Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قضية "الإجهاض" قد تحدد مصير انتخابات الكونغرس الأميركي

 رهانات على تنشيط القاعدة الشعبية للجمهوريين والديمقراطيين خلال الأشهر المقبلة

أدى تسريب رأي قضاة المحكمة العليا الأميركية في قضية منظورة، والذي أشار إلى أن المحكمة تتجه إلى إنهاء نصف قرن من حقوق الإجهاض في الولايات المتحدة، إلى عاصفة من الصراع الحزبي وتخوفات من أن يؤدي الحكم المتوقع نهاية يونيو (حزيران) المقبل، إلى قلب المعركة الانتخابية رأساً على عقب بعدما أصبحت القضية مركزية للديمقراطيين والجمهوريين في معركة انتخابات الكونغرس الأميركي المقررة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فلماذا ظلت قضية الإجهاض تحتل مركز الصدارة بشكل متكرر في السياسة الأميركية، على الرغم من أنها قضية هامشية في دول مثل كندا وبريطانيا، وكيف يمكن أن يستغلها الخصوم السياسيون في معركتهم الانتخابية، وهل يعني ذلك أن الرئيس السابق دونالد ترمب وعشرات الملايين من مؤيديه لا يزالون قوة سياسية قوية في الولايات المتحدة؟

خلاف متفجر باستمرار

على مدار الخمسين سنة الماضية، احتل الإجهاض مراراً مركز الصدارة في السياسة الأميركية، في حين أنه يقع على هامش السياسة في معظم الدول الغربية، بما في ذلك أقرب الدول للولايات المتحدة مثل كندا وبريطانيا، الأمر الذي يثير علامات استفهام كثيرة، غير أن هناك عوامل عدة أسهمت بشكل متكرر في إبقاء الإجهاض، قضية متفجرة باستمرار في أميركا، أولها يعود إلى الدور القوي للدين في الحياة الأميركية، وتنامي الدور السياسي للإنجيليين (نحو 25 في المئة) في السياسة الأميركية خلال العقود الأخيرة.
لكن هناك أدواراً أخرى لعبتها المؤسسات الوطنية وعلى رأسها المحكمة العليا الأميركية منذ عام 1973، حين أصدر قضاة المحكمة المعينين بأغلبية 7، وبينهم قضاة محافظون، ضد 2، حكماً كان مفاجئاً لكثيرين آنذاك، إذ فتح الباب واسعاً للإجهاض بناء على طلب الحامل، باعتبار أن الحق في الاختيار هو حق دستوري يضاف إلى الحق في الخصوصية، وألغى الحكم قوانين العديد من الولايات التي تحظر الإجهاض، معلناً أنه لا يمكن حظر الإجهاض قبل الوقت الذي يمكن للجنين أن يعيش فيه خارج الرحم، المعروف باسم "بقاء الجنين"، والذي تحدد بنحو 28 أسبوعاً عند صدور الحكم. وبسبب التحسينات في الطب، يقدر معظم الخبراء الآن "بقاء الجنين" بحوالى 23 أو 24 أسبوعاً.
كما لعبت أيضاً المؤسسات الطبية والحركات النسوية والنخب الحزبية أدواراً مختلفة يعود بعضها إلى النظام السياسي اللامركزي في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن تعيش الخلافات والقضايا وتثار مراراً وتكراراً، ومنذ ذلك الحين ظل رد فعل معارضي الإجهاض قوياً، واشتكوا من أن النخبة غير المنتخبة، اغتصبت سلطة الهيئات التشريعية المنتخبة ديمقراطياً. وطوال العقود الخمسة الماضية كانت القضية تقدم لكل من الجمهوريين أو الديمقراطيين فرصة سياسية، يكافح كلاهما لاستغلالها، نظراً للمشاعر العاطفية لقواعدهم الشعبية.

قضية رأي عام معقدة

وتبدو قضية الإجهاض بالنسبة لكثيرين قضية معقدة ومتشابكة، ففي حين أن نصف الأميركيين غير مرتاحين للإجهاض بشكل عام، لكنهم يعتقدون أن هناك ظروفاً ليست قليلة، يجب أن يكون الإجهاض فيها قانونياً، حيث يعتقدون أن النساء يجب أن يرجع لهن قرار التصرف في أجسادهن، ويرون في ذات الوقت، أن الإجهاض يشبه قرار الموت ضد الجنين، وهنا يكمن الصراع في تقرير متى يستحق كل مبدأ أن يأخذ الأولوية.
وتظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن حوالى ثلثي الأميركيين يؤيدون قرار المحكمة الصادر عام 1973 في القضية المعروفة باسم "رو ضد وايد" ويعارضون نقضه، ومع ذلك، مثلما يقول العديد من الأميركيين فإنهم يؤيدون حظر الإجهاض في الثلث الثاني من الحمل، وهي خطوة منعها حكم حظر الإجهاض، بينما يؤيد 55 في المئة الإجهاض القانوني في معظم الحالات أو كلها، بينما ينقسم الناس بالتساوي تقريباً حول ما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم "مؤيدين للحق في الاختيار" أو "مؤيدين للحياة".
وما يشير إلى التعقيد أن مؤيدي الإجهاض في معظم الحالات، يقبلون فرض حظر على عمليات الإجهاض بعد الأشهر الثلاثة الأولى، على الرغم من تضاربها مع حكم قضية "رو ضد وايد"، ولكن لأنها تؤثر فقط على حوالى 8 في المئة من عمليات الإجهاض، وعلى العكس من ذلك، فإن معارضي الإجهاض في معظم الحالات، يؤيدون السماح بالإجهاض في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى أو ربما حتى من دون شروط في الأشهر الثلاثة الأولى.

من هما رو ووايد؟

في عام 1970، كانت امرأة في تكساس تدعى نورما مكورفي حاملاً في شهرها الخامس بطفلها الثالث وأرادت الإجهاض، ومثلها محاميان من دالاس، هما سارة ويدينغتون وليندا كوفي، في تحدي الحظر الذي كانت تفرضه الولاية للإجهاض إلا في حالات إنقاذ حياة الأم، واختارت المحامية كوفي اسماً مستعاراً هو "جين رو" عندما تم رفع قضية موكلتها، فيما يشير مصطلح "وايد" إلى المدعى عليه، وهو هنري وايد، الذي كان المدعي العام في مقاطعة دالاس بولاية تكساس في ذلك الوقت.
ومنذ الحكم الصادر في هذه القضية عن المحكمة العليا الفيدرالية الأميركية، أصبحت قضية "رو ضد وايد" مركزية في الصراع الدائر منذ عشرات السنين، وإذا ألغت المحكمة العليا حكم "رو ضد وايد"، فلن تحظر الإجهاض، لكن ستكون كل ولاية قادرة على تحديد مدى شرعية الإجهاض بشكل فردي. وعلى سبيل المثال، أشارت 13 ولاية في جميع أنحاء البلاد إلى استعدادها لحظر الإجهاض من خلال تمرير قوانين جاهزة، من شأنها أن تحظر فعلياً عمليات الإجهاض فور صدور قرار من المحكمة العليا بإلغاء قضية رو ضد وايد، وهي ولايات: أركنسو، وأيداهو، وكنتاكي، ولويزيانا، وميسيسبي، وميسوري، ونورث داكوتا، وساوث داكوتا، وأوكلاهوما، وتينيسي، وتكساس، ويوتاه، ووايومنغ.
في المقابل، فإن 15 ولاية هي: كاليفورنيا، وكونيكتيكت، وديلاوير، وهاواي، وإلينوي، ومين، وميريلاند، وماساتشوستس، ونيفادا، ونيو جيرسي، ونيويورك، وأوريغون، ورود أيلاند، وفيرمونت وواشنطن، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا (التي تضم واشنطن العاصمة)، لديها قوانين تحمي الحق في الإجهاض، وفقاً لمعهد غاتماتشر، وهو مجموعة أبحاث للصحة الإنجابية تدعم حقوق الإجهاض.
ومن المرجح أن تشكل القضية ساحة اختلافات وصراعات في الأشهر المقبلة، ليس فقط داخل كل ولاية، بل أيضاً على المستوى التشريعي في الكونغرس الأميركي، وستزيد من سخونة الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في موسم الانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي.

تأثير مباشر

ومنذ أن نشر موقع "بوليتيكو" الاثنين الماضي، تسريب مسودة رأي قضاة المحكمة العليا الذي يشير إلى عزم الأغلبية إلغاء حكم "رو ضد وايد"، اندلعت عاصفة من الجدل على كل المستويات السياسية الأميركية، حيث عبر الديمقراطيون عن اعتراضهم الشديد تجاه هذا التوجه، بينما عبر كثر من الجمهوريين، وبخاصة من ينتمون إلى الولايات الجنوبية عن سعادتهم وشعورهم بالانتصار في معركة استغرقت نصف قرن، لكن أكثر ما يثير تساؤل الجميع، هو كيف سيؤثر توجه المحكمة العليا على مجرى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي المقررة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتوقع الديمقراطيون أن القرار المحتمل، الذي يؤيده خمسة قضاة محافظين من إجمالي تسعة قضاة لإلغاء الحكم المتعلق بحقوق الإجهاض، سينشط قاعدتهم الانتخابية ويزيد نسبة الإقبال على التصويت، في حين قال بعض قادة الحزب الجمهوري، إنه سيؤدي إلى "موجة حمراء" من الناخبين المحافظين الذين سيتدفقون للتصويت، في حين يشكك جمهوريون آخرون، ومنهم الرئيس السابق دونالد ترمب في أن يكون للقرار تأثير كبير.

تحفيز للديمقراطيين

ولجأت غالبية القيادات الديمقراطية من حكام الولايات وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب إلى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الليبرالية الرئيسة للإدلاء بردود أفعال غاضبة ومتباينة، ففي حين اعتبرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن أصوات القضاة المعينين من قبل الجمهوريين لإلغاء حق الإجهاض في القضية المعروفة باسم "رو ضد وايد" هي من أسوأ القرارات وأكثرها ضرراً في التاريخ الحديث، وصف النائب الديمقراطي شون باتريك مالوني، نتيجة القرار بأنه سيشكل النقطة المركزية في انتخابات 2022.
كما أوضحت كريستي روبرتس، المديرة التنفيذية للحملة الانتخابية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، أن رأي قضاة الحكمة العليا زاد بشكل كبير من مخاطر انتخابات 2022 ودعت إلى توسيع الأغلبية الديمقراطية في المجلس حتى يكون بوسعهم تأكيد أو رفض تعيين قضاة المحكمة العليا في المستقبل.
أما الرئيس بايدن فاعتبر أن حق المرأة في الاختيار أمر أساسي وأن العدالة تتطلب عدم إبطال حق الإجهاض، مشيراً إلى أن أي قرار نهائي محتمل بشأن القضية من قبل المحكمة العليا يجب أن يدفع الناخبين إلى "اختيار مسؤولين مؤيدين لحق الاختيار خلال انتخابات التجديد النصفي".
ومع ذلك، يقر العديد من الديمقراطيين بأن تركيز الحملة الانتخابية على هذه القضية من المحتمل أن يجبرهم على تحدي الحزب الجمهوري في قضية تحفز قاعدته الانتخابية، وهو أمر كافحوا لتجنبه.

تسونامي جمهوري

في المقابل، ترى بعض القيادات الجمهورية مثل السيناتور تيد كروز، أن التسريب "سيؤدي إلى تسونامي كامل من انتصارات الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية المقبلة"، مؤكداً أن "الجمهوريين، سيفوزون بمجلس النواب ومجلس الشيوخ بأغلبية تاريخية، وهو ما يتوافق عليه السيناتور الجمهوري توم كوتون الذي ينظر أيضاً إلى قرار المحكمة العليا المرتقب على أنه نقطة تجمع للناخبين المحافظين المؤيدين للحياة، على الرغم من أن الرئيس السابق دونالد ترمب قال لشبكة "فوكس نيوز ديجيتال"، إنه لا يعتقد أن قرار المحكمة النهائي سيكون له تأثير هائل على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

ومع ذلك، فإن بعض المشرعين بدوا أقل اقتناعاً بأن مشروع قرار المحكمة العليا مفيد للجمهوريين المتجهين إلى الانتخابات النصفية، ويرون أنه فرصة للديمقراطيين لحشد قاعدتهم الخاصة، حيث تعتقد السيناتورة الجمهورية مارشا بلاكبيرن، أن "رد فعل الديمقراطيين المتهور لتسييس قضية المسودة المسربة قبل الانتخابات النصفية هو محاولة لتنشيط قاعدتهم الانتخابية عبر إثارة مخاوفهم، على الرغم من أن القرار المرتقب للمحكمة العليا لا يحظر الإجهاض وإنما يتركه للمشرعين في كل ولاية أميركية"، مشيرة إلى أن "الديمقراطيين يستخدمون مشجعيهم في وسائل الإعلام، لفرض تغيير في السياسة من دون المرور بالقنوات المناسبة".

هل سيرد الديمقراطيون؟

ومع احتدام الجدل بين أعضاء الحزب الديمقراطي بشأن النهاية الوشيكة للحق في الإجهاض، تعهد السيناتور تشاك شومر من نيويورك بتقديم تشريع للتصويت من شأنه تقنين حق المرأة في إنهاء حملها، لكن يبدو أن زعيم الأغلبية، وزملاءه الديمقراطيين في واشنطن يجدون أنفسهم عاجزين عن وقف نهاية "رو ضد وايد"، حينما تنتقل المعركة حول حقوق الإجهاض من واشنطن إلى الولايات، وبعدما أصبح الطريق مسدوداً أمام الدفع بقانون في الكونغرس يعيد تفعيل الإجهاض كقانون فيدرالي.
ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، صوت مجلس النواب بأغلبية 218 مقابل 211 صوتاً لتقنين الحق في الإجهاض على المستوى الفيدرالي بعدما صدر قانون في ولاية تكساس جعل كل عمليات الإجهاض تقريباً غير قانونية، لكن في مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي، لا يملك الديمقراطيون 60 صوتاً ضرورياً لطرح مشروع قانون مجلس النواب للنظر فيه ولا يمتلكون حتى 50 صوتاً يحتاجون إليها لتغيير قواعد التعطيل (فيليبستر) حتى يتم السماح بتمرير القانون بأغلبية بسيطة، حيث صوت السيناتور الديمقراطي جو مانشين الذي يعارض الإجهاض مع الجمهوريين في تصويت مبدئي من قبل.
وفي حين يؤيد عضوان جمهوريان في مجلس الشيوخ، هما سوزان كولينز من ولاية ماين وليزا موركوفسكي من ألاسكا، حقوق الإجهاض، إلا أنهما ليستا على استعداد للانفصال عن الجمهوريين والتصويت إلى جانب الديمقراطيين من أجل تمرير القانون بأغلبية بسيطة، الأمر الذي يترك الديمقراطيين بلا طريق لطرح مشروع قانون فيدرالي يحمي حقوق الإجهاض.
وتنطبق ذات القاعدة على إمكانية المضي قدماً بمقترحات لتوسيع عدد أعضاء المحكمة العليا عبر إضافة قضاة جدد، من المفترض أن يكونوا ليبراليين، حيث لا تتوافر لديهم الأصوات اللازمة في مجلس الشيوخ.

القتال حول قيود الإجهاض

ومع ذلك، يمكن أن تنتقل المعركة إلى الولايات خصوصاً عندما تشكل المعركة حول قيود الإجهاض الجديدة أخطاراً سياسية بالنسبة للمحافظين، في سبع ولايات يسيطر عليها الجمهوريون وينظر إليها على أنها ستفرض قيوداً جديدة، على الرغم من أن غالبية الناخبين فيها يميلون إلى دعم الإجهاض القانوني. ففي ولاية تكساس، التي طبقت أكثر قيود الإجهاض صرامة حتى الآن، ينقسم السكان حول الإجهاض بشكل عام، وحول إقرار القانون، الذي يحظر الإجهاض بعد حوالى ستة أسابيع من الحمل.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، قد يلعب المدافعون عن حقوق الإجهاض في ولايات الغرب الأوسط الأكثر تنافسية تقليدياً دوراً أكثر ملاءمة، حيث تقول أغلبية متواضعة من الناخبين، إن الإجهاض يجب أن يكون قانونياً في الغالب، مثل ولايات أوهايو وميشيغان وأيوا، حيث يمثل المسيحيون الإنجيليون نسبة أقل بكثير من الناخبين مقارنة في ولايات الجنوب، كما تتماثل نسبة الانقسام حول الإجهاض في ولايات أخرى، مثل أريزونا وفلوريدا.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت قضية الإجهاض ستكون كافية لإعادة رسم الخريطة السياسية، إلا أن المخاطر ليست صغيرة بالنسبة للجمهوريين في هذه المنطقة، خصوصاً بعدما مال الناخبون من الطبقة العاملة ذات الغالبية البيضاء إلى دعم حقوق الإجهاض.

المزيد من تقارير