Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصندوق السعودي - الفرنسي للبنان: الاحتياط لأيام أكثر سواداً

سيستحيل على لبنان الخروج من أزمته في ظل استمرار تحكم رموز الطبقة الحاكمة

جرى الاتفاق بين الرياض وباريس على آليات عمل الصندوق خلال اجتماعات ثنائية في باريس الشهر الماضي (أ ف ب)

ترك حفل التوقيع على مذكرة التفاهم الإطارية لعمل "الصندوق السعودي الفرنسي لدعم الشعب اللبناني" ارتياحاً في لبنان، على الرغم من الأجواء الحزينة والمضطربة، التي تلف البلد جراء فاجعة غرق عدد من أبناء مدينة طرابلس في انقلاب زورق أثناء محاولتهم الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ليل الـ 23 - 24 من أبريل (نيسان)، وما زالت قوى الجيش وفرق إنقاذ أجنبية تعمل على انتشال جثث المفقودين منهم في عرض البحر.

وانعكس الارتياح إزاء توقيع مذكرة التفاهم في الـ 26 من أبريل بين "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" مع وزارة الخارجية الفرنسية والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) نقدياً على سوق القطع، الذي شهد انخفاضاً طفيفاً في سعر صرف الدولار الأميركي بعد قفزة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

فتوقيع المذكرة يطلق رزمة من المساعدات من أجل تنفيذ 35 مشروعاً في المرحلة الأولى، تعين اللبنانيين على مواجهة الظروف المعيشية السيئة التي يمرون بها، بقيمة 72 مليون يورو توزعت مناصفة بين السعودية وفرنسا.

ويرى مراقبون أن إنفاق هذا المبلغ قد يتبعه إنفاق مبالغ أخرى مع إمكان توسيع رأسمال الصندوق بانضمام دول أخرى إليه، أو قيامها بتمويل مباشر لمشاريع مشابهة، ومنها الكويت والإمارات وقطر.

تكريس الشراكة الفرنسية - السعودية

إلا أن انعكاسات الحدث السياسية في اتجاهات عدة كانت الأهم، فهو يكرس الشراكة السعودية - الفرنسية في التعامل مع الأزمة اللبنانية، لأن إنشاء الصندوق اتفق عليه الجانبان خلال الاجتماع الشهير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعدي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بجدة في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الذي انتهى ببيان مشترك حول لبنان بعد تأزم العلاقات بين دول الخليج والسلطات اللبنانية بفعل هيمنة "حزب الله" على القرار اللبناني وتصريحات قادته المعادية للسعودية، فضلاً عن تكاثر عمليات تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج.

جرى الاتفاق بين الرياض وباريس على آليات عمل الصندوق خلال اجتماعات ثنائية في باريس الشهر الماضي، حرص فيها الجانبان على حصر عمل الصندوق ضمن النواحي الإنسانية وتنفيذ المشاريع التي سيتم تمويلها من دون المرور بالحكومة أو بالمستوى السياسي، بل عبر جمعيات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية، مما يعكس عدم الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة والخشية من أن يستغل السياسيون المساعدات التي ستقدم، أو من هدرها كما كان يحصل في السابق، بحسب تفسير المراقبين للنهج الذي ينتظر أن يتبع في توزيعها.

رسالة إلى السلطة

بين سطور الكلمات التي ألقيت خلال المناسبة ما يؤشر إلى اتفاق على توجيه المساعدات مباشرة إلى الشعب، ولذلك لم تتم دعوة أي من المسؤولين الحكوميين إلى حفل التوقيع الذي حضره ممثلو هيئات اقتصادية ومنظمات أهلية، وهذا ما دفع السفير السعودي في بيروت وليد بخاري إلى القول خلال حفل التوقيع، إن "هذه الشراكة مع فرنسا تهدف إلى دعم العمل الإنساني والإغاثي في لبنان بأعلى معيار من الشفافية، إذ يهدف التمويل إلى دعم قطاعات رئيسة وهي الأمن الغذائي والصحة والتعليم والطاقة والمياه والأمن الداخلي".

 وأضاف بخاري، "نؤدي واجباتنا تجاه لبنان من دون تمييز بين طائفة وأخرى، إذ كرست السعودية جهوداً مميزة مفعمة بالعطاء والروح الإنسانية التي تقدر قيمة الإنسان".

وأشار إلى أن "السعودية نفذت كثيراً من المشاريع الإنسانية في لبنان، وهذا الدعم يأتي استمراراً وتواصلاً للدعم خلال العقود الماضية، إذ حرصت مع شركائها على دعم كل ما يخفف المعاناة الإنسانية عن المحتاجين". وكان بخاري قال قبل ذلك إن المساعدات ستبدأ من مدينة طرابلس.

أما ممثلة وزارة الخارجية الفرنسية السفيرة آن غريو فأكدت الشراكة مع المملكة "من أجل تقديم مساعدة مباشرة وملموسة إلى الشعب اللبناني في المجالات المالية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والصحية والغذائية والانسانية"، مشيرة إلى "أزمة قاسية يعانيها اللبنانيون في حياتهم اليومية". وأوضحت أن هذه المساعدة ستكون واضحة وسريعة، وأخذ القرار بها الرئيس ماكرون والملك سلمان وتحمل عناوين التضامن والثقة بين فرنسا والسعودية وتعبر عن عمق الروابط بين هذين البلدين ولبنان".

مساعدات لن تنقذ الاقتصاد

السفيرة الفرنسية أضافت أن "هذه الشراكة مع السعودية ستقدم المساعدة المباشرة وبشكل محدد وبحسب الأولوية للقطاعات الأساس والحاجات الطارئة، بالتنسيق مع الهيئات الأممية والاتحاد الأوروبي، مستفيدين من جمعيات المجتمع المدني الفرنسية وغيرها التي تعمل ميدانياً. وتحدثت عن مساعدة فعالة للشعب وعن أربعة مشاريع، وهي دعم المراكز الصحية الأولية والأمن الغذائي ودعم الطفولة على صعيد الصحة والتغذية ودعم مستشفى طرابلس الحكومي".

ودعت غريو السلطات اللبنانية إلى "تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات المطلوبة من أجل مصلحة الشعب اللبناني"، وهذا تذكير بوجوب تنفيذ السلطة السياسية الإصلاحات المطلوبة كشرط للمساعدات الهادفة إلى إنقاذ الاقتصاد المتهاوي، وهي التي طلبها صندوق النقد الدولي قبل أن يرفع نص الاتفاق الذي توصل إليه مع الحكومة إلى المجلس التنفيذي لإدارته.

باختصار حرص الجانبان على التأكيد أن المشاريع التي سينفذها الصندوق منفصلة تماماً عن التدفقات المالية من الدول والجهات المانحة لإعادة تحريك الاقتصاد، ولضخ أموال تسهم في انتظام الدورة الاقتصادية التي ضربتها ممارسات السلطة السياسية وسياسة الهدر التي اعتمدت خلال العقود السابقة نتيجة الأزمات السياسية المتعاقبة والصراع على النفوذ الذي أدى إلى خلل في المؤسسات الدستورية جراء تعطيل وظيفتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أيام أكثر صعوبة

وفي السياق ذاته، ترى بعض الأوساط السياسية في الإعلان عن انطلاق الصندوق خطوة احترازية من قبل الرياض وباريس تهدف إلى استباق مزيد من تدهور الأوضاع المعيشية للبنانيين، وللتخفيف عنهم نتيجة احتمال تأخير عملية الاستجابة من قبل السلطة السياسية للخطوات المطلوبة من قبل صندوق النقد والمجتمع الدولي والعربي الذي يغلب عليه اليأس من إقدام الطبقة الحاكمة على تغيير نهج إدارة الأزمة، وبالتالي الحلول المطلوبة.

فما يدور في أوساط بعض عواصم القرار الدولي والإقليمي المهتمة بلبنان أنه سيتعذر إنفاذ الخطوات الأربعة الأولية التي اشترطها صندوق النقد قبل عرض الاتفاق الأولي الذي توصل إليه مع لبنان في السابع من أبريل من أجل تخصيص ثلاثة مليارات دولار للبنان، وهي إقرار قانون الـ "كابيتول كونترول" لتنظيم السحوبات من المصارف، وإقرار موازنة 2022، وإقرار تعديل قانون السرية المصرفية وقانون إعادة هيكلة المصارف، قبل الانتخابات النيابية في الـ 15 من مايو (أيار) المقبل، إذ لم يبق سوى 18 يوماً للاستحقاق الانتخابي لتصبح الحكومة بحكم المستقيلة في اليوم التالي لتاريخ انتهاء ولاية البرلمان الحالي في الـ 21 من مايو.

ومن المتوقع أن تطول عملية تأليف الحكومة الجديدة إذا عاد البلد إلى نهج تعطيل قيامها لأشهر، ربطاً بالصراع على معركة رئاسة الجمهورية حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) حين تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون، فإما تجري تسوية على الرئيس الجديد أو يحل الفراغ في الرئاسة لفترة من الزمن كما حصل مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، واستمر الفراغ سنتين وخمسة أشهر إلى أن انتخب عون بناء على ضغوط من "حزب الله" لأجل تولي حليفه المنصب، وهي المرحلة التي عجلت بالانهيار الاقتصادي المالي لاحقاً، فما الذي يمنع تكرار هذا السيناريو مجدداً بحيث يحول الفراغ من دون أي إصلاحات، وبالتالي من دون أي مساعدة مالية كبيرة لنهوض الاقتصاد والبدء في معالجة تدهور الأوضاع الحياتية اليومية للبنانيين؟ وإذا صح هذا السيناريو فإن الوضع المعيشي والاجتماعي في البلد سيسوء أكثر مما هو عليه وستتضاعف الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

وحصر وظيفة الصندوق السعودي - الفرنسي للمساعدات بالجانب الإنساني يرمي إلى مساعدة اللبنانيين غير القادرين على تحمل الوضع الكارثي الذي سينزلق إليه لبنان مع ما يرافق ذلك من تداعيات أمنية سلبية تكون أرضاً خصبة للفوضى والتطرف واستفادة أجهزة استخبارات ودول في مقدمها إيران عبر "حزب الله" من أجل ترسيخ دورها في البلد.

ويختصر أصحاب هذه القراءة للصندوق السعودي - الفرنسي بالقول إن الدولتين تستبقان أياماً أكثر سواداً تتطلب تكثيف المساعدات الإنسانية في المجالات التي ذكرها السفيران بخاري وغريو في انتظار حصول التغيير في ميزان القوى بالبرلمان الجديد والرئاسة، فإن أقصى الطموح هو أن تجهد الدول المعنية لتأمين الحد الأدنى من أسباب الصمود للبنانيين.

تمهيد لمساعدات اقتصادية مع رقابة؟

إلا أن هناك تفسيراً أقل تشاؤماً لإعلان الصندوق في هذا الظرف، إضافة إلى أنه يؤمن الحضور العربي الغربي الفاعل في مواجهة تزايد نفوذ "حزب الله" وميل بعض التوقعات إلى ترجيح فوزه بالأكثرية في البرلمان الجديد، وهو أنه سيستحيل على لبنان الخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة في ظل استمرار تحكم رموز الطبقة الحاكمة التي ترجح عودتها نتيجة الانتخابات، وأن المجتمع الدولي لن يقدم المساعدة المالية التي يحتاجها البلد ليس فقط لهذا السبب، ولكن لسبب آخر جوهري أيضاً يتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية التي يمولها الغرب الذي سيتحمل الكلفة الهائلة لإعادة الإعمار في أوكرانيا، مما يحتم الاتكال على دول الخليج النفطية لمساعدة لبنان في الخروج من الحفرة التي وقع فيها.

وسبق لمصدر دبلوماسي فرنسي أن أبلغ "اندبندنت عربية" في الـ 14 من أبريل، أن "لا نهوض اقتصادياً للبنان من دون دول الخليج" وفي مقدمها السعودية.

وفي رأي أصحاب هذا التفسير أن الصندوق السعودي - الفرنسي للمساعدات الإنسانية تمهيد لتوسيع دائرة اختصاصه من النواحي الإنسانية مع إرساء قواعد الشفافية في عمله إلى النواحي الاقتصادية لاحقاً بعد انتخاب رئيس جديد، فتكون هذه القواعد نوعاً من الرقابة الخارجية على صرف أموال من المحتمل تقديمها من أجل إنقاذ الاقتصاد حتى لا يتم هدر المساعدات من السلطات اللبنانية، لكن الانتقال إلى هذا المستوى من المساعدات يتطلب تغييراً في السلطة والإتيان برئيس للجمهورية يكون محايداً.

في كل الأحوال فإن الارتياح السياسي اللبناني للإعلان عن الصندوق ظهر في مواقف بعض الفرقاء، إذ اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أنه دليل آخر على الخطوة المباركة التي حصلت بعودة سفراء السعودية والكويت وقطر واليمن للبنان.

ورأى السنيورة أن "أهمية الاتفاق تكمن في رمزيته بأن هناك تعاوناً من قبل السعودية وفرنسا من أجل تقديم العون للمؤسسات اللبنانية على اختلافها، مما ينعكس إيجابا على الأوضاع المعيشية والاجتماعية في كل المناطق اللبنانية، وهذا الاتفاق بمثابة السنونو الأول الذي يأتي إلى لبنان وستعقبه سنونوات في المستقبل".

المزيد من تحلیل