Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتدادات "فاجعة" طرابلس وحوادث أمنية تعيد هاجس تأجيل الانتخابات اللبنانية

قوى التغيير وحّدت لوائحها في 6 دوائر من أصل 15 دائرة رغم الخلافات وتأمل اختراق الخصوم فيها

فرق الجيش اللبناني تقوم بعملية بحث عن غارقين في حادثة قارب الهجرة قبالة طرابلس شمال لبنان (أ ف ب)

عادت مخاوف الذين ما زالوا يرصدون إمكان حصول "حادثة ما" تؤدي إلى تأجيل الانتخابات النيابية في لبنان إلى الواجهة، جراء حوادث أمنية متفرقة، حصل ثلاث منها بشكل مفاجئ خلال يومي 23 و24 أبريل (نيسان) الحالي، بحيث يمكن أن تكون مبرراً لإمكان تطيير هذه الانتخابات بسبب انعكاسها على عمليات الاقتراع.

ومع التأكيدات أن هذه الحوادث لم ولن تؤثر على يوم الانتخابات في 15 مايو (أيار) المقبل، فإن الوقائع الأمنية التي وقعت، ويرى المتخوفون إمكانية إطاحتها الانتخابات يمكن تعدادها كالآتي:

تداعيات غرق زورق في طرابلس 

الأول: وجود أكثر من 30 مفقوداً، ووفاة أكثر من 6 مواطنين لبنانيين غرقاً بانقلاب مركب كان يُقلّ العشرات في إطار الهجرة غير الشرعية قبالة شواطئ مدينة طرابلس، ما تسبب بنقمة عارمة في أوساط الطرابلسيين، ولا سيما أحياء المدينة الفقيرة، التي منها انطلق المهاجرون اليائسون من القدرة على تأمين أبسط مقومات العيش لعائلاتهم في ظل الأزمة الاقتصادية الكارثية التي يغرق فيها لبنان منذ سنوات. ولم يكن للحادثة المأساوية أن تكون لها انعكاسات سياسية لولا انتشار تسريبات في أوساط الأحياء المتواضعة في طرابلس، بناءً على إفادات بعض الناجين الذين قال بعضهم إن زورقاً بحرياً للجيش اللبناني اصطدم بزورق المهاجرين أثناء محاولته ثني سائقه عن مواصلة إبحاره نحو شواطئ قبرص أو اليونان، ما تسبب بتسرب المياه إليه، فغرق عدد منهم بينهم أطفال ونساء. وفيما أوضح بيان الجيش أن سائق زورق المهاجرين هو الذي اصطدم بالمركب العسكري الذي طلب من المهرِّبين العودة إلى الشاطئ، بسبب ارتفاع الأمواج ليلاً، فإن إفادات بعض الناجين من الحادث التي أشارت إلى أن المركب العسكري اصطدم عن قصد بالزورق انتشرت على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي. 

سبب ذلك موجة غضب في الشارع الطرابلسي أدت إلى تظاهرات ضد الجيش وتخطي بعض المتظاهرين الغاضبين بعض حواجزه، الأمر الذي أدى إلى قلقٍ من مواجهات بين هؤلاء وبين الجيش، خصوصاً أنه جرى إطلاق نار كثيف في الهواء في بعض أحياء المدينة، لكن الهدوء عاد في اليوم التالي إلى طربلس، باستثناء طلقات نارية أثناء تشييع بعض الضحايا. وتجمهر محتجون أمام منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بيروت، ورشقوا الحراس بالحجارة. وشهد يوم 25 أبريل فوضى في وسط بيروت ليلاً، حيث جال ناشطون على مطاعم ومقاهٍ، وأجبروا روادها على الانصراف بحجة أنهم يتمتعون بالطعام والشراب فيما طرابلس مكلومة، إلا أن بعض الناشطين في مجموعات الثوار رفضوا استغلال مأساة طرابلس بهذا الشكل.

تساؤلات كثيرة طُرحت في أوساط المتخاصمين والمتنافسين انتخابياً، حول ما إذا كانت هناك نية لافتعال صدامات في طرابلس بين بعض المجموعات والجيش الذي أعلن فتح تحقيق في الحادثة، في ظل مطالبات سياسية وشعبية لتحديد المسؤوليات بعد أن ألقي القبض على شخص مسؤول عن تهريب المهاجرين. وقد يكون الهدف من الصدامات إعادة المدينة إلى الفوضى الأمنية التي قد تُطيح الانتخابات. الإشاعات شملت اتهام ضباط من "لون معين" بأنهم وراء الحادثة بهدف تأليب الطرابلسيين ضدهم، أو طائفياً. 

وأخذ الطابع السياسي للحملة على الجيش منحى آخر أيضاً، يتناول قائده العماد جوزيف عون، المتعارف عليه أنه مرشح بعض الأوساط المعارِضة للتركيبة الحالية، ومن قبل دول غربية لرئاسة الجمهورية بمواجهة المرشحين السياسيين... فاعتبر مراقبون أن هناك من يستغل غضب الشارع من غرق المهاجرين لاستهداف العماد عون.

صاروخ من الجنوب... واشتباك في العاصمة

الثاني: إطلاق صاروخ من الجنوب على إسرائيل بُعيد منتصف ليل 24-25 أبريل، سقط في منطقة خالية في شمال إسرائيل. وهذا النوع من الحوادث يكون عادةً مجهول الهوية، لكن كما المرات السابقة ردت إسرائيل بقصف المناطق الجنوبية اللبنانية بأكثر من 50 قذيفة، وعشرات القنابل المضيئة. والحادثة جاءت في سياق ما يجري في غزة من توتر مع الجانب الإسرائيلي، وفي القدس من اقتحامات للمستوطنين للحرم القدسي. والمتخوفون من "حادث ما" يؤجل الانتخابات نبهوا إلى إمكان تسخين جبهة الجنوب في ظل خطر الانزلاق إلى مواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل تجعل إجراء الانتخابات صعباً، كانوا ينبهون من هذا السيناريو.

الثالث: حصول اشتباكات مسلحة في أحد أحياء بيروت المكتظة بين عائلتين نتيجة خلافات على توزيع اشتراكات الكهرباء من المولدات الخاصة، أدى إلى ترويع أهالي العاصمة، بعد أن اقتصرت الحصيلة على جريح. وتدخلت قوة من الجيش لفضّ الاشتباك.

لا يخطئ حدس المواطنين العاديين في الشارع، وأينما ذهب المرء، بطرحهم السؤال إزاء هذه الحوادث: هل يريدون تأجيل الانتخابات بذريعة الأمن؟ المُوالون لـ"حزب الله" وحلفائه، والمُوالون للفريق السيادي الذي يرفع شعارات نزع سلاح "حزب الله" يضمرون اتهام الفريق الآخر بنية التأجيل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمتحمسون للوائح المعارضة للطبقة السياسية برمتها، على الرغم من انقساماتهم يوجهون الاتهام إلى الأحزاب التقليدية بأن نيتها التمديد للبرلمان الحالي إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

وقبل الحوادث الثلاث المذكورة أعلاه، تسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي الجنوني الأسبوع الماضي بتكهنات عن أن قفزاته ستؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وتحركات احتجاجية في الشارع تسبب انفلاتاً أمنياً يعوق إجراء الانتخابات.

قوى التغيير وفرصها لاختراق "لوائح السلطة" 

جزء من الرأي العام يعتبر أن القوى التقليدية خائفة من لوائح التغييريين و"الثوار"، المنتشرة في كافة الدوائر الانتخابية الـ15. وعلى الرغم من أن الدائرة الواحدة تشهد أحياناً أكثر من لائحتين متنافستين من "الثوار"، إضافة إلى لوائح القوى التقليدية المتنافسة، بحيث بلغ عددها الإجمالي في بعض الدوائر 9 و10 لوائح، كما في بيروت الثانية وطرابلس، فإن قيادات في مجموعات الثورة تتوقع خروقات في عدد أكبر من الدوائر.

ومع أن المراقب المحايد يلاحظ أن عدد الدوائر التي تمكن "الثوار" من الاتفاق على لائحة أساسية فيها، تمثل انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، لا يتعدى 5 أو 6 دوائر من أصل 15، فيها فرصة لإحداث خروقات للوائح "السلطة" (يقصدون بها حلفاء الحزب والسياديين من الأحزاب التقليدية)، فإن قادة مجموعات "الثوار" يذهبون إلى أبعد من ذلك ولا يستبعدون إمكان حصول الخروقات في 10 دوائر، وهو ما يراه رموز القوى التقليدية، ولا سيما المتحالفة مع "حزب الله" مُبالغة. 

ضغوط الحزب وتشجيعه على تعدد اللوائح

وفي المقابل، فإن الحزب لم يستطع ممارسة ضغوط على المرشحين الشيعة المنضوين في لوائح معارضة له إلا في الدوائر، حيث يتحالف مرشحون شيعة مع حزب "القوات اللبنانية"، فأجبر اثنين من المرشحين الشيعة على الانسحاب من اللائحة المنافسة له في دائرة بعلبك الهرمل (البقاع الثالثة)، والتي تضم مرشح "القوات"، إضافة إلى 6 مرشحين للمقاعد الستة المخصصة للطائفة. ومع أن هذه الدائرة هي أكثر الدوائر التي يتمتع فيها الحزب بقوة انتخابية حاسمة، فإنه يسعى إلى خفض قدرة مرشح "القوات" (النائب الحالي أنطوان حبشي) على حيازة أصوات شيعية من مرشحين شيعة متحالفين معه للحيلولة دون اختراق لائحته، التي جرى اختراقها في دورة 2018 بمقعدين من أصل عشرة، لكن الحزب سعى إلى تشجيع قيام لوائح تحت لافتة التغيير والثورة من أجل تشتيت الأصوات المعارضة له ولحرمان اللائحة التي تضم حبشي من القدرة على جمع الحاصل الانتخابي الذي من دونه لا تُحتسب اللائحة ضمن المنافسة. والحاصل يُستخرج من قسمة عدد المقترعين على عدد اللوائح.

لوائح أساسية رغم خسارة زخم الموجة 

يقول بعض قادة الائتلافات التغييرية، أنه على الرغم من "الأخطاء التي ارتكبت في توحيد موقفها ولوائحها في الانتخابات النيابية ما سبب الأذية لقوى الثورة وقدراتها في محطة 15 مايو"، والخيبة من ذلك لدى قطاعات واسعة من المواطنين، فإن الجهد الذي بُذِل من أجل استدراك الخلافات بين مجموعات الثوار، مكّنهم من تأليف لوائح أساسية في عدد من الدوائر، طالما تعذر قيام لائحة واحدة في كل من الدوائر الـ15 في لبنان تستقطب القوة الانتخابية للتغييريين المنتفضين على الطبقة الحاكمة، على الرغم من خسارة زخم الموجة التغييرية بسبب تعدد اللوائح التي تضم رموزاً من الثوار، في معظم الدوائر. 

ويشير زياد عبد الصمد عضو قيادة أحد الائتلافات المهمة باسم "جبهة المعارضة اللبنانية" التي تضم حزب "الكتائب" برئاسة النائب المستقيل سامي الجميل، إلى أن الأيام الـ20 الفاصلة عن يوم الاقتراع تتيح القيام بحملة تعبوية ودعائية مدروسة لمصلحة اللوائح الأساسية هذه.

وفي تقدير بعض القيادات في ائتلافات الثوار في إطار بعض اللوائح، أن بالإمكان اختراق لوائح القوى التقليدية بزهاء 7 إلى 10 مقاعد، يضاف إليها اختراق بعض النواب المستقيلين من البرلمان منذ عام 2019 مثل نعمة فرام وميشال معوض وشامل روكز، مع حلفائهم.

أما المناطق التي تمكن "الثوار" من تشكيل لوائح فيها الحد الأدنى من وحدة القوى التغييرية، ولديها حظوظ في تحقيق اختراقات فهي:

1- "لوطني" في بيروت الأولى التي تتقدمها النائبة يعقوبيان، على الرغم من أن إحدى اللوائح المنافسة تضم رموز بعض "الثوار"، لكنها غير مكتملة. وتضم 6 مقاعد تتنافس عليها 6 لوائح.

2- "بيروت التغيير" في دائرة بيروت الثانية التي تضم 11 مقعداً، تتنافس عليها 10 لوائح. وتردد أن "حزب الله" شجّع من وراء الستار على الإكثار من اللوائح فيها، خصوصاً أن أكثرية الناخبين فيها من السنة.

3- "شمالنا" في دائرة الشمال الثالثة، والتي تضم 4 أقضية مسيحية، يتنافس فيها عبر 7 لوائح على 10 مقاعد رموز المرشحين لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية وجبران باسيل وسمير جعجع، والمرشح بينهم للنيابة باسيل فقط. ويسعى كل منهم إلى خفض النواب الموالين لخصمه، فيما بذل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله إلى تعاون فرنجية وباسيل عبر لقاء مصالحة جمعهما بضيافته من أجل إسقاط مرشحي جعجع على الرغم من أنهما في لائحتين متنافستين.

4-  "سهلنا والجبل" في دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا)، حيث تتنافس 6 لوائح، بينها لائحة واحدة للثوار أيضاً، على 6 مقاعد. 

5- "معاً نحو التغيير" في دائرة الجنوب الثالثة (النبطية، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا). وهي الوحيدة التي تمكن التغييريون من توحيد مجموعاتهم فيها، حيث أكثرية الناخبين من الشيعة، لكن مع تنوع طائفي. وتتنافس فيها 3 لوائح على 11 مقعداً. ولهذه اللائحة حظوظ كبيرة في إحداث خرق، ما يُزعج "الثنائي الشيعي"، ويؤدي إلى تعرض بعض أعضائها للتهديدات.

6- "توحدنا للتغيير" في جبل لبنان الرابعة (الشوف وعاليه) التي تتنافس فيها 7 لوائح على 12 مقعداً. وهي لائحة التغيير الأساسية في ظل وجود لائحة أخرى غير مكتملة من التغييريين أيضاً.

ثمّة لوائح أخرى للثوار والتغييريين في دوائر أخرى، لكن حظوظها في تحقيق اختراقات أقل من الدوائر المذكورة. وقد تجرّأ الثوار على إعلان لائحة "معاً للتغيير" في قلب مدينة صور الجنوبية في دائرة الجنوب الثانية (قرى صيدا وصور) بعد منعهم من ذلك من قبل مناصرين لحركة "أمل"، بالاعتداء بالضرب وإطلاق النار في 16 أبريل، فإن تمكنهم من حشد مناصرين في قلب المدينة يفتح الباب على إمكان تجميع الأصوات، وكسب التعاطف، حتى ضمن الجمهور الشيعي. 

المزيد من تقارير