في ظل غياب الثقة".
وتابع كاهي، بخصوص تأثير توسع دائرة العنف على أمن بلاده، أن "الجزائر دولة مجاورة وتتأثر بشكل مباشر من تبعات الأزمة والنزاع، ولذلك تبذل قصارى جهدها لحلحلة الأزمة وتشجيع الماليين على الحوار للوصول إلى حل والخروج من الدوامة"، مضيفاً في ما يتعلق بتدخل الجزائر عسكرياً خارج حدودها، "لا ننسى أننا في منتظم دولي، وهناك قوانين ناظمة، والجزائر تحترم القانون الدولي، بل وتدعو الجميع لاحترامه، ومن هذا المنطلق في حال انهيار سلطة مركزية وانتشار الفوضى في إحدى الدول فالقانون الدولي يجيز للدولة المجاورة فرض منطقة عسكرية آمنة في حدود معينة". وأضاف أن "التدخل العسكري لا يكون إلا بعد موافقة البرلمان كما ينص الدستور، وأن يكون لخدمة الأهداف الوطنية، وعليه فالخيار ما زال مستبعداً"، مشيراً إلى أن "الجزائر تفضل الجهد الدبلوماسي لحل الأزمة المالية مع اتخاذ كل التدابير والإجراءات الأمنية العسكرية". وختم بالقول إن "الجزائر لن تقوم بأي دور وظيفي، ولن تحل محل أي قوات، ولن تعوضها، ولن تشترك في أي عمل عسكري يضر بدولة مجاورة أو أي دولة أخرى، لكنها تتحمل مسؤولياتها كاملة كقوة إقليمية وضامن لأمن المنطقة في إطار الشرعية الدولية".