Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطر شرقاوي وليس إسلاميا

كانت أوروبا تنام وتصحو تحت مفعول فوبيا الإسلام حتى استيقظت على الحرب الروسية

الرئيس الفرنسي وزوجته يحتفلان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية (أ ف ب)

في البدء كانت الحرب! عقب انتخابات فرنسا الرئاسية 2022، وحتى الساعة، اختلف الرأي العام الفرنسي ومحللون مهتمون، حول الانتخابات ونتائجها ودلالة ذلك. فقد اعتبر كثيرون أن فوز الرئيس ماكرون، لم يعنِ هزيمة مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، التي نجحت في الحصول على أكثر من 40 في المئة من الأصوات.

في هذه الأجواء، كنت أتابع الحرب الروسية في أوكرانيا، ما كانت لا شك الخلفية الدامية للانتخابات الفرنسية، والداعم الحاسم لنجاح ماكرون. وفي خضم هذا المشهد: تساءلت عن دوافع هذا النجاح للسيدة مارين لوبن، فغصت في مستنقع كهذا، لا مخرج منه لأحد حتى الساعة. فأوروبا في حرب، شررها في مطابخ بيوتنا!

أوروبا قارة حرب ومركز العالم، حقيقة دامغة، على الأقل منذ الثورة الفرنسية 1789 - 1799، بل وقبل بالتأكيد. وفرنسا مركز في القارة، قبل وبعد حروب الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت، فرنسا هذه غبّ الثورة، فنهاية حروب الجنرال، غدت الدولة المحتلة للجزائر 1830 - 1962!

وبالنسبة إلى العالم العربي، أوروبا - فرنسا مشكل ثنائي الوجه كما الإله الروماني جانوس، ما يمكن مطالعته منذ كتاب: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" للفقيه رفاعة الطهطاوي (1801- 1873)، ما عُدّ سفر فاتحة النهضة العربية الحديثة. وعندئذ كانت المسألة الشرقية، مسألة ملحة وشديدة الوطء، كما في قصائد شاعر فرنسا لامارتين، من مدح باشا مصر محمد علي، من دعمته فرنسا.

رواية "استسلام" فرنسا لحُكم إسلامي!

أوروبا باتت عجوزاً بعد قرنين ويزيد، اجتاحتها موجة الخوف من الآخر، ومن خلال فرنسا تمظهرت الموجة في أيديولوجيا "فوبيا الإسلام". فمنذ نهاية القرن العشرين، تمترست أوروبا خلف أسوار الخطر الإسلامي، ونتاج فكري وحتى أدبي وفني ركب الموجة. كالروائي ميشال ويلبيك من اشتهر بروايته "استسلام"، التي صدرت في يناير 2015، في طبعة أولى 150 ألف نسخة وتُرجمت إلى 40 لغة، وفي العربية صدرت عن منشورات الجمل، بترجمة الناقد والمترجم شكير نصير الدين.

والكاتب المثير للجدل ميشال ويلبيك، صدرت له ست روايات قبل "استسلام" التي فيها: الشخصية الرئيسة أستاذ الأدب فرانسوا، حقق شهرة في الأوساط المثقفة، بأطروحته حول الكاتب الفرنسي يوريس كارل هيسمانس. ويقدم ميشال ويلبيك الأستاذ فرانسوا على أنه يخاف من تدهور صحة جسده، فتراوده أفكار بالانتحار. وفي وقت فراغه، يلتقي بعدد قليل من معارفه المتبقين، إذ ليس لديه أصدقاء. كما أنه ينغمس في شرب الكحول بمكتبته. وتعد شخصية فرانسوا نمطية، توجد أيضاً في رواياته السابقة.

يسرد الكاتب تلك الوقائع على خلفية انتخابات رئاسية في فرنسا عام 2022، التي تُعتبر فيها الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبن، القوة السياسية المهيمنة في البلاد، فيما قوة الاشتراكيين والإخوان المسلمين متساوية شيئاً ما، في حين تعيش البلاد تراجعاً في الحقوق المدنية.

وتبدو فرنسا وكأنها لم تخرج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بعد فترة الولاية الثانية للرئيس فرانسوا هولاند. وللحيلولة دون وصول مارين لوبن إلى منصب الرئاسة، تقرر الأحزاب الليبرالية والاشتراكيون دعم المرشح الإسلامي المعتدل محمد بن عباس.

تتطور أحداث الرواية من فترة اتسمت بالسلم، إلى فترة تتسم بإسالة الدماء قبل الانتخابات، فتقع البلاد في دوامة حرب أهلية. (لعلنا نذكر أن ماكرون في المناظرة التلفزيونية، قد اتهم لوبن بأنها بما تطرحه تقدح شرر حرب أهلية، أو كما قال).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الرواية بعد الانتخابات، وفوز الحزب الإسلامي وزعيمه محمد بن عباس، يعود الهدوء من جديد، فتنخفض معدلات البطالة والجريمة، ويتم تقديم الدعم للزراعة والحرف كما تزدهر الشركات، غير أنه وجب على أصحاب الأعمال التجارية الكبيرة دفع جزية. ويتم إقصاء النساء من سوق العمل، ويعاد بناء النظام المدرسي والتعليمي، إضافة إلى تشجيع المراكز الإسلامية، كما تبقى الحرية الدينية قائمة.

وفي أحد مقاطع الرواية، يقول مدير المدرسة العليا التي يدرّس فيها الأستاذ فرانسوا: "إنه خضوع لم يتم من قبل التعبير عنه بهذه القوة الرائعة، الفكرة البسيطة تتجلى في أن قمة السعادة البشرية، تتمثل في الخضوع المطلق".

انتظروه من بوابة الإسلام فجاءهم بوتين!

لقد بدأت أوروبا وعلى رأسها فرنسا، تنام وتصحو تحت مفعول "فوبيا الإسلام"، وهذا ما استمرأته الآلة السياسية والإعلامية اليمينية على الخصوص، وكل مقاربة تعمل على توكيد هذا الخطر، ما حقنته أعمال إرهابية وعضدت مفعوله. ذلك خلال عقود، بالذات عقب الثورة الإيرانية التي خرج زعيمها الخميني، من حديقة في باريس إلى طهران، محفوفاً باحتفاء فرنسي، ومن مفكرين بارزين كميشال فوكو.

إذاً، مارين لوبن التي تحقق النجاح تلو الآخر، منذ انتخابات 2017 حتى انتخابات 2022، كانت من خمائرها تلك الفوبيا الأوروبية من الإسلام. كذا فإن أوروبا، التي حددت العدو في الخطر الإسلامي، كانت تتعايش مع وريث العدو السابق الاتحاد السوفياتي. وروسيا الوريث، شعبها موشوم بذاكرة هوية قلقة، فالإمبراطورية السابقة هويتها أن لا شرقية ولا غربية.

ومن هذا الثقل التاريخي للشعب الروسي، انبثق شبح الاتحاد السوفياتي القيصر فلاديمير بوتين، من أخذ يقضم على مهل أراضي جيرانه، في محاولة مستميتة لاستعادة إمبراطورية سوفياتية بائدة. بذا تكون أوروبا في حال: إلى الخلف در و"استسلام".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء