Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القراءة الحرة قدر العرب المؤجل والحافز على التقدم

بعيداً عن الأرقام التي تنشر في إحصائيات اليونيسكو لا بد من مواجهة قضية القارئ

القراءة أمام بسطات الكتب في الشارع (مواقع التواصل الإجتماعي)

ما برحت منظمة اليونيسكو تحتفل باليوم العالمي للكتاب متخطية فكرة اليوم الواحد ومحفزة الدول والشعوب على ممارسة فن القراءة. ومما لا شك فيه أن القراءة الحرة أو المطالعة باتت تشكل مظهراً فكرياً دالاً على تقدم الشعوب، وحرص أفرادها على الاستزادة من المعارف، طلباً للرقي الاجتماعي والانفتاح على الآخر المتمثل في الكتاب المقروء، وسعياً إلى الترفيه النافع.

وهنا، لا أقصد الكلام على القراءة التي يجبر عليها الطالب المتمرن، إذ يحمل على فك حروف النصوص المقروءة، وتلفظ الكلمات والعبارات والجمل، واستخلاص معانيها، والانتقال من ثم إلى الكتابة واستثمار معارفه في اكتساب المزيد من المهارات بغية النجاح في مراحل تعليمه كافة. وإنما أقصد القراءة الحرة التي يلجأ إليها كل امرئ، أياً يكن موقعه من الحياة، وأياً تكن مهنته، ومرتبته العلمية والاجتماعية، لجوءاً حراً، رغبة في المزيد من المعرفة وتوسيع الآفاق، وأملاً في تبديد المشاعر السلبية التي باتت من أهم المخاطر التي تواجه إنسان القرن الواحد والعشرين، مثل الوحدة، والمرض، والخيبة، وحزن الفقد، وضغط العمل المطرد، والجائحات على اختلافها، وآخرها كورونا وأخواتها، وتدهم صحته النفسية، وتهدد توازنه وحياته. وللعلم فإن هذا النوع من القراءة (الحرة) أو المطالعة، من شأنه أن يرسخ في القارئ المعارف، ويوسع آفاق التخيل عنده، ويقيه من أمراض ذهنية كثيرة، وفق ما بات يؤكده علماء النفس، وعلماء نفس التعلم والأعصاب، وغيرهم.

ثمة من يسأل: أين العرب من القراءة الحرة، وهل صحيح أن منسوب القراءة- المطالعة عندهم بلغ 6 دقائق في السنة في مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا وأميركا، وأن كل 20 طفلاً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة، في مقابل قراءة طفل بريطاني سبعة كتب، والأميركي أحد عشر كتاباً؟

كتاب واحد

 وهل هو أمر مثبت أن كتاباً واحداً يصدر في العالم العربي لكل من 12 ألف مواطن فيه، في مقابل صدور كتاب واحد لكل 500 مواطن إنجليزي، ولكل 900 مواطن ألماني؟ وغيرها من المقارنات التي تبين فداحة الأمر.

وللإجابة عن هذه النسب المزعومة، سطرت كثير من الدوريات والمجلات والصحف مقالات تستنكر فيها الواقع المزري الذي آل إليه القراء العرب، بل العرب جميعهم في ميدان القراءة الحرة، وتطلب المعرفة، والرغبة في الاستزادة منها، وأفاضوا في استخلاصاتهم المتشائمة في شأن الثقافة والإنتاج الفكري باللغة العربية. غير أن أغلب كتابها، والمستفظعين أحوال القراءة، لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث المعمق عن صحة هذا الادعاء أو ذاك، ولا جهد في التثبت من السياق الذي قيل فيه، أو من حدود احتماليته. إلى أن أقدمت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لست سنوات خلت، وبالتعاون مع المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة على إصدار "مؤشر القراءة العربي" الذي يستند فيه الباحثون إلى استبيان إلكتروني ضخم، شارك فيه أكثر من 148 ألف مواطن، بينهم 60680 طالباً، و87614 من شرائح اجتماعية مختلفة.

وقد بينت نتائج الاستبيان الحاصل بفضل نشاط المؤشر العربي وإحصاءاته أموراً في ما خص القراءة، تخالف المزاعم غير المبنية التي ذكرت آنفاً، وسبق أن اعتمدها البعض حجة دامغة على مستوى ثقافي متدن، وعلى ميل عارم إلى الجهل وعدم الاكتساب من القراءة!

وهذه النتائج أن منسوب القراءة الإجمالي لدى العرب، بحساب عدد ساعات القراءة سنوياً، تراوحت أرقامه بين 7،78 ساعة (في الصومال)، و63، 85 ساعة (في مصر). وبمعدل وسطي عند العرب بلغ 35، 24 ساعة سنوياً. وبناء على هذا، فإن ما سبق وروده حول الدقائق الست، لا يعدو كونه خرافة ينبغي استبعادها من توصيف القراءة عند العرب.

إحصائيات عربية

كما بينت إحصائيات المؤشر العربي أن المواطنين العرب، طلاباً ومهنيين يقرأون ما بين 10 كتب و28 كتاباً سنوياً، أي بمعدل يقارب 16 كتاباً في السنة. وهذا ما يخالف المزاعم السابقة التي سيقت حول قراءة عدد من المواطنين العرب كتاباً واحداً في السنة! وثمة إشارة هنا إلى بروز أولوية أخرى، لم تكن قائمة سابقاً، وهي تفوق القراءة الإلكترونية على القراءة الورقية في معدل: 19،45 ساعة قراءة إلكترونية، في مقابل 16ساعة قراءة ورقية، وهذا عائد إلى اكتساح تكنولوجيا المعلومات مجال النصوص المتداولة.  

وقد أشارت هذه الإحصائيات إلى أن ثمة 12 دولة عربية تجاوز المواطنون فيها الدرجة الوسطى في قراءة الكتب سنوياً، وهي على التوالي: لبنان، والمغرب، ومصر، وتونس، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والبحرين، وعمان. مع الإشارة إلى أن 14 في المئة من القراء العرب أبدوا ميلاً إلى إيثار قراءة الكتب الأجنبية على العربية (بالفرنسية والإنجليزية)، بمعدل يبلغ 10،9 كتب في السنة الواحدة.

إلى ذلك، تناول الاستبيان درجات الإتاحة داخل الأسرة العربية للقراءة بحسب المؤشر العربي (أي الإمكانيات التي توفرها الأسرة لأفرادها بغية تمكينهم من القراءة)، فبين أنها بلغت أعلى درجاتها في كل من: لبنان، ومصر، والمغرب، والإمارات، إذ تعدت 80 في المئة فيها، فيما تراوحت نسبة الإتاحة في كل من: الأردن، وتونس، وقطر، والبحرين، ما بين 70 و50 في المئة.

القراءة المهجورة

ما الذي يمكن استخلاصه من مؤشر القراءة العربي، بعد ست سنوات من إجرائه، وما آفاق القراءة الحرة أو المطالعة في العالم العربي؟ إن أول ما يمكن ملاحظته أن الشعوب العربية لم تهجر القراءة تماماً بخلاف ما شاع. ولئن باتت العديد من العوامل أشد قسوة على القراء العرب، من مثل غلاء سعر الكتب على نحو صادم (إذ يعادل سعر ثلاثة كتب في لبنان اليوم الحد الأدنى للأجور، على سبيل المثال)، وقلة جاذبية القراءة الورقية، وغياب الحوافز الرسمية لتوفير الكتب وتشجيع القراءة، فإن القراءة الحرة أثبتت رسوخها في وعي الإنسان العربي، بدليل مضاعفة تفاعله مع النصوص والمستندات المكتوبة والمتناقلة عبر الوسائط الإلكترونية، والورقية على حد سواء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإن صح أن كثيراً من المبادرات الرسمية والأهلية، في كل البلدان العربية، مطلوب إنجازها في سبيل تيسير القراءة وجعلها شأناً داخلاً في صميم تكوين المواطن الواعي والمنفتح والمنتج (من مثل دعم النشر، وتوفير المزيد من المكتبات العامة، وتشجيع المبادرات المحلية إلى الاحتفاء بالأدباء والشعراء، والعلماء، ومضاعفة المواقع الحاملة نصوصاً ذات قيمة، وغيرها) فإن منسوب القراءة في العالم العربي إلى ارتفاع كبير ومطرد.

وفي انتظار أن يقوم الباحثون وبالتعاون مع الدول التي استضافت معارض لدور النشر العربية على أراضيها، بدراسة الأثر الذي أحدثته جائحة كورونا على القراءة الحرة (سلباً أو إيجاباً)، في حين تضاعفت الحاجة إلى المطالعة في الغرب في خلال الجائحة 33 في المئة بأقل تقديرـ وتنوعت ميول القراء إلى القراءة، بحسب إحصاء أجرته النقابة الوطنية للنشر في فرنسا، عام 2020، يحسن بالمعنيين، في البلدان العربية، إعادة النظر بالقراءة الحرة (المطالعة) واعتبارها منجماً لا ينضب، وخزيناً من المعارف لا يقدر بثمن، كونه يغذي المواطن ويسهم في تكوينه على خير ما يبتغي بناة الأوطان، على أساس المعرفة والعلم والانفتاح والإبداع في كل شأن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة